الكذب عند الأطفال

الكذب عند الأطفال
        

          لا يولد الشعور الأخلاقي مع الطفل, بل يتشكل نتيجة امتصاصه المعايير الأخلاقية والاجتماعية في البيئة التي يعيش فيها, ويرتبط الخير والشر بالقيم والعادات العائلية التي تتداخل في سلوكه, بالرغم من ذلك, فإن هناك مراحل زمنية يتطور فيها الشعور الأخلاقي عند الطفل.

          الشعور الأخلاقي يعتبر بمنزلة قوة رادعة يفرضها الوالدان على الطفل, فهو متأتٍ في البداية من الخارج ومن ثم يصبح شعورًا داخليًا.

          لا يعتبر الكذب خطيرًا قبل السابعة, إنه ظاهرة طبيعية ناجمة عن استمرار الأنوية (التمركز حول الذات, وعدم التمييز بين الحقيقة والخيال), يعتقد الوالدان أحيانًا أن الطفل لا يكذب لأنه بريء, الواقع أن الطفل يكذب على الرغم من ذلك وعن غير قصد بسبب حالة الغموض القائم في ذهنه.

          بعد السابعة يعتبر الكذب خطيرًا ومقصودًا ويستدعي العقاب والمعالجة. حتى الثامنة يربط الطفل الكذب بالأشياء والكلمات البذيئة أو البشعة وليس فقط بالأشياء الخاطئة عمدًا, بعد التاسعة يعتقد الطفل أن الكذب هو ضد الواقع والحقيقة وهنا يميز الطفل بين الخطأ العفوي والكذب المقصود.

          في البداية يتجنب الطفل الكذب لأنه يترافق بالعقاب, بينما بعد الثامنة يدرك الطفل أن الكذب عمل مشين لا تحاسب عليه القوانين الأخلاقية فقط, بل هو شعور داخلي مرتبط بالشخص ذاته الذي لا يريد أن يكذب على الآخرين أو أن يكذب الآخرون عليه.

          ولكن الكذب يمكن أن يكون من الاضطرابات السلوكية والتي منها مثلاً السرقة والعدوانية وغيرهما.

          نحن نعلم أنه إذا لجأ الطفل إلى الكذب كأسلوب فمعنى هذا أن هناك سببًا, فحينما يكذب طفل عمره ثلاث أو أربع سنوات في بداية اكتشافه لإمكانية جديدة يمتلكها وأنه يستطيع ألا يقول كل شيء أو أنه يقول ما يريد ويخفي ما يريد ويخترع ويؤلف القصص من خياله, في هذه المرحلة بالذات, يعني الكذب بالنسبة للطفل أنه اكتسب الثقة والتأكيد بأن عالمه الخيالي الداخلي يمكن أن يكون شيئًا شخصيًا يخصه هو وحده ويحتفظ به لنفسه, هذا من جهة, ومن جهة أخرى فإن الطفل  في هذه السن لا يميز كثيرًا بين الواقع والخيال ولكنه لا يلبث أن يكتشف في العالم المحيط به الخطأ من الصواب ولكن معنى الخطأ والصواب لا يكتسبان بعدهما الحقيقيين قبل ست أو سبع سنوات حيث يتمثل الطفل المعايير الأخلاقية والاجتماعية.

          ولا ننسى وجود أنواع من الكذب مثل:

          كذب الفائدة: هذا النوع من الكذب من نوع كذب الكبار من حيث تجنب موقف محرج. هنا يؤدي موقف الراشدين من هذا الكذب إلى غرق الطفل فيه والانتقال من كذبة إلى أخرى سواء كان هذا الموقف متشددًا أو غير مبالٍ. كثيرًا ما يكذب الأهل على الطفل وغالبًا ما يتصف أبناء الأهل الكاذبين بالكذب. يستطيع الأهل في بعض الأحيان مساعدة الطفل على فهم عدم جدوى الكذب, أو مساعدته لإنقاذ ماء وجهه.

          الكذب التعويضي: حيث يبحث الطفل أو أي شخص آخر من خلال الكذب التعويضي عن صورة أفضل من صورته في الواقع إذ يخترع عائلة أفضل من عائلته أو أغنى من عائلته, الواقع أن هذه الأحلام تافهة وطبيعية في الطفولة الأولى.

          بعض الأطفال يخترعون أحلامًا خيالية تحتل مكانًا مهمًا, يؤلف الطفل عائلة ويبدأ بالحوار مع مختلف أعضائها, أو يخترع صديقًا يلعب معه ويحدثه. حتى سن ست سنوات تسمح هذه الأحلام للطفل بأن يؤدي هويته النرجسية.

          أما بقاء ذلك بعد هذه السن فمن المحتمل أن يدل على اضطرابات مرضية تطبع الشخصية, فتصبح شخصية سيكوباتية أو هستيرية غير ناضجة تعبر عن عدم الثقة بالهوية واضطرابات عميقة بوعي الذات, وكذلك فإن تضخيم الأمور ظاهرة خاصة تسبق إصابة الطفل بالذهان.

          الكذب الادعائي: ومن أمثلته أن يبالغ الطفل في وصف تجاربه ليحدث لذة ونشوة عند سامعيه وليجعل نفسه مصدر إعجاب وتعظيم. وتحقق كل من هذين الغرضين يشبع النزوع للسيطرة, من أمثلة ذلك أن يتحدث الطفل عما لديه من ثياب وألعاب أو مراكز أهله إلى غير ذلك مما يخالف الواقع.

          فهذا الكذب الموجه لتعظيم الذات وجعلها مركز الانتباه والإعجاب ينشأ عادة من شعور الطفل بنقصه, وتعظيم الذات عن طريق الكذب طريقة لتغطية الشعور بالنقص. يكون سبب هذا الكذب وجود الطفل في بيئة أعلى من مستواه وضعف البيئة التي يعيش فيها أو كثرة الإذلال والقمع الواقعين عليه, وفي مثل هذه الحالة يحسن أن نكشف النواحي الإيجابية عند الطفل ونشعره بأنه وإن كان يقل عن غيره في ناحية فهو يفوقهم في نواح عديدة فيتمكن الطفل من أن يعيش في عالم الواقع بدلاً من أن يعيش في عالم خيالي ينسجه لنفسه.

          ومن أنواع الكذب الادعائي أن يدعي الطفل المرض أو يدعي أنه مظلوم ومضطهد أو سيئ الحظ ليحصل على أكبر قسط من الاهتمام والرعاية, يحصل هذا للطفل الذي لم ينل من والديه الحب والاهتمام الكافيين, هذا النوع من الكذب يجب الإسراع إلى علاجه وإلا نما مع الطفل.

          الكذب الانتقائي: هو حين يكذب الأطفال ليتهموا غيرهم اتهامات يترتب عليها عقابهم ويحدث هذا عند الطفل الذي يشعر بالغيرة من طفل آخر أو الطفل الذي لا يشعر بالعدالة بينه وبين غيره, هنا يجب أن يكون الآباء والمعلمون في غاية الانتباه لهذا النوع من الكذب.

          الكذب الدفاعي: ويتصل هذا الكذب بالخوف والغرض الأساسي منه حماية النفس وتغطية الذنوب, إذ توجد علاقة وطيدة بين الكذب والسرقة والغش, وجد الباحثون في جرائم الأحداث أن من اتصف بالكذب فهو يتصف أيضًا بالسرقة والغش.

          وسبب الكذب هنا يعود في أحيان كثيرة إلى أن الأهل يمارسون العقاب الشديد على الطفل وهنا يكون من المفيد التسامح مع الطفل ومناقشة الأمور معه بمحبة وعطف وحزم.

          الكذب الوقائي: في هذه الحالة يكذب الطفل على أصحاب السلطة من أهل ومدرسين ليحمي أخاه أو زميله من عقوبة قد تقع عليهما.

          وقد يكذب الطفل لمجرد السرور الناشئ من تحدي السلطة خاصة إذا كانت شديدة الرقابة والضغط قليلة الحنو.

          وأحيانًا يصل الكذب عند الطفل إلى حد أنه يكثر منه ويصدر عنه أحيانًا بالرغم من إرادته ويصبح الدافع إلى الكذب دافعا لا شعوريًا خارجًا عن إرادته.

          ويجب أن نتذكر أن الكذب صفة مكتسبة وليس فطرية, وهي تتكون عند المرء عن طريق التماهي, ونقول إن الكذب ليس سوى عارض ظاهري, والأعراض لا تهمنا في ذاتها إنما الذي يجب أن يستوقفنا هي العوامل والدوافع النفسية والقوى التي تؤدي إلى ظهور هذا العارض.

          وهناك استعدادان يهيئان الطفل للكذب هما لباقة اللسان وخصوبة الخيال, وإذا حكمنا على الطفل الذي يمارس الكذب الخيالي بأنه كاذب كنا كمن يحكم على الشاعر أو الروائي بأنه كاذب. ومما يريح نفوس الآباء والمدرسين أن يعلموا أن هذا ليس إلا نوعًا من اللعب يتسلى به الأطفال, وعند كشف هذه القوة الخيالية يحسن توجيهها والاستفادة منها وإفهام الطفل بأنها مخالفة للواقع.

          ونقول أخيرًا إنه إذا نشأ الطفل في بيئة تحترم الصدق ويفي أفرادها بوعودهم وكان شعارها الصدق قولاً وعملاً فطبيعي أن ينشأ صادقًا في أقواله وأعماله, هذا إذا ما توافرت له عوامل تحقيق حاجاته النفسية من اطمئنان وتقدير وعطف وشعور بالنجاح, فإذا توافر كل ذلك فلن يلجأ الطفل إلى التعويض عن النقص أو التغليف ضد القسوة والانتقام أو غير ذلك من أنواع الكذب التي يتخذها صورًا مناسبة للتعبير عن ذاته.

 

مريم سليم   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات