عزيزي القارئ

 عزيزي القارئ

إسـرائـيـل تـفـسـد فـرحـتـنـا

كعادتها دائما, أفسدت إسرائيل فرحتنا, وكعادتها في هدم كل الأفراح العربية فقد فعلت ذلك وسط طوفان من الدم والعنف جعلنا نقف على حافة من المرارة والتقزز, مرارة من أجل كل الأرواح البريئة التي تواصل إسرائيل إزهاقها, والتقزز من الموقف العربي العاجز عن التصدي لهذه الهمجية ووقف إزهاق هذه الأرواح, ناهيك بالثأر لها. وفي هذه المرة أفسدت إسرائيل فرحتنا مرتين, المرة الأولى عندما ذهبت مجلة (العربي) إلى دبي لتتسلم جائزة الإنجاز الثقافي من مؤسسة العويس الثقافية, وعلى خلفية كلمات الافتتاح ومظاهر العرس الثقافي كانت أصداء الانفجارات والاغتيالات واقتحام المدن التاريخية القديمة تتوالى. كنا نتحدث عن الثقافة ونحن نشاهد معالم ثقافة عربية عريقة وهي تتهاوى على أرض فلسطين. وكنا نتحدث عن الإنجاز الحضاري بينما تقف حضارتنا عاجزة أمام أرتال الدبابات التي تهاجم السكان العزل بكل ضراوة. والمرة الثانية عندما اعتقدت مجلة (العربي) أن رحلة التنوير التي خاضتها على مدى أكثر من عقود أربعة من أجل تطوير الثقافة العربية وإعلاء شأنها قد باءت بالفشل أمام ذلك الكم من المهانة التي صنعتها إسرائيل وهي تمثل بالجسد العربي, لقد وقفت المجلة وهي تتساءل: هل كانت كل تلك الرحلة الطويلة من الانحياز للعقل العربي, وذلك الحلم القومي الذي ما زلنا نؤمن به غير مجد?, ولكن صرخات الجماهير العربية نبهتنا من حيرتنا, فعلى أرض فلسطين تواصلت عمليات المقاومة, وحّول المناضلون أجسادهم النحيفة التي هدها الجوع والحصار إلى قنابل موقوتة, وقد أثبتوا أن تكنولوجيا الموت مهما علا شأنها هي أهون من إرادة البشر ومن قوة إيمانهم, وفي شوارع كل المدن العربية اندفعت جماهير الغضب العربي, تعلن أنها على استعداد للذهاب إلى فلسطين لنصرة إخوانهم. اكتشفنا أننا مع هذه الجماهير الصارخة في البرية في الخندق نفسه, وأن تخاذل بعض العرب يجب ألا يفل من عضدنا, وأن هذا الغضب الهادر لن يضيع هباء, وأن تلك الأجساد الطاهرة التي تتفجر كل يوم سوف تفرض شرعيتها على حركة التاريخ.

إن (العربي) في هذا العدد وهي تحيي المناضلين في أرض فلسطين والغاضبين في الشارع العربي تدرك أن هذه الأمة لن تموت, وأن ما يكتب على صفحات المجلة جزء من الرحلة الطويلة لكسر طوق العجز الذي يحيط بالعقل العربي والفعل العربي. ورغم أن (العربي) في هذا العدد تحكي قصة فرحتها الحزينة بجائزة العويس الثقافية, فإنها تأخذ العبرة من التاريخ وهي تنشر في هذا العدد مقالاً مهماً عن الحروب الصليبية حتى نتذكر جميعاً أن إسرائيل برغم كل بطشها وعنفها ما هي في نهاية الأمرإلا نوع من الاستعمار الاستيطاني محكوم عليها بالزوال كما زالت ممالك الصليبيين المتجبرة عن أرض فلسطين. إن نبوءات التاريخ لا تكذب رغم أنها تأتينا دائماً بأثر رجعي, فالمملكة الإسرائيلية قد ضاقت وأرغمتها المقاومة الفلسطينية على القتال داخل المدن المحتلة بعد أن تعودت دائماً أن تقاتل في سماء العواصم العربية, كما أنها كشفت المواطن الإسرائيلي المتبجح خلف ترسانته العسكرية فإذا به قد أصبح خائفا ورعديداً, أسير البيت الذي سرقه, والمستعمرة التي سلبها. لقد تحولت المعادلة أخيراً في الأرض وفي طبيعة القتال, ورغم أن هذا التحول كان باهظ الثمن فإنه هو الذي يحمل لنا بشارة النصر على هذا العدو بإذن الله <
(المحرر)

 

المحرر