الإصلاح.. من أين نبدأ?

 الإصلاح.. من أين نبدأ?
        

  • 70 مليون أمي في العالم العربي, و10 ملايين طفل خارج المدارس, وأكثر من نصف النساء العربيات لا يُجدن القراءة ولا الكتابة
  • الديمقراطية المنشودة لا يمكن أن ينهض بها مجتمع أغلبه من الأميين أو المتعلمين بأساليب التلقين والامتثال
  • المعرفة عندما تشيع في المجتمع تلجم أهواء السياسة وتشذب جنوح المصالح المتضاربة

          سيظل حديث الإصلاح موضوعًا للجدل, وربما المراوغة, مادام اقتصر على زاوية الرؤية, التي لا ترى إلا مفهوم الإصلاح السياسي سبيلاً لتطور المجتمع العربي. وبالرغم من الأهمية القصوى للإصلاح السياسي, فإن هناك أصلاحًا لايقل أهمية عنه, وهو الإصلاح الاجتماعي, الذي لن تعيقه كثيرًا مداورات السياسة ومناوراتها, بل قد يكون هذا الإصلاح الاجتماعي عنصر الاتفاق, أو بعض الاتفاق, بين فرقاء السياسة. وفي قلب عملية الإصلاح الاجتماعي يشكل التعليم حجر الزاوية لأي بنيان نهضوي, وهو ما أشارت إليه تجارب الآخرين, وشرعت فيه محاولات النهضة العربية المجهضة.  

          في افتتاحية الشهر الماضي, طرحت سؤالاً في إطار الحديث عن الإصلاح هو: من أين بدأ غيرنا? وكان الهدف من التساؤل هو البحث عن مرشد لترتيب أولويات الإصلاح, فثمة لغط كبير يجعل من هذه العملية - ترتيب الأولويات - منطقة مهجورة في ساحة نداءات وصرخات الإصلاح ذات النبرة السياسية, والتي ترى الإصلاح وقفًا على تغيير الحكم دون المحكومين. وهي طريقة تفكير تعكس النظر إلى الشعوب ككيانات بريئة براءة الملائكة مما هي فيه, وغير مسئولة - أدنى مسئولية - كما يروق لبعض السياسيين الذين يريدون أن يكونوا وكلاء عن الشعوب, القاصرة, لكنه لا ينبغي أن يكون مقبولاً ممن يرون أن الشعوب راشدة, أو ينبغي أن تكون راشدة, على الأقل فيما يخص تسيير شئونها المجتمعية, والتعليم - بداهة - في القلب من هذه الشئون. وهو أمر رأيناه على رأس أولويات الشعوب في مشاريع نهضتها التي تكللت بالنجاح, أو النجاح النسبي: في الهند منذ بدايات تحررها على عهد نهرو, وماليزيا منذ خططت للانطلاق مع مهاتير محمد, وبقية النمور الآسيوية من كوريا الجنوبية حتى سنغافورة, ناهيك عن الغرب, الذي بدأ صعوده بالمعرفة فيما سمّي بعهد الأنوار بعد عصر النهضة. ثم إن قضية, أو قضايا التعليم, صارت أرقًا لا يخلو منه أي بيت عربي, وهو أرق يتجاوز الحدود الشخصية, ليلامس قضية الوجود العربي ذاته, في الحاضر, وفي المستقبل القريب والبعيد على السواء. ولم تقتصر نداءات إصلاح التعليم على الدول العربية الموصوفة بالفقيرة فقط, بل تعدتها لتشمل الدول العربية الغنية أيضًا. كما أن نداء إصلاح النظام التعليمي في العالم العربي, تجاوبت أصداؤه لتشمل الأرض العربية كلها من المحيط إلى الخليج, ويكفي أن ندخل إلى شبكة الإنترنت ونطلب عبر أحد محركات البحث مادة (إصلاح التعليم) لنفاجأ بسيل من المعالجات والمجادلات وتقارير المنظمات الدولية والعربية عن مشاكل التعليم العربي, ومقترحات التطوير ومعوقاته, في كل البقاع العربية تقريبًا, ناهيك عن المطبوعات التي تصدر والندوات التي تعقد هنا وهناك, وعلى مدار العام, في كل أنحاء العالم العربي, لمناقشة مشكلات التعليم وخطط تطويره. فهل الموضوع يستحق كل هذه الضجة? - على حد تعبير الكاتبة البحرينية د.منيرة فخرو, التي عنونت مداخلتها في جريدة البيان: (إصلاح التعليم, هل يحتاج إلى كل تلك الضجة)?

من زوايا مختلفة

          لقد أجابت الكاتبة عن تساؤلها بما يقارب (نعم), عبر السطور الأولى من مداخلتها, إذ قالت: (كثر الحديث حول التعليم وإصلاحه في الوطن العربي, وكان تقرير التنمية العربية قد ذكر أن حوالي 65 مليونًا من المواطنين العرب أميون, كما توجد دلائل عديدة على تناقص الكفاءة الداخلية للتعليم, وتتبدى في ارتفاع نسب الرسوب وإعادة الصفوف الدراسية, وتردي نوعية التعليم بحيث تغلب عليه ثلاث سمات أساسية هي تدني التحصيل المعرفي وضعف القدرات التحليلية والابتكارية واطراد التدهور فيها).

          وفي جريدة الرياض, يكتب د.حمد بن عبدالله اللحيدان, عن مشكلة التعليم من زاوية مختلفة, تتعلق بالعولمة قائلاً: نعم, إن العولمة أكثر من مجرد كلمة تتردد على الألسن, فهي قد أضحت حقيقة ملموسة, ذلك أنها تتميز بتقنيات, وشبكات معلومات سريعة, مبنية على المعرفة, وهذا يجعل لها تأثيرًا على جميع الصفوف المدرسية, وعرَبَتُها في ذلك الحاسوب وتقنيات الاتصال. ولا شك, أن هناك حاجة ماسة ودائمة إلى مراجعة الأولويات والمزايا التي ينبغي أن يبنى عليها التعليم, وذلك لأنه استثمار في رأس المال البشري من ناحية, ولأن تكلفة التعليم وأرباحه من القضايا الجوهرية في اقتصاد التعليم. وهذا يوجب إعادة فحص البيانات والمعلومات ذات الصلة, خصوصًا في ضوء المتغيرات والظروف المستجدة , سواء كان ذلك في الاقتصاد أو السياسة أو المجتمع. وهذه المتغيرات فرضتها زيادة عدد السكان, وقلة الأيدي الوطنية المدربة, ومتطلبات سوق العمل, والحاجة إلى التدريب وإعادة التدريب الجيد, وعدم توافر المعلومات والبيانات الدقيقة, هذا بالإضافة إلى مستجدات التجارة العالمية, التي هيمنت عليها قوانين وأحكام منظمة التجارة العالمية. كل ذلك يفرض أن يستجيب النظام التعليمي بشقيه العام والعالي بسرعة لتلك المتغيرات والمستجدات.

          ومن زاوية ثالثة, تتكلم في مصر د.إلهام عبدالحميد, معبرة عن رفضها تأجيل قضية إصلاح التعليم, لحين إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية أولاً, مؤكدة أهمية وضرورة إصلاح المنظومة التعليمية بالبلاد, لاسيما في الوقت الحالي, عبر المشاركة والتعاون بين مؤسسات المجتمع المدني, والمؤسسات التعليمية, ونشر المفاهيم الحقوقية من خلال معلمين أكفاء, وتحويل واقعهم إلى واقع اقتصادي أفضل, والقضاء على ثقافة التلقين, وكذلك ثقافة الطاعة, وأهمية تحسين المناخ السياسي والاقتصادي, من أجل تحقيق تحسينات ملحوظة في المجال التعليمي.

          ويضيف د. مجدي عبدالحميد رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية قائلاً: إن عملية الإصلاح ينبغي أن تشمل كل عناصر العملية التعليمية من طلبة, ومدرسين, ومادة علمية,ومناهج وطرق تدريس, وإدارة, وبيئة محيطة, فمن الضروري الخوض في التفاصيل الجزئية, باعتبارها جزءًا من كل يكمل بعضه بعضًا, وليس العمل فقط في أجزاء منفصلة ومن دون تراكم.

الأرقام تتكلم

          تقول الأرقام إن عدد المتخرجين في الجامعات العربية, بلغ عشرة ملايين خريج عام 1997, وكانت نسبة المتخصصين في العلوم من مجمل هؤلاء لا تتجاوز 29 في المائة, أما نسبة الإنفاق الإجمالي على التعليم في الأقطار العربية فهي لا تتجاوز 1% من ميزانياتها, وفي عام 1996 كان هناك 60 مليون عربي لا يجدون سبيلاً للمعرفة, و9 ملايين طفل عربي خارج التعليم الابتدائي, و15 مليون شاب عربي خارج التعليم الثانوي, و60% من النساء العربيات لا يُجدن القراءة والكتابة, و44% من الرجال لا يجيدون القراءة والكتابة. وقدرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم, أن عدد الأميين في العالم العربي ضخم, ويصل إلى سبعين مليون شخص في هذا العام 2005, وقد ورد هذا الرقم في التقرير الذي قدم في اجتماع مجلسها التنفيذي الأخير. وأشار التقرير أيضًا إلى أن هذه النسبة تكاد تعادل ضعف المتوسط العالمي للأمية, كما ورد في التقرير أن عدد الإناث في الرقم المذكور, يقترب من ضعف عدد الذكور. وكانت منظمة (اليونيسيف) قد أعلنت, في تقرير مشترك, مع جامعة الدول العربية, صدر في 11 أبريل الماضي, أن (هناك أكثر من عشرة ملايين طفل في العالم العربي خارج إطار النظام المدرسي).

          وهنا تجب الإشارة إلى أن الأطفال, يشكلون ما يقرب من نصف عدد السكان في بعض دول العالم العربي, ويتزايد تعداد السكان العرب بصورة سريعة, حيث ينتظر أن يصل عددهم إلى ما يقرب من 400 مليون نسمة بحلول العام 2015.

          لقد أضاف التقرير المشترك, أن هناك (أكثر من نصف النساء في العالم العربي يجهلن القراءة والكتابة, الأمر الذي يحول بينهن وبين الوصول إلى مصادر المعلومات والمعرفة التي يمكن أن تؤدي إلى تحسين حياتهن وحياة أطفالهن, ويحول دون الحصول على الخدمات الصحية الرئيسية, والخدمات الاجتماعية المختلفة).

          إن هذه الأرقام, مع بعض التباينات الطفيفة في التقديرات بين جهة وأخرى, ومن عام إلى عام مختلف, تشير إلى أزمة حقيقية في مجال التعليم بالبلدان العربية ككل, بالرغم من نهوض بعض البلدان, بتدشين مشاريع تعليمية خاصة - في المستوى الجامعي - ذات مستوى عالمي. فالتقييم العام لأي نشاط مجتمعي - ومنه التعليم - لا يمكن الحكم عليه بالاستثناءات القليلة, بل الجسم العام للنشاط المجتمعي والقاعدة المتسعة لمن يشملهم هذا النشاط هي التي تحدد المؤشرات الحقيقية لأي تقييم. أما الانطباع العام لدى مجمل المواطنين العرب, مع بعض الفروق هنا أو هناك, فهو متبلور في شكوى شاملة مما آل إليه قطاع التعليم الوطني في الأقطار العربية, شكوى يضج بها الناس ويعلنها الطلاب وذووهم على السواء, وتعبّر عنها بشكل صارخ, الأعداد المتزايدة من الخريجين الذين لا يجدون عملاً يتناسب مع ما درسوه, ومنهم أعداد كبيرة من الحاصلين على درجة الدكتوراه.

أجراس التحذير

          ليست مؤشرات البطالة العربية وحدها هي التي تدق أجراس الإنذار مما وصلت إليه أزمة التعليم في العالم العربي, فهناك مخرجات سلبية للعملية التعليمية تتمثل في ضخ موجات من المتخرجين ضعاف التأهيل للانخراط في نشاطات المجتمع العربي, وهؤلاء لا يتوقف دورهم السلبي على أداء متدن في المواقع, التي يلتحقون للعمل بها, بل الأخطر أنهم يشكلون بداية دائرة مدمرة عندما يتحوّلون بحكم مواقعهم إلى معلمين ومدربين لأجيال جديدة تليهم, سواء في مؤسسات التعليم المختلفة, أو مرافق الصناعة والزراعة والخدمات وغيرها, فالمعلم السّيئ ينتج طلابًا أسوأ, والمهندس الضعيف ينشئ فنيين أضعف, والطبيب الجاهل يقتل الناس بسرعة أو ببطء تبعًا لتخصصه وملابسات عمله. وهذه البدايات الرديئة تظل تتفاعل حتى تدور الدوائر على المجتمعات ككل, وتتفشى القيم السلبية في العمل والسلوك, من عدم الإتقان إلى تزوير الجودة, ومن ثم الكتب وكل ما يلي الكذب من تشوهات بشرية. وعندما تنتشر تشوّهات الأداء الفردي تتبلور حالات من التشوّه العام الذي يقوض أعتى المجتمعات, ثم إن هناك علاقة مباشرة بين الإصلاح, أي إصلاح - سياسيًا كان أو اجتماعيًا - ومخرجات العملية التعليمية, فالديمقراطية المنشودة, بأي مواصفات كانت - أصيلة أو وافدة - لا يمكن أن ينهض بها مجتمع الأغلبية فيه من الأميين, والمتعلمون فيه أكثرهم لم يحصلوا إلا على قشور من المعرفة السطحية, وأثقال من مناهج التلقين والامتثال الفكري والجمود. هؤلاء وأولئك لا يمكن أن ينجزوا إصلاحا حقيقيًا - وخاصة مع بروز منطق للإصلاح يربط حيوية ومنعة الإصلاح بالمعرفة. ولعل د. محمد السيد سعيد هو أحد الذين انتبهوا إلى هذا الجانب مبكرًا, وبسوية حضارية نادرة وسط صخب الفكر السياسي, عندما أشار إلى أن غالبية النظم السياسية في التاريخ, نشأت بفضل تمكّن تيار سياسي ما من السيطرة على السلطة بفضل ثورات أو انتفاضات شعبية, أو انقلابات عسكرية وسياسية, أو حروب أهلية ودولية, ما يعني أن غالبية النظم السياسية ولدت ولادة عنيفة, بعد أن تمكنت مدرسة سياسية أو طبقة اجتماعية أو جماعة قومية من حسم الصراع السياسي, والتنافس على السلطة لمصلحتها. وكان من شأن هذه الولادات العنيفة أن تطرح ثمارها المغالية في العنف, وتنقلب على ذاتها, وتأكل أبناءها مثلما حدث مع نازية هتلر وبروليتارية ستالين, وكثير من النماذج القديمة والجديدة, التي تموه نوازعها بادعاءات أبعد ما تكون عن ممارستها في الواقع السياسي والاجتماعي. وعلى النقيض من ذلك, كانت هناك نماذج قليلة في التاريخ, مثل دولة أثينا الديمقراطية, التي قامت على دستور (صولون), الذي تكون عبر مناقشات فكرية خلاقة, مهدت لبزوغ هذا النظام الدستوري لهذه الدولة الاستثناء في القرن السادس قبل الميلاد. وهو استثناء حاولت البشرية تكراره في الديمقراطيات الحديثة, التي بالرغم من إدانة بعض ممارساتها - الخارجية خاصة - فإنها تحقق شرعية بين أبنائها لا يدانيها فيها أي من الأنظمة, التي استقر لها الأمر بالعنف والعسف, ثم إن الازدهار والنهضة المتحققين عبر الحوار السلمي في مجتمع يقوم على المعرفة, يكون لهما البقاء الأطول والأكثر تأثيرًا في صون حقوق الإنسان في هذا المجتمع. وتظل للمعرفة القدرة على لجم الأهواء, وتشذيب المصالح, التي تكمن وراء أي سلطة سياسية, وتحقيق التوازن الأفضل بين الاعتبارات المتعارضة في كل سياسة عامة, ومن هنا تتبدى الأهمية القصوى لإصلاح التعليم كأولوية, وبداية لأي إصلاح, فكيف يكون إصلاح التعليم?

إصلاح التعليم....العنصر الغائب

          لقد كان لي حظ المتابعة المباشرة لمناقشات مؤتمري الإصلاح العربي الأول والثاني في مكتبة الإسكندرية, وكان من المحاور الرئيسية في هذه المناقشات محور يتعلق بإصلاح التعليم, الذي انفرد بمؤتمر مستقل, تمخضت عنه ورقة رئيسية تعتبر كتابًا متخصصًا في مناقشة القضية من خلال نقاط أساسية تصلح لأي مجتمع ضمن منظومة الدول النامية والساعية للتقدم, انطلاقًا من أهمية التعليم في تحقيق التنمية المستدامة, وما يتبع ذلك من إمكان اللحاق بالتطورات السريعة, التي يشهدها العالم في كل المجالات, وبصفة خاصة مجال المعرفة. وقد تركزت مناقشات المؤتمر, ومن ثم الورقة الرئيسية / الكتاب, في ثمانية محاور ناقش فيها المجتمعون مفاهيم الإصلاح بهدف الخروج برؤية واضحة عن المشكلات, التي يواجهها نظام التعليم في المراحل المختلفة, ووضع الاقتراحات وآليات التنفيذ للتعامل مع هذه المشكلات. وكانت المحاور الثمانية هي: التعليم قبل المدرسي, والتعليم المدرسي, والتعليم الجامعي, والبحث العلمي, وبرامج التدريب والتأهيل المهني, وتعليم الكبار ومحو الأمية, وهوية التعليم, وأخيرًا دور المكتبات في تطوير التعليم والبحث العلمي. أما محاور الإصلاح, فكانت تتلخص في: توسيع قاعدة المشاركة المجتمعية, وتحقيق مبدأ الجودة الشاملة في التعليم, واستكمال البنية الأساسية للمعرفة.

          وبالرغم من الطابع المهني الاحترافي للمناقشات, ومحتويات الورقة الرئيسية / الكتاب, فإنني استشعرت غيابًا لعنصر أساسي تكرر غيابه في مناقشات أخرى لقضية إصلاح التعليم في أكثر من بلد عربي, وهذا العنصر الغائب هو (الإبداع) في العملية التعليمية, بمعنى إفساح المجال للابتكار والاختيار وإعطاء دور للتميز والموهبة, فهي أمور أساسية في النهوض, لأن التميز والابتكار هما القاطرة, التي تشد العملية التعليمية كلها للأمام, لتغادر التخلف والجمود وتنبذ التلقين والامتثال وتكرار إنتاج التخلف. ومن المدهش أن عنصر الإبداع في مدارسنا العربية, لم يكن غائبًا في عقود ماضية, بقدر ما هو غائب الآن, فالمعلمون في مدارسنا العربية منذ عقود قليلة خلت, كانت لديهم هذه الروح المنتبهة إلى عناصر الابتكار والتميز والموهبة, وكانت لهم أساليبهم البسيطة المخلصة لاكتشاف وتحفيز هذه العناصر. ولن تجد عالماً عربيًا كبيرًا, ولا أديبًا متميزًا إلا وهو يعبر عن امتنانه لأساتذته البسطاء المخلصين هؤلاء. فهل نتقدم مع الزمن أم نتخلف?!

الأمل برغم الألم!

          لاشك أن الأمل في إصلاح التعليم العربي, ليس منقطعًا تمامًا, بل هو قادم وقد بدأ الناس يستشعرون أهميته. ومن المفارقات أن أجد لمحة من الانتباه لعنصر الإبداع في العملية التعليمية تنبض في فلسطين عبر خبر عن توقيع هيئة الاتصالات الفلسطينية, مذكرة تفاهم مع منتدى العلماء الصغار, يتعاون الطرفان بموجبها على تأسيس عدة مراكز لتشجيع التفكير والإبداع في مناطق مختلفة من فلسطين. وبهدف المشروع إلى إيجاد بيئة مواتية للأطفال, ليظهروا ويمارسوا ما لديهم من إبداعات وطاقات متميزة في مجال تكنولوجيا المعلومات, وذلك ضمن إستراتيجية المسئولية الاجتماعية, التي قررت الشركة تخصيصها للإبداع والتميّز خلال العامين الحالي والقادم, لتشجيع وتحفيز التفكير الإبداعي, والتميز عن طريق التعليم.

          وحول إطلاق المشروع في هذا الوقت بالذات, قال القائمون عليه (بالرغم من حزننا على شهدائنا - رحمة الله عليهم - وبالرغم من الظروف الحرجة, التي تمر بها بلادنا, عزمنا على أن نطلق مشروع دعم الإبداع والتميز في فلسطين, فهذا المشروع يؤسس لمستقبلنا ومستقبل أطفالنا تحت مظلة تنمية العلم والمعرفة, واستكشاف الطاقات والإبداعات الكامنة في مجتمعنا).

          إنها لمحة تدعو للتفاؤل في مجتمع عربي يعيش أقسى الظروف. ولاشك أن كل المجتمعات العربية, بها الكثير من هذه اللمحات المنتبهة لأهم عناصر الإصلاح: التعليم, التعليم الذي إن صلح شأنه صلحت شئوننا نحن العرب جميعًا.

 

سليمان إبراهيم العسكري   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات