القسطرة عوضًا عن المشرط

القسطرة عوضًا عن المشرط

كانت مشاكل انسداد الأوعية الدموية, أو تضيّقها, مدعاة لإجراء جراحات كبرى تمزّق الكثير لبلوغ أهدافها البعيدة, لكن التقنيات الطبية الحديثة قدمت القساطر وملحقاتها, لتعفي المرضى من عناء سابق.

الآكلة (الغنغرينا) معروفة للأطباء من أعماق الماضي, وصفها أبوقراط وباراسيلسوس. في قاموس اللغة الروسية لـ س.إي.أوجيجوف المصطلح الطبي (غنغرينا), يفسّر على أنه نكرزة أنسجة الجسم, التي تصاحب تعفنها). من وجهة نظر طبية الغنغرينا - المرحلة الأخيرة لقصور المدد الدموي الشرياني المزمن أو الحاد, لأطراف, أو أعضاء, جسم الإنسان, والذي تختلف أسبابه: التجلط, ضيق الأوعية الدموية لفترة طويلة, الاختلال التبادلي (الأيضي), التسمم البكتيري, اعتلال جهاز الأوعية الدموية, الغنغرينا, ممكن أن تصيب أعضاء أو أنسجة مختلفة: الأمعاء, الطحال, الجلد, لكن غالبًا الرجلين.

غنغرينا الرجلين المنتشرة بشكل واسع عند المتقدمين في السن تهاجم, في الأغلب بسبب تصلب الشرايين. طبعًا, المرض لا يظهر فجأة - على مدار سنين عدة يسبق المرض مجموعة أعراض خلل الدورة الدموية: ساق وأصابع القدمين التي تُبرد, خصوصًا في الطقس البارد: آلام في عضلات الساق, التي تظهر أثناء المشي, والتي ترغم الشخص بشكل دوري على التوقف للراحة, التحرك وثبًا: بطء نمو الشعر والسّلاميات القاصية, جفاف الإهابات (الأغطية الجلدية), احمرار أجزاء معينة من الجلد على الأصابع وعلى القدم أو على الساق.

سبب ظهور هذه الأعراض أنه داخل الشرايين تتكون البقع التصلّبية, التي تنمو لوقت طويل (لسنوات ولعقود), وتخفض حجم تيار الدم في الأطراف السفلية. الشريان يضيق تدريجيًا, وفي نهاية الأمر ينغلق التجويف الأنبوبي للشريان تمامًا (انسداد), يتوقف تيار الدم في مكان انسداد الشرايين, والذي يؤدي إلى تدهور المدد الدموي لعضلات الرجلين. الجسم يحاول تعويض نقص المدد الدموي, مكونًا طرقا شريانية غير مباشرة جديدة, والمسماة الجانبية. وهي مستدعاة للإنقاذ, وفعلاً لفترة من الوقت تنقذ الأطراف السفلية من الغنغرينا. لكن لأسباب مختلفة, تتكون الشرايين غير المباشرة عند جميع المرضى بدرجة مختلفة, وعند بعض الناس لا تتكون البتة.

عاجلاً أو آجلاً خلل الدورة الدموية يؤدي إلى نكرزة (نخر, تنكرز) الأنسجة: على الأصابع والكعب تظهر نقاط سوداء صغيرة, عمليًا لا تتجاوب مع العلاج التقليدي. مناطق التغيرات المتكرزة بعد ظهورها تنمو, تتوسع وتحتل كامل القدم والساق تدريجيًا. هكذا تتطور الغنغرينا, وتزداد بسرعة خاصة عند مرضى السكر. الأمر ينحصر في أنه عند وجود هذا المرض يحدث انسداد لشرايين أصابع القدم الصغيرة, والذي يُسمى (مرض السكري للأوعية الدقيقة). وعندما يصاحب هذا الانسداد التصلب التعصدي لشرايين الأطراف السفلية, فإن ظهور الخلل في الدورة الدموية يتقوى.

البالون بديلاً للبتر

منذ فترة قصيرة جدًا, كانت مرحلة الغنغرينا في أغلب الأحيان, تنتهي بالبتر العاجل للطرف المصاب. أما الآن فإن تقويم الأوعية البالوني, وهي عملية داخل الأوعية تعطي فرصة واقعية للحفاظ على رجل المريض. وكلما راجع المريض جراح الأوعية الدموية في وقت مبكر طلبًا للمساعدة, كان احتمال نتيجة نجاح العملية أعلى.

تقويم الأوعية البالوني: هذه عملية تجديد التجويف الأنبوبي للشريان إلى الحالة الطبيعية بمساعدة قسطرة بالونية خاصة تحمل اسم الجراح السويسري غريونتسيج, تكريمًا له, حيث إنه اقترح وأدخل هذه القسطرة في الممارسة الإكلينيكية قبل حوالي ثلاثين عاما, غريونتسيج كان أول من استعمل تقويم الأوعية البالوني لتجديد تيار الدم في الشرايين.

لكن للمرة الأولى, حلت القسطرة محل المشرط في يناير من عام 1964م, عندما أجرى الطبيب الأمريكي تشارلز دوتير عملية توسعة التجويف الأنبوبي لشريان مريضة, بمساعدة نظام قسطرات خاصة, والتي كانت مهددة بسبب بداية الغنغرينا ببتر رجلها, ونتيجة لهذه العملية, تم الحفاظ, ليس فقط على الرجل, وإنما تخليص المرأة المسنة من الألم. نجاح العملية ألهم العلماء لإنجاز اختراعات أخرى: قسطرة بالونية ذات تجويف أنبوبي ثنائي, دعامة وعائية (دعامة داخل الأوعية, تثبت داخل الشريان المصاب للحفاظ على انفتاح تجويفه الأنبوبي).

علماء العالم القديم اهتموا بطريقة (دوتيرينج), في السبعينيات من القرن الماضي العالم الألماني ليبرهارد زايتلر, ومن بعده الدكتور الشاب من جامعة زيوريخ أندرياس غريونتسيج, باشرا في تحسين القسطرة. غريونتسيج تمكن من تصميم بالون, الذي عند تماسه مع البقعة التصلّبية التعصّدية لا يتشوه ويحافظ على الشكل الصحيح للأسطوانة عند نفخه. في البداية استعمل الجراح السويسري قسطرة جديدة لتجديد التجويف الأنبوبي للشرايين الحرقفية والفخذية, وفي عام 1974, وصف استخدامه الناجح على الشرايين الكلوية والتاجية. قسطرات غريونتسيج أصبحت تُصنع بشكل متسلسل, وفي الثمانينيات من القرن الماضي, ظهرت في عيادات (مستشفيات) العالم بأكمله.

كيف إذن? وتحت أي ظروف يُجرى تقويم الأوعية البالوني? قبل كل شيء, الطبيب يجب أن يقرر, هل توجد لإجرائه مؤشرات موضوعية. جراح الأوعية الدموية يتخذ قرارًا على أساس نتائج فحص خاص - تصوير الأوعية بالأشعة (التصوير الوعائي, تخطيط الأوعية), الذي يُنجز بمساعدة مجمع لتصوير الأوعية بالأشعة, أثناء تصوير الأوعية بالأشعة, يُجري الجراح تخديرا موضعيا ويدخل في الشريان في منطقة المغبن (المنطقة الأربية) مجسا - قسطرة - رفيعا ذا قطر 2 ملم. من خلال القسطرة إلى الشريان الأورطي, والشرايين تصل مادة ظليل على الإشعاع (معتم للأشعة), التي تتسرّب إلى كل الشرايين, التي يمكن الوصول إليها. في هذه اللحظة تُنجز الأشعة السينية للشرايين. على الأشعة, تشاهد إلى أيّ من الشرايين تسرّبت مادة الظليل على الإشعاع (أي أنها يمكن الوصول إليها), وإلى أي منها لم تتسرب (أي أنها مسدودة). تصوير الأوعية بالأشعة - معالجة غير مؤلمة عمليًا, ولا تدوم أكثر من 20-30 دقيقة. وبدرجة عالية من الدقة, تعطي الجراح معلومة عن, أي من الشرايين يحتاج إلى عمليات? وأي نوع من التدخل الجراحي من الضروري استعماله.

أما إجراء تقويم الأوعية البالوني فعادة يُنفَّذ على النحو التالي: في الشريان, غالبًا الإبطي, يتم إدخال قسطرة تشخيصية, من خلالها إلى الأوعية تصل مادة الظليل على الإشعاع, من ثم القسطرة التشخيصية فتستبدل بقسطرة غريونتسيج ذات التجويف الأنبوبي الثنائي, التي تُدخل إلى الشريان المصاب بتصلب الشرايين (الحرقفي, الفخذي, شرايين الساق... إلخ). انتقال القسطرة في الشرايين يُرصد بمساعدة سلسلة من الأشعة السينية. بالون القسطرة يتم وضعه بدقة في منطقة البقعة تصلب الشرايين, ومن ثم يتم تعبئته بسائل. أثناء ذلك يتم نفخ البالون, الضغط فيه يبلغ 12 - 17 جوية (ضغط جوي).

حتى عند هذا الضغط لا يحصل تمزق للشرايين, مادام قطر البالون الأقصى لا يزيد على قطر الشريان السليم. تحت ضغط البالون بقعة تصلب الشرايين كما لو (أنها تُعصر) من التجويف الأنبوبي الداخلي للوعاء إلى شقوق الطبقة الوسطى للشريان. البالون يكون في حالة (نفخ) من دقيقة واحدة إلى ثلاث دقائق. من ثم يتم امتصاص السائل, يتم تفريغ الهواء من البالون وبسهولة يخرج من الشرايين. بعد إجراء العملية على الجلد يبقى قطع صغير بطول 1.5 - 2 ملم. بعد إخراج البقعة من التجويف الأنبوبي للشريان يتجدد تيار الدم والدورة الدموية للعضلات في هذا المكان. من أجل التيقن من الفاعلية الكافية للمعالجة التي أجريت, يُحدد للمريض بعد العملية فحص لتصوير الأوعية بالأشعة مرة ثانية.

تقويم الأوعية عمليًا غير مؤلم, فالمريض لا يحس بمرور القسطرة وبنفخ الجزء البالوني منه, مادام في الشرايين تنعدم مستقبلات الألم. المريض يشعر ببعض الأحاسيس المؤلمة فقط في لحظة وخز الشريان. يتطلب من المريض ملازمة الفراش بعد العملية إلى صباح اليوم التالي فحسب, من ثم عادة يخرج من المستشفى إلى المنزل.

تكنولوجيا تقويم الأوعية البالوني تتطور, دائمًا يتم تحسين الأدوات. ينبغي ذكر طريقة (الدعامة) كمستحدث تكنولوجي أكثر أهمية تُثبّت في الشريان المصاب للحفاظ على تجويفه الأنبوبي مفتوحًا. مصطلح الدعامة (ستينت) ظهر في نهاية القرن التاسع عشر, مشتقًا من اسم طبيب الأسنان الإنجليزي تشارلز ستينت, الذي اخترع هيكل داعم لأطقم الأسنان. ستينت عبارة عن هيكل مُخرّم من سلك متشابك, مصنوع من مواد مختلفة (فولاذ طبي لا يصدأ نيتينول, تنتاليوم, سبائك الكوبالت وغيرها). بعد أن يُطوى (على القسطرة البالونية) الدعامة تُعبّأ في غطاء واق, الذي وعند نفخ البالون كما لو أنه (ينحدر زاحفًا) عن الدعامة وينفتح آليًا, مثل المظلة.

الهدف من الدعامة رفع فاعلية تقويم الأوعية البالوني. الجزء البالوني المنفتح من القسطرة يؤثر بشكل مؤقت فقط على بقعة تصلب الشرايين, والهيكل المعدني المُبيّت (المبني من الداخل) في الوعاء يظل فيه على الدوام, مقويًا لجدار الوعاء. نتيجة لذلك تتحسن الدورة الدموية لعضلات الرجلين بشكل جوهري مقارنة بتقويم الأوعية البالوني الاعتيادي . علاوة على ذلك, فالدعامة تخفض خطر نشوء التجلط بعد العملية. في الوقت الحاضر تقويم الأوعية البالوني بدأ يصبح إجراء متكاملاً, والمتضمن للدعامات, والدعامات الحديثة تُغطى بمواد تعوق النمو المرضي على جدران الشريان. وفي السنوات الأخيرة ظهرت دعامات مؤقتة تنفتح ذاتيًا.

من الأطراف إلى الدماغ

تقويم الأوعية البالوني يُستعمل كذلك لعلاج خلل الدورة الدموية الدماغية, احتشاء عضلة القلب, فرط التوتر الكلوي. ومزاياه واضحة أمام تقويم الأوعية التقليدي (العزل الجراحي للبقعة أو توسعة التجويف الأنبوبي للشريان عن طريق خياطة (رقعة) في جداره), فضلاً عن التحويلة الأورطية التاجية: الأعضاء والأنسجة عمليًا لا تُصاب, لهذا السبب لا تحدث عند المرضى مضاعفات بعد العملية. تتقلص فترة إدخال المريض إلى المستشفى (أحيانًا تنجز المعالجة حتى في المستوصف), لا يتطلب الأمر علاجًا طويلاً بعد العملية, التخدير العام غير ضروري, ولذلك لا تحدث مضاعفات مرتبطة به. علاوة على ذلك, بعد تقويم الأوعية للشريان الأورطي وللشرايين الحرقفية يحتفظ الرجال بالفاعلية الجنسية. وتقويم الأوعية البالوني ممكن إجراؤه أكثر من مرة, دون الخوف من المضاعفات. أحيانًا يقوم الأطباء بوصفه بعد عملية تقليدية فاشلة في الأوعية. طريقة تجديد التجويف الأنبوبي للشرايين بمساعدة قسطرة غريونتسيج البالونية ذات التجويف الأنبوبي الثنائي تظل (معيارًا ذهبيًا) لتجديد التجويف الأنبوبي للشرايين.

وبالرغم من أن تطور تصلب شرايين الأطراف السفلية غالبًا ما يحددها الاستعداد الوراثي, توجد قواعد مُعينة, وإنجازها سيسمح بتخفيف سرعة تكوين بقعة تصلب الشرايين أو حتى إيقاف نموها. وإذا تكونت البقعة, فإن الالتزام بهذه القواعد يمكن أن يساعد على تكوين شرايين جانبية فرعية.

إذن أولاً, يجب الامتناع عن التدخين كليًا, فالنيكوتين يساعد على نمو بقعة تصلب الشرايين.

ثانيا, الحدّ من استهلاك اللحوم والمنتجات الغنية بالبروتينات الحيوانية, التي تخدم كـ (مادة بناء) لتطوّر بقعة تصلب الشرايين. وأخيرًا, يوصى بجهد بدني معتدل, ولكنه منتظم (تمارين مشي, ممارسة الرياضة البدنية, العمل في الهواء الطلق). التمارين الخفيفة تساعد على تكوين شرايين فرعية في الفخذ والساق, وتؤدي إلى دورة دم إضافية للأطراف.

والأطباء بالرغم من ذلك وضعوا تشخيص (الإصابة بالتصلب الشرياني لأطراف الجسم السفلية), لا داعي لليأس. الطرق الحديثة للعلاج تسمح بتفادي العواقب المؤلمة لهذا المرض. وعندما يُصر جراح الأوعية الدموية على العلاج الجراحي للشرايين, ينبغي الموافقة فورًا. بقعة تصلب الشرايين يمكن أن يزداد مقاسها بسرعة, وعمليًا يصبح من الاستحالة إجراء أي عملية.

 

ناصر الكندري

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




وضع قسطرة غريونتسيج البالونية ذات التجويف الانبوبي الثنائي من خلال الشريان الابطي إلى الشريان الحرقفي





 





تصوير الأوعية بالأشعة للشرايين الحرقفية