هل نصلح ثقب الأوزون بالاحترار الكوني?

هل نصلح ثقب الأوزون بالاحترار الكوني?
        

          يعتبر تعامل المجتمع الدولي مع مشكلة ثقب الأوزون قصة نجاح حقيقية, بل إن التعاون الدولي في مجال الحفاظ على طبقة الأوزون كان ناجعًا وفعالاً, إلى حد يجعله نموذجًا يحتذى في التصدي لقضايا بيئية خطيرة أخرى, مثل الاحتباس الحراري وتطوير بروتوكول كيوتو. لكن علماء يقولون إننا ربما عالجنا ثقب الأوزون على حساب مشكلة لا تقل خطورة عنه, وهي مشكلة ارتفاع درجة حرارة الأرض, أو الاحترار الكوني.  

          والأوزون غاز أزرق اللون, باهت يذوب في الماء وله رائحة خاصة, وهو سام بالنسبة للإنسان حتى في تركيزاته الضعيفة. ويتكون جزيء الأوزون, ورمزه الكيميائي o3, من ثلاث ذرات أوكسجين, وهو يتولد في الجو نتيجة تأثير الأشعة فوق البنفسجية على جزيئات الأوكسجين, التي تتكون من ذرتي أوكسجين وتحمل الرمز o2.

          وتوجد طبقة الأوزون في الغلاف الجوي للأرض, في الجزء الأعلى من الغلاف الجوي في طبقة الستراتوسفير, وتمتد من ارتفاع 10 إلى 50 كيلومترا (من 6 إلى 30 ميلا) من سطح الأرض. وتصل تركيزات الأوزون في هذه الطبقة إلى 10 أجزاء في المليون, حيث يوجد 90% من كميات هذا الغاز في كوكبنا. ويتكون الأوزون في هذه الطبقة بفعل تأثير أشعة الشمس على جزيء الأكسجين. وتحدث هذه العملية منذ ملايين السنين.

          وتركيزات مثل هذه على سطح الأرض, أو في الطبقة الدنيا من الغلاف الجوي المعروفة باسم التروبوسفير, تكفي لتدمير معظم أشكال الحياة عليها, لكن المركبات النيتروجينية , التي تتكون في الطبيعة حافظت على مستوى تركيزات الأوزون في الغلاف الجوي مستقرا, بحيث لا تمثل جزيئات الأوزون في التروبوسفير سوى 3 من كل عشرة ملايين جزيء. ويقاس تركيز الأوزون في الجو بوحدة جزء من المليون من حيث الحجم. ويقاس هذا التركيز بجهاز يسمى مقياس دوبسون للتحليل الضوئي, وهو جهاز يحلل طيف ضوء الشمس وقوة ظهور خطوط الطيف , التي يشكلها غاز الأوزون.

          وفي الظروف الطبيعية, يتحرر الأوكسجين نتيجة لعملية التمثيل الضوئي للنباتات ويرتفع إلى طبقات الجو العليا ويتحول بتأثير الأشعة فوق البنفسجية من أوكسجين o2 إلى أوزون o3. ولأن الأوزون أثقل من الأوكسجين فإنه ينزل إلى طبقات الجو السفلى, ولأنه مركب غير مستقر, فهو يتجزأ ليعطي ذرة أوكسجين حرة تستطيع الالتصاق بجزيئات الملوثات وتؤكسدها, ويبقى غاز الأوكسجين الأكثر فائدة, الذي يحيط بالكرة الأرضية, وبذلك فان طبقة الأوزون تقوم بتنقية الهواء والماء.

          غير أن الأهمية الحيوية لطبقة الأوزون بالنسبة للحياة على كوكبنا - ولحياة البشر بشكل خاص - تتمثل في أنها المسئولة عن حماية الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الضارة, التي تنبعث من الشمس, والتي تسبب الإصابة بالسرطان. ومنذ أن ظهرت الحياة على الأرض, ظلت طبقة الأوزون تعمل كمصفاة طبيعية تنقي أشعة الشمس وتمتص معظم أشعة الشمس فوق البنفسجية النشطة بيولوجيا من النوع  ultraviolet-B , وكل الأشعة فوق البنفسجية القاتلة من النوع  ultraviolet-C.

          وبالتالي, فإن طبقة الأوزون عامل جوهري للحفاظ على الحياة , التي نعرفها. وسيعني استنزافها مزيدا من نفاذ الأشعة ب, التي تمتصها المادة الوراثية للكائنات الحية, وبالتالي المزيد من سرطانات الجلد الحميدة والخبيثة, والمزيد من إعتام عدسة العين (مرض الكتاراكت), والمزيد من تراجع أجهزة المناعة, وتدمير أنظمة المحيطات الإيكولوجية, وتراجع الغطاء النباتي وغلة المحاصيل.

استنزاف الأوزون

          لذا انتاب العلماء قلق كبير في العام 1970 عندما أشار البروفيسور بول كروتزن إلى احتمال استنزاف الأكاسيد النيتروجينية الموجودة في المخصبات الزراعية, ووقود الطائرات النفاثة الأسرع من الصوت لطبقة الأوزون. وفي العام 1974, اكتشف العالمان شروود رولاند وماريو مولينا, أن غازات الكلوروفلوروكربون, التي استخدمت طويلا في التبريد في الثلاجات والمكيفات, وكمادة دافعة في رذاذ الإيروسولات (البخاخات), تستنزف طبقة الأوزون. وتقديرا لاكتشافهما هذا, منحا في العام 1995 جائزة نوبل في الكيمياء تقديرا لعملهما الرائد.

          وكان يعتقد قبل اكتشافهما هذا أن غازات الكلوروفلوروكربون غازات خاملة لا تتفاعل مع الكائنات الحية, ولا تذوب في مياه المحيطات, ولا تزيلها الأمطار من الهواء. لكن رولاند ومولينا اكتشفا أن هذه الغازات تبقى خاملة في طبقة التروبوسفير الدنيا, لكنها عندما تصعد إلى طبقة الستراتوسفير العليا - حيث الأشعة فوق البنفسجية قوية - تتحلل إلى مكوناتها من الذرات ومن بين مكوناتها ذرات الكلور , التي تعمل كعامل حفاز يحطم جزيئات الأوزون (المكونة من ثلاث ذرات أوكسجين) إلى جزيئات أوكسجين (ذرتين فقط). وقد وجد الباحثان أن جزيء غازات الكلوروفلوروكربون يمكنه أن يدمر مائة ألف جزيء من الأوزون.

          وفي مطلع ثمانينيات القرن الماضي, اكتشف العلماء العاملون في القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) فجوة كبيرة في طبقة الأوزون فوق القارة المتجمدة. ويظهر هذا الثقب في طبقة الأوزون خلال فصل الربيع ويستمر عدة أشهر قبل أن يعود للانغلاق ثانية. وأظهرت الدراسات اللاحقة بواسطة الأقمار الصناعية أن الخطر لا يتمثل في ثقب الأوزون فقط, لكن في أن طبقة الأوزون نفسها تستنزف بمعدلات خطيرة.

          وتتقلص طبقة الأوزون فوق هذا الجزء من العالم باستمرار منذ بداية قياس حجمها في مطلع الثمانينيات. ويزداد تدهور الوضع فوق هذا الجزء من كوكبنا بسبب المناخ الشديد البرودة ووجود السحب القطبية في طبقة الستراتوسفير. وأخذت المساحة , التي يغطيها ثقب الأوزون في الاتساع التدريجي إلى أكثر من 20 مليون كيلومتر مربع في مطلع التسعينيات وظلت تتراوح بين 20 و29 مليون كيلومتر مربع منذ ذلك الوقت. وفي العام 2000, وصلت مساحة ثقب الأوزون إلى أعلى رقم قياسي مسجل, وهو 29 مليون كيلومتر مربع.

قصة نجاح نادرة

          فرضت الاكتشافات العلمية المتوالية على المجتمع الدولي ضرورة التحرك لمواجهة المشكلة, التي بدت كونية ولا تخص بلدا بعينه. وعندما تم التوقيع على بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنزفة لطبقة الأوزون في مدينة مونتريال الكندية في العام 1987, لم يكن أحد آنذاك واثقاً من أنه سيكون بالإمكان التخلص من المواد المستنزفة لطبقة الأوزون خلال الفترة الزمنية القصيرة , التي حددتها الاتفاقية.

          لكن بروتوكول مونتريال أثبت أنه قصة نجاح نادرة للعمل الجماعي على المستوى الدولي. فسرعان ما وقعته وصدقت عليه 36 دولة, بما في ذلك الولايات المتحدة, ليصبح بذلك معاهدة دولية ملزمة. وقامت بلدان العالم في عملية ناجحة تدريجياً بوقف استخدام المواد المستنفدة للأوزون.

          وبمقتضى هذا البروتوكول, سيتعين على الدول الموقعة عليه التخلي عن استخدام نحو 95 مادة كيماوية تساهم في تدمير طبقة الأوزون.

          وفرض بروتوكول مونتريال في العام 1995 حظرا على مركبات الكلوروفلوروكربون المحتوية على الكلور, والهالونات المحتوية على البرومين, يسبب آثارها المدمرة على طبقة الأوزون. ويقول برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة إنه أولاً وقبل كل شيء- نتيجة للبروتوكول - قلت المعدلات الكلية لاستهلاك مركبات الكلوروفلوروكربون من ما يقرب من 1.1 مليون طن في العام 1986 إلى 156 ألف طن حاليا, أي أنه تم التخلص بالفعل من أكثر من 90% من الإنتاج والاستهلاك العالميين. وأكثر من ذلك, فإن هناك تقدما مطردا قد حصل في اتجاه تخفيض أو إزالة ما تبقى من الإنتاج والاستهلاك.

          وبشكل عام كان النجاح الدولي ممتازًا, فسرعان ما أشارت بيانات برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة إلى أن معدل تدمير طبقة الأوزون في طبقة الستراتوسفير قد تناقص, وأننا الآن نشاهد أولى العلامات الإيجابية لتراجع طبقة الأوزون إلى وضعها السابق. وفي الوقت نفسه, يحذرنا العلماء من أن طبقة الأوزون ربما ستبقى سريعة العطب خاصة في القرن القادم أو في حدود هذه الفترة. ويقول الخبراء إن زوال ثقب الأوزون يستغرق عقوداً, لكنه آخذ في التقلص حالياً, إذا بلغت مساحته أخيرًا 11 مليون ميل مربع, بعد أن كانت مساحته تصل إلى 17 مليون ميل مربع في العام 2002.

          وقد كان بروتوكول مونتريال اتفاقا بيئيا دوليا يمثل نقطة تحول. وسجل نجاحا ملحوظا. فقد تم بحلول العام 1996 في البلدان المتقدمة النمو التخلص من إنتاج المواد المستنفدة للأوزون الأكثر ضررا, باستثناء عدد قليل من الاستعمالات الحرجة, وينبغي التخلص تدريجيا من تلك المواد بحلول العام 2010 في البلدان النامية. ومن دون هذا البروتوكول, كانت مستويات المواد المستنفدة للأوزون ستزيد عما هي عليه اليوم بأكثر من خمسة أمثال, وكانت مستويات الإشعاع فوق البنفسجي باء ستتضاعف عند خطوط العرض الوسطى في نصف الكرة الشمالي. ومن المتوقع وفقا للتقديرات الراهنة أن يستعيد تركيز مركبات الكلوروفلوروكربون في طبقة الأوزون مستويات ما قبل العام 1980 بحلول العام 2050.

          وقبل هذا البروتوكول لم تتمكن المفاوضات الحكومية الدولية وحدها من تعبئة الدعم الكافي لاتخاذ التدابير اللازمة البعيدة المدى. إلا أن الضغوط المكثفة , التي فرضتها منظمات المجتمع المدني, وتقديم أدلة علمية دامغة واكتشاف ثقب الأوزون الضخم فوق القطب الجنوبي (أنتاركتيكا) أدت في نهاية المطاف إلى إيجاد التوافق الضروري في الآراء لتوقيع الاتفاق.

تحديات عدة

          وبالرغم من كل ذلك النجاح, فإنه مازال هناك بعض التحديات , التي يجب التغلب عليها. ومن بين أهم تلك التحديات, ضرورة تحقيق الدول النامية تخفيضًا قدره 50% من استهلاك بعض المواد المستنزفة لطبقة الأوزون, بحلول العام الحالي. ومن الواضح أن بعض هذه الدول من الممكن ألا تحقق هذا الهدف وستحتاج إلى مساعدات فنية ومالية إضافية.

          ومن جهة أخرى, تبقى عملية التخلص من إنتاج واستهلاك مادة بروميد الميثيل غير مؤكدة, حيث سيتم منع هذه المادة في الدول المتقدمة, ما عدا الكميات الموافق عليها, من قبل الدول الأطراف في بروتوكول مونتريال لتأمين استخداماتها الحرجة, خاصة في مجال الزراعة.

          وكان من المتفق عليه, وفقا لبروتوكول مونتريال, أن يتوقف استخدام هذا الغاز نهائيا بحلول العام الحالي (2005), لكن الولايات المتحدة طلبت أن يتم السماح لها بزيادة استخدام مادة بروميد الميثيل بدلا من التخلص منها. وجاء الموقف الأمريكي ليعمق مخاوف البيئيين من تراجع الولايات المتحدة عن الوفاء بتعهداتها بحماية طبقة الأوزون, خاصة بعد انسحابها من بروتوكول كيوتو.

          ويضغط مزارعو الدول المتقدمة, بدءا من منتجي الفراولة وحتى زراع الفلفل الأخضر, على حكوماتهم من أجل الحصول على فترة سماح أكبر, وتطالب حكوماتهم بالاستمرار في استخدام الغاز الضار بالأوزون, بكميات أكبر ولفترة زمنية أطول. وتسعى الدول المتقدمة الآن, لإقناع الدول الموقعة على بروتوكول مونتريال, بالسماح لها باستخدام بروميد الميثيل.  لكن أنصار البيئة يؤكدون أن العودة لاستخدام غاز بروميد الميثيل, قد يعصف ببروتوكول مونتريال, وأن إجازة هذه الاستثناءات, قد تؤدي إلى استخدام غاز بروميد الميثيل بصورة مفرطة.

الأوزون والاحترار

          عندما اكتشف العالم أن غازات الكلوروفلوروكربون تسبب تآكل طبقة الأوزون, لجأ إلى جيل جديد من المركبات الكيميائية البديلة الصديقة للأوزون. واليوم, وبعد عشرين عاما من استخدام هذه الغازات, يواجه العالم  حقيقة مفزعة أخرى: وهي أن هذه الغازات البديلة الصديقة للأوزون, هي في واقع الأمر من غازات الاحتباس الحراري , التي تسهم في رفع درجة حرارة كوكبنا. وهكذا فإننا في الوقت الذي تقدمنا فيه على جبهة حماية طبقة الأوزون تراجعنا على جبهة الاحتباس الحراري.

          وهذا ما كشفت عنه دراسة جديدة لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة تحت عنوان (حماية طبقة الأوزون والنظام المناخي الكوني: القضايا المتعلقة بغازات الهيدروكلوروفلوروكربون وفوق الكلوروفلوروكربون).

          فوفقا لبنود بروتوكول مونتريال, تعين على الحكومات الكف عن إنتاج غازات الكلوروفلوروكربون والهالونات والاستعاضة عنها ببدائل آمنة. غير أن هذه البدائل, مثل الهيدروكلوروفلوروكربون وفوق الكلوروفلوروكربون, هي نفسها من غازات الاحتباس الحراري القوية. ولهذا السبب أدرجت هذه الغازات ضمن مجموعة الغازات , التي نص بروتوكول كيوتو على تقليص استخداماتها.

 

أحمد الشربيني   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




ثقب الأوزون في 11 سبتمبر 2003





بروميد الميثيل يستخدم لتخصيب العديد من المحاصيل الزراعية مثل الفراولة





العلماء اكتشفوا ثقب الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية





سيعني استنزاف طبقة الأوزون تدمير أنظمة المحيطات الإيكولوجية