عبدالله بشارة .. بين الملوك والشيوخ والسلاطين

عبدالله بشارة .. بين الملوك والشيوخ والسلاطين
        

يوميات الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية 1981ـ 1993

          بأسلوب رشيق, وبعبارات بليغة, وتصوير بديع, راح عبدالله بشارة (أول أمين عام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية, يتجول بالقارئ بقدرة فائقة على التشويق بين صفحات كتابه الموسوم بـ(اليوميات...), عن فترة مهمة ومحورية تمثل بداية مجلس التعاون 1981 حتى 1993, وهي فترة خصبة شهدت الأحداث الأكثر جسامة في تاريخه حتى الآن, وكادت تعصف به, لولا حكمة الرجال, وصلابتهم ونظرتهم البعيدة, أولئك الشيوخ والسلاطين والملوك, الذين يتحدث (بشارة) عن يومياته بينهم, وبالتالي فهي ليست سيرة ذاتية للمؤلف, وإنما جزء من سيرته التي تتعلق بعمله في غضون هذه الفترة.

          يكشف المؤلف للقارئ تصرف السلاطين والملوك والشيوخ إزاء الأحداث التي تعرض لها المجلس والمواقف التي اتخذوها, وكيف طوّعوا هذه الأحداث لصالح استمرار المنظمة, التي خرجت منها أصلب عودًا وأشد بنيانًا, بعد أن عجمت هذه الأحداث عودها واختبرت قوتها وصلابتها, وهذه اليوميات, بلا مراء - تسجل وتؤرخ لفترة بالغة الحساسية من حياة مجلس التعاون, ولهذا فهي تعد من أصدق كتب التاريخ عن المجلس في فترة محدودة لو أخذنا الوقائع التي سردها المؤلف بتجرّد, ونزعنا عنها بعض الانفعالات أو الانطباعات الشخصية في بعض الأحداث, فالكتاب حافل بالوقائع والأحداث المسلسلة والمرتبة ترتيبًا وثائقيًا ومنهجيًا, تضيف إلى المكتبة التاريخية والسياسية, وتفيد الباحثين وطلاب البحث والدارسة عن هذه الفترة, وبلغت الدقة في التصوير, وبالأسلوب السهل الممتنع إلى المدى الذي يحس معه القارئ أنه هو في وسط هذه الأحداث, ويتحرك معها أينما سارت, وينفعل بها.

          لقد غدا مجلس التعاون لدول الخليج العربية, بأن أصبح إحدى المؤسسات الإقليمية الثابتة والمؤثرة, فكان من الضروري تسجيل وتوثيق هذا الدور الديناميكي. وليس أفضل من الأستاذ عبدالله يعقوب بشارة الأمين العام المؤسس لهذه المنظومة للقيام بهذه المسئولية. ويعتبر كتاب أ.بشارة, قصة لتأسيس وتأريخ لإحداثيات المنظومة وتحليلا لتحديات المجلس, وتقييما لمستقبل المجلس, ومن خلال قراءة الكتاب, يتخيل القارئ أنه يتجول بين لقاءات القادة والزعماء, أو بتعبير أدق كمشاهدة فيلم وثائقي يبرز المشاهد المختلفة للاجتماعات ودقائق اللقاءات.

          ويقع الكتاب الذي يوازي قاموسًا في (705) صفحات من القطع الكبير موزعة على 13 فصلاً تمثل سنوات خدماته في الأمانة في تسلسل تاريخي, إضافة إلى مقدمة الكتاب وخاتمة تجمع الرؤى والتصورات الخاصة بالأمين العام عن المجلس ومستقبله.

          ويبدأ الكتاب بأن فكرة تأسيس المجلس طرحت من قبل الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت للمرة الأولى في قمة عمان (نوفمبر 1980), ولاقت استحسان الزعامات الخليجية, حيث إن (المبادرة بالتوجه نحو قيام كيان خليجي واحد, يوفر لدول الخليج اتخاذ مواقف موحدة, جاءت من استياء تولد مع قادة الخليج من الأساليب غير المعتادة وغير الأخلاقية, التي اتبعتها عواصم الحدة لتأمين الموافقة الخليجية على البرنامج الذي وضعته بغداد ضد مصر) (25).

          إضافة إلى (نجاح الثورة الإيرانية, وما رافقها من صخب ثوري شعاراتي, موجه ضد دول الخليج, وانفجار الحرب العراقية - الإيرانية في سبتمبر 1980, والوضع المتوتر بين السلطنة واليمن الجنوبي, والتبدلات التي شهدتها الساحة الدولية, على إثر غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان, والتهديد الذي رافقه لاستقرار باكستان) (24-25).

          وأعلن عن تأسيس منظومة مجلس التعاون في لقاء أبوظبي الأول (25/5/1981), وتم التوقيع على النظام الأساسي للمجلس, واختيار السيد عبدالله بشارة كأمين عام للمؤسسة الإقليمية الجديدة, وكما يجدر ذكره أن الجانب الكويتي, كان يسعى لتحقيق غاياته من أي اتفاق جماعي بين دول المنظومة على (أبعاد القضية الأمنية, والتركيز على قضايا الاقتصاد والتجارة) (23).

          ولكن انعكست الأوضاع الأمنية على مسيرة المجلس وعلاقات دوله مع طرفي النزاع, نتيجة الحرب العراقية - الإيرانية التي اشتعلت في سبتمبر  1980, فكلا الطرفين لا يوافقان على وقف إطلاق النار, لأن العراق (قواته في ذلك الوقت تحتل مناطق خوزستان وسط حماس إعلامي وسياسي وعنصري بغيض, بينما...إيران ملتزمة بالنهج الثوري في نشر مبادئ الثورة, وفي السعي لتوسيع نفوذها في دول الجوار, ولم تكن مستعدة لتقبّل دعوات وقف إطلاق النار وأراضيها مازالت محتلة) (23).

          ويتحدث الأمين العام عن الدور الخليجي الداعم ماليًا للعراق في حربه ضد إيران, حيث كانت دول المجلس (السعودية, الكويت, الإمارات, قطر) تقدم مبلغا إجماليا (6,1) مليار دولار كل ثلاثة أشهر (ربع سنوي) كقرض للعراق (37).

          وإذا صح هذا الافتراض, فإن القروض السنوية وصلت إلى (24.4) مليار دولار سنويا, مما يعني أن دول الخليج صرفت ما يعادل (195.2) مليار دولار على المجهود الحربي العراقي خلال سنوات الحرب الثماني, وهذا مؤشر على تحمّل دول المجلس جزءًا كبيرًا من أتعاب الحرب ومساهمتها كطرف غير مباشر بين الدولتين المتحاربتين.

          وعلى الرغم من هذا السخاء المادي, فإن دول المجلس لم تأل جهدًا في المساهمة في التوسط لحل الحرب العراقية - الإيرانية (105-107), ولكنها اكتشفت استحالة تحقيق هذا الهدف, نظرًا للمقاومة المتعارضة للطرفين, واعتبارهما أن دول مجلس التعاون فاقدة المصداقية في هذا الدور التفاوضي. لذا كان الأفضل للمنطقة حصر الاتصالات في موضوع (وقف ضرب المدن لدورها في الانفراج النفسي الذي يساهم في المزيد من نجاح المساعي)(107). ولم تر دول الخليج خيارًا عمليًا إلا في (تدويل الموضوع, لكي تضع الأمم المتحدة أمام مسئولياتها) (123). ومع بداية حرب الناقلات في الثمانينيات, أصدر مجلس الأمن قراره رقم (552) في 1/6/1984,  الذي يؤكد على حرية الملاحة في الخليج العربي, ويدين الاعتداءات على السفن التجارية المتجهة من وإلى الدول التي ليست طرفًا في الحرب (124) ويطالب بوقفها. وإجمالاً, فإنه رغم سخاء دول الخليج مع العراق, فإن الأخيرة كانت غير راضية عن ذلك, فأطروحات العراق ترى (بأن مجلس التعاون امتداد دبلوماسي للعراق لا يحق له اتخاذ موقف يختلف عن الموقف العراقي) (171). وكانت القيادات الخليجية - وخاصة السعودية - ترى أن الرئيس العراقي صدام حسين (ورط الجميع, ولم يستشر أحدًا, ولم يراع الحكمة في تصرفاته..) (183). ويرى البعض من خلال زياراته إلى بغداد رغبة العراق (في قيام جبهة (كويتية - سعودية - عراقية) في وجه إيران سياسيًا ودبلوماسيًا)(275).

          وكموقف موحد تجاه التهديدات المتزايدة من إيران والعراق, خاصة بعد احتلال إيران لشبه جزيرة الفاو, بدأ المجلس في مساعيه لتحريك قوة درع الجزيرة الرمزية, التي تضم قوات من الدول الست إلى الكويت (كتعبير عن وحدة الأمن الخليجي, وترجمة في المسئولية الجماعية للحفاظ على الدول وسلامتها الإقليمية...)(190).

          وإجمالاً فإن موقف الكتاب والمتابع لمجريات الأحداث بين العراق وإيران, يرى أن وزير خارجية الكويت, حينها, الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (تحمل...الكثير, وأعطى أكثر من جهده وأعصابه وروحه لصالح العراق خلال الحرب مع إيران...) (296). لدرجة أن بعض وزراء خارجية دول المجلس كانوا (يستغربون اندفاع الكويت في سخائها مع بغداد, وقد أثبتت الأيام بعد النظرة هذه)(372).

          ويرى المؤلف أن ما يكتب وينشر ويوزع في الكويت من صحافة وكتب ودوريات تؤدي إلى إيذاء دول مجلس التعاون, وبخاصة السعودية التي أعربت في أكثر من مناسبة عن ذلك (143), ويعتقد بشارة أن (مقالات اليساريين والأيديولوجيين في الصحافة الكويتية, وتجمعات الفلسطينيين, وندوات جامعة الكويت ومحاضراتها, ومواقف بعض أنصار البرلمان كلها ساهمت في ذلك الجو, الذي انتهى مع الغزو...)(144). لأن الصحافة الكويتية كانت في الثمانينيات بحسب تحليل بشارة (فلسطينية الاهتمام, عراقية الأولويات, عروبية الهموم, كويتية الصدور, ولم يكن مجلس التعاون ومعانيه وأهدافه من البنود الموجودة على لائحة الصحافة في الكويت...) (186).

          ويتطرق المؤلف إلى أن عدم الالتزام بالدعم المادي الخليجي لهاتين الدولتين أثر في عدم تعزيز القوات العسكرية لهذه الدول.

          ويبرر الباحث أن مواقف المجلس مع طرفي الحرب (العراق وإيران) بامتداده القومي, فيذكر أن (هناك عقدة في العلاقات بين إيران ومجلس التعاون, لم تستطع إيران إظهار التفهم لواقع مجلس التعاون. وهناك بعد عربي في علاقات مجلس التعاون مع العراق لا يمكن تجاهله...)(232).

          وكوسيلة لتوفير وتأمين الحماية لأمنها الاقتصادي, فقد قامت الكويت برفع الأعلام الأمريكية على ناقلات النفط الكويتية واستئجار سفن من الدول الكبرى مع بداية عام 1987, لضمان وجودها الاقتصادي, مع رفض السماح لوجود قوات مسلحة أمريكية على أراضي الكويت, فالمياه (الإقليمية الكويتية شأن كويتي تحميه الإمكانات الكويتية, أما المياه الدولية, فهي شأن عالمي تعالجه الأسرة الدولية) (253). وأصدر مجلس الأمن قراره رقم  (598) في 20/7/1986 لوقف الحرب, وقبلت إيران هذا القرار, وعلى مضض في صيف 1987, حيث وافق الإمام الخميني على القرار حينما ذكر بأن (شرب السم أسهل من الموافقة على هذا القرار..) (253و296).

          وإذا كانت التهديدات الخارجية قد أثرت على فاعلية ووحدة مجلس التعاون, فإن الخلافات الداخلية, خاصة الحدودية, بين تلك الدول, كادت أن تعصف ببقاء المجلس. فانفجار الخلاف القطري - البحريني في أبريل 1986 على جزيرة (فشت الديبل), عندما نزلت قوات قطرية على هذه الأراضي المتنازع عليها, وأسرت عمال الشركة, التي تقوم ببناء منشآت قامت بها البحرين, مخالفة بذلك الاتفاق الموقع بين الطرفين في أكتوبر 1981 برعاية السعودية (191). وأصبح المجلس في حال طوارئ وعدم استقرار, ووجهت انتقادات كثيرة عن (تقصير مجلس التعاون من الطرفين, وعن عدم اهتمام الدول بالمشكلة, وعن مجاملة قطر في مطالبها, أو مجاملة البحرين في عدم التزاماتها, وسمعنا بتهديدات, وشاهدت أعصابًا تشتد, وشكوكًا تتردد, لكن النهاية جاءت مع الحلم, وأكبر الحكماء الملك فهد, الذي ضحى كثيرًا, وتحلى بصبر أيوب) (198). وكاد تجديد الادعاء القطري تجاه خلافاته مع البحرين أن يعصف بالقمة الخليجية التي عقدت في الدوحة في سبتمبر 1990 ويغطي على أولوية المجلس في المساهمة في تحرير الكويت (462 و593).

          أما الحدث الآخر الذي كاد أن يعصف بالمجلس فهو حادث (مخفر الخفوس) بين قطر والسعودية في سبتمبر 1992, والذي قررت قطر على ضوئه سحب قواتها الرمزية من درع الجزيرة ومقاطعة اجتماعات المجلس والغياب عن حضور القمة التي عقدت في أبوظبي في ديسمبر 1992, لولا وساطة وحكمة الرئيس المصري حسني مبارك وتدخله الشخصي لرأب الصدع بين الدوحة والرياض من خلال لقاء ثلاثي بين زعماء قطر والسعودية ومصر, حين أعلنت قطر استعدادها لحضور المؤتمر (626 و647).

          وفي الفترة ما بين الحربين (العراقية - الإيرانية والغزو العراقي على الكويت) استمرت الاتصالات بين الكويت والعراق حول الحدود ولكن حسب قراءة وزير الخارجية الكويتي فإن العراق طالب الكويت (بإيجار جزيرة وربة) ونصف (بوبيان) وقواعد في (فيلكا) واتفاقية أمنية بتسهيلات لقواعد عسكرية عراقية في الكويت, وممر بري من جنوب الكويت إلى شمالها تحت السيادة العراقية, وعشرة بلايين دينار (أو دولار)(*) للإعمار والخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها, بينما اقترحت الكويت (500) مليون دولار (402). ومن خلال هذه المطالب المستحيلة أرادت العراق تحويل الكويت إلى دولة مقطعة ملحقة بحكم بغداد (402 - 403). ويصف وزير خارجية الكويت مطالب العراق بأنها غير معقولة وأن صدام يشعر بعقدة الذنب مع الكويت (353).

          أما مؤتمر القمة العربي في بغداد في مايو 1990 فهو مؤتمر إعلان الحرب الاقتصادية على دول الخليج وعلى الكويت بالذات, حينما ذكر الرئيس العراقي أن (هناك حربًا اقتصادية تشن على العراق, وأن العراق لا يستطيع أن يتحمل, ولا يستطيع أن يسكت) (412) ويصف مؤلف الكتاب خطاب الرئيس العراقي بأنه (خطاب التهديد والوعيد) (408).

          ويعتقد الأمين العام أن التهديدات والابتزازات العراقية لم تعط حقها من الاهتمام. ولم يتم التعامل مع خطورتها, ولربما (لو فعلنا ذلك لما وصلنا إلى يوم الثاني من أغسطس 1990)(353).

          ومع منتصف يوليو 1990, تصاعدت وتيرة الأحداث بين الكويت والعراق - وقدمت العراق مذكرة اتهام إلى الجامعة العربية بأن الكويت والإمارات تشنان حربًا اقتصادية على العراق, وتتهم الكويت بأنها اتبعت سياسة تتعمد إضعاف العراق, من خلال تصعيد الزحف التدريجي والمبرمج باتجاه أراضي العراق (421). وقدمت الكويت مذكرة ترفض فيها الاتهامات وتقترح تشكيل لجنة عربية للتحقيق (421 - 422), وعقد مؤتمر جدة التصالحي بين الكويت والعراق في 31/7/1990, ويفشل المؤتمر بسبب سوء النية المبيتة, حيث كررت العراق مطالبها بتقديم عشرة بلايين دولار مع إسقاط الديون وتعهدات أخرى في السياسات النفطية وغيرها (424).

          وكانت بغداد تركز على استراتيجية جديدة تعتمد على تعطيل الإرادة الكويتية في التوجه نحو الدول الكبرى, (فهي تصرخ ضد التدويل, وتحذر من عواقبه, وتنذر من يلجأ إليه, وكان الهم العراقي شل القدرة الكويتية في الاتصال مع واشنطن). (427).

          ويذكر المؤلف بألم وحسرة ردود الأفعال المختلقة والمتناقضة من الأطراف العربية والإقليمية والدولية, فالأطراف العربية كانت مترددة في شجب العدوان العراقي ودعم حق الكويت ويلخص الموقف الكويتي والخليجي في كلمات صادقة ومعبرة حيث ذكر (سيطر علينا الشعور بالقهر, لأننا خدعنا, والشعور بالذل لأننا أهنا, والشعور بالغضب لأننا تساهلنا, والشعور بالانتقام لأننا غزينا, والشعور بالسخط لأننا وثقنا) ويضيف عن دور مجلس التعاون وقيادته حيث ذكر (بدأت في تسخير كل ما يملك مجلس التعاون لقضية الكويت, وهي قضية حماية الشعب ثم التحرير, ولحسن الحظ فإن الغضب لم يكن كويتيًا ولا خليجيًا فقط, وإنما عالميًا, والسخط جامعًا والاستعداد للمواجهة جادًا وفعالاً) (429). وهكذا بدأت الحرب الدبلوماسية الخليجية للمساهمة في حرب تحرير الكويت بتجنيد كل إمكاناتها في هذا الاتجاه.

          وكما سبق الذكر فإن الكويت كانت سباقة في تقديم الأفكار والأطروحات لتطوير آليات وديناميكيات مجلس التعاون, فقد سبق أن قدمت فكرة تشكيل هيئة استشارية شعبية من مواطني دول المجلس لتقديم الرأي والمشورة للمجلس الأعلى في قضايا المجلس التي تحال إليها من القادة, ووافق المجلس في قمة الدوحة عام 1995 على تشكيلها ووافق القادة في قمة الكويت عام 1996 على إنشائها من ثلاثين شخصًا خمسة من كل دولة تعينهم دولهم, وليس من الصدف أن المؤلف تولى رئاستها في أول عام بعد إنشائها عام 1997.

          ويختتم بشارة كتابه القيم بذكر خمس وعشرين ملاحظة تقيم المجلس على مدى أكثر من 20 عامًا سواء من خلال عمله أو متابعته (689 - 704). وأهم هذه الملاحظات هو انشغال المجلس (بحروب العراق ضد إيران, الذي أخذت منه الكثير جهدًا, وتسخيرًا للأرض وتوظيفًا للمال والدبلوماسية, وهدرًا للأعصاب, لم يكن أحد يتوقع الأحداث الجسام التي مرت بالمجلس بسبب حروب العراق)(689). ويرى المؤلف الغزو العراقي على الكويت كمفاجأة, بينما عكس مواقف وسياسات دول المجلس من منطلق (وحدة الأمن الخليجي, والمسئولية الجماعية للحفاظ على سلامة الدول الأعضاء)(690). وكانت هزيمة العراق بمنزلة انقضاض على منظومة الأمن الجماعي العربي وخلق تباعد بين دول المجلس والدول العربية الأخرى وتقاربًا بينها وبين مصر وسورية, الذي تمخض عنه (إعلان دمشق) ويرى إخفاق الدبلوماسية الإيرانية مع دول مجلس التعاون لمسببات كثيرة منها رؤية إيران تجاه استراتيجية الأمن الإقليمي. وعجز إيران عن التأقلم مع ضوابط السلوك لدول العالم ومعضلة الجزر الإماراتية (690 - 691).

          ويعتقد أن قضية الحدود بين أعضاء المجلس أضرت بدول المجلس وصورة المجلس الداخلية والخارجية, وفشل المجلس في إيجاد حل خليجي لها, بينما نجحت الحلول الدولية عن طريق قرار محكمة العدل الدولية في 16/3/2001 بأحقية البحرين في جزر (حوار) وأقرت بسيادة الدوحة على قطاع (زبارة) و(فشت الديبل) و(قطعة جنان) وقد احتل التعاون الأمني أعلى سلم أولويات المجلس وأخذ نصيب الأسد في مداولات المجلس بسبب التهديدات المختلفة من دول الجوار بالذات العراق وإيران (694).

          ويتفق المراجع مع مذكرات الأمين العام في الحاجة إلى إعادة النظر في التركيبة البنيوية للمجلس وآليات وهياكل العمل داخل المجلس وتطويره سواء القمة التشاورية نصف السنوية, أو تشكيل الهيئة الاستشارية. ومن الضروري تغيير آلية التصويت من جماعية الأصوات إلى أغلبية الأصوات في جميع الموضوعات والقضايا المطروحة أمام المجلس, وتفعيل هيئة نزع الخلافات. وندعو إلى تنشيط عمل جمعيات النفع العام والمؤسسات شبه الرسمية (منظمات المجتمع المدني) حتى يكون الدعم الشعبي للمجلس مستمرًا من البنية التحتية للدول.

          ومن محاسن الكتاب أن بشارة يدون يومياته ومذكراته بطريقة موضوعية وعلمية, ويشمل الكتاب مجموعة من الوثائق المهمة ذات القيمة العلمية والسياسية والتاريخية, مثل تقرير الأمين العام عن زيارته ومقابلته للرئيس اليمني الجنوبي السابق علي ناصر محمد (235), وزيارته لليمن الشمالي ومقابلته الرئيس علي عبدالله صالح (86 - 88), ولقائه مع الرئيس السوري حافظ الأسد (94 - 95) ومقترحات عن العلاقات مع إيران عام 1987 (258 - 260), ومحضر لقاء الرئيس صدام حسين بوزير خارجية الكويت الشيخ صباح الأحمد عام 1971 (506 - 507).

          وبالرغم من أهمية الكتاب فهناك العديد من الأخطاء المطبعية (327, 338, 481, 541, 578), وهناك عدم اتساق بين الأسماء فحينًا تذكر بعض الأسماء مطبوعة باللغة الإنجليزية بينما في الحين الآخر باللغة العربية (35, 520, 532, 534). ويعيب على المؤلف استخدام المنهج التاريخي حين يدون أحداثًا وموضوعات مختلفة في عام واحد أي بتسلسل زمني. وكان من المستحسن نشرها وتحليلها بالموضوعات والأحداث, حيث تمنح أهمية أكثر وتكون أكثر ارتباطًا.

          وفي الختام فإن الكتاب يعتبر بحق وحقيقة مرجعية جامعة ليوميات وديناميكيات المجلس والتحديات والصعوبات التي واجهها على مدى أكثر من عقد من الزمن على إنشائه, مرحلة التأسيس الحرجة, وهناك حاجة لتدوين يوميات وتجارب الأمناء العامين الآخرين.

          ودعوة للقيادات العربية وخاصة الخليجية وبالذات الشيخ صباح الأحمد رئيس وزراء الكويت الحالي ووزير الخارجية السابق أن يدون قراءته للأحداث والظواهر والشخصيات, حيث إنها تشكل حالة فريدة في عالم السياسة. وأملنا أن يتم توزيع ونشر الكتاب على المستوى الخليجي والعربي للاستفادة من مرئيات الأمين العام في رسم السياسة المستقبلية, وحتى يستفيد الآخرون من تجربة مواطن كويتي مسئول.

 

   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات