قضية الترجمة العلمية دراسة في آراء أساتذة الجامعات سعد علي الحاج بكري

الترجمة وسيلة مهمة من وسائل نقل المعرفة وتبادلها بين الأمم. وقد شهد التاريخ أمما كثيرة ناهضة تسعى إلى الترجمة كوسيلة لبناء الحضارة. لأن كل حضارة في التاريخ كانت تستند إلى حضارة سبقتها.

بنظرة سريعة إلى التاريخ العربي والإسلامي نجد أن الاهتمام بالترجمة نقل ما لدى الحضارات السابقة من علم ومعرفة، بدأ مع ظهور الدين الإسلامي الحنيف، وتعاظم قوة دولته وطموحاتها في بناء حضارة جديدة. فعلى سبيل المثال، شهد عهد الخليفة " المأمون " في القرن الثالث للهجرة ( التاسع للميلاد )، نشاطا كبيرا في الترجمة، حيث ترجمت خلاله كتب ل " أفلاطون "، و" أرسطو "، و " سقراط "، و " جالينوس "، و " إقليدس "، و " بطليموس "، وغيرهم. ولم تكتف الحضارة العربية والإسلامية بأخذ العلم والمعرفة عن الآخرين، بل قامت بتعزيزها وتطويرها، لتصبح بذلك مصدرا للإشعاع الحضاري لسائر أنحاء العالم.

من العربية.. لكل لغات العالم

وفي القرن الثاني عشر للميلاد، بدأ العلماء الأوربيون بالاهتمام بنقل العلوم عن العربية. وأنشئت مراكز للترجمة عن العربية في " صقلية " و " طليطلة ". وكانت هناك أيضا مدارس وجامعات تعتمد على الكتب العلمية المترجمة عن العربية مثل مدارس " مونبليه "، و " نابولي "، و " بولونيا "، و " بادو "، و " أكسفورد "، و " كمبردج ". ومن أهم علماء العرب والمسلمين الذين ترجمت كتاباتهم إلى اللغات الأوربية كل من " الخوارزمي "، و " ابن سينا "، و " ابن الهيثم "، و " ابن النفيس "، و " الكندي "، و " البيروني "، و " البستاني "، وغيرهم.

وفي القرن التاسع عشر للميلاد، شهدت مصر في عهد " محمد علي " بوادر نهضة علمية. ونشطت الترجمة نتيجة لذلك، حيث وصل عدد الكتب العلمية المترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية ما يزيد على " 2000 كتاب ".

ومن مظاهر الاهتمام بالترجمة في ذلك الوقت أنه كان على كل مبتعث للدراسة في أوربا، أن يبدأ فور عودته إلى وطنه بترجمة كتاب في حقل تخصصه.

وفي عصر العلم والتقنية الذي نعيش فيه، استطاعت اليابان التحول من دولة من دول الصف الثاني إلى دولة في طليعة دول الصف الأول. وقد ساهمت الترجمة مساهمة فعالة في تحقيق ذلك، حيث ساعدت على نقل المعارف إليها وانتشارها بين أبنائها. وعلى الرغم مما وصلت إليه اليابان، إلا أنها لا تزال تهتم بالترجمة، فالترجمة من اللغات الأخرى تساعدها على الاطلاع على ما ينجزه الآخرون، والترجمة إلى اللغات الأخرى تعمل على تعزيز تجارتها وتصدير تقنيتها. وتترجم اليابان في الوقت الحاضر ما يزيد على " 30 مليون صفحة سنويا "، ويعادل ذلك حوالي " 100 ألف كتاب من القطع المتوسط ". أي أن اليابان تترجم ما يعادل " مليون كتاب " كل عقد واحد من الزمان.

العوامل المتعلقة بشئون الترجمة

بناء على ما سبق نجد أن الترجمة هي وسيلة اتصال بين الحضارات، تساهم في تفاعلها وفي تعزيز تراكم العطاء الإنساني. وعلى ذلك فإن الترجمة إلى العربية في المجالات العلمية والتقنية مسألة حضارية يجب الاهتمام بها، وفهم جوانبها المختلفة. ولعل دراسة آراء الطرف المؤهل لتقديم مثل هذه الترجمة، مسألة مهمة في وضع خطط للترجمة في المستقبل والعمل على تنفيذها. على هذا الأساس تقوم الدراسة المطروحة في هذا المقال، فهي تسعى إلى معرفة آراء أعضاء هيئة التدريس في جامعة الملك سعود، في عدد من العوامل الأساسية المتعلقة بشئون ترجمة العلوم والتقنية إلى اللغة العربية.

وجامعة الملك سعود هي من أقدم وأكبر الجامعات في منطقة الخليج. فقد تأسست عام 1957 م، وتحتوي على كليات وأقسام في شتى التخصصات العلمية والتقنية بما في ذلك: " العلوم، والطب، وطب الأسنان، والصيدلة، والزراعة، والهندسة، والعمارة والتخطيط، والعلوم الإدارية ". ولا يقتصر

الكليات

نسب آراء أعضاء هيئة التدريس في مسألة التوجه نحو الترجمة

الترجمة ضرورة ملحة ( % )

الترجمة مفيدة ( ليست ضرورة ملحة ) ( % )

الترجمة مرفوضة ( % )

العلوم

78

22

-

الطب ، وطب الأسنان ، والعلوم الطبية التطبيقية

55

43

2

الصيدلية

83

17

-

الزراعة ( الرياض ) ، والزراعة والطب البيطري ( القصيم )

82

17

1

الهندسة

86

14

-

العلوم الإدارية (الرياض )، الاقتصاد والإدارة (القصيم) .

81

19

-

النتائج العامة

75

24

1

أعضاء هيئة التدريس في الجامعة على السعوديين، بل إن كثير منهم ينتمون إلى عدد من الأقطار العربية الأخرى. يضاف إلى ذلك أن هؤلاء المدرسين، من سعوديين وغيرهم، هم من الحاصلين على درجة الدكتوراة من جامعات أجنبية. كما أنهم غالبا ما يستخدمون " اللغة الإنجليزية " في التدريس وغالبا ما يعتمدون أيضا على كتب منهجية بهذه اللغة.

والدراسة المطروحة هنا دراسة حقلية، اعتمدت على

الكليات

نسب آراء أعضاء هيئة التدريس في أثر وجود الكتاب الجامعي المترجم إلى العربية

مسالة مساعدة الطالب على الفهم

مسألة زيادة كمية المادة على المعطاة

يساعد (%)

لا يؤثر (%)

يزيد (%)

لا يؤثر (%)

العلوم

100

-

62

38

الطب وطب الأسنان والعلوم الطبية التطبيقية

79

21

43

57

الصيدلة

100

-

67

33

الزراعة ( الرياض) والزراعة والطب البيطري (القصيم)

99

1

88

12

الهندسة

93

7

100

-

العمارة والتخطيط

100

-

87

13

العلوم الإدارية (الرياض) الاقتصاد والإدارة (القصيم)

100

-

87

13

النتائج العامة

94

6

73

37

إعداد استمارة تهدف إلى استطلاع آراء أعضاء هيئة التدريس، في الكليات المرتبطة بقضايا العلوم والتقنية، في جامعة الملك سعود، في مختلف شئون الترجمة.وتضمنت استطلاعات هذه الاستمارة ما يلي:

* تحديد رأي عضو هيئة التدريس في مدى الحاجة إلى التوجه نحو ترجمة العلوم وتعريبها.هل هذا التوجه ضرورة ملحة، أم لعله توجه مفيد لكنه لا يصل إلى مستوى الضرورة الملحة، أو أنه توجه مرفوض، ويجب الاعتماد على اللغات الأجنبية في مجالات العلوم والتقنية، واستبعاد اللغة العربية؟.

* معرفة رأي عضو هيئة التدريس في أثر ترجمة العلوم والتقنية على العملية التعليمية.هل يحقق وجود كتاب باللغة العربية للطالب فهما أفضل للمادة العلمية المقررة ؟ وهل يساعد على زيادة هذه المادة العلمية؟.

* تحديد مدى رغبة عضو هيئة التدريس في ممارسة الترجمة، وتقويم التكاليف المادية التي يقبل عضو هيئة التدريس العمل على أساسها.

* معرفة رأي عضو هيئة التدريس في أولويات الترجمة، أو أنواع الكتب التي يجب إعطاؤها الأولية في الترجمة. ويتضمن ذلك تحديد الأولوية بين أنواع الكتب التالية: معاجم المصطلحات العلمية، الكتب الجامعية في أسس التخصصات، الكتب الجامعية في التخصصات الدقيقة، كتب ومقالات الثقافة العلمية، الموسوعات العلمية، المراجع المتقدمة والبحوث العلمية في المجلات العلمية المحكمة.

* وتطرح الاستمارة بالإضافة إلى ما سبق موضوعات أخرى تتعلق بالترجمة، لن نتطرق لها في هذا المقال.

نتائج الدراسة

شارك في الإجابة على الموضوعات المطروحة في الاستمارة " 207 " من أعضاء هيئة التدريس في شتى الكليات العلمية في جامعة الملك سعود.وتبين " الجداول 1 إلى 4 " تلخيصا عاما للنتائج التي تم الحصول عليها.

في دراسة آراء أعضاء هيئة التدريس حول مسألة التوجه نحو الترجمة، يبين " الجدول 1 " أن " 75% " منهم يعتبرون ترجمة الكتب العلمية إلى اللغة العربية ضرورة ملحة، إضافة إلى " 24% " يعتبرونها مفيدة ولو أنها ليست ضرورة ملحة.ويشير ذلك إلى أن " 99% " من أعضاء هيئة التدريس هؤلاء مدركون لأهمية الترجمة .وتبقى المعارضة لذلك " 1% "، ويمثل ذلك الشذوذ الذي يؤكد ضرورة وفائدة التوجه نحو الترجمة.

الكليات

نسب آراء أعضاء هيئة التدريس في مدى الركبة في ممارسة الترجمة والتعويضات المادية المناسبة لتنفيذها

الرغبة في الترجمة

التعويض المناسب لترجمة الكلمة الواحدة

متحمس (%)

راغب (%)

غير راغب (%)

25 هللة (%)

50 هللة (%)

أكثر (%)

العلوم

78

11

11

22

67

11

الطب، وطب الأسنان، والعلوم الطبية التطبيقية

21

60

19

30

45

25

الصيدلة

50

50

-

27

46

27

الزراعة (الرياض) ، والزراعة والطب البيطري (القصيم)

53

45

2

10

70

20

الهندسة

64

29

7

26

60

14

العمارة والتخطيط

58

42

-

10

45

45

العلوم الإدارية (الرياض)، الاقتصاد والإدارة (القصيم).

50

46

4

11

66

23

النتائج العامة

47

46

7

17

60

23

وتبين الدراسة من خلال " الجدول 2 " آراء أعضاء هيئ التدريس في أثر وجود كتاب جامعي علمي، مترجم إلى العربية، على العملية التعليمية، وبالذات في مجالي مساعدة الطالب على فهم المادة العلمية المعطاة، وزيادة كمية هذه المادة.وتقول النتائج العامة للدراسة هنا ، إن " 94% " من أعضاء هيئة التدريس يعتقدون أن الكتاب العربي يساعد الطالب على الفهم، كما أن " 73% " يشيرون إلى أن وجود مثل هذا الكتاب يساهم في إمكان زيادة المادة العلمية المعطاة في المقررات.

وفي دراسة آراء أعضاء هيئة التدريس في مسألة ممارسة الترجمة، يبين " الجدول 3 " أن " 93% " من أعضاء هيئة التدريس متحمسون أو راغبون في ممارسة الترجمة.كما يبين الجدول أيضا أن " 17% " مستعدون للعمل بأجر يبلغ " 25 هللة سعودية " ( أي ربع ريال سعودي ) للكلمة الواحدة، و" 60% " آخرون مستعدون للعمل بأجر يبلغ " 50 هللة سعودية " ( أي نصف ريال سعودي ).

مشروع الألف كتاب

ومن ناحية أخرى يمكن القول إن مشروعا لترجمة " ألف كتاب " متوسط الحجم ( 60 ألف كلمة ) يكلف من حيث تعويضات المترجمين ما يتراوح ما بين " 15 إلى 30 مليون ريال سعودي ". وليست هذه الأرقام بأرقام كبيرة إذا ما قيست بتكاليف كثير من الأنشطة الفنية والرياضية والثقافية الأخرى التي تدعمها مختلف الدول العربية.

وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من اختلاف الأرقام الواردة في " الجداول 1 إلى 3 "، فيما يتعلق بالكليات المختلفة، إلا أن التوجه العام لآراء أعضاء هيئة التدريس في شتي الكليات يصب في اتجاه إدراك أهمية ترجمة الكتب العلمية وفائدتها للطلبة، وضرورة التوجه نحو المساهمة في هذه القضية الحضارية المهمة.

ويبين " الجدول 4 " آراء أعضاء هيئة التدريس بشأن الكتب العلمية التي يجب إعطاؤها الأولوية في برامج الترجمة.

وعلى قمة هذه الأولويات تأتي " الكتب الجامعية في التخصصات الأساس والتخصصات

ترتيب الأولوية

نوع الكتب والمطبوعات المطلوب ترجمتها

الدرجة التراكمية

1

كتب جامعية مقررة في أسس التخصصات العلمية.

820

2

كتب جامعية مقررة في التخصصات العلمية الدقيقة.

699

3

المعاجم وكتب المصطلحات العلمية

692

4

الكتب المرجعية المتخصصة

671

5

البحوث المتخصصة.

546

6

كتب الثقافة العلمية

536

7

الموسوعات العلمية

529

8

مقالات الثقافة العلمية

483

الدقيقة " إضافة إلى " المعاجم وكتب المصطلحات العلمية".

ولا شك أن ما قدمته هذه الدراسة من نتائج يثير المزيد من التساؤلات حول قضية الترجمة والمسائل المختلفة التي تشملها. ونأمل أن نجد في المستقبل مزيدا من الدراسات حول هذا الموضوع، ونطمح أيضا إلى قيام مشاريع في الترجمة العلمية تثري المكتبة العربية، وتحقق للأبناء سهولة في الاطلاع على المستجدات العلمية، إضافة إلى العمق في فهمها.