الصابون.. أم المنظفات الصناعية?

الصابون.. أم المنظفات الصناعية?
        

          في طوفان السوائل والمساحيق الكيماوية التي تجتاح بيوتنا تحت مسمّى المنظفات, يطفو سؤال عن مقارنتها بالصابون, رفيق التنظيف العتيق العريق.

          ينتشر بيع الكثير من أنواع المنظفات الصناعية على شكل مساحيق وسوائل تستخدم في عمليات غسيل أواني الطبخ وأطباق المائدة والملابس والأسطح في المطابخ والحمامات وأرضيات المنازل وغيرها, وذاع الصيت التجاري لبعضها بين عامة الناس نتيجة إعلاناتها على شاشات التلفاز والصحف وغيرهما من وسائل الترويج. وازداد إقبال ربات البيوت على شراء المنظفات الصناعية لتفوق مزاياها التنظيفية على الصابون العادي بنوعية الصلب والسائل المعروفين منذ زمن طويل وخاصة في ظروف ارتفاع نسبة الأملاح المعدنية في مياه شبكة المياه في بعض المدن ومياه الآبار في القرى.

تاريخ وتركيب

          خلال الحرب العالمية الثانية استعمل في إنتاج الصابون الزيوت النباتية والدهون الحيوانية مع مركب قلوي, وكان معظمه على شكل صودا كاوية, وأجريت في ذلك الوقت بحوث علمية حول إنتاج المنظفات الصناعية من بعض أجزاء النفط, ثم ظهرت في الأسواق المنظفات الصناعية Detergents وهي تعني مواد تنظيف للملابس والأرضيات وسواها غير الصابون التقليدي الذي عرفه الإنسان منذ زمن بعيد. وتحضر المنظفات الصناعية من بعض أجزاء النفط متحدة بجزيء حمض الكبريت عوضًا عن تفاعل الأحماض الدهنية الموجودة في الزيوت النباتية والدهون الحيوانية مع القلوي إما صودا كاوية أو بوتاس كاوي لإنتاج الصابون العادي, وأمكن إنتاج مادة كيماوية تشبه الأحماض الدهنية من النفط, وأحدث هذا الاكتشاف ثورة في صناعة مواد التنظيف. وتتفاعل المنظفات الصناعية بدرجة أقل بكثير من الصابون العادي مع الأملاح الذائبة في الماء العسر (الذي يحتوي كل لتر منه على 300 ملجم أو أكثر من الأملاح) سواء في شبكات مياه الشرب للمدن أو مياه الآبار.

          وتتكون معظم مستحضرات المنظفات الصناعية من مركبات متنوعة وتحتوي على مواد لها نشاط سطحي في الماء تساعد في إزالة الأوساخ والأصباغ والتراب التي تلتصق بسطوح الأقمشة وغيرها, وتشمل تركيبيًا جزيئاتها مكونات محبة للماء وأخرى كارهة له ولها القدرة على تغيير خواص السطوح التي تلامسها داخل الماء, وفي الماء تميل المركبات ذات النشاط السطحي إلى التجمع على السطوح الفاصلة بين الهواء والماء أو بين الصلب والماء فيساعد ذلك على خفض التوتر السطحي للماء يؤدي إلى سهولة إزالة الأوساخ من الملابس وغيرها. وتكون الخواص الكيموفسيولوجية للمركبات ذات النشاط السطحي هو الأساس في تطبيقاتها الكثيرة, ويتمثل التأثير الأهم للمواد ذات النشاط السطحي في تركيب المنظفات الصناعية في ترطيبها الأشياء التي تلامسها, وعندما تقلل الشد السطحي يصبح الماء أكثر قدرة على التوزيع على سطوح المواد المراد تنظيفها وتتحسن عملية التنظيف. وتكون عملية الاستحلاب للمواد ذات النشاط السطحي ذات أهمية في كل من عمليات تنظيف وغسيل الملابس. ونتيجة وجود أجزاء محبة للماء وأخرى كارهة له تستطيع المركبات ذات النشاط السطحي امتصاص المواد ذات القطبية وغير القطبية في الوقت نفسه, وخلال عمليات التنظيف والغسيل تصبح المواد غير القطبية على شكل مستحلب في المحلول المائي وتزال في عملية الشطف بالماء. ونتيجة اختلاف الجزء المحب للماء والكاره للماء في جزيئات المركبات ذات النشاط السطحي يمكن التحكم بعدة خواص مثل تأثير الترطيب والتأثير الاستحلابي والمشتت ولها قدرة تكوين الرغاوي والتحكم بها.

تشابهات وفروق

          تتشابه الفعالية التنظيفية للمنظفات الصناعية والصابون فكل منهما له نشاط سطحي في الماء ويصنفان ضمن المركبات ذات خواص نشاط سطحي ويتحرر منها شد سطحي للمواد العالقة بسطوح الأشياء كالملابس والأرضيات كالأوساخ والزيوت, وبعد أن يتحرر الشد السطحي في الماء بواسطة المنظفات الصناعية أو الصابون تصبح الأوساخ على شكل معلق فيه فيسهل شطفها بالماء بعيدا عن السطوح الملتصقة بها, وتتشابه جزئيًا الفعالية التنظيفية للصابون والمنظفات الصناعية لكن تختلف المكونات الفعالة التي تقوم بالتنظيف في كل منهما, ويقوم الصابون بوظيفته التنظيفية بشكل أفضل في وجود وسط قلوي أي رقم حموضة تزيد على 7, ويكون الصابون عادةً ذا تأثير قلوي كذلك في وجود الماء اليسر - أي الماء الذي تنخفض فيه نسبة الأملاح الذائبة فيه, فيؤدي وجود نسبة مرتفعة من الأملاح المعدنية في الماء إلى انخفاض الفعالية التنظيفية للصابون نتيجة اتحاد أجزاء من الصابون معها وتكون مركبات غير ذائبة معها. ويفيد تحريك الملابس آليًا داخل الغسالات أو فركها بالأيدي مع الشطف بالماء في إزالة الأوساخ العالقة بالأشياء المراد تنظيفها.

          ينخفض إدراك الكثير من عامة الناس بأخطار استخدام المنظفات الصناعية بأنواعها وتنوع استخداماتها المحتوية على مركبات كيماوية ضارة بصحة الإنسان والبيئة التي يعيش فيها, مما دعا جمعيات عالمية لحماية البيئة وصحة الجنس البشري إلى الاحتجاج على عمليات التوسع في استخدامات المنظفات الصناعية وتشجيع الأبحاث العلمية لإنتاج مركبات منها لا تلوث البيئة التي تعيش بها وآمنة لصحة الإنسان. وترتفع أصوات المنادين بأفضلية استخدام الصابون عوضًا عن المنظفات الصناعية في حياتنا, واكتشفت لجنة حكومية أمريكية بعد اختبارها 20000 مركب كيماوي يتعرض لها جسم الإنسان وجود 198 مركبا منها تثور الشكوك حول تأثيراته المسرطنة. والمشكلة تكمن في تكرار تعرضنا لهذه المركبات الكيماوية الضارة فقد يتجمع بعضها داخل خلايا أجسامنا وتظهر تأثيراتها بعد مرور بعض الوقت. وأظهرت دراسات لجنة حماية البيئة في الولايات المتحدة ظهور أكثر من 400 نوع من البقايا الكيماوية السامة في جسم الإنسان يرتبط بعضها بإصابته بأورام خبيثة, وظهور عيوب خلقية في أجنة النساء الحوامل, وحدوث تلف في الجهاز العصبي, ونقص معدل الخصوبة في الرجال.

          وتبدأ رحلة تلوث الأغذية بالمنظفات الصناعية نتيجة استخدام مياه ملوثة بالمنظفات الصناعية ونواتج تحللها البطيء في عمليات ري المزروعات كالخضراوات وخاصة الورقية منها.

الصابون أفضل

          يعتقد العلماء أن الصابون هو البديل الآمن للمنظفات الصناعية, ومركبات التنظيف الأخرى السامة التي تستعمل في المنازل وغيرها. ويدخل في تركيب معظم مواد التنظيف الشائع بيعها في الأسواق مركبات محضّرة من النفط. والصابون هو عامل تنظيفي طبيعي, وعرفت صناعته منذ زمن بعيد باتحاد الدهون الحيوانية أو الزيوت النباتية مع قلوي مناسب, ويضاف القلوي إلى الزيوت النباتية مثل زيت بذرة القطن أو زيت الزيتون أو إلى خليط من زيوت نباتية مع دهون حيوانية لإنتاج الصابون. وخلال عملية التصبن تتحد الأحماض الدهنية الموجودة في الزيوت النباتية مثل حمض استياريك وحمض بالمتيك مع القلوي, ويتكون استر الحمض الدهني, أو ما يسمى الصابون, وينفصل فيها مركب الجليسرول مع الماء. ويختلف - تركيبًا - الصابون السائل عن النوع الصلب منه فقط حسب نوع القلوي المستخدم في عملية التصبن للزيوت والدهون, فتستعمل الصودا الكاوية في إنتاج صابون صلب القوام, بينما تستخدم البوتاس الكاوية في صناعة الصابون السائل المستعمل في صناعة معاجين الأسنان وسواها, وتتشابه الفعالية التنظيفية للصابون, وإن اختلفت الزيوت النباتية أو الدهون الحيوانية أو خليط منهما المستخدمة في صناعته.

          ولقد اكتشف العلماء أن الصابون الطبيعي له تأثيرات بسيطة ضارة على البيئة التي نعيش فيها, وشاع استخدام الصابون منذ زمن بعيد في تنظيف الملابس وأطباق الطعام دون ظهور مشكلات تلوث به, بينما تلوث المنظفات الصناعية المسطحات المائية كالأنهار والبحيرات, واكتشف أن نواتج تحللها البطيء في البيئة لها تأثيات شبيهة بهرمون الأستروجين على صحة الإنسان, تؤدي إلى انخفاض درجة خصوبة الذكور على شكل نقص عدد النطاف في السائل المنوي, وارتفاع معدل إصابتهم بالعقم الجنسي.

          وأصدرت إدارة حماية البيئة الأمريكية في عام 1985 تقريرًا علميًا عن اكتشافها وجود مركبات سامة في جميع مواد التنظيف والمطهرات المنزلية, مما يعني أنها تزيد احتمال حدوث السرطان ثلاث مرات عن مقدار ما يسببه التلوث الكيماوي للهواء, بينما يكون الصابون أقل سمية للبيئة من المنظفات الصناعية, لأنه يتركب من مكونات توجد في الخلايا الحية. ويتحلل بسرعة الصابون الذي يلوث المسطحات المائية والتربة إلى مركبات غير سامة بعكس المنظفات الصناعية, فيصعب تحلل جزيئاتها, وتبقى فترة طويلة في البيئة, فتلوث ما يلامسها من نباتات ومحاصيلها.

لجميع الأغراض!

          شاع حديثًا في الأسواق بيع ما يسمى منظفات جميع الأغراض المنزلية على شكل سوائل تحتوي على مذيب صناعي, ومركب يحلل الدهون, فيسهل التخلص منها يسمى بيوتيل سيللوزيسف. ويحضر المركب التنظيفي الفعال فيها من بعض أجزاء النفط المعاملة بحمض الكبريت, وهو يسبب تهيجًا في الجلد والعيون عندما يلامسها, وقد يؤدي تكرار تلويثه أواني الطعام إلى حدوث تلف في أنسجة الكلى والكبد, وقصور في قدرة الجسم على إنتاج الدم. وتتوافر أنواع جديدة من المنظفات المنزلية في الأسواق لا تنطلق منها أبخرة سامة عند فتح عبواتها أو استعمالها, لكن يحتاج استعمالها إلى ارتداء قفازات على اليدين.

          وتزداد شدة أصوات جمعيات حماية البيئة في العالم للمناداة بالعودة إلى استعمال الصابون في عمليات تنظيف أواني الطبخ وأطباق الطعام, عوضًا عن المنظفات الصناعية بالرغم من قول إنه لا يؤدي عمله بشكل جيد في المياه العسرة, ونحتاج إلى استعمال كميات أكبر من الصابون في عمليات التنظيف. ويستطيع الصابون عند توافر الماء اليسر أداء وظيفته التنظيفية على أكمل وجه. ولايزال الصابون أكثر المنظفات المنزلية أمانًا لصحة الإنسان, وذا فعالية في عمليات التنظيف, بشرط توافر الماء اليسر, ويمكن استعمال عوامل تنظيف طبيعية حضرت من مركبات غير ضارة.

          وتنصح ربات البيوت للتأكد من عدم تلوث أواني الطبخ والأطباق المستخدمة على موائد الطعام بالمنظفات الصناعية السائلة أو الجافة بشطفها بأحجام كافية من الماء. وهناك ضرورة لإجراء دراسات علمية باستخدام حيوانات التجارب على مواد التنظيف المنزلية لتأكيد تأثيراتها الضارة المحتملة على صحة الإنسان أو نفيها.

 

محيي الدين لبنية   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات