الفراعنة اكتشفوا التلقيح الصناعي للنخيل

الفراعنة اكتشفوا التلقيح الصناعي للنخيل
        

          طالعت في مجلة (العربي) العدد (551) أكتوبر 2004 مقال د. سعدي الحديثي (النخل سيد الشجر), ولما كان لي اهتمام بالموضوع, أردت أن أشارك بهذا المقال.

          أثبت العلماء الذين يتصدّون لدراسة الكائنات الحية (نباتات وحيوانات), التي استحجرت في طبقات الأرض منذ فطرها الله, وجعلها صالحة للحياة قبل ستمائة مليون عام, أو تزيد, أن فصيلة النخليات (أصناف النخل), بدأت في الظهور أثناء حقبة بعيدة من الزمن تسمى في لغة العلم (العصر الديفوني) - نسبة لاكتشاف أولى طبقاته في مقاطعة (ديفوتشاير بإنجلترا), وأثبت العلماء كذلك أن أصناف النخيل قد ازدهرت في أوربا وكندا على وجه التخصيص قبل حوالي (مائة وثلاثين مليونًا) من الأعوام, حيث كانت تلك البقاع من الأرض صحراء مثل معظم أرجاء الوطن العربي.

          وقد دلت الحفريات في قبور الفراعنة أن نقوشًا خاصة بالتمر قد وجدت في معابدهم. وأن قدماء المصريين والعراقيين قد اكتشفوا عملية التلقيح الصناعي للنخيل منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل ميلاد المسيح - عليه السلام -, وأن تعاونًا علميًا كان قائمًا بين بلاد النيل وبلاد الرافدين في مسألة تطوير وتقدم زراعة نخيل البلح.

          كما أن هناك كثيرًا من الأديرة القبطية بها كتابات ومذكرات تبين ما كان للتمر من فوائد, وتقول الروايات إنه كان الطعام الوحيد للعذراء - عليها السلام - مدة حملها للسيد المسيح - عليه السلام - وتاريخنا حافل بالأدلة والشواهد, وأن جيوشنا الجرارة يوم فتحت البلاد والأمصار, لم يكن في جوف مقاتليها حين ذاك سوى بضع تمرات, وترى الآن بعض الجيوش الحديثة تزوّد جنودها في أسفارها بقليل من التمر مع بعض الأغذية المجففة الأخرى, ويحصي العلماء زهاء مائتين وعشرين جنسًا من النخليات, يتبعها أربعة آلاف صنف من نخيل البلح بأنواعه, والدوم وجوز الهند وما إليها, وحين تتكلم المراجع عن نخيل البلح, نجد أنها تقول بوجود مائة وثمانين مليون نخلة مزروعة فيما بين خطي عرض 14 درجة و36 درجة شمال خط الاستواء, وتنتج قرابة مليونين ونصف المليون طن من البلح والتمر, والنخيل نبات من العائلة النجيلية, والاسم العلمي لنخيل البلح هو Phoenix dactylifera.

رقلة وعيدانة

          النخل واحدته نخلة, قيل إنه مشتق من انتقاء الشيء واختياره, والنخيلة هي النصيحة الخاصة, يقال (لا يقبل الله إلا نخائل القلوب), أي النيات الخاصة ونخل الشيء: صفاه واختاره والنخيل مؤنثة.  وفي معجم ألفاظ القرآن النخل شجر الرطب والتمر, واحدتها نخلة وجمع النخل نخيل كعبد وعبيد, والنخيل من العرب مَن يؤنثه, ومنهم من يذكره, نقول النخل الباسق والنخل الباسقة, وجاء الكتاب باللغتين, فأما النخيل فمؤنث عند الجمع, وللنخلة أسماء نطقت بها العرب من حين تبدو صغيرة إلى أن تكبر, وكذلك الرطب من حين يكون طلعا إلى أن يصير رطبًا, تقول العرب لصغار النخل الجثيث, والهراء والودي والفسيل والأشاء. ويذكر الثعلبي في فقه اللغة إذا كانت النخلة صغيرة, فهي الفسيلة والودية, فإذا كانت قصيرة تتناولها اليد, فهي القاعدة, فإذا صار لها جذع لا يتناول منه المتناول, فهي جبارة, فإذا ارتفعت عن ذلك, فهي الرقلة والعيدانة, فإذا زادت فهي باسقة, فإذا تناهت في الطول مع انجراد فهي سحوق. وعن صفات النخلة, فإنها إذا كانت على الماء فهي كارعة ومكرعة, فإذا حملت في صغرها, فهي متهجنة, وإذا كانت تدرك في أول النخل, فهي بكور, فإذا كانت تحمل سنه وسنة لا تحمل, فهي سنهاء, وإذا كان بسرها ينتثر وهو أخضر, فهي خضيرة, وإذا دقت من أسفلها وانجرد كربها, فهي صنبور, وإذا مالت وبني تحتها دكان تعتمد عليه, فهي رجبية, وإذا كانت منفردة عن أخواتها, فهي عوانة. ومن أسماء الطلع, الجمار وهو رأس النخل, وإذا قطعت الجمارة لا تعيش النخلة بعدها أبدًا. ويقال له الكافور, والضحك والأغريض, فإذا انعقد سمته فهو السياب, فإذا اخضر قبل أن يشتد سمته فهو الجدال, فإذا أعظم فهو البسر, فإذا صارت فيه طرائق فهو المعظم, فإذا تغيرت البسرة إلى الحمرة فهي شحقة, فإذا ظهرت الحمرة, فهو الزهو, وقد أزهى, فإذا جرى الأرطاب فيها فهي منسبتة.

مميزات النخلة

          تمتاز النخلة في الأسرة النباتية بقوة التحمّل, يقول الأستاذ عبدالجبار البكر في كتابه (نخلة التمر):  (إن زراعة النخيل تزدهر وتثمر في البقاع, التي يكون جوّها طيلة فترة تكوّن الثمار - وهي الفترة بين التلقيح حتى نضج الثمار): مرتفع الحرارة قليل الرطوبة, خاليًا من الأمطار, وقد يتبادر إلى الأذهان أن متطلبات النخلة للمناخ غير واضحة, غير أنها كشجرة تنمو وينتعش نموّها في بقاع واسعة, ولكنها في كثير من هذه البقاع تعتبر شجرة زينة, حيث إنها لا تنتج ثمرًا جيدًا صالحًا للأكل, وعليه فإن المدى الذي تنتشر فيه زراعة النخيل بصورة تضمن بقاءه حيًا يزيد اتساعًا عن المدى الذي تعيش فيه النخلة لتنتج تمرًا جيدًا وبذرًا قابلاً للإنبات, والواقع أن نخلة التمر تصطفى من بين نخيل لا يثمر, ومن بين نخيل يشبهها شكلاً, ولكنه يختلف عنها في الثمر مثل أشجار جوز الهند. وقد أثبتت الدراسات أن نخلة التمر تتحمّل تقلبات درجات الحرارة إلى حد كبير, وعندما تهبط درجات حرارة الجو في بعض ليالي الشتاء إلى ما دون الصفر, تستمر النخلة في النمو, ولكن بصورة بطيئة, وبشرط أن تكون درجات الحرارة العظمى خلال النهار أعلى من 9 درجات مئوية, وفي قمة النخلة, نجد درجة الحرارة هناك ثابتة تقريبًا حوالي 9.5 درجة مئوية مع فارق واضح بينها وبين حرارة طبقات التربة التي تتخللها جذور النخلة, ويرجع ثبات الحرارة إلى العاملين التاليين:

          1- إن القمة النامية محاطة بغلاف سميك عازل, يتكون من عدد كبير من أعقاب السعف, ومن الليف المحيط به, وهذه الطبقات الكثيفة المتراصّة تساعد على منع تسرّب الحرارة الداخلية إلى الخارج وبالعكس.

          2- يؤثر تيار السائل الصاعد من الجذور إلى القمة في حرارة المنطقة النامية أعلى النخلة, بأن يجعلها لا تخالف حرارة المياه الأرضية المحيطة بالجذور إلا قليلاً, وبالتالي تبقى حرارة هذه المنطقة في النخلة ثابتة دون تغيير كبير, وتساعدها على مقاومة الحرارة المرتفعة في الصحارى, وكما تتحمل النخلة العطش والحرارة, فإنها تتحمل أيضًا الفيضانات والسيول وانغمار جذورها في الماء شهورًا, بل سنين طويلة, والنخلة لها فوائد لا تعد ولا تحصى, فليس الثمار فقط ما نأخذ من النخلة, بل إنه لا يوجد جزء منها بلا فائدة ابتداء من الجذع والساق والجريد والخوص حتى السل - الشوك, وقد رصد المصريون القدماء360 فائدة للنخلة بعدد أيام السنة تقريبًا.

صلاح عبدالستار الشهاوي
طنطا  - مصر

 

   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات