الإرهاب من منظور نفسي

الإرهاب من منظور نفسي

بالرغم من عدم الاتفاق على مفهوم الإرهاب دوليًا, فإن ظاهرة ترويع الآمنين باتت مما يؤرق البشر, وهي في حاجة إلى دراسات من زوايا عدة, ولعل المدخل النفسي من أهمها.

اشتدت الأحداث الإرهابية في وتيرة تصاعدية, وطالت كثيرًا من الدول, وتحرك الإرهابيون في شتى بقاع الأرض, وتعددت جنسيات منفذيها ومعتنقي فكرها, واختلطت المفاهيم وانقسم الأفراد في المجتمعات, بين مؤيد ورافض, ومتشفٍ وحانق. ولم تفق الدول الغربية من واقع خطورة ما يجري طيلة السنين المنصرمة, إلا بعد أن نال الإرهاب منها, وتحديدًا يوم الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر, (كانت الصحوة وانطلاقة التغيير الدولي بغض النظر عن آرائنا الشخصية نحو الحملة), بعدما انتشرت الخلايا الصاحية والنائمة في ثنايا أوربا والولايات المتحدة الأمريكية. كما لم تعمد الدول العربية والإسلامية إلى مكافحة الظاهرة والحد من تفريخ الإرهاب وهي في المهد وفقا للرؤية الأمريكية وقدأبقت وزارات التربية على مدارس خارج نطاق سيطرة الدولة ورقابة وزارات التربية والتعليم. وكذلك تعمدت المناهج إٍهمال تفعيل مفهوم النقد الذاتي وتطويره, كونه خارج مفهوم الحضارة العربية. ولكن لسنا هنا في بحثنا بصدد محاكمة الدول عامة, وتقصير الأنظمة السياسية العربية خاصة - وليس هذا من مهامنا - حيال ذلك المد الإرهابي وما نحن عليه اليوم من الهجمة الشرسة لجماعات إرهابية (عقائدية, منظمة, ممولة ضد المجتمعات المدنية والحضارة الإنسانية المعاصرة. وإنما نحن بصدد النظر للإرهاب من المنظور النفسي, وبالتالي البحث عن ماهية (الميكانيزم) الذي يحرك الفرد, ليرتكب هذه الأفعال?

ولمعرفة هذه التحركات في النفس البشرية يتوجب معرفة نوع ومستوى (العدوانية) كتشخيص أولي ومهم. ولتعريف العدوانية: هي سلوك يتوجه إلى الغير غالبا ويقصد به أن يعانوا منه نفسيا أو ماديًا, وقد يتحول به الشخص إلى نفسه فيلحقه منه الضرر وقد يصيبه الدمار (الحفني, 1992). لابد من الإشارة إلى التفريق بين المقاومة المشروعة ضد المحتل أو المغتصب, وهو الحق الذي كفلته كل الشرائع والقوانين, وبين الإرهاب الذي نشهده في أندونيسيا والباكستان وأفغانستان والدار البيضاء وكينيا وتنزانيا والرياض وجدة ومدريد وعدن والولايات المتحدة الأمريكية والعراق. فالمقاومة تأخذ أشكالاً عدة, منها مقاطعة اقتصادية أو فكرية من خلال الكتابات ووسائل الإعلام المختلفة, ومنها المسلحة شريطة ألا تطغى وتوجه نحو المدنيين والأبرياء من الأطفال والنساء وكبار السن, حيث نصت مبادئ الأمم المتحدة على أن الإرهاب هو كل عمل يستهدف المدنيين والأبرياء لغرض سياسي. وهدف بحثنا هو معرفة الميكانيزم أو الدافع للعمليات الانتحارية والعمل الإرهابي المجرد, إذ لماذا يتوب إرهابي ولايتوب آخر? لماذا يقتنع الأول لمجرد حوار غرضه تصحيح المفاهيم وإعادة التأهيل, ويصر الآخر على المضي فيما اعتقده, ولماذا هذا الكم الكبير في اعتناق هذا الفكر أو العقيدة (الإرهابية) حول العالم ومن جنسيات وبيئات مختلفة?

لايمكن إنكار أن العمليات الانتحارية, التي طالت مدنًا عربية بعينها هي محور عين البحث, وأن كل عملية انتحارية طالت المدنيين بينها ربط ميكانيزمي وبروفيل مشابه, ولو اختلفت المسميات والتبريرات والأهداف السياسية لكل منها. وكل نمط مغاير كـ (إرهاب الدولة) على سبيل المثال لا يدخل ضمن سياق معنى تعريف الإرهاب السابق, وتطغى عليه تسمية سياسية, وبالتالي فهو لايعني بحثنا, إذ إنه يندرج وفق ظروف وآليات أخرى لها مفرداتها الخاصة وطريقة تشخيصها, يعتبر التطرق إليها أو غيرها من الأنماط الأخرى أو إقحام المقاومة المشروعة في بحثنا عملية تعمية وتغطية للإرهاب الحاصل الحاد الذي ندركه ونرصده كل يوم ويتنامى خبثه في مجتمعاتنا العربية والمجتمعات الأخرى.

السلوك الإرهابي

-العدوانية أنواع عدة ويمكن قياس مستواها: مرتفع, منخفض, متوسط العدوانية, وتحديدها من أي نوع ومستوى يتم. على سبيل المثال من خلال (اختبار إيبسا جاشا), ليتم بالتالي علاجها وفق طرق عديدة منها العلاج السلوكي أو علاج التحليل النفسي, أو العلاج بالتنويم المغناطيسي أو حتى بالحوار, ومنها الحوار الديني المستنير.

لقد قام (جاشا) ببناء اختبار من 83 نقطة اختبار والمبني من عشرة مستويات لملامح متلازمة العدوانية.

المستويات العشرة لمتلازمة العدوانية:

المستوى (1) - ذاتية العدوانية العاطفية.
المستوى (2) - ذاتية العدوانية الفيزيائية.
المستوى (3) - عدائية نحو الآخرين.
المستوى (4) - ميول عدائية غير إدراكية.
المستوى (5) - عدوانية منتقلة.
المستوى (6) - عدوانية غير مباشرة.
المستوى (7)- عدوانية لفظية.
المستوى (8)- عدوانية فيزيائية.
المستوى (9)- التحكم بالسلوك العدائي.
المستوى ( 10)- ميول للأعمال الانتقامية.

الاختبار النفسي لمتلازمة العدوانية (ا.ي.ب.س.ا جاشا) يستخدم لقياس شدة الأعراض العدائية ومتلازمة العدوانية, المتلازمة نفهمها, مجموع معاناة لمواقف وسلوك, يهدف إلى أو ينتج (بقصد أو غير قصد) الإضرار (مباشرة أو غير مباشرة) بالآخرين, أو إلحاق الفرد الأذى بنفسه.

ومتلازمة العدوانية تحتوى أيضًا على دافع العدوانية الإدراكية وغير الإدراكية, الموجهة للآخرين من قبل الفرد أو إلى ذاته, سواء من حيث الأعراض أو المعاناة (جاشا, 1980).

نلاحظ أن غالبية الأفراد الذين أضحوا إرهابيين أو منفذين لعمليات انتحارية (بغض النظر عن مبرراتها السياسية أو الدينية, بهدف معرفة الميكالنيزم أو الدافع لها) تتشكل في أغلبها من الفئة العمرية (15-22) سنة أي أنه يمر في مرحلتي المراهقة والرشد, والتي تمتد عمليًا من سن البلوغ إلى سن الرشد أو سن الشباب, ومرحلة البلوغ تمتد عادة بين سن العاشرة والثانية عشرة, ومرحلة المراهقة تبدأ في نهاية سن الثانية عشرة, وذلك حسب مقاييس وفاقية تقوم على أرقام معدلة إحصائيا, وتنتهي في سن العشرين حسب الأشخاص والطبقات المجتمعية (الجراية, 2001).

لذلك فهم يُدعون في المجتمع بـ (المغرر بهم), أو كونهم يمرون بمرحلة عمرية خطرة من حيث التشكل والصقل قبل اكتمال عملية النضج. وتلعب كثير من الأفكار والتوجهات المتطرفة العقائدية أو الأيديولوجية على استمالة هذه الفئة العمرية, لإدراكها المسبق بسلاسة تمرير (الفكرة) في لب ووجدان الشباب التواق بغريزته إلى المغامرة والشطح, حيث يحمل كل شاب على الأغلب (خاصة المُحلق في الجو الديني أو الأيديولوجي كشرط) في مخيلته أو عقله الباطن, مفهومًا هلاميًا خفيًا مثل: (أنه مختار من قبل إٍدارة إٍلهية عُليا ويرجح اختيارها له أو اصطفاؤه بهدف مهمة التغيير الملقاة على عاتقه), يتردد من وقت إلى آخر في ذهنه هذا النسق الترددي الخفي الباطني فقط في حالة صلته (بالإله أو المعتقد) مكثّفًا ومركزًا في بيئة مساعدة ومناخية تدعو إلى ذلك بصفة مستمرة وفي فترات متقطعة. مراهق أو شاب من هذا النوع تبقى, الحركات التعبدية والشعائرية حين يمارسها من صلاة وصوم وغيره, غير كافية من حيث الإشباع النفسي لذي العدوانية من المستوى الثالث والثامن وشدتها المرتفعة في إٍطفاء حماسة المغامرة, والتي تخالجه مع تدفق مادة (الأدرينالين) وهرمونات أخرى تعمل على الاستثارة إلى مجرى الدم, وآلية وظيفة الدافع. وظائف الدوافع: حيث يتحرك الإنسان وفقًا لحوافزه (تطلق غالبًا على الدوافع الفطرية الأولية) ودوافعه. وهو ليس مجرد آلة سلبية تستقبل المنبهات من البيئة. إن الوظيفة الأولية للمنبهات هي فقط إثارة الآليات أو الأجهزة الداخلية للكائن الحي.

وهذه الآليات تتبع أسلوب السلوك الذي يتبع التنبيه. إنها تمثل المصادر الداخلية للعمل. والدوافع تمد السلوك بالطاقة اللازمة, وتتعاون المثيرات الخارجية والداخلية في استثارة النشاط. وتحديد الغرض من النشاط أو السلوك والتنبؤ بالنتائج المستقبلية يكونان بمنزلة تهيئة الظروف لعمل الدوافع. ووظيفة أخرى مهمة للدوافع هي اختيار نوع النشاط وتحديده. فالميول والدوافع تجعل الفرد يستجيب لبعض المواقف ويهمل بعضها الآخر, كما أنها تحدد بدرجة كبيرة الكيفية, التي يستجيب بها لمواقف معينة.

مفصل المراهقة

سرعان ما يجد المراهق أو الشاب, المتنفس في ثنايا بعض النصوص الدينية المحاكية لقصص وسير العنف التاريخي وبطولات الشخصيات والإعلام المتجسدة والمتخيلة في ذهنه, وغالبًا ما ينحو بالميل إلى تفسيرات النصوص البشرية, التي تدعو إلى نشر مادة السلوك العنفي وإراقة الدماء عن تلك الداعية لسلوك وقيم التسامح والمحبة. فيظل يلازمه شعور بأن هناك نقصًا لا بد أن يشبع رغبته الملحة, وإيجاد المتنفس لها من خلال اطلاعه على أدوار العنف التاريخي بغزواته القتالية. ويضفي مرحلة (الإسقاط), فيسقط أحداث الماضي على الواقع المعاصر ليُسهل بذلك تبرير المنطلق أمام (ذاته) لأي سلوك عدائي قادم تجاه المجتمع أو انتحاري ضد الأهداف والأفراد وفق التصور الأيديولوجي المسبق. والإسقاط في علم النفس الحديث هو: تفسير الأوضاع والمواقف والأحداث بتسليط خبراتنا ومشاعرنا عليها والنظر إليها من خلال عملية انعكاس لما يدور داخل نفوسنا (موسوعة علم النفس, 1987).

و(العدوانية) هي أساس المنطلق, والتي كان لها وجود غريزي أصلاً بنوعها وبقياسها ونسبتها, وتختلف من مراهق أو شاب إلى آخر. تنشئ علاقة وطيدة تبادلية بين الأيديولوجيا والشاب (المؤدلج), والأيديولوجيا الدينية عندما تصير بعيدة عن مراميها الروحية تكون مركبة من التطرف وعدم تقبل الآخر, بمساهمة الفتوى التكفيرية, ومفهوم (أنا وجماعتي على صواب والآخرون على خطأ), (نحن في الجنة وهم في النار).. إلخ.

وهناك أنماط ثلاثة من السلوك العصابي في نظر (هورني) هي: الخضوع والعدوان والابتعاد. والمصطلح الثاني الذي عنيت به (هورني) هو (التحرك). ذلك أن (هورني) تذهب إلى أن الحياة دائما في حركة, فهي ليست ساكنة, وكل ما في الحياة يتحرك, فالكائنات الحية تتغير باستمرار, فهي تنمو وتنضج وتكبر وتهرم. والشيء نفسه ينطبق على الإنسان. فالتغيير هو المعيار الحيوي للحياة. والشخصية الإنسانية الحية يجب أن ينظر إليها دائمًا في ضوء الحركة المستمرة. والشخصية الإنسانية في حركتها تمر بأنماط ثلاثة من الأساليب التوافقية, ابتداءً من الطفولة حتى الرشد مرورًا بالمراهقة, فالطفل أكثر ميلاً إلى كسب حب الآخرين عن طريق الخضوع لهم. وهو يلجأ إلى هذا الأسلوب أكثر مما يلجأ إلى الأسلوبين الآخرين وهما العدوان والابتعاد. ولذا فمن الطبيعي أن يستخدم الطفل أقوى أسلحته في هذه المرحلة في حل صراعاته, ونعني بها (القابلية لأن يحب). ومن غير الطبيعي أن يلجأ الطفل إلى الأسلوبين الأخيرين فيكون عدوانيًا أو انعزاليًا, لسبب بسيط هو أنه في هذه المرحلة يعتمد إلى درجة كبيرة على الآخرين في طعامه وبقائه.

وفي المراهقة يبدو أن الشخص يميل إلى السلوك بشكل عدواني. وهذا ما يتضح في سلوكه نحو الكبار المحيطين به من أبوين ومصادر السلطة في المجتمع, ولكونه في مرحلة لا هو فيها رجل ولا هو طفل. فإن المراهق يتحرك ضد الناس, وذلك في بحثه عن الدور الذي يرغب في تحقيقه في الرشد. أما في الرشد والكبر فقد نجد أسلوب التحرك بعيدًا عن الناس, فمع تقدم السن بالفرد يجد أنه لم يعد في حاجة إلى أن يدور في المجتمع بحرية على نحو ما كان يفعل في مراهقته. ولذا نجده يفضل عددًا قليلا من الأصدقاء الهادئين, على جماعة الشلة الصاخبة, التي كان يفضلها في شبابه, فالنمط العام للسلوك في السنوات الأخيرة لسن الرشد يتسم بالابتعاد والانعزال. أي أن أساليب التوافق العصابي في التحرك نحو أو ضد أو بعيدًا عن الناس, يمكن تتبعها زمنيًا خلال نمو الشخصية.

فالأيديولوجيا الدينية هي أحد اهتمامات البحث لدى المراهق والشاب لتحقيق ذاته وإثبات تفوقه. (والأيديولوجيا الدينية ليست أبدًا هي الدين في صفاء تطلعاته الكونية, بل هي توظيف الدين لأغراض دنيوية, سياسية على الأغلب, وتبعًا لأهواء منظريها), وهناك نمط آخر من الشباب, الذين فشلوا في دراساتهم أو لم يحققوا نجاحًا متعارفًا عليه في المجتمع, يلجأون إلى الهروب نحو التشدُّد الديني كمخرج وحامٍ لهم من نظرة الأهل والمجتمع السلبية جراء الفشل. وهنا يجب التفريق بين الحالتين, المؤدلجة الأولى والسببية الثانية. فالأولى هي محور حديثنا.

الإحباط النفسي

يلعب عامل (الإحباط النفسي) دورًا أساسًيا في الرشد أو الكبر في إبراز السلوك (الإرهابي) إلى العلن عندما تنعدم أو تكاد القنوات الديمقراطية السانحة للتعبير والمتنفس عن الرأي والفكر, وكذلك الشعور بالقمع والخوف المصاحب. وكما أجريت دراسة نفسية استطلاعية مصرية حول الإرهاب سيأتي ذكرها لاحقًا, فإن الإحباط النفسي شكل نسبة 58,02%. وبالتالي أضيف إلى عامل /العدوانية/ عامل (الإحباط النفسي), وكلاهما خلل نفسي, يتوجب التعامل معه وفق هذا المنحى. الإحباط هو: إعاقة المرء عن بلوغ هدف ما, وسد الطريق, التي يسلكها نحو الوصول إلى هدفه, سواء أكان السعي سعيًا واعيًا أم غير واع. وتطلق لفظة الإحباط مجازًا على كل نوع من العراقيل, التي تحول دون بلوغ الهدف المنشود والاقتراب منه. يمكن لهذه العرقلة أن تعاش على صورة إخفاق مباشر أو دون مشاركة من جانب الوعي. وتقتصر أبحاث السلوك في استخدامها لهذا الاصطلاح على عملية محددة تعيق الإنسان أو الحيوان عن إظهار استجابة معينة (موسوعة علم النفس, 1987). يبقى أن كبار السن أو من هم في سن الرشد ممن هم منخرطون في حالة العنف ضد المجتمع والنظام, منهم من تشربه منذ مراهقته أو شبابه - كما أسلفنا - أو ممن غلبت عليه المصلحة لتحقيق هدف سياسي وأغلب أعمالهم انحصرت في التنظير والتمويل والتخطيط في هيكلية أشبه بالمافيوية الخفية تشابكت فيها المصالح واستفادوا من التدفق المالي والتبرعات الداعمة للأهداف ذات الطابع الشخصي أو الأيديولوجي. وكون هيكلة شبكة الإرهاب أشبه بهيكلية (المافيا), يصعب للفرد الواقع في أعلى سلمها التراجع عن قرار الانخراط, أو العدول عن الأفكار علنا, أو التخلي عن العنف لأنه سيواجه بلاشك السخط أو التصفية الجسدية بحكم (المرتد عن الجماعة) من قبل أفرادها, وليس له من بد أو خيار إلا الاستمرار فيما هو فيه, في حين لايستبعد التخلي عن أفكار الجماعة أو أن تتخلى الجماعة عن العنف بشكل جماعي, معلنة التخلي عن أفكارها متجهه نحو المنحى السلمي.

حالة من عدم الارتياح والتوتر والكآبة, ولكنه لا يؤثر في تماسك شخصيته إلى حدود تعطيل عمله أو إنتاجه. (إن سلوك العصابي مفهوم, ولكن سلوك الذهاني مبهم ومحير) (الدباغ, 1983).

وبعد التعرف على مستوى /العدوانية/ وشدتها لدى المفحوص يبين القابلية لمن لديه ميول السلوك العدائي أو الانتحاري, أو (الإرهابي) بصفة عامة, ومعرفة طبيعة الأفكار, التي تشربها وتحت أي الظروف الاجتماعية من خلال جمع المعلومات السابقة الذكر من التاريخ الشخصي والمرضي, تحدد بعدها طريقة العلاج النفسي (السيكوثرابي) وهناك العلاج السلوكي, ومن أهمها تحديدًا والذي يتمحور في إخراج (المريض ذي التوجه المتطرف) من تقمصه الديني المتشدد إلى شخص (غير ذلك وفق النوعية الإيحائية وثقافة المعالج) في عملية أشبه بغسيل الدماغ, من خلال العمل الإيحائي أو التنويم المغناطيسي. والتنويم المغناطيسي أو الاسترقاد هو: حالة يتم استحداثها لدى المرء بصورة مصطنعة وتشبه النوم من عدة نواح, لكنها تتميز عنه على وجه الخصوص من حيث قابلية الوسيط المفرطة لاستقبال الإيحاء والتأثير العقلي والنفسي إلى درجة تتعدى طور الطبيعة, كما تتميز باستمرار الصلة أو الألفة بين الوسيط والمنوم (موسوعة علم النفس, 1987). كما يعد التنويم المغناطيسي حالة من الانتباه المركز المضاعف.

وبفضل كم المعلومات, التي جمعت وعبر جلسات متعددة يُحدث التنويم المغناطيسي تدفقًا إيجابيًا للطاقة وطرد السلبي منها واستغلال حالة اللانوم واللاصحوة في إخراج ما هو مكبوت في اللاشعور من التجارب السلبية أو العقد الدفينة أو العميقة والتغلب عليها وإحلال إيجابيات التقييم الذاتي أو الإرشاد لمكامن الخطوات السائدة المتوافقة وتوجه المجتمع العام في الاعتدال والمسالمة عبر غرس مفاهيم القيم مثل المحبة والتسامح والتعاون مع المجتمع والنظام ويتم اللجوء إلى تحرير الخاضع للتنويم من مفهومه الديني المتشدد وقد يهدف إلى إعادة إذكاء التساؤلات الكونية المعقدة وتفعيلها (علاقة الخلق بالخالق) لتحرير الأفكار والمعتقدات المسبقة المقيدة. في حالة إذا ما اتضح ظهور خلل أو اضطراب نفسي عصابي أو ذهاني يعمل على علاج الحالة بشكل أولوي.

أما من حيث إعادة التأهيل من خلال العلاج النفسي الجمعي (سيكوثرابي جمعي) تعمل على إشراك الفرد في وسط جماعة من ذات الانحراف, للتعبير عن أفكاره ومخاوفه وهمومه, وتبادل الآراء الجماعية بحرية وفتح مجال الحديث والفضفضة (المتنفس), يتوسطها مختص أو أكثر في (السيكوثرابي الجمعي) ليقود مسار العلاج وتحديد المفاهيم الصحيحة وإعادة التأهيل.

وهناك أفراد لديهم قناعات تامة أن ما يقومون به من أعمال عنف وإرهاب المجتمع والخروج على النظام العام للدولة, ينبع من الميل بشدة لخدمة المعتقد الأسمى المقدس, ولذلك يكون الميل إلى سلوك العنف مبررًا في نظرهم. هذه المجاميع من الأفراد لابد أن تنال فرصة التعايش مجددًا والانخراط في المجتمع ما لم يحدثوا جرمًا أو يسفكوا دمًا, بعد أن يستدرجوا إلى حوار مباشر, وفتح باب النقاش الحر دون قيود أو خطوط حمر.

بلغة أخرى هي حرب أفكار, ولا تقل شأنًا عن الحرب الحقيقية, فانتصار الفكر السوي على الأفكار المنحرفة هو انقاذ للمجتمع ولهذا الصنف من الجماعات الداعية للعنف من الوقوع في الهاوية ودوامة الصراع وسفك الدم, وتمهيدًا لعودتهم وتأهيلهم إلى العودة لصفوف المجتمع مع التكفل بالتمتع بكامل حقوقهم المدنية والسياسية تمامًا مثل علاج ذوي الاضطرابات النفسية والعقلية. وما استعرضته الدراسة -المذكورة آنفا - إن الجهل بالدين قد بلغت نسبته 66,82% وهي نسبة تحفز فقهاء الدين المعتدلين والذين يعملون لمصلحة المجتمع المدني, بالتعاون مع وزارات حكومية تعنى بالشأن الديني, على تبني مشروع مد جسر الحوار بين المجتمع والسلطة من جهة, وحاملي الفكر المنحرف من جهة أخرى.

كما لا يحرم من الحوار المشترك من نالهم حكم قضائي بالحبس بحيث تدار معهم حوارات في الإصلاحيات لإعادة تأهيلهم, كما حدث مع الجماعة الإسلامية المتطرفة في السجون المصرية, والتي أعلنت تخليها ونبذها العنف والتوبة.

الحلول المقترحة

-يجب أن تعمل مؤسسات المجتمع المدني والديني والدولة في توافق ووحدة متناغمة في مصلحة الفرد تحت نطاق القانون, لكبح جماح التطرف والتشدد الديني والأفكار المنحرفة من استغلال المراهقين والشباب.

-ومن مؤسسات المجتمع المدني, منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات فكرية عليها مسئولية نشر التوعية في المجتمع وإنشاء المراكز وورش العمل التوعوية والمحاضرات, بمخاطر التطرف علنا وبشكل دوري ومتكرر حتى تتمرس على سماعه العقول ويصبح أمرًا محاكى, يقر في أعماق اللاشعور أو العقل الباطن كمنبه دائم بخطورة التطرف على الإنسان والحضارة.

 

حافظ سيف فاضل

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات