العائلات الربيبة والأوقات العصيبة

العائلات الربيبة والأوقات العصيبة

العائلات الربيبة هي تلك التي يكون فيها أولاد يعيشون مع زوجة أب أو زوج أم, وقد تعاني مشكلات فريدة بطبيعة تكوينها, وأصعبها - دون شك - ما يتعلق بتربية الأولاد ذكوراً كانوا أم إناثا. لكن اجتياز اللحظات الصعبة في حياة هذه العائلات ليس بالأمر المستحيل.

منذ أقدم العصور, شاع صيت سيئ عن أزواج الأمهات وزوجات الآباء. فعندما كنا أولاداً, سمع الكثيرون منا القصة الخرافية, سندريلا, الفتاة التي عانت الأمرّين على يدي زوجة أبيها الشريرة. والأولاد يعرفون أيضاً القصة الخرافية: ندفة الثلج البيضاء والأقزام السبعة. ويتضح في النهاية أن زوجة أب ندفة الثلج البيضاء ساحرة شريرة!

هل تقدم قصص خرافية كهذه صورة دقيقة عن العائلات الربيبة (عائلات فيها أولاد للزوج أو للزوجة)? وهل أزواج الآباء والأمهات هم حقا سيئون إلى هذا الحد? يفضل ألاّ نجيب بنعم أو لا. ولكن لابد أنهم يواجهون بعض المشاكل الصعبة الملازمة لحياة العائلات الربيبة.

تحديات العائلة الربيبة

ومع أنه في الزواج الأول غالباً ما يشار إلى عدم الانسجام مع رفيق الزواج بوصفه المصدر الرئيسي للصعوبات الناشئة في العائلة, تكون تربية الأولاد هي المصدر الرئيسي لذلك في العائلات الربيبة. فبالنسبة إلى الوالد الجديد, فإن كسب محبة واحترام الولد الذي لا تربطه به رابطة طبيعية - والذي قد يعتبر زوج الأم أو زوج الأب دخيلاً - غالباً ما تكون المهمة عسيرة.

قد لا يدرك المتزوجون حديثاً المشاعر التي يؤججها وصول زوج الأب أو الأم في أولاد رفيق زواجه. فهم يعانون الاضطراب العاطفي, والانقسام في الولاء, ومشاعر الغيرة والاستياء. فقد يتخيل الأولاد أن زوج الأب أو الأم احتل مكانهم فصار يحظى بحب والدهم الطبيعي أو والدتهم. وأكثر من ذلك, فإن الولد الطبيعي الذي يتخلى عنه رفيق زواجه قد يصعب عليه فهم تعلّق الأولاد المستمر برفيق الزواج السابق. ولقد حاول أحد الصبية أن يوضح سبب علاقته الجيدة بوالده الطبيعي, قائلا: (أمي, أعرف أن أبي أساء معاملتك, لكنه كان طيبا معي!), ويمكن لعبارة كهذه, مع أنها صادقة, أن تجعل الأم تشعر باستياء مرير تجاه والد الولد.

وثمة زوج أم اعترف: (لم أكن مستعداً حقاً لمعالجة كل المشاكل المتعلقة بتربية أولاد زوجتي. وضعت نفسي في ذلك الموضع ظنّاً مني أنه بما أنني تزوجت أمهم, فقد صرت أباهم. بدا الأمر بهذه البساطة! لكني لم أفهم تعلق الأولاد بوالدهم الطبيعي, واقترفت أخطاء كثيرة).

يمكن أن ينشأ التوتر, وخصوصاً في مسألة التأديب, فالأولاد يحتاجون إلى التأديب الحسّي, لكنهم غالباً ما يأبون أن ينصاعوا له حتى عندما يكون من والد طبيعي. فكيف به إذا كان من زوج الأب أو الأم! وعموما, عندما يواجه ولد الزوجة تأديباً كهذا يقول شيئاً مثل: (أنت لست حقاً والدي!), وكم يمكن أن تكون كلمات كهذه مدمّرة بالنسبة لزوج أم حسن النية!

فهل يمكن تربية أولاد في عائلات خليطة بنجاح? وهل يمكن أن يلعب زوج الأب أو الأم دوراً إيجابياً في بناء عائلة ربيبة ناجحة? الجواب عن كلا السؤالين هو نعم إذا اتبع الوالدان الربيبان بعض الإرشادات الأساسية في هذا المجال. فما هي?

العلاقة بالوالد الطبيعي

قد يبدو ذلك بديهياً, لكن مع ذلك يحسن بنا القول إن الصفة الأساسية لتكوين أي عائلة ناجحة هي المحبة. فالمحبة الأصيلة تساعد على تخفيف الاختلافات وتوحيد أناس تربيتهم وشخصياتهم مختلفة تماماً. وهي تساعد على إبطال التأثيرات المدمّرة للطلاق أو لموت والد طبيعي. وثمة رجل صار زوجاً لأم وصف ما يعانيه من مشاكل حقيقية: (غالباً ما كنت أفرّط في الاهتمام بمشاعري الخاصة مما جعلني أهمل عواطف أولاد زوجتي وحتى زوجتي, كان علي أن أتعلم ألا أكون حسّاساً كثيراً. والأهم, كان علي أن أتعلم أن أكون متواضعاً). لقد ساعدته المحبة على صنع التغييرات اللازمة.

يمكن أن تساعد المحبة على معالجة علاقة الأولاد بوالدهم الطبيعي الغائب. يقول زوج إحدى الأمهات: (أردت أن أكون أكثر من يحبه أولاد زوجتي. وعندما كانوا يذهبون لزيارة والدهم الطبيعي, كنت أستصعب مقاومة إغراء انتقاده. وعندما يعودون بعد قضاء يوم ممتع معه, ينتابني شعور رهيب. وعندما يقضون يوماً سيئاً, يغمرني فرح عارم. فقد كنت في الحقيقة أخشى أن أخسر محبتهم, وأحد أصعب الأمور كان أن أُدرك وأقبل مدى أهمية دور الوالد الطبيعي في حياة أولاد زوجتي).

ساعدت المحبة الحقيقية هذا الزوج على مواجهة الواقع لأنه لم يكن من الطبيعي أن يتوقع محبة (فورية). وما كان ينبغي أن يشعر بأنه مرفوض عندما لم يقبله الأولاد على الفور. وأدرك في النهاية أنه ربما لن يحتل كاملاً المكان الذي يحتله الوالد الطبيعي في قلب الأولاد. فقد عرف الأولاد ذلك الرجل منذ فتحوا أعينهم على الحياة, في حين أن زوج أمهم كان دخيلاً. ويجب أن يعمل جاهداً ليحصل على حب الأولاد. وتظهر الباحثة إليزابيث أينشتاين ما اختبره كثيرون عندما تقول: (لا يمكن أن يحل أحد محل الوالد الطبيعي - أبدا. وحتى الوالد الميت أو الذي تخلى عن الأولاد تبقى له مكانة مهمة في حياة الأولاد).

التأديب موضوع دقيق

في العائلات الخليطة, يمكن للنظرة إلى التأديب أن تؤدي إلى تصدعات خطيرة, فأولاد الزوج أو الزوجة تأثروا إلى حد ما براشد صار غائباً, وعلى الأرجح, لديهم عادات وتقاليد قد تغضب زوج الأب أو الأم. ومن المرجح أنهم لا يفهمون لماذا ينزعج زوج الأب أو الأم كثيراً من بعض الأمور. فكيف يمكن أن تعالج هذه الحالة بنجاح? فالمحبة تساعد زوج الأب أو زوج الأم على السواء بأن يكونا لطيفين وصبورين فيما يتعلمان أن يفهما واحدهم الآخر. وإذا كان زوج الأب أو الأم عديم الصبر, يمكن للغضب, السخط, وكلام الإهانة أن يدمر بسرعة أي علاقة كانت قد تطوّرت.

قدمت البروفسيرة آنا لويزا دي ماتوس التعليق التالي المثير للاهتمام: (ليس نوع العائلة هو المهم بل نوعية العلاقة. وفي دراساتي لاحظت أن الأحداث الذين لديهم مشاكل في السلوك يكونون غالباً من عائلات ليس فيها إشراف قوي من الوالدين. وقوانينها قليلة, والاتصال فيها ضعيف). وقالت أيضاً: (ينبغي التشديد بقوة على أن تربية الأولاد تشمل لزوم القول: لا). وإضافة إلى ذلك, ذكر الدكتوران إميلي وجون فيشر: (من حيث المبدأ, يعمل التأديب عمله فقط عندما يكون الشخص الذي ينال التأديب مهتما بردود فعل الشخص الذي يقدم التأديب وبالعلاقة معه).

تطرح هذه الملاحظات السؤال عمن ينبغي أن يقدّم التأديب ضمن العائلة الربيبة, من الذي ينبغي أن يقول لا? تنبّه الباحثة جوي كانلي بحكمة إلى أن (الوالدين الأربة - أزواج أمهات أو زوجات آباء - يكونون في وضع أفضل لتقويم سلوك أولادهم الأربة بعد أن يبنوا علاقة جيدة بهم. وفي غضون ذلك, قد يكون من الأفضل أن يتولى الوالد الطبيعي التأديب اللازم). ومن ناحية أخرى, يمكن للوالدين الأربة أن يمنحوا الأولاد الشعور بالاستقرار بدعم الروتين الذي طالما تمتعوا به - كالسير مسافات طويلة أو اللعب معا. ولكن يجب ألا يستعمل الوالدان الأربة أوقات الطعام كمناسبات لتوبيخ العائلة. نعم, ينبغي أن يكون الوالد الطبيعي هو المؤدب الرئيسي ليفسح في المجال أمام رفيق زواجه لبناء علاقة أوثق بالأولاد. دعوا الأولاد يتعلموا أن يثقوا بمحبة زوج الأم أو الأب لهم قبل أن ينالوا التأديب منه.

ثمة زوج أم يقول: (تذكرت أن التأديب يشمل النصح, التقويم, والتوبيخ. وغالباً ما ينجح هذا التأديب عندما يقدم بطريقة عادلة, محبة, ورءوفة وعندما يدعمه المثال الأبوي).

الاتصال بين الوالدين

لاحظت باحثة اجتماعية: (يميل الأولاد دائماً إلى اختيار الحدود التي يرسمها الوالدون). وقد يصح ذلك أكثر في العائلات الربيبة. لذلك, يلزم الوالدين أن يتوصلا إلى اتفاق فيما يتعلق بأمور مختلفة حتى يرى الأولاد أنهما متحدان. ولكن ماذا لو تصرّف زوج الأب أو الأم بطريقة تجعل الوالد الطبيعي يشعر بأنها غير عادلة? عندئذ يجب أن يعالج الاثنان معا الأمر على انفراد, وليس أمام الأولاد.

في العائلة الربيبة, تكون المحادثات الخصوصية الهادئة والصريحة بين الوالدين حيوية. فيجب أن يجدا الوقت والمكان الملائم للتحدث المنتظم عن مشاعرهما. ومن الأهمية بمكان أن يكون الحديث صادراً من القلب ويعبر عن أي امتعاض أو ضرر عاطفي كامن. ويلزم أن يكون واضحاً أنه جرى أخذ مشاعر الآخر بعين الاعتبار. والأمر الأكثر حيوية هو أن تكون المحادثة تعبيراً عن المشاعر لا إلقاء للاتهامات. أي ينبغي أن يكون هدف الحديث هو الوصول إلى حل وليس تحديد (المذنب).

مع ذلك, سوف ترتكب الأخطاء. والأولاد سوف يقولون أو يفعلون أشياء تؤلم. والضغوط التي ستسببها تلك اللحظة سوف تدفع زوج الأب أو الأم إلى التصرف بعدم تعقل. لكن هذه الكلمات البسيطة: (أنا آسف, سامحني أرجوك) يمكن أن تفعل الكثير في شفاء الجروح.

الحكمة أمر حيوي

الحكمة هي التطبيق العملي للمعرفة. إن معرفة الظروف الخاصة التي ترتبط بالعائلات الربيبة تتطلب من الوالدين الأربة الاهتمام بتلك المعرفة عبر تعاملاتهما مع الأولاد الأربة. مثلاً, وجدت دراسة حديثة لعائلات ربيبة أنه غالباً ما يكون من الصعب خصوصاً أن ينسجم الآباء الأربة والبنات الربيبات. ويعبر عن ذلك أحد المؤلفين بهذه الطريقة: (الآباء الأربة يحاولون الاتصال, والبنات ينفرن. الآباء الأربة يحاولون ممارسة شيء من التأديب, والفتيات يقاومن). ويوجز المؤلف: (يبدو أنه ما من شيء يمكن للأب الربيب أن يفعله بنجاح مع الفتيات, في مرحلة باكرة). لذلك يلزم الكثير من الصبر والتعاطف.

وفيما تقدر الفتيات المدح الشفهي من أبيهن الربيب, غالباً ما يشعرن بعدم الارتياح مع الإيماءات الجسدية كالمعانقة. ويجب أن يدرك الأب الربيب أن الفتاة قد تشعر على هذا النحو. وإذا كانت تشعر هكذا, يجب أن يشدد على المدح والاتصال الشفهيين أكثر من الإظهار الجسدي للعاطفة, طبعا, ينبغي أن تتذكر زوجات الآباء أن الصبيان لديهم حدود أيضا. فينبغي أن يكن حذرات في حفظ حدود لائقة مع أولاد أزواجهن ولا يشعروهم بعدم الارتياح.

تظهر الحكمة العملية أيضاً في الاحتراز من الغيرة, إذ يظهر الاختبار أن بنات ربيبات كثيرات يملن إلى الشعور بأن الأم الربيبة هي منافسة. والأم الربيبة التي تدرك مسبقاً مشاعر الفتاة وتتعاطف معها قد تمنع بذلك على نحو حكيم التنافس غير الضروري لجذب الانتباه. ويمكن أن يفعل الأب الكثير للتخفيف من التوتر إذ يؤكد لابنته محبته وتقديره الدائمين. وينبّه الباحثون إلى أن الأمهات الربيبات غالباً ما يبذلن جهداً أكثر مما ينبغي وبأسرع مما ينبغي لكي يقبلن كأمهات بالنسبة إلى بناتهن الربيبات الجديدات. ومن جديد. الصبر هو المفتاح.

يعرب أزواج الآباء أو الأمهات أيضاً عن الحكمة عندما يتجنبون التحيز. فيجب أن يتجنب الأب الربيب أو الأم الربيبة, إذا كان ممكنا, أي دليل على التحيّز إلى أولاده أو أولادها الطبيعيين, مهما كان ذلك صعباً أحياناً.

إن بناء علاقة حميمة في العائلة الربيبة يستغرق وقتاً. فيجب أن يظهر زوج الأب أو الأم التقمص العاطفي, أن يكونا متفهّمين, مستعدين أن يقضيا الوقت مع الأولاد, أن يلعبا مع الصغار, أن يكونا على استعداد للتحدث إلى الأكبر سناً. ابحثوا عن الفرص لقضاء الوقت معا. مثلاً, يمكن أن يدعوا الأولاد إلى مساعدتهما في الأعمال المنزلية, كتحضير الطعام أو غسل السيارة, أن يدعواهم للذهاب معهما وأن يساعدوهما عندما يذهبان إلى التسوق, فهذه كلها تعزز نجاح العائلات الربيبة مع أقل قدر ممكن من الضغط والإجهاد الناتجين.

النجاح ممكن

(الأولاد الذين يعيشون في العائلات الربيبة ينجحون أو يفشلون في كل الصفات السلوكية العديدة كالأولاد الذين يعيشون مع عائلات طبيعية). هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه الباحثان بول بوهانان وروزماري إريكسون في دراسة شملت 190 عائلة كان 106 منها عائلات ربيبة. فقد وجدا أنه لا احد من الضغوط المرتبطة بالعائلة الربيبة (يبدو أنه يؤثر في الصحة العقلية للأولاد أو في فرصهم في التكيف الاجتماعي المانح للاكتفاء).وكشفت دراسة أجريت لتحديد مدى الإجهاد الذي يشعر به المراهقون في العائلات الربيبة أنه (في تسع من إحدى عشرة فئة تصف مجالات الإجهاد الناتج عن العيش في عائلة ربيبة, كان عدد الذين أجابوا (لا أشعر بالإجهاد) أكثر من الذين أجابوا (أشعر بالإجهاد), شملت هذه الدراسة 103 مراهقين في عائلات ربيبة. وقد قسمت مجالات الإجهاد إلى الولاء, التأديب, التوقعات غير الواقعية, وفئات أخرى. استنتجت الدراسة: (ربما يشير هذا إلى أنه حتى في المجالات الحسّاسة هنالك عائلات تتعامل مع هذه القضايا بطريقة غير مجهدة نسبيا). وقد انطبق هذا خصوصاً على العائلات الربيبة التي أمضت أكثر من سنتين على تأسيسها.

يمكن أن تنجح العائلات الربيبة. فالكثير منها ناجح. وأغلب العائلات الناجحة هي العائلات التي ينمّي فيها جميع المشمولين, وخصوصاً الوالدين, المواقف الصائبة والتوقعات الواقعية

 

نجمة موسى