تاريخ السينما التسجيلية في مصر

 تاريخ السينما التسجيلية في مصر
        

          وضح جريرسون, أول تعريف للفيلم التسجيلي, فوصفه بأنه (المعالجة الخلاقة للحدث الواقعي).

          وقال: ريتشارد ما كان (إن أصالة الفيلم التسجيلي لا تنبع من قيامه على مادة من الواقع بقدر ما ترجع إلى أصالة توظيف هذه المادة).

          المخرج فان دايك يعرفه قائلاً (في الفيلم التسجيلي تكون عناصر الصراع الدرامي هي في حقيقتها قوى اجتماعية أو سياسية, وليست صراعًا بين شخصيات بعينها, ولهذا, فإن الفيلم التسجيلي صفة ملحمية, كما أنه لا يمكن تمثيله أو إعادة إنتاجه, فالفيلم التسجيلي هو فيلم يتناول مجتمعًا واقعيًا وأشخاصًا واقعيين ومواقف واقعية, إنه باختصار يتعامل مع الواقع ذاته).

          ويعتمد الباحث تقسيم الناقد السينمائي (ريتشارد برسام) لأنواع الأفلام إلى: الفيلم الخيالي الذي يعتمد في سرده السينمائي على بناء روائي استعاري أي الفيلم الروائي, والفيلم الواقعي أو اللاخيالي, ويضم أنواعًا مثل الفيلم التسجيلي وفيلم الحقيقة, وفيلم الرحلات والتعليم والجرائد السينمائية. ثم يحدد جريرسون القواعد الأساسية للسينما التسجيلية في أنها:

          1- تستمد مادتها من واقع المكان.

          2- التفرقة بين الوصف والدراما.

          3- تنظيم المادة الواقعية بأسلوب حي.

          ويضيف إلى هذه العناصر تعريف المخرج البريطاني (بول روثا), اعتماد الفيلم التسجيلي على الفكرة, بدلاً من الحبكة الروائية, لا يهتم الفيلم التسجيلي بأحداث ملفقة أو غريبة لشخصيات متخيلة, إنما يركز أساسًا على العالم من حولنا.

          ثم يتوقف المؤلف ضياء مرعي عند الأساليب والاتجاهات المختلفة في الفيلم التسجيلي, ويورد أهمها, مثل الاتجاه الواقعي, أي أنه يستمد مادته من الواقع المباشر للمدن والأزقة والأسواق, في محاولة لإبراز ما يكمن تحت السطح, وإلقاء الضوء على الأسباب والمسببات, ويعطي مثالاً على هذا النوع الفيلم الفرنسي (لاشيء غير الزمان) 1926, للمخرج لكانتي, وهو أول فيلم عن حياة مدينة باريس يكشف من خلاله إمكانية التعبير عن واقع المدينة بكل تناقضاته.

          والاتجاه الرومانسي يمثل الأسلوب الثاني من أساليب السينما التسجيلية, ويتميز بالاهتمام بحياة الإنسان, ويعتمد على معايشة الموضوع المصور والالتحام به, على نحو يحقق المعرفة العميقة والإلمام الشامل. ويعتبر (روبرت فلاهرتي) رائدًا لهذا الاتجاه الذي بدأه بفيلم (نانوك ابن الشمال) 1922, وفيه يتناول صراع الإنسان في القطب الشمالي ضد الطبيعة, من أجل كسب قوته, من خلال قصة أسرة من الإسكيمو.

          أما الاتجاه السيمفوني, فيقوم على النظر إلى السينما كفن يشبه الموسيقى, من حيث اعتماد كل منهما على عنصر الحركة. فالحركة بالموسيقى يعبّر عنها بأنها حركة الصوت في الزمن, لأن الحركة في السينما هي حركة الضوء في الزمان والمكان.

          أما الاتجاه الرابع, فهو سينما الحقيقة, وقد ظهر عام 1922 على يد المخرج الروسي ديزيجا فرتوف, في شكل جريدة سينمائية بعنوان (كينو برافدا), وكانت تتناول ما يجري من تغيير في المجتمع السوفييتي, في تلك الفترة من 1922 إلى 1924, فكانت المعادل السينمائي لجريدة (برافدا) الإخبارية.

          يتوقف الباحث في الفصل الثاني من الكتاب أمام (نشأة السينما التسجيلية وتطورها في مصر), في الفترة من عام 1896, وإلى عام 1924.

          ويعود تاريخ البداية إلى أول عرض سينمائي في مصر في الخامس من نوفمبر 1896, في بورصة طوسون باشا بالإسكندرية. حيث تم عرض فيلم فرنسي يأخذ شكل الجريدة السينمائية باحتوائه على عدد من المشاهد القصيرة التي تضمنت موضوعات (المتصارعون - أهالي مدغشقر - رقصة الكانكان) وغيرها من أفلام الفرنسي لوميير, إلى أن قام مسيو (دي لا جاردن) صاحب سينما (لاجاردن) بالإسكندرية بشراء آلة تصوير سينمائي في عام 1912, ثم استقدم مصورًا إيطاليًا لتصوير بعض معالم ومناسبات مصر, وقام بالفعل بتصوير السائحين في الهرم الأكبر وركوبهم الخيل, وتصوير بورصة القطن بالإسكندرية, وتصوير عودة الخديو من الإسكندرية, وتصوير كنيسة سانت كاترين في صباح يوم الأحد وغيرها من المشاهد وقد عرضها (دي لاجاردن) تحت عنوان (في شوارع الإسكندرية)  ثم انتقل الأمر إلى القاهرة, حيث قام صاحب لوكاندة ومطعم وسينما في حي سيدنا الحسين الشهير في قلب القاهرة, واسمه (عبدالرحمن صالحين) عام 1915, باستقدام مصور أجنبي ليصوّره في مقهاه, وقام بعرض ما صوره في دار السينما التي يملكها.

          وحول الأفلام التسجيلية الأولى, يظهر أول اسم مصري في السينما, وهو الرائد (محمد بيومي) الذي عاد في عام 1923 من النمسا, بعد أن درس التصوير السينمائي, وأحضر معه بعض الآلات والمعدات الخاصة بالتصوير, وافتتح استديو للإنتاج السينمائي في حي شبرا الشهير بالقاهرة. بدأ بيومي عام 1923 إنتاج وتصوير جريدة سينمائية باسم (آمون) ظهر منها ثلاثة أعداد ضمت مشاهد عودة سعد باشا زغلول من منفاه, والاستقبال الشعبي له, وافتتاح أول دورة للبرلمان المصري, والاحتفال بعيد جلوس الملك فؤاد بسراي رأس التين, ومشاهد إعمار مسجد (أبي العباس المرسي) بالإسكندرية, ورجال البوليس يلعبون التدريبات الرياضية, وغيرها. وظل بيومي يعمل إلى أن اشترى بنك مصر الاستديو الخاص به.

          يتوقف المؤلف في الفصلين الثالث والرابع أمام الخطوات الأولى لإنتاج الفيلم المصري, ثم نمو هذا الإنتاج, وذلك في السنوات من 1924 وحتى 1946, ففي فترة العشرينيات, قام إنتاج الأفلام على الدعاية للمشروعات الاقتصادية مثل فيلم (بنك مصر وشركاته), وقد بلغ طول عرضه ساعتين كاملتين, كما تم أول عمل أول يوثق لعملية جراحية في العين. بلغت السينما التسجيلية في منتصف الأربعينيات مستويات عالمية, حيث عرض فيلم (مصر) في المعرض الدولي بباريس عام 1937, أيضًا اشتركت مصر بفيلم (الحج), وهو أول فيلم في العالم يصور مناسك الحج, في مهرجان فينيسيا عام 1937 ليكون بذلك أول الأفلام التسجيلية المصرية التي تعرض خارج مصر.

          اهتمام ثورة يوليو بالسينما التسجيلية, كان موضوع الفصل السادس من الكتاب. بدأ هذا الاهتمام بتكوين وحدة إنتاج سينمائي بالقوات المسلحة عام 1953, أنتجت أفلام توضح دور القوات المسلحة في حياة الأمة, تصدى لها مجموعة من كبار المخرجين منهم عزالدين ذوالفقار ومحمد كريم وكمال الشيخ وسعد نديم والسيد زيادة وعاطف سالم.كما شهدت هذه المرحلة إنشاء أول إدارة حكومية لإنتاج الأفلام التسجيلية والقصيرة في عام 1954, تابعة لمصلحة الاستعلامات, تم إنتاج أفلام مهمة مثل (توقيع اتفاقية الجلاء) إخراج جمال مدكور, (النهضة الصناعية), إخراج أحمد كامل مرسي, و(معاهدة الجلاء) إخراج كمال الشيخ, وذلك في عام  1954, أما في عام 1955, فقد تم إنتاج (البترول في مصر), إخراج صلاح أبو سيف و(قضية العرب), إخراج جمال مدكور.

 

ضياء مرعي   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات