المفكرة الثقافية

   المفكرة الثقافية
        

الكويت

مجلة (العربي) تكرّم سعاد الصباح

          شاركت مجلة (العربي) في حفل تكريم الشاعرة د.سعاد الصباح, الذي أقيم تحت رعاية وزير التربية, الرئيس الأعلى للجامعة د.رشيد الحمد, ونظّمه قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة الكويت.

          وقدم رئيس تحرير مجلة (العربي) د. سليمان العسكري, لوحة تذكارية للشاعرة الكبيرة هدية للمحتفى بها, وتقديرًا للدور الحيوي والمهم, الذي ساهمت به عبر مسيرتها الإبداعية في خدمة الثقافة والفكر والإبداع العربي خلال سنوات طويلة, واعتزازًا بتجربة ثرية, شاركت بها د. سعاد الصباح كشاعرة وناشرة وداعمة لمنظمات المجتمع المدني.

          وعبر د. سليمان العسكري عن سعادته الشخصية, وسعادة مجلة (العربي) للمشاركة في تكريم الشاعرة الكبيرة, التي كان لها الكثير من البصمات الرائعة في الحياة الثقافية في الكويت ومنطقة الخليج ومعظم أرجاء الوطن العربي, وأشار في هذا الصدد إلى الدور البارز, الذي تقوم به الشاعرة من خلال دار سعاد الصباح, وعبر المسابقات السنوية, التي ساهمت حتى الآن في اكتشاف العديد من المواهب اللامعة في المجالات الإبداعية والعلمية, إضافة إلى ما تقدمه د.سعاد الصباح من مساهمات عبر كتاباتها في الاقتصاد والفكر والإبداع الشعري, قامت من خلالها بتحريك الساكن, وإعطاء دفقات متجددة من الحيوية للحياة الأدبية والفكرية العربية.

          وفي كلمتها, قالت د. سعاد الصباح: (عندما أدخل كلية الآداب في جامعة الكويت, أشعر بأن الدار داري, والأهل أهلي, ونوافذ القمر مفتوحة لاستقبالي, أحسّ هنا أن نبرة صوتي أكثر ارتفاعًا, وضربات قلبي أكثر اتساعًا, كما أحسّ بأن هذه القاعة أكثر حنانًا.

          والشاعر بحاجة دائمًا إلى جرعة حنان, بحاجة إلى مكان أليف, يكتظ بالحب والدفء الإنساني. في الجامعة يكبر قلبي, ويكبر قلب الشعر, هنا أشعر بأن مساحة الحرية بغير حدود, ومساحة الديمقراطية بغير حدود, ونحن الأدباء والشعراء قتلتنا الحدود.

          ثم إنني في جامعة الكويت, لا أقف في فراغ, إنما أقف على أرض العقل والمعرفة, واستند إلى جدار التاريخ والتراث والانتماء القومي, ومن هنا مصدر قوتي, لأنني أشعر بأنني ثابتة في الزمان والمكان.

          إنني قوية بالكويت: قيمها قيمي, وجراحها جراحي, وعافيتها عافيتي, وإيمانها بالله والعدل والحرية هو إيماني.

          وأنا مع الكويت في فرحها إذا فرحت, وفي غضبها إذا غضبت, وفي معاناتها إذا عانت.

          أنا معها في زمن الورود, كما أنا معها في زمن العاصفة.

          لقد أنعمت عليّ جامعات ودول ومؤسات بأوسمة ودروع, لكن تكريمكم لي له مذاق آخر, وله لون آخر, ورائحة تعبق من أرض الوطن, وتمتزج فيها نكهة البحر بحلاوة التمر, بعطر القهوة المرة, وأعواد البخور, إنها الرائحة الكويتية النادرة الدافئة, التي تخرج لنا حيث كنا.

          إنني أعلن في خشوع المؤمن, قبول هذا التكريم, الذي يشرفني ويملأ روحي بالعرفان نيابة عن ملايين النساء, اللواتي حاولت أن أكون الناطقة الرسمية باسمهن لأكثر من أربعين عامًا.

          باسمي - أيها الأصدقاء - وباسم الرجل, الذي رعاني وحماني وغمرني ببحر فروسيته, أهدي له باسمكم هذا التكريم, وأتقدم بشكري مفعمًا بالإكبار والعرفان لقسم اللغة العربية في كلية الآداب, وللمؤسسات والمنظمات والمنتديات, ولكل مَن شارك في تكويني وتكريمي.

          شكرًا على هذا التكريم المخضب بعطر الوفاء, شكرًا لكل مَن أطعمني من بيدر العلم قمحًا, شكرًا لكل مَن كساني بريش المعرفة, شكرًا لكل مَن قاسمني بساط الإنسانية.

          فأنا معكم أشعر بأنني أكثر ثباتًا, وأكثر شبابًا, وأفصح لسانًا, فكل احتفال وأنتم بخير.

          وكل عام والكتابة بخير, والشعر بخير والحرية بخير, ووطني بخير).

          وأثنى د. علي أحمد عتيقة في كلمة ألقاها نيابة عن رئيس منتدى الفكر العربي في الأردن, الأمير الحسن بن طلال, على نشاط د. سعاد الصباح الفكري المتميز من خلال عطائها من وقتها ومالها, دعمًا للفكر والأدب, ومساندة لكل عمل يهدف إلى التنمية ونشر ثقافة التقدم, واحترام حقوق الإنسان في الوطن العربي, فالدكتورة سعاد الصباح كانت دائمًا في مقدمة المتطوعين والمتبرعين بالجهد والمال, للمشاركة في كل ما يساعد على النهوض بالمواطن العربي, ويرفع من شأن الحضارة العربية الإسلامية, وليس أدل على ذلك من مشاركة د. سعاد الصباح  في نشاط منتدى الفكر العربي, ودعمها المتواصل لأهدافه وأعماله, فهي العضو البارز في مجلس الأمناء لأكثر من عقدين من الزمن, وقد استمر دعمها للمنتدى حتى في أوقات التوتر وسوء الفهم, لأنها تتمتع برؤية بعيدة المدى, وبالتزام أدبي وأخلاقي يجعلها تشعر بواجب المشاركة والعطاء, فهي أكبر وأسمى من كل ما من شأنه أن يعكر الأجواء بين المفكرين والأدباء في المحافل العربية الأهلية وغيرها.

          وعبّر د.عبدالعزيز حجازي, رئيس المركز الثقافي المصري عن سعادته بمشاركته في تكريم د. سعاد الصباح, وتناول إسهاماتها الأدبية والسياسية والاقتصادية, فضلاً عن ارتباطها الأدبي والمعنوي والمالي بمؤسسات الثقافة العربية, وقال:

          إن د. سعاد الصباح بهذا العطاء المتميز تمثل الفتاة, بل المرأة العربية, التي تتمسك بالتراث العربي والإسلامي الملتزم بالأخلاقيات والسماحة, فكم انطلقت بأشعارها تنادي بضرورة المحافظة على التقاليد والسلوكيات العربية الأصيلة دون جمود أو تعصب, ولكنها في الوقت نفسه, تدعو إلى الحداثة والاستمتاع بزينة الحياة الدنيا.

          وطالب د. حجازي بإيجاد ثورة ثقافية تدعو للسلام, وليس للتطرف, تدعو للتنمية على مستوى الوطن العربي كله, داعيًا د.سعاد الصباح أن تكون رائدتها, بشرط أن تعلي هذه الثقافة من عناصر الشورى والحكم الرشيد, وليس التسلط والتحكم, تعتمد على كل ما هو جديد وحديث من غير تمسك بالبيروقراطية الإدارية التي تعطل, حتى يمكن استعادة الدور الحضاري على المستوى الدولي.

          وألقت د.سعاد الصباح قصيدة بعنوان (فيتو على نون النسوة), قالت في المقطع الثاني منها:

يقولون
إن الكلام امتياز الرجال
فلا تنطقي!!
وإن التغزل فن الرجال
فلا تعشقي!!
وإن الكتابة بحر عميق المياه
فلا تغرقي
وهأنذا قد عشقت كثيرا
وهأنذا قد سبحت كثيرا
وقاومت كل البحار ولم أغرق

          وركزت د.نورية الرومي في كلمتها على الجوانب الإنسانية في شعر د.سعاد الصباح, ووصفت شعرها بأنه علامة بارزة في الحركة الشعرية الكويتية والعربية, وأنها احتلت موقعًا متقدمًا فيه, وأشار محمد فائق أمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان إلى قيام د.سعاد الصباح مع مجموعة من أعضاء المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الكويت في مقدمها الأستاذ جاسم القطامي بتأسيس الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان, كفرع للمنظمة العربية في الكويت, وكانت بذلك أول جمعية لحقوق الإنسان في منطقة الخليج كلها, ومازالت هذه الجمعية تقوم بعمل رائد منذ ذلك الوقت, وتلعب دورًا مهمًا ومؤثرًا في الحركة العربية لحقوق الإنسان.

          واختتم فائق كلمته متوجهًا بقوله لسعاد الصباح: (جئت لأقول إنك أنجزت إنجازًا عظيمًا, ولكن الطريق مازال أمامنا طويلاً, فأمتنا في خطر عظيم, وقد أصبح الإصلاح ضرورة, وجوهر هذا الإصلاح, هو احترام حقوق الإنسان, إننا نحتاج إليك أكثر من أي وقت مضى, نحتاج إلى حكمتك, نحتاج إلى صدقك, نحتاج إلى حماسك).

          وقد شاركت اثنتان وثلاثون جهة كويتية في تكريم د.سعاد الصباح, منها: مجلة (العربي), مؤسسة الكويت للتقدم العلمي, لجنة مسلمي إفريقيا, الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية, النادي البحري الرياضي الكويتي, الأستاذة شيخة أحمد السنان, المعهد العالي للفنون المسرحية, نادي الفتاة, بيت الزكاة, جريدة القبس, وزارة الإعلام, مركز المخطوطات والتراث والوثائق الكويتية, لجنة ساعد أخاك المسلم, رابطة طلبة كلية الآداب, جامعة الكويت, رئيس مجلس الأمة - جاسم الخرافي, المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, مؤسسة جائزة عبدالعزيز البابطين للإبداع الشعري, جمعية الخريجين, جمعية الرعاية الإسلامية, جمعية السلام النسائية, الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية, الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان, الجمعية الاقتصادية, جمعية الصحفيين الكويتية, الجمعية الثقافية النسائية, رابطة الاجتماعيين, رابطة الأدباء. فضلاً عن ثماني منظمات وجهات عربية.

          يذكر أن مجلة (العربي) سبق لها أن قامت بتكريم د.سعاد الصباح خلال الندوة, التي أقامتها في شهر ديسمبر من العام الماضي, والتي حملت عنوان (حوار المشارقة والمغاربة), تقديرًا لدورها في إثراء هذا الحوار.

مدحت علام

دمشق

مصوّر كويتي يوثّق سورية في عيون العرب

          برعاية وزير الثقافة السوري د.محمود السيد والقائم بأعمال السفارة الكويتية - في سورية المستشار عزيز الديحاني, وبالتعاون مع مكتبة الأسد, قدم المصور الكويتي عبدالله القحطاني معرضه (سورية في عيون العرب), وبه قرابة سبعين لوحة فوتوغرافية معالجة بتقنيات الكمبيوتر, عن جماليات سورية بحضاراتها القديمة, بطبيعتها الأخاذة المعروفة بها, واستطاع أن يترجم ذلك بشكل مميز من خلال عين فنان واعية لما تريد, تستعمل عدسات متميزة لكاميرات متنوعة ومتطورة بالإضافة إلى براعته في التعامل مع تقنيات الكمبيوتر التي حولت الصورة الفوتوغرافية الملتقطة إلى لوحات فنية تشكيلية تنتمي إلى مدارس فنية متعددة, كان أبرزها السريالية والواقعية, هاتان المدرستان اللتان أحبهما الفنان على ما يبدو وتعامل معهما بحرفية وبحرص واضح.

          يقول القحطاني: حبي لسورية يعود إلى أنها بلد غني جدًا بالحضارات القديمة وبجمال الطبيعة المتميز وهو ما عشت معه منذ طولتي بشكل دائم, خصوصًا في منطقة بلودان والزبداني موطن أمي السورية, وفي بقية مناطق سورية التي كنت شغوفًا بالطواف في أرجائها كل صيف وكل عطلة شتوية أحصل عليها وأسرع إلى قضائها مع ثلوج بلودان وطبيعة تلك المنطقة الثلجية الخلابة, ومن حبي هذا وتعلقي ببلدي الثاني سورية كانت هذه الحصيلة الجمالية المختزنة في داخلي التي حولتها إلى تلك اللوحات الضوئية التي ضمها معرضي هذا في مكتبة الأسد, بمجرد تمكني من أدواتي كفنان ضوئي تشكيلي أمزج الفوتوغرافية بالحرفية الفنية, لأنتقل بلوحاتي من حالة التصوير الفوتوغرافي إلى حالة اللوحة الضوئية التشكيلية.

          وعن تشكله كفنان ضوئي تقني تشكيلي قال القحطاني: بدأت علاقتي بالفن منذ الطفولة من خلال حبي الشديد للفن التشكيلي والتصوير الضوئي معًا, ونمت هذه النزعة بداخلي مع الأيام حتى وصلت بي إلى دراستي الشخصية للفن التشكيلي وللتصوير الضوئي بالاطلاع على كل المراجع الخاصة بهذا الفن الجميل, لكبار من كتبوا فنيًا وأكاديميًا حول هذا اللون من الإبداع. ثم كانت مرحلة تعاملي الفعلي مع الرسم التشكيلي منذ دراستي في النمسا ذات الطبيعة الجميلة, والتي انتهت بعودتي إلى الكويت اثر اجتياح صدام حسين لها لأعمل في السفارة الكويتية بدمشق, متطوعًا لخدمة بلدي لمدة ستة أشهر, وكانت الكاميرا هنا رفيقتي بعد أن كانت صديقة عمري منذ الصغر في جميع رحلاتي وترحالي وإقامتي بين أوربا وسورية والكويت, ثم جاء بعدها عملي بوزارة العدل الكويتية رئيسًا لشبكة جلين العالمية المتخصصة بجمع القوانين والدراسات القانونية لكل دول العالم المنتمية إلى هذا التجمع القانوني الدولي عبر الإنترنت, فكانت تقنيات الكمبيوتر عملي اليومي الذي أكمل حبي للفن وصار جزءا مهما من تخصصي بهذا اللون الفني (التصوير الضوئي التشكيلي).

          ويرى القحطاني أن التصوير الوثائقي والتصوير الصحفي نوع من أنواع التصوير الحيادي الذي ينقل الحدث كما هو تمامًا, إلا أنه يبقى هناك الكثير من التخصصات الأخرى في هذا المجال مما يدخل تحت تسمية (الفن الضوئي) لتجمي الصورة حتى قبل ظهور تقنيات الكمبيوتر, كالتدخل بالطباعة أو اللعب بالعدسات أو حتى بإضاءة زوايا التكوين لتكتمل الصورة بذلك وتتحول من (صورة فوتوغرافية) إلى (لوحة ضوئية), إلا أن هذه اللوحة الضوئية  تحسنت كثيرًا بعد انتشار الكاميرات الرقمية وبرامج الحاسوب التي ساعدت كثيرًا على التلاعب بالصورة وصولاً بها إلى الشكل النهائي الأفضل.والمجتمعات المتقدمة نهضت أصلاً برقي شعوبها ونموها بثقافاتها وفنونها بأنواعها. ومن هنا كانت رعايتها وتشجيعها لإبداع فنانيها باحترام إبداعهم وتقديره وباقتناء أعمالهم أيضًا بسخاء مادي دافعًا لهم للمزيد من الإبداع, بسبب استقرارهم المادي القادم إليهم من هذا العمل المطلق لهم من مجتمعاتهم هذه, وهو ما ساعدهم على الاستمرار والإبداع المستقر, إضافة إلى الرعاية الكبيرة من الجهات الثقافية والحكومية في تلك المجتمعات المتقدمة بدعمها للفنون والفنانين دعمًا كاملاً, وبتوفيرها لأدواتهم الإبداعية بشتى أشكالها.

          أما عربيًا فإن معاناة الفنانين العرب كبيرة جدًا وإلى درجة أن هذه المعاناة تمنع الغالبية العظمى منهم من إنجاز ما يحلمون بإبداعه, وبسبب ذلك اقتصرت أعمالهم على إنجاز ما يساعد في تأمين معيشتهم, كالعمل الفني في الاستوديوهات أو في تصوير المناسبات أو حتى في التصوير الصحفي مما أفقدهم الكثير من فرص الاطلاع والتطور, ووقف في طريق إبداعهم وخاصة في مجال التصوير الفوتوغرافي لكونه (مهنة) مكلفة ماديا وتحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد اليوميين, ومادام هذا كله مستمرًا فإنه بلا شك يصعب على الفنان الضوئي العربي أن يتفرغ لإبداعه إلا نادرًا, خصوصا في ظل التقصير الكبير من قبل الجهات المختصة والمسئولة عن دعم الفنان الضوئي لتحقيق ما حققته المجتمعات المتقدمة وجهاتها الراعية للثقافة والفنون لأمثالهم.

محمود ياسين

الإسكندرية

رسالة دكتوراه تدعو اليونسكو لإنقاذ إحدى عجائب الدنيا السبع

          أمام لجنة ضمت الدكاترة: عنايات محمد أحمد, وعزت حامد قادوس, ومحمود السعدني شهدت جامعة الإسكندرية مناقشة رسالة لنيل دكتوراه الفلسفة في الإرشاد السياحي من كلية السياحة والفنادق في موضوع غير مسبوق هو (كانوب.. مينوتس.. هيراكليوني.. الإسكندرية.. انبعاث جديد لمواقع حضارية غارقة).

          الرسالة تقدمت بها الباحثة يسرية عبد العزيز حسني المعنية بالتنقيب عن التراث الشعبي في واحات مصر, التي سبق أن حصلت على درجة الماجستير منذ عامين في موضوع (المدخل الشرقي لمصر, دراسة لمواقع آثار شمال سيناء), الذي عرضته حين صدوره في كتاب مجلة (العربي).

          وقد قالت الباحثة في تقديمها لرسالتها: الإسكندرية استثناء بين المدن المصرية, جزءان من اليابسة, أحدهما مرتبط أصلاً بالأرض, يحمل سمات التقاليد والديانة المصرية ويصلها النيل عن طريق فرعه المندثر المسمى (الكانوبي - أو الهيراكليوني), هذا الجزء هو الممتد على البحر الكبير من مدينة (برجوتي) أو كانوب حتى قرية (رع كدت) أو راكوتي وكما حدثنا سترابون Strabon فقد أقام بها الملوك المصريون حامية عسكرية ومنحوا الأرض حول القرية للرعاة وهم قوم أشداء ليصدوا عنها المغيرين ويقوموا بحماية شواطئها وحراستها.

          أما جزؤها الآخر فهو الجزيرة التي تقع أمام الساحل المصري  والتي تم ذكر مينائها الآمن في ملحمة هوميروس, كما قيل إن الملك سنفرو قد بنى أسطوله بها أثناء حكمه في الدولة القديمة أي قبل مجيء الإسكندر إليها بقرون بعيدة, وهذا الأخير هو الذي أمر بوصل هذين المكانين معا بجسر صناعي من الأرض ليكونا المدينة الجديدة. تحمل الإسكندرية سمات المدينة الكونية أو الكوزموبوليتانية منذ بداية تاريخها وحتى العصر الحديث, ففيها بالأساس أصحاب الأرض الأصليون المصريون وبها جالية كبيرة من اليهود, ثم هناك بعض من الفرس الذين بقوا فيها بعد انتهاء الغزو الفارسي ثم أولئك اليونانيون ثم الرومان وأخيراً الأتراك القادمون مع حملة سليم الأول, خليط مدهش عبر العصور عاش في أمن وسلام وتعاون وتآخ ليكتبوا معا تاريخ الإسكندرية وضاحيتها.

          لقد عانت منطقتا أبو قير والإسكندرية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين من تدمير وتردي كثير من آثارهما وكذلك من حركات هدم المباني القديمة وإقامة منشآت حديثة سواء مبان عشوائية على مناطق أثرية أو توسعات لملاحقة الزيادة السكانية. لكن الحقيقة أيضاً ولحسن الحظ أنه, بفضل بعض العلماء وبعض الأثريين والمهتمين بالبحث عن تاريخ هاتين المدينتين -من أمثال: بوتي Botti ودانينوس وبرتشيا Briccia وادرياني والفلكي والأمير عمر طوسون وجاستون جونديه وكامل أبو السعادات - كانت التنقيبات التي جرت في القرن التاسع عشر أو حتى إلى وقت قريب من القرن العشرين قد تمت بالمجهود الذاتي أو بقدر ما سمحت به الإمكانات آنذاك, ولكن كانت النتائج إيجابية وقد أثمرت اكتشافات كثيرة تحت مياه خليج أبو قير والميناء الشرقية. حتى كانت نهاية القرن العشرين التي شهدت هذا النشاط الكبير على يد البعثات الفرنسية ممثلة في المعهد الأوربي للآثار ومركز الدراسات السكندرية, والبعثة الإيطالية, والبعثة اليونانية, وتعاون هذه البعثات تحت إشراف إدارة الآثار الغارقة بالمجلس الأعلى للآثار مع الاستعانة بتقنيات العلم الحديث من تصوير تحت الماء ورصد وحساب ونسخ ورفع وتحليل وبرمجة وتخزين, فقد تم وضع قاعدة معلومات مفصلة بفضل تأسيس مواقع إلكترونية, وعمل محطات قياسات أعماق, واستحداث خرائط لقاع البحر بواسطة السونار وجهاز رسم الخرائط Global Positioning System والكاميرات الصوتية التي تعطي صورا عالية النقاء على الشاشات لرسم قاع البحر, واستعمال نواة المجنيتومتر, وطلاء القطع الأثرية الغارقة بمادة السيليكون- وهو ما يطلق عليه عملية القولبة- لإظهار نقوشها الطبيعية دونما تأثر بالبقاء طويلا تحت الماء, وكل هذا أدى إلى تحقيق نتائج باهرة بعثت هذه المواقع التي كانت مزدهرة قبل أن تغرق تحت الماء.

          كانت أوائل الاكتشافات عندما اكتشف أول مدير للمتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية جوسبي بوتي Botti مع هاوي الآثار دانينوس بين عامي 1892 - 1893 أولى بقايا مباني أثرية في منطقة قلعة توفيق.

          وقد قام برتشيا بعد ذلك بعدة حفائر أخرى, وفي الناحية الشرقية من شبه الجزيرة تحديداً عند قلعة الرملة أسفرت حفائره عن كشف عدد كبير من اللقى الأثرية قرر بعدها برتشيا عام 1914 أن كانوبوس القديمة لابد أن يتطابق موقعها مع الموقع الأثري الكبير الذي اكتشف قرب قلعة توفيق على الناحية الغربية لجزيرة أبو قير, وأن البقايا أمام قلعة الرملة هي القرية القديمة (مينوتس), وكذلك فإن المؤرخين القدماء والعلماء المحدثين يميلون إلى مطابقة رأس أبو قير الحالية مع رأس زفيريون التي ذكرت في المصادر القديمة حيث أقيم معبد ارسينوي أفروديت الذي ذكره كاليماخوس والذي من المفترض أنه كان يقع مكان قلعة البرج الحالية. قد تكون هناك بعض التحفظات من قبل بعض العلماء المحدثين أمثال باولو جاللو على توقع موقع كانوب في السابق عند قلعة توفيق على أساس أن المكتشفات الحالية في مينوتس أمام قلعة الرملة كبيرة ولا تتماشى مع كونها قرية صغيرة لم يذكرها التاريخ إلا منذ القرن الثاني الميلادي وعن أنه ليس أكيداً أن رأس زفيريون هي رأس أبو قير الحالية على اعتبار أنه قد تم تحديد موقعها ببساطة في مكان ما بين تابوزيرس بارفا والحدود الكانوبية وأن تابوزيرس نفسها هي أيضاً غير معلوم مكانها تحديداً, ولكن هذا الاعتراض يمكن الرد عليه بأنه حسب الخرائط الباثيمترية الحديثة فإنه لا يوجد نتوء داخل في البحر من شاطئ الإسكندرية حتى رشيد سوى رأس أبو قير التي وصفت بالنتوء وأيضا فإنه وحتى بدايات القرن العشرين كان يمكن رؤية نتوء داخل في البحر في المنتزه على حافته بعض آثار المباني والحمامات, إنها تمثل بقايا تابوزيرس بارفا وذلك طبقاً لما رأى وذكر فورستر عام 1922.

          وتدعو الباحثة في هذه الرسالة إلى ضرورة تنمية استثمار منطقة أبو قير وخاصة بعد هذه الاكتشافات الرائعة فلا يعقل أن يتحدث برتشيا مثلا في عام 1915 عن الإمكانات الهائلة لمنطقة أبو قير والتي لابد من تهيئتها سياحيًا حيث هي متنفس عظيم إلى جانب الإسكندرية ولا نقوم نحن في القرن الحادي والعشرين بذلك.

          وأهابت يسرية عبد العزيز حسني بالمستنيرين والميسورين من أبناء الإسكندرية تمويل المشروعات التي أعدتها هيئات دولية للاستفادة من هذه الآثار الغارقة, ومنها أجزاء من الفنار الشهير الذي يعد إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم, كما دعت اليونسكو إلى المساهمة في هذا التمويل.

مصطفى عبد الله

أسوان

عشر سنوات سمبوزيوم

          بدأ سمبوزيوم أسوان أولى خطواته عام 1996, وجاء اختيار أسوان لموقعها التاريخي ومناخها وطبيعتها, ذات الجبال الجرانيتية, وكذلك اختيار النحات آدم حنين (قومسييرًا) عامًا جاء مواكبًا لصبغة السمبوزيوم الدولية, وكلمة (سمبوزيوم) من المصطلحات الجديدة التي استحدثت في مجال النحت للعودة إلى الخامات النبيلة كالأحجار والأخشاب والمعادن بعد طغيان استخدام الخامات والأدوات الاستهلاكية, والتي لا تبقى ولا تدوم, والتي أتت ضمن متغيرات كثيرة في الفن بعد الحرب العالمية الثانية.

          يقول الناقد الفرنسي  مايكل جبسون: (إن الأعمال الناتجة من السمبوزيوم تلتقي في مفهوم واحد ينطق بشموخ وعظمة الأفكار المستقاة من التراث الحضاري, الذي تمتعت به خامة الجرانيت, وقد نجح السمبوزيوم في إحياء فن كاد أن يندرج تحت إطارات فنية أخرى, تنحو منحى غير مفهوم, شأن الاتجاهات المعاصرة المنتشرة في أنحاء العالم الأوربي الآن.

          وقد أثمر السمبوزيوم في سنواته العشر نتاجًا بشريًا, وآخر فنيًا, وبُعدًا دوليًا عالميًا, فالنتاج البشري يتمثل في مجموعة الفنانين المصريين, الذين تعدوا العشرين, وقد كشفوا أسرار خامة الجرانيت, التي لم يتعامل معها منذ قدماء المصريين, سوى محمود مختار, ثم محمود مرسي وعبدالبديع عبدالحي! هذه المجموعة نجحت بقدرة وإتقان عالي التقنية في أن تشكّل الحجر بمرونة وليونة, منطلقين من الثقافة المصرية الأصيلة, وهؤلاء الشباب هم الذين قاموا بتركيب جدار مكتبة الإسكندرية المصنوع من بلاطات جرانيت أسوان بكفاءة عالية.

          أما النتاج الفني البالغ 166 عملاً نحتيًا عالميًا, وحيث إنه من شروط المشاركة إهداء العمل للدولة المضيفة, فتصبح هذه الأعمال التي تحمل مزيجًا من ثقافات متعددة ملكًا لمصر, من هنا برزت فكرة إقامة المتحف المفتوح ليضم هذه الأعمال الجرانيتية الصرحية, وبالفعل تم اختيار موقع متفرد بمنطقة محاجر الشلال بأسوان, وضعت فيه الأعمال, ومثل هذا المتحف, موجود في بعض الدول, لكنها تعرض فيه أعمال التلقائيين المحليين, كما في مدينة هراري بزيمبابوي, أو تعرض فيه الفنون التقليدية كما في الدنمارك.

          بالإضافة إلى المتحف المفتوح, هناك مشروع للنحت الدائم على مدى العام يضم مراسم لاستضافة الفنانين من دول العالم, ويكون المقر الدائم للسمبوزيوم, وتم تخصيص 5600 متر مربع بطريق معبد فيلة, وبالقرب من المتحف المفتوح لإقامة هذا المشروع, الذي ينتظر التمويل الدولي من هيئة اليونسكو, بعد أن اعتمد وزير الثقافة التصميم, الذي أعده المهندس المعماري جمال عامر على طراز عمارة المهندس حسن فتحي, والذي يلائم بنية أسوان وتراث النوبة المعماري.

          أما الجانب الآخر في ثمار السمبوزيوم من النتاج الفني لهذه الأعمال, فهو استثمار العديد منها في تجميل ميادين مصر من شمالها إلى جنوبها, وكذلك في الأماكن العامة, وهو ما يخلق صلة حسية وجمالية مع الجماهير, وأصبحت هناك استجابة لأعمال السمبوزيوم.

          اللافت للنظر في السمبوزيوم خلال دوراته العشر, هو قلة المشاركة العربية فيه, فخلال تلك الدورات, لم يشارك إلا خمسة فنانين: يوسف بصبوصي من لبنان, شارك في الدورة الأولى, وشوقي شوكيني من لبنان في الدورة الثانية, وحاجي بشير من الجزائر في الدورة الثالثة, وندا رعد من لبنان في الدورة الرابعة, ومن البحرين شارك خالد فرحان في الدورة الثامنة.

د. محمد الناصر

بيروت

تظاهرتان ضد سيبويه!

          لا تنحصر متاعب العِالم النحوي القديم سيبويه فيما يجده في معاهدنا وجامعاتنا ومجتمعاتنا من جهل فاضح بقواعد نحوه, وإنما امتدت هذه المتاعب إلى المثقفين أنفسهم يأخذون عليه قدم قواعده وتخلفها وتهافتها. ففي وقت واحد تقريبًا صدر في القاهرة وبيروت كتابان يتضمنان حملة قاسية على سيبويه وقواعده تبدأ من عنواني الكتابين اللذين يشكلان نوعًا من يافطة قريبة من يافطات التظاهرات.يافطة القاهرة, كما رفعها شريف الشوباشي في كتابه تقول - وهذا هو اسم كتابه -: (لتحيا اللغة العربية/ يسقط سيبويه). أما اليافطة التي رفعها كتاب صادر في بيروت لمؤلفه زكريا أوزون, فعنوانها (جناية سيبويه). وإمعانًا من المؤلف في إغاظة سيبويه, فقد أرفق اليافطة, أو العنوان بسجعة تعيد إلى الذاكرة أدبيات النثر العربي, كما كانت سائدة في عصر سيبويه: (الرفض التام لما في النحو من أوهام).

          تجمع بين الكتابين, المصري واللبناني, قواسم مشتركة, تجعلهما يؤلفان - كما أشرنا - نوعًا من تظاهرة ثقافية واحدة, مع بعض الفروق. فشريف الشوباشي يدعو إلى ما يمكن أن نسميه بتيسير قواعد العربية, وهي بنظره قواعد قديمة, وذلك من أجل أن تلبس أم اللغات حلة جديدة أو متجددة. فهو لا يدعو لا إلى عامية ولا إلى محكية من نوع ما دعا إليه في مصر سلامة موسى ولويس عوض, وما دعا إليه في لبنان أنيس فريحة وسعيد عقل ويوسف الخال, وإنما إلى (تبسيط في لغتنا حتى لا تواجه أزمة طاحنة تعرّضها للخطر). وبرأيه أن المعضلة التي ستواجه الذين يتصدّون لمهمة تطوير اللغة تتمثل في هدفين اثنين: أولهما الاقتراب من اللغة العامية التي تستخدمها الشعوب العربية للتفاهم اليوم, وثانيهما, عدم القطيعة في الوقت نفسه مع اللغة العربية الأصيلة, لغة القرآن ولغة الأدب التي مارسها العرب خلال القرون الماضية.

          الشوباشي, في ضوء ذلك, إصلاحي, تطويري, مثله في ذلك مثل مفكرين ومثقفين عرب كُثُر دعوا, على مدار القرن العشرين, إلى تيسير قواعد العربية نفعًا لهذه اللغة ونفعًا لأبنائها أيضًا, وبخاصة للأجيال العربية الشابة التي ضاقت ذرعًا بقواعد سيبويه لدرجة إهمالها وإيثار الجهل بها على إجادتها, ومن بين من دعا إلى تيسير قواعد العربية, في تاريخنا الحديث, علماء لغة ومجمعيون لا يشك أحد بنبل مقاصدهم ودوافعهم.

          أما زكريا أوزون فيبدو, في ضوء كتابه, أكثر حدة وعصبية وجذرية أيضًا من زميله المصري المشارك معه في تظاهرة الإجهاز على سيبويه, فعنده أن الأمة, حتى تتغير, يجب أن تكون لغة معرفتها ولغة ثقافتها ولغة اختراعاتها ولغة معيشتها ولغة محبتها ولغة تفاهمها, هي لغة واحدة. وهو أمر مهم جدًا يفتقده الإنسان العربي في مختلف أرجاء وطننا.

          هناك بالطبع ملاحظات كثيرة على ملاحظات شريف الشوباشي وزكريا أوزون منها أن القضاء على ازدواجية الفصحى والعامية من رابع المستحيلات حتى لو تدخلت الإلكسو والجامعة العربية, كما يدعو الشوباشي, أو حصل عمل موسوعي ومؤسساتي كبير لإعادة النظر بقواعد لغة مرّ عليها أكثر من ألف عام, كما يدعو أوزون إلى ذلك. فهذه الازدواجية التي يشكو منها الباحثان موجودة في لغات حية معاصرة كثيرة.

          على أن الكتابين مهما كانت الملاحظات حولهما, جديران بأن يحرّكا الهمم, وبخاصة همم مجامع اللغة العربية المعنية قبل سواها بالمسائل التي يثيرها هذان الكتابان, وذلك من أجل مساعدة أم اللغات على مواجهة التحديات المعاصرة, وما أكثرها.

جهاد فاضل

 

   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




حفل تكريم الشاعرة د. سعاد الصباح





جانب من حضور حفل التكريم, واللوحة المطبوعة بالحفر التي أهدتها (العربي) للشاعرة الكبيرة, بريشة الفنان محمود المغربي





اللوحة المطبوعة بالحفر التي أهدتها (العربي) للشاعرة الكبيرة, بريشة الفنان محمود المغربي





غلاف كتاب التكريم الذي أهدته للشاعرة الكبيرة جامعة الكويت





تبدو الحركة في أعمال القحطاني جزءًا من لعبة اللون والضوء





ثمار ليست بحاجة إلى نيوتن ليكتشف جاذبية المشهد!





سباحة مع التيار أو ضده لكنها داخل إطار تجليات الطبيعة





صورة من الآثار الغارقة في مياه الإسكندرية





صورة من الآثار الغارقة في مياه الإسكندرية





الفنانة فيفيان البتانوني بجوار عملها





ملصق السمبوزيوم





الفنانة النرويجية سيسيل بيرنتسن أمام عملها المكون من قطعتين





الفنان شريف عبد البديع أمام عمله





سموم عربية ضد قواعد اللغة





جناية سيبويه