أحذية عند الباب (قصة × صفحة)

 أحذية عند الباب (قصة × صفحة)
        

          أمعقول?!!? مازالوا متسامرين حتى الهزيع الأخير من الليل? من الغريب حقًا ألا أسمع لهم صوتًا!! كثرة الأحذية والنعال أمام باب غرفتها, تجعلني أخمّن أنها دعت كل العاملين معها في الفندق. ماذا تُراهم يقولون لها, وهي تشكو لهم آرائي الصّادمة في أحيان كثيرة?! لا أحسبهم عابئين بمواساتها, كما لا أتمنى أن يحرّضوها على ترك المنزل! لست أنسى نظراتهم الساخرة من سذاجتها أول أمس, وهي تصف لهم إحساس عاملة المصعد: (حين أصعد بالزبائن لأعلى أرى العالم تحت قدميّ, وملكًا لي ولأحلامي!). قالتها باحتفالية كبيرة قبل أن تسترسل في انطفاء: (أمّا حين أنزل بهم إلى أسفل, أراني كما أي حشرة مقزّزة يدوسها أيٌّ كان) !!. إحساسها هذا كان يتجاوز المصعد إلى الحياة بشكل عام. كنت بهذا الأدرى!!

          هل تنتظر منّي إلا أن ألومها على صداقتهم المُفبركة... وعلاقتهم معها, التي تسقط كلّ حين في مستنقع مزاجيّتهم!

          هي فعلا ثرثارة بشكل غير عاديّ, وصحيحٌ أنك لو سألتها عن الوقت لشرحت لك كيف صُنعت الساعة? لكن الوقت جدًا متأخر, ثم هي لا تحب هذا الليل الصموت الذي أعشقه أنا!!

          إنني لا أمارس عليها أيّ نوع من الأستاذية, إنّما يؤرقني تربّعها على عرش الأحلام/الأوهام في برجها العاجيّ! إلى متى عساني أظلّ أقول وأكرّر لها  إن أغلب الناس رماديّون وغير واضحين, وإنّ عليها أن تحذو حذوهم!!

          ...الوقت...تبّا لهذا الوقت الذي يمرّ بطيئًا. الثالثة والنصف صباحًا. كل الأحذية في مكانها. ألا لعنة الله على سويعات الانتظار هذه! كيف انسجموا في الحديث معها?

          هناك أسطورة ما أنفكّ أسقطها عليها بشكل مختلف, وبرؤيتي الخاصّة. تقول الأسطورة: إن القردة تنجب أحيانًا توأمًا, فتخصّ أحدهما بالحبّ والحنان, وتمدّه بالطعام في عناية ورفق, بينما تدير وجهها عن التوأم الآخر وتهمله. لكن بحكم إرادة إلهية, يموت القرد المدلّل صغيرًا, بينما يعيش القرد المنبوذ حتى الشيخوخة. أيضًا هي قذفتها الحياة بعد أن خصّتها بروح شفّافة نقيّة, وفؤاد محبّ وصاف, اعتنت بها كثيرًا حين أرضعتها حلمًا ورقّة وعشقًا بلا حدود لهذا الكون. بالمثل قذفت الحياة بتوائم عدة لها. ذوي وجوه سمجة, كمية الشرّ في دواخلهم مخيفة لا ينضب معينها.

          الرابعة والنصف صباحًا, عدد الأحذية عشرة. أي أنه لا أحد منهم قد غادر. سأنقع غليلي منها لاحقًا. خليق بها أن تعاتبني, تبثّني غضبها وحزنها منّي كما اعتادت. لا أن تسمح لهؤلاء المتحذلقين بحشر أنوفهم في خصوصياتها!

          تمتدح لي الابتسامة البريئة لرئيسها الجديد في العمل, تستبق الحديث عن طيبته ونبله. لهذا أنعشت ذاكرتها بالبيت القائل: (إذا رأيت أنياب الليث بارزة, فلا تظنن أن الليث يبتسم!!) استحقّت أن أوقظها من غفوتها وانتظارها لرجل لن يأتي. تريده صادقًا وفيًا, تتجسد رجولته في احترامه لكينونتها, وإيمانه بوجودها وقدراتها, من أجل هذا عملت على أن أؤكد لها أن الرجل الحقيقي في زمننا البئيس هذا, هو الذي لا يكفّ عن الصراخ والسباب, فبهذا يثبت أنه رجل حقيقي و(سوبرمان) آخر, مهمته الأساسية تدجين النساء!

          تفخر هي على الدوام بأن لها أصدقاء ذكورًا كثرًا, وأنها حققت نصرًا ما بعده نصر, تتبادل وإياهم كلمة (أحبّك) دون أدنى مركّب نقص, وتنكيلاً بأوهامها سألتها: (ليس هناك من صداقة بين رجل وامرأة, فكيف بالتّصريح بكلمات حب بريئة بينهما)?!

          بفرح طوباوي تحكي لي عن أكلها للحمص بالكمون مع بعض الأطفال على ناصية الشارع, عن لعبها الكرة معهم بعد ذلك, عن صراخها أمام المارّة تعبيرًا عن سعادتها, ماكان منّي إلا أن أضحك من بساطتها وتلقائيتها الغبيتين, وأنصحها بالتصنّع والترفّع عن كل ذلك إذا أرادت ألا تتهم بالجنون!!

          الخامسة والنصف فجرًا, مازالت الأحذية تغازل بعضها بعضًا أمام باب غرفتها, هي لا تستطيع أن تظلّ غاضبة منّي, هي لا تغضب من أحد!

          حسنًا...لابأس, سأحزم أمري, خطاي الواثقة من تردّدها تحملني لغرفتها, بهدوء أفتح الباب...و...!!

          يالغبائي وذاكرتي المثقوبة!!! فعلتها البريئة بخبث, ليس سواها بالغرفة, لا أدري من أين جمعت كل هذه الأحذية ووضعتها أمام غرفتها حتى لا أزعجها, وتنجو من تقريعي. نائمة مثل كتكوت مبتلّ.

          أنا خير مَن يعلم أنها ستستيقظ في السادسة صباحًا, وتهرع إليّ لتحضنني وتعتذر, وإن كنتُ أنا الملومة, فيها كل ما أتمنى أن أكونه, لكنّها لن تنجو من تقريع حادٍ غدًا!!

 

منى وفيق   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات