عَبَث

 عَبَث
        

-1-

أجعل أوقاتي نصفيْن:
أحاول أن أغنم نِصْفًا,
وأجازف بالثاني, فأُضيِّعُهُ.
لا أغنمُ إذّاك سوى النصْفِ الضائع!

-2-

بين سماءٍ تمضي
وسماءٍ تأتي
لاشيءَ سوى صيْفٍ ملهوفٍ
وسحاباتْ...

-3-

عاد الطيْرُ الأبيض,
كان أتى بالأمسِ,
وحامَ قريبًا
أبيضَ, أبيضَ, أبيض...
ها قد عاد اليومَ,
وها هو يقتربُ الآن, يحومُ قريبًا
أقربَ, أقربَ, أقرب...
من أين يجيءُ الطيرُ الأبيضْ?

-4-

رنّ الهاتفُ,
أطلق إنذارا في الشرفةِ,
حيث جلستُ وحيدًا
أحسبُ أني أنظر نحو نهاياتِ العالمِ,
خلف الأُفُق النائي متشحًا بغيومٍ مرهَقةٍ...
رنَّ الهاتفُ,
أيقظني,
ثم أتى صوتُ صديقي
أخبرني أنَّ العملية لابدَّ ستُجرى
يومًا أو يوميْن ... وتُجْرى
(عملية قلبٍ مفتوح)...
لكنَّ صديقي طمأنني
أكّد لي: (لا داعي للخوف,
فقد باتت هذي العمليةُ شائعةً...)
كيف أردُّ?
هو الآن يطمئنني من غرفته في المستشفى
وأنا أجلس مخطوفًا في الشرفة,
أحسبُ أني أنظر نحو نهايات العالمِ,
خلف الأُفقِ النائي متشحًا برمادٍ كالغيْمْ.

-5-

هل كنتُ أرى شيئًا بين غصون الأشجار,
هنا من موقعي العالي?
والسهلُ أمامي حينًا
والوديان وبعضُ تلالٍ أحيانًا
والأشجارُ هنا وهنالك تبزغُ,
مثل مصادفةٍ أو أكثر,
تجثم هادئةً
أو تتمايلُ منهكةً,
أو تجري ...
كان فضاءٌ مَجْلُوٌّ
يحتضن المشهد من أوله حتى آخرِهِ,
وأنا لا أدري: هل أُبصر شيئًا يدعوني?
هل كنتُ أرى شيئًا, مثلي أو مثل ظنوني,
يجثم أو يتمايل أو يجري?
هل كنتُ أرى شيئًا بين غصون الأشجار المذهولة,
أم كنتُ أنا, أترنَّحُ وحدي,
في موقعيَ العالي فوق المشهد,
فوق السهل وقد ماج قليلاً
فتراءى لي مثل ظنوني:
شجرًا فوق تلالٍ,
أو شجرًا في الودْيانْ

 

جودت فخرالدين   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات