الثقافة.. في زحام الإصلاح

الثقافة.. في زحام الإصلاح

  • مضى (العقد العالمي للتنمية الثقافية) دون أثر ثقافي بدليل التشوش الثقافي الذي يسود عالمنا اليوم
  • الثقافة يجب أن تكون أكبر مما تمتلكه النُخب المحدودة حتى تكون المشاركة في النهوض شاملة وفاعلة
  • أي إصلاح منفصل عن سياقه الإنساني, أي الثقافي, يصير إصلاحًا بلا روح ولا يعيش طويلاً

بالرغم من أن حديث الإصلاح في عالمنا العربي, يشكل الآن ظاهرة تشهد زخمًا ملحوظًا, ومن كل الجهات الرسمية والشعبية, وبالرغم من أن هذا الحديث يرسله - في معظم الأحيان - مثقفون, فإن صوت الثقافة وسط هذا الزحام, الصحي في معظمه, يبدو ضئيلاً وتائهًا, مما يدعونا لمراجعة مفهوم الثقافة, ومحاولة تحديد موقعها في حياة الناس, ووجود الأمم, لعلنا نتدارك أهميتها في حركة الإصلاح المأمول.

بالرغم من الصخب الكثير الذي يحيط بمقولات الإصلاح, الصادقة منها وغيرها, فإن أحدًا لا يستطيع إنكار أن هذا الصخب له ما يبرره, فالزمن يتحرك إلى الأمام ونحن - العرب عمومًا - نبدو في بعض المواقع متحركين ببطء لا يتناسب مع حركة الزمن وتحرك الآخرين معه, وفي مواقع أخرى نبدو جامدين عن الحركة, بل نتحرك إلى الخلف أحيانًا.

ولعل هذه الصورة المؤلمة لقلب كل عربي هي المسئولة عن انفعال الصرخات, وتعالي الصخب. وقد يبدو غريبًا الغياب, أو شبه الغياب, لمناقشة موضوع نظنه أساسيًا في منظومة أي إصلاح, وهو الإصلاح الثقافي, فتوصيات المنتديات العربية العديدة, والتي توشك أن تغطي الأرض العربية من الخليج إلى المحيط, تبدو جد متواضعة عند تعرضها لقضية الثقافة, وفي إحدى الوثائق الشهيرة من وثائق منتديات الإصلاح, جاء الحديث عن الإصلاح الثقافي في ذيل موضوعاتها التي بدأت - كالعادة - بمطالب الإصلاح السياسي. أما على مستوى الصحافة والإعلام, فأمر الثقافة يبدو وكأنه لا يعني أحدًا. وهذا الأمر مفهوم, فالناس يبحثون أولاً عما يصلح من شأن حياتهم اليومية, والاقتصاد في القلب من ذلك, والسياسة قرينة كل اقتصاد في عالم اليوم. ومن ثم, يبدو منطقيًا أن تنصب نداءات الإصلاح على السياسي والاقتصادي أولاً, والاجتماعي بالتبعية أو بالأصالة تبعًا لوجهات النظر المختلفة المتعلقة بأولويات الإصلاح. فهل تستحق الثقافة هذه المرتبة المتراجعة على سلم الإصلاح?

وراءنا وحولنا وأمامنا

الحقيقة أن إساءة تقدير موقع الثقافة في النهوض البشري, ليست وقفًا على المهتمين العرب بشأن الإصلاح, فثمة مهتمون بالإصلاح العالمي, الذي أخذ مصطلح (التنمية) عنوانًا شاملاً لتوجهاته, أخفقوا في محاولة عالمية معروفة لإعلاء شأن الثقافة في إصلاح شئون البشر على ظهر كوكبنا في العقود الأخيرة القريبة. ففي يناير من العام 1988, اشترك الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة خافيير بيريز ديكويلار, مع فيدريكو مايور المدير العام السابق لمنظمة اليونسكو, في إعلان العقد العالمي للتنمية الثقافية ليغطي السنوات العشر من 1988 إلى 1997. وذكر الأمين العام للأمم المتحدة في مناسبة إطلاق الإعلان, أن مجهودات التنمية, أخفقت لأن أهمية العنصر البشري, ذلك المزيج المعقد من العلاقات والمعتقدات والقيم والدوافع الذي يكمن في قلب الثقافة, لم يقدّر حق قدره في كثير من مشروعات التنمية, وإعادة النظر في هذا الموقف البائس - على حد تعبير ديكويلار نفسه - تعني إعادة النظر في عملية التنمية نفسها.

ومضى العقد العالمي للتنمية الثقافية, كما نعرف ونحس, دون أن يخلف أي آثار عميقة في تنمية ثقافية عالمية حقيقية, بدليل التشوش الثقافي الذي يسود عالمنا اليوم, والذي يعكس, ليس فقط التأثيرات السلبية لمحاولة تنميط العالم كوجه سلبي من وجوه العولمة, أو ما يدعى بأنه عولمة, بل في الحقيقة, لأن جهدًا حقيقيًا لم يُبذل من أجل تنمية ثقافية عالمية حقيقية في ذلك العقد الموعود, خاصة في دول العالم النامي, وما دون النامي.

هذا الإخفاق العالمي السابق, والقصور العربي الحالي, يستوجب أن نعيد تعريف الثقافة, ونعيد تحديد موقعها في أي محاولة للنهوض البشري.

صحيح أننا جميعًا نحس بأن الثقافة - على حد قول كلود شتراوس - وراءنا وحولنا وأمامنا, مما يعني أنها الوسط الحيوي الذي يتحرك فيه البشر, ماضيًا, وحاضرًا, ومستقبلاً, لكننا لم نبلور هذا الإحساس في قناعة ملموسة, لا لدى النخبة ولا لدى المجموع العام من الناس. ولعل هذا هو السر وراء إخفاق العالم في عقد التنمية الثقافية, وتذييل المصلحين العرب للبعد الثقافي في مداخلاتهم المهمة في حديث الإصلاح. ولعلنا في حاجة ماسة إلى أن نتحسس مفهوم الثقافة من جديد. فقد شاع بيننا أن الثقافة هي تذوق وإنتاج الآداب والفنون, وربما ألحقنا بهما التحليلات السياسية وفهم بعض العلوم الإنسانية والتطبيقية, لكن الأمر لا يتوقف بالثقافة عند هذا الحد بكل تأكيد, بدليل أن وجود النُّخب العربية الممتلكة لهذه المفردات جميعًا, لم يشكل حالة نهوض عام, لا في تجارب النهضة العربية السابقة, التي لم تزد على كونها تجارب بالرغم من عظمة روّادها, ولا في وقتنا الحالي, الذي لا يخلو من النُّخب المنتجة والمتذوقة للآداب والفنون والعارفة بكثير من حديث السياسة وفهم الكثير من العلوم الإنسانية والتطبيقية. ومن ثم, فإن الثقافة لابد أن تكون شيئًا أكبر وأشمل مما تمتلكه النُّخب, ولو أدركنا ذلك, لكنا أقرب من مفهوم الثقافة الذي يشارك بزخم أكبر في أي نهوض مجتمعي أو اقتصادي أو سياسي, سواء أسميناه إصلاحًا أو أسميناه تنمية, فإي إصلاح وأي تنمية, إذا انفصلا عن سياقهما الإنساني, الثقافي بالضرورة, يكونان بلا روح, ومن ثم يتهددهما الإخفاق. فما هي هذه الثقافة التي يُفترض أنها أكبر وأشمل من الامتيازات العقلية لأي نخبة?

من الفلسفة إلى الحياة

تعني كلمة الثقافة في إحدى مقارباتها, عملية تنمية بعض ملكات العقل بواسطة التدريب على مهارات متاحة, وما يترتب على هذه التنمية من قدرات. وبمعنى أوسع قليلاً, هي المكتسب الذي يحوزه الشخص المتعلم, الذي نمّى حسه وذوقه النقدي مما ينعكس إيجابيًا على أحكامه. وأبعد من ذلك, تذكر الموسوعة الفلسفية أن الثقافة في اللغة الألمانية, وفي الأدبيات الأمريكية, كأمثلة للمقارنة, تُستعمل مرادفًا لكلمة (حضارة), لأن مفهومها ينطوي على معنيين: أحدهما ذاتي هو ثقافة العقل, وثانيهما موضوعي هو جملة الأحوال الاجتماعية والمنجزات الفكرية والفنية والعلمية والتقنية وأنماط التفكير والقيم السائدة, أي كل ما يتداوله الناس في حياتهم الاجتماعية من مكتسبات تحصل بالتأقلم والتعلم.

امتدادًا لهذا التوسع في مفهوم الثقافة يرى بعض علماء الإثنيات, أن هناك صلات نوعية بين الثقافة الجامعية, والأشكال الثقافية الشعبية, حيث يكون أهم مكونات مفهوم الثقافة هو الفرق بين الحالة الثقافية الحضارية والحالة الطبيعية, أي الفرق بين ما هو مكتسب وما هو فطري. ففي حين أن الصفات الفطرية تنتقل من الأصل إلى الفرع, حسب قانون الوراثة, نرى أن الثقافة تنتشر بين الناس بواسطة الاتصال الاجتماعي, أي بواسطة تعلم النماذج التي يقدمها المجتمع. هذا هو مفهوم الثقافة الذي استقر في أدبيات القرن العشرين, والذي يدور على المعاني الرئيسية التي عرفها التاريخ, وتأكيدًا لذلك يعرّف الفيلسوف الأمريكي جون ديوي الثقافة, بأنها حصيلة التفاعل بين الإنسان وبيئته. وتأسيسًا على ذلك, فإن كوكبنا الذي يعيش عليه حوالي عشرة آلاف جماعة متميزة تعيش في حوالي 200 دولة, هو محيط واسع لتنوع ثقافي خلاّق, لا يصح اختزاله في قطاع محدود من ثقافة النخبة محدودة العدد, والتي تم اعتمادها خلال عهد النهضة الغربية, التي اقتصر فيها مفهوم الثقافة على مدلوله الأدبي والفني, وهو المفهوم الذي لايزال يعمل عندنا وعند غيرنا إلى حد كبير, بدليل أن ما يُطرح من تصورات للإصلاح الثقافي ينصب على رعاية النتاجات الأدبية والفنية, ومنحها كل الحرية, وهذا جميل وطيب, لكن حزمة ثقافات الأمة بكل مكوناتها الشعبية والموروثة والمستحدثة, لابد أن تنال مثل هذه الرعاية, وإلا أخفقت التنمية الثقافية, وأخفقت كل أشكال التنمية التي يلعب فيها العامل الثقافي, بالمعنى الواسع للثقافة, دورًا فاعلاً وارتقائيًا, وهنا نجد أن الاشتقاق اللغوي لكلمة (ثقافة) في اللغة العربية, يمنحنا إضافة وإضاءة ممتازة لمفهوم الثقافة, فهي ليست المضاف إلى الطبيعة فقط, كما يذهب بعض الفلاسفة الغربيين, بل المضاف بتجويد وترقية وإرهاف, فكلمة ثقافة مشتقة من فعل ثقف, الذي يعني اكتساب الحذق والفهم ومنه: ثقف الرمح, أي براه وأرهفه, وامرؤ ثَقِف أي فطن وذكي. ومن ثم تكون الثقافة في إطارها العام, هي كل مكتسب بالمعرفة والتدريب, والرامي إلى الإجادة والدقة والرهافة والجمال, الذي هو محصلة لكل ذلك.

تنمية الثقافة وثقافة التنمية

يلاحظ المتابعون أن مفهومي (الثقافة والتنمية), قد أصبحا في كثير من الأحيان مفهومين متنافرين ومتناقضين, وقد يكون السبب في ذلك هو الطريقة التي يُنظر بها للتنمية, وتنعكس بالتالي على الطريقة التي يُنظر بها إلى الثقافة. فالتنمية لدى البعض, هي عملية نمو اقتصادي وزيادة ثابتة في الإنتاج ودخل الفرد. بينما التنمية من منظور آخر - يتبناه برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) في تقاريره السنوية عن التنمية البشرية - هي عملية (تدعيم حرية من يشتركون في السعي إلى ما يعتبرونه ذا قيمة بالنسبة إليهم). والفارق بين المنظورين شاسع, فبينما المنظور الأول يبدو أسير الأرقام والمؤشرات المالية والاستهلاكية, يوضح المنظور الثاني البعد الإنساني للتنمية. وبناء على ذلك, تختلف النظرة إلى الثقافة, فالثقافة في الرأي الذي يركز على النمو الاقتصادي, لا تلعب دورًا مهمًا, بل ليست إلا أداة ووسيلة تساعد على دفع النمو الاقتصادي أو عرقلته, ولا تدخل الثقافة في هذا التحليل باعتبارها ذات قيمة في حد ذاتها, بل كوسيلة لتحقيق غايات التقدم الاقتصادي. ومن هذه الرؤية الضيقة, يتثبّت المنظور الضيق للثقافة فتصير هي - على سبيل المثال - مجرد التعليم الذي يُعطي لعجلة الاقتصاد متعلمين يحسنون إدارة ماكيناته وقراءة أرقامه. وبالرغم من أهمية ذلك, فإنها تظل أهمية جزئية, سواء في استمرار دورها لدفع عجلة الاقتصاد, أو تقييمها هي نفسها - أي الثقافة - كنشاط إنساني, بل ذروة النشاط الإنساني إذا طبقنا المنظور الأرحب للثقافة باعتبارها غاية مطلوبة في حد ذاتها, لأنها تضفي على وجودنا معنى, وهنا لا يتوقف دور الثقافة عند حدود الأداة الثانوية المساعدة في النمو الاقتصادي, بل تصير ذات دور مزدوج, تدفع الاقتصاد بالتعليم والتدريب والبحث والتطوير, وترشِّد توجهاته حتى لا يضلَّ سبيله ويلتف على نفسه ليدمرها, أو على الأقل يعيق نموها, فالثقافة في هذه الحالة رحبة الأفق, تحدد علاقة البشر بالطبيعة والبيئة المادية المحيطة بهم, وتوثق من علاقات البشر بعضهم بعضًا, فالبشر يعملون معًا ويتعاونون ويتفاعلون بطرق متنوعة وليسوا ذرات منفصلة. على هذا النحو توفر النظرة المتسعة للثقافة كغاية إنسانية كبرى, إدارة حسنة لشئون الاقتصاد تحافظ على البيئة والمشاعر الإنسانية, وتجعل من التنمية قابلة للاستدامة والتواصل, ليس في المجتمع الواحد, بل عبر المجتمعات المختلفة, وهو ما يخلق حالة عالمية من التنمية الصحية, ليس في الاقتصاد وحسب, بل في السياسة أيضًا, مادامت السياسة هي أحد وجوه الاقتصاد, بل أهم وجوهه وأخطرها.

الماهية والإصلاح

مما سبق, تكون الثقافة وعاءً شاملاً لأنماط الإنتاج الفكري والإبداعي للمجتمع في مختلف أشكاله المعنوية والمادية, مما يجعلها تجسد رؤيته للعالم, وتمثل خلاصة ذاكرته الجماعية عبر تراثه الذي ظل حيًا, كما تشكل منظومة قيم هذا المجتمع ورؤية أفراده للكون. وإذا طبقنا هذا المفهوم المتوسع لفهم ماهية الثقافة, فإن الإصلاح الثقافي يبدو عسيرًا وشاقًا في مجتمع ضارب الجذور في التاريخ, مثل المجتمع العربي, فمن ناحية, ينطوي التراث العربي, ليس فقط على فترة حضارة بشرية أضاءت الدنيا في بعض عصور الظلام, بل ينطوي أيضًا على انطلاقات للروح تشكلت من مولد أهم الديانات السماوية على أرضه, بينما الحاضر يشهد تراجعًا واضحًا في إطار المدنية الإنسانية بمعايير العصر, وتجاذبات روحية بين اجتهادات مستنيرة قليلة وتشنجات منغلقة واسعة النفوذ. لكن فكرة الإصلاح - كما يقول كتاب (قضايا الإصلاح العربي), الصادر عن منتدى الإصلاح العربي بمكتبة الإسكندرية - ليست جديدة ولا مستحيلة, طبقًا لأن كل التحولات التي طرأت على المجتمع العربي منذ بدايات النهضة, ليست سوى حلقات متتالية في مشروع الإصلاح الثقافي الذي يستهدف تغيير الواقع, بتحريك العقل الذي يدبر أموره, وتحديد الأهداف التي يتوخاها.

وقد تكون هذه الرؤية مقبولة لو سلمنا بأن إخفاق محاولات الإصلاح العربي السابقة هي رصيد للنجاح بمنطق تدارس نقاط ضعف التجارب المخفقة, وليس الوقوف أمامها بحنين يعمي عن متغيرات الحاضر. ومن ثم ذهب بعض المنادين بالإصلاح, إلى أن يكون عنوان الإصلاح الثقافي هو (إصلاح الخطاب الثقافي), كي يكون العنوان أكثر اتساقًا مع معطيات الإصلاح المقصود والمقدور عليه في المدى المنظور, مع شموله لمفهوم الإنتاج الثقافي والإستراتيجية المتبعة, لأن الخطاب يتضمن الرسالة وأطراف التواصل في آن. ومرة أخرى نجد أنفسنا, لا شعوريًا, نسير في اختزال الفعل الثقافي داخل النخب محدودة العدد في المجتمعات العربية, والتي طبقًا لهذا المفهوم, تكون هي مرسل الخطاب, بينما الأغلبية غير النخبوية هي المتلقي. فإصلاح الخطاب الثقافي لابد أن يتضمن قواعد عامة, تجعل من كل أطراف المجتمع - عامة ونخبة - مرسلين ومتلقين, وإلا كان مصير أي إصلاح مأمول, هو الإخفاق بقيود العزلة والمحدودية التي أحاط بها نفسه. ومن ثم, فإن أولويات الإصلاح الثقافي المطروحة تقتضي المراجعة, ولنحاول ذلك تطبيقيًا على بعض البنود المطروحة كأولويات ضمن مقترحات الإصلاح الثقافي, ولا أرى داعيًا لتحديدها لأنها جميعًا متشابهة.

مراجعة الأولويات

يمكننا أن نحشد مجمل ما تردد في وثائق منتديات ومطالبات الإصلاح فيما يخص الثقافة فيما يلي:

1 - العمل على سيادة التفكير العقلاني العلمي وتجاوز المرجعيات الخرافية والأسطورية وحصرها في مجال الفلكلور الذي يمكن التحكم فيه, فالعقلانية والعلم هما الأساس, وحضورهما قرين القوى الفاعلة في مجتمع المعرفة الواعد, ومفتاح التحول الحضاري والتنمية البشرية أو الإنسانية.

2 - اعتبار الإنتاج العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي, خيارًا ضروريًا في الحياة المعاصرة.

3 - تشجيع التبادل الثقافي مع الأمم والإفادة من تجاربها الناجحة, لدعم التعاون الخلاّق في كل مجال دون معاداة للتنوع الثقافي الذي يحافظ على الهويات.

4 - التركيز على قضية الهوية في علاقتها بالخصوصية الثقافية, حيث لدى العرب تراث غني هائل ينتظر الدرس المعمق والتحليل لتحويله إلى معرفة حية.

5 - التركيزعلى اللغة العربية بوصفها مفهومًا للهوية الثقافية.

6 - العمل على إلغاء الإرهاب الثقافي, وإلغاء الرقابة والاهتمام بحرية الإبداع, وإعطاء مساحة كافية للمفكرين لإبداء الرأي المختلف واحترامه.

7 - خلق محفزات للإبداع بمختلف أنواعه, وترويج المنتوج الثقافي من خلال المبدعين وجمعيات المجتمع المدني.

8 - الاهتمام بقضية البحث العلمي والدعوة لتخصيص ميزانية معقولة لذلك, حيث لا تزيد ميزانية البحث العلمي في معظم البلاد العربية على 1%.

9 - التركيز على الخطاب الإعلامي, لما له من أهمية بارزة في تشكيل الرأي العام, وإنهاض أو تهميش محاولات النهوض الثقافي.

10 - وضع الإنتاج الثقافي الرفيع في متناول الطبقات الشعبية.

لقد اخترت أن أتوقف عند الرقم عشرة مما تكرر وروده في أدبيات المناداة بإصلاح الثقافة, لأبيّن أن هناك نوعا من الدوران حول الذات, وصعوبة الإمساك بزمام العنصر الجامع أو الزناد المطلق لكل هذه العناصر التي وردت كأولوية, وبديهي أنه عندما تكون هناك عشر أولويات وأكثر مما لم أواصل تعداده من واقع المنشور في هذا المجال, فإن هذا يعني أن تحديد الأولوية هو من الأمور الغائبة أو الهاربة من القدرة على التحديد. فما أولوية الأولويات التي تشكل طريقًا تتدفق عبره إلى ساحة الإصلاح الثقافي كل العناصر الصالحة التي تم ذكرها والتي لم تذكر? إنه سؤال يبدو لي كاللغز, لكن حلول الألغاز كثيرًا ما تتحقق بطرق شديدة البساطة. ويتبادر إلى الذهن في هذا المقام, اللغز الذي استطاع أن يحله أوديب عندما واجه السؤال الذي كان صعبًا: (ما الذي يمشي أولاً على أربع, ثم على اثنتين, وأخيرًا على ثلاث?), وكانت الإجابة بسيطة: إنه الإنسان, الذي يحبو طفلاً على أربع, ويسير شابًا على اثنتين, ويمشي شيخًا على ثلاث (أي ساقَيْه والعصا التي يتوكأ عليها).

إجابة بسيطة جعلت الوحش الذي ألقى اللغز على أوديب يرمي بنفسه في البحر, فينجو الشبان والشابات الذين كان يتربّص بهم الوحش ويهدد بالتهامهم. إنه الإنسان, وهو الإجابة الصحيحة للسؤال الصعب عن أولوية الأولويات في الإصلاح الثقافي, بل في كل إصلاح, وقد صاغته وثيقة مهمة من وثائق التنمية الثقافية العالمية في صياغة محددة وشاملة هي الاحترام, احترام الإنسان, كل إنسان, وهو احترام يشكل ما أسماه البعض (أخلاق الثقافة), ولن يكون هناك إصلاح ثقافي بغير هذه الأخلاق, التي تتطلب وقفة أخرى, وحديثًا آخر.

 

سليمان إبراهيم العسكري

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات