عزيزي القاريء

عزيزي القاريء
        

الإصلاح والمعنى المقصود

          يبدو أن كلمة الإصلاح قد أصبحت كلمة السر في العالم العربي, وهي الكفيلة بإخراج المنطقة العربية من حالة الركود السياسي, التي تمر بها منذ فترة, فهي تتردد في كل مكان تقريبا, يقولها المثقفون في منتدياتهم ومؤتمراتهم الخاصة, ويرددها السياسيون أمام وسائل الإعلام, التي تملأ ذبذبات الفضاء, وتهتف بها الجماهير الغاضبة في المظاهرات, التي تشهدها شوارع بعض العواصم العربية, ولكن يبدو أن كل فئة من هؤلاء تفهم الإصلاح بطرقها الخاصة, فالمثقفون يريدون إصلاح الذهنية العربية لتكون أكثر تقبلا لريح الحداثة, ومطلبهم هو إشاعة مناخ يحتوي على قدر أكبر من الديمقراطية وحرية التعبير, والسياسيون يرون في دعوى الإصلاح وسيلة تجميل جديدة, يجملون بها أنظمتهم العتيقة, دون أن يغيروا شيئا في مضمونها, والجماهير ترى في الإصلاح طريقًا, ووسيلة لنيل حقوق الإنسان العربي المستباحة, والعيش بدرجة أكبر من الكرامة, ودرجة أقل من القمع, الإصلاح إذن مصطلح ليس مثيرا للجدل فقط, ولكن للمراوغة أيضًا, على حد تعبير رئيس التحرير في مقاله الافتتاحي لهذا العدد,, وهو يحاول فض الاشتباك بين هذه الرغبات المتناقضة والمفاهيم المتعارضة بأن يقدم رؤية جديدة تضعنا على طريق البداية. كما يرى أنه بالرغم من الأهمية القصوى للإصلاح السياسي, فإن البداية يجب أن تكون للإصلاح الاجتماعي, وفي القلب منه إصلاح التعليم, الذي تتوق إليه الشريحة الأكبر من الناس, وذلك حتى لا يختلف الكثيرون وحتى لا يقع هذا المطلب ضحية لمناورات فرقاء السياسة ومحترفيها, وهو حل يبدو منطقيا إزاء الجدل المحتدم, الذي يسود الساحة العربية.

          وبالرغم من أن قضية الإصلاح هي المحور, الذي تدور حوله أكثر من مقالة في هذا العدد, فإنها ليست الوحيدة, فـ (العربي) تنتهز فرصة فوز الأديب الكبير الطيب صالح بجائزة الرواية العربية, لتقدم له التحية, فهو هدية السودان للثقافة العربية, وهو هدية من ذلك الجنوب, الذي طالما أهدى الأمة العربية الكثير من الكتاب والشعراء, الذين نعتز بهم, وليس غريبا أن تكون الخرطوم هي عاصمتنا الثقافية لهذا العام, وأن تكون أمنياتنا لها أن يخرج السودان من محنته, التي يمر بها, وأن يعود السلام والوئام ليعم بين أعراقه المختلفة, وهي الأمنية نفسها, التي نتمناها للعراق الشقيق, وهي تقدم أعمال فنانه الراحل سعد شاكر, الذي أحدث نقلة نوعية في فن الخزف العراقي, وطوع التراث الأشورى العظيم لريح الحداثة.

          ومع بداية الصيف ترحل (العربي) في هذا العدد إلى مكان ظليل في الصحراء التونسية, التي تشهد هذه الأيام نهضة عمرانية وسياحية, أخرجتها من عزلتها الجغرافية القديمة, لتضعها في مقدمة أشد المناطق جذبا للسياحة في العالم. كما تقوم (العربي) برحلة أخرى إلى شواطئ الخليج, حيث تمكنت إمارة الشارقة - بالرغم من صغر رقعتها - من صنع بنية ثقافية من المسارح والمتاحف والمعارض, ما جعل منها بحق عاصمة للثقافة لدولة الإمارات العربية المتحدة, وغير ذلك تحفل (العربي) بالعديد من المواد الإبداعية في مختلف مجالات الفكر, ما يجعل من هذا العدد خير رفيق يلجأ إليه القارئ في هذا الحر التماسًا لنسمات الثقافة العذبة.

 

المحرر