ووفقا لـ (تقييم الألفية للنظام الإيكولوجي Millennium Ecosystem
Assessment), فإن النشاطات البشرية تستنزف على نحو مدمر ما يقرب من 60 في المائة من
عناصر النظام الإيكولوجي, التي تعيل حياتنا - مثل مياه الشرب والغابات والثروة
السمكية - أو تستغلها على نحو يهدد استدامتها. والأخطر أن هذا الاستنزاف يزيد من
تهديد حدوث تغيرات حادة وهائلة الحجم وغير قابلة للإصلاح, مثل التحولات المناخية
وانهيار المخزون السمكي في المحيطات والبحار.
وتنطوي هذه النشاطات البشرية على تلويث الغلاف الجوي بالمزيد من غازات
الاحتباس الحراري, واستنزاف خزانات المياه الجوفية, وإزالة الغابات, والإفراط في
صيد الأسماك, وتلويث المحيطات وإدخال أنواع غريبة في بيئات طبيعة مغايرة. والنتيجة
أن 20 في المائة من حيود العالم المرجانية قد فقدت, وأن 40 في المائة من أنهار
كوكبنا قد تفتتت, وأن النماذج المناخية قد اختلت تماما.
وتؤثر هذه المشاكل علينا جميعا بشكل مباشر أو غير مباشر. فهي تؤثر في
صحتنا, وفي أمننا, وفي قدرتنا على التخطيط للمستقبل, بل وفي حريتنا ذاتها.
لكن وسط التشاؤم والظلمة يبقى الأمل قائما. فوفقا لتقييم الألفية
للنظام الإيكولوجي, الذي شارك في دعمه وتمويله الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي
ومعهد الموارد العالمية, مازلنا نملك طائفة واسعة من الإجراءات التي يمكنها التخفيف
من هذه المشاكل. ويقول روبرت واتسون, رئيس مشروع تقييم الألفية للنظام الإيكولوجي
والعالم البارز في البنك الدولي: إن المستقبل لايزال في أيدينا).
وعلى عكس التقييمات الإيكولوجية السابقة, فإن تقييم الألفية للنظام
الإيكولوجي تبنى نظرة كونية شاملة لكل من حالة النظم الإيكولوجية وتأثيرها في
رفاهية الإنسان.
وقد اعتبر كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة التقييم: (إسهاما غير
مسبوق في رسالتنا الكونية من أجل التنمية, والاستدامة والسلام).
العالم بدأ يستجيب
أكدت تقارير التقييم أن النشاط الإنساني غير النظم البيئية في نصف
القرن المنصرم بوتائر أسرع وبكثافة أشد مما عرفه التاريخ الإنساني بأسره.
ويأمل العلماء الذين شاركوا في التقرير أن يكون له تأثير مماثل لذلك
التأثير الذي أحدثته الهيئة البينحكومية حول التغير المناخي Intergovernmental
Panel on Climate Change, وهي هيئة دولية شكلتها الأمم المتحدة لتقييم التغير
المناخي الذي سببه الإنسان. وتقول جين لوبيشنكو أستاذة الإيكولوجيا في جامعة ولاية
أوريجون ورئيسة المجلس الدولي للعلوم: (أعتقد أن الهيئة البينحكومية حول التغير
المناخي أحدثت تغييرا هائلا فيما يتعلق بفهم الناس لحقائق التغير المناخي. وكل جهد
تالٍ وفر لنا معلومات أقوى وأقوى. وأعتقد أن العالم بدأ يستجيب).
والواقع أن تقييم الألفية للنظام الإيكولوجي لم يقدم بيانات جديدة في
ذاتها, لكنه دمج وربط معا كل المعلومات المتاحة المتعلقة بحالة النظم الإيكولوجية
لكوكبنا. وكما يقول هارولد موني أستاذ الإيكولوجيا في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا
وأحد مؤسسي مشروع تقييم الألفية للنظام الإيكولوجي: (أهم ما في هذا المسح أنه لا
يمثل رؤية عالم واحد, بل هو وجهة نظر آلاف العلماء)
واللافت أن تقييم الألفية للنظام الإيكولوجي يسير في اتجاه مواز وعكسي
للهدف الذي سعت له الهيئة البينحكومية حول التغير المناخي. فبينما كانت الأخيرة
مشروعًا من القمة إلى القاعدة بادر به صناع السياسة الذين أرادوا ترسيخ إجماع علمي
حول التغير المناخي, فإن تقييم الألفية ليس له علاقة مباشرة بهؤلاء الذين يتبوأون
المناصب السياسية. بل جاء كمبادرة من العلماء على المستوى القاعدي - وبالتالي فإن
الحكومات ليست مجبرة على الإصغاء بأي حال من الأحوال.
غير أن الهدف الأبعد لتقييم الألفية هو تغذية أربع اتفاقيات بيئية
دولية بالمعلومات, بما في ذلك (اتفاقية الأمم المتحدة حول التنوع الحيوي). ويقول
ستيف لونرجان مدير قسم الإنذار المبكر والتقييم في برنامج البيئة التابع للأمم
المتحدة: (المأمول أن يكون له تأثير على بعض هذه الاتفاقيات. لكن من الصعب القول
كيف سيحدث هذا).
الحضارة تدمر
أثبت التقييم أن التأثيرات السلبية التي يحدثها الإنسان على كوكبنا
تتفاقم باستمرار وبوتائر متسارعة ومخيفة. فأعدادنا المتزايدة وجهودنا لتوفير المزيد
من الموارد تغير الأنظمة البيئية وتدمرها بمعدلات غير مسبوقة. كل هذا يعرفه
العلماء. لكن المفزع الذي بينه تقييم الألفية للنظام الإيكولوجي هو حجم ونطاق هذا
التأثير اللذان وصلا إلى حد لا يمكن لأحد تجاهله بعد الآن.
وأوضح هذه التأثيرات هو تحويل الأنظمة البيئية الطبيعية من أجل
الزراعة وإزالة الغابات من أجل الزراعة أيضًا, ومن أجل خشب ولحاء أشجارها. والنتيجة
أن الغابات اجتثت واختفت تماما من 25 بلدا, وفي 29 بلدا آخر, تقلصت المساحات التي
تغطيها الغابات بنسبة تزيد على 90 في المائة. وتغطي الزراعة الآن نحو ربع مساحة
الأراضي المنبسطة في كوكبنا, والأراضي العذراء التي داستها المحاريث منذ العام 1945
تتجاوز مساحة الأراضي العذراء التي استزرعها الإنسان في القرنين الثامن عشر والتاسع
عشر مجتمعين. غير أن هذا الاتجاه التصاعدي هدأ في السنوات القليلة الماضية. بل إن
مساحة الأراضي المزروعة بالمحاصيل التجارية تراجعت في أوربا والصين وبقيت ثابتة في
أمريكا الشمالية.
إصلاح الكوكب
زاد عدد سكان العالم بمقدار الضعف منذ العام 1961, لكن إنتاجنا من
الغذاء زاد مرتين ونصف المرة خلال الفترة نفسها. وربما يتصور البعض أن هذا يعني
أننا نسير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق أهداف الألفية التي أعلنتها الأمم المتحدة,
ومن بينها تخفيض معدلات الجوع والفقر ووفيات الأطفال بمقدار النصف بحلول العام
2015.
لكن هذا ليس صحيحا على الإطلاق. والسبب, وفقا لتقييم الألفية للنظام
الإيكولوجي أن أبناء البلدان النامية لن يمكنهم النجاة من الفقر والجوع, لأن
أنظمتهم الإيكولوجية تتهاوى أمام أعينهم. ويقول التقييم إنه إذا استمرت الأوضاع
الحالية دون تغيير فإننا لن نحقق أيا من أهداف الألفية.
وتقول جين لوبيشنكو: (لو ركزت جهودك على تخفيض الفقر على المدى
القصير, فإنك ستقوض قدرتك على مكافحة الفقر والجوع على المدى البعيد, لأنها تعتمد
على النظم البيئية). فتخفيض الفقر على حساب الإضرار بالنظم البيئية أقرب إلى اضطرار
الفلاح لأكل بذور محصول العام القادم.
وأكثر الناس تهديدا هنا هم هؤلاء الذين يعيشون في المناطق الجافة مثل
أجزاء واسعة من شبه القارة الهندية وإفريقيا. فهؤلاء الناس, وهم من بين أفقر البشر
على كوكبنا, يعتمدون في وجودهم على النظم البيئية المحلية, مثل مياه الشرب وصيد
الأسماك وزراعة الحبوب. والأسوأ من هذا أن هذه المناطق نفسها سجلت أعلى نسب الزيادة
السكانية في كوكبنا.
وهناك مشكلة أخرى تتمثل في أن التغير في النظم الإيكولوجية, مثل إزالة
الغابات وتجفيف الأراضي الرطبة, يؤدي إلى إعادة توزيع الكائنات الممرضة للإنسان.
ووفقا لتقييم الألفية, فإن نصف سكان المناطق الحضرية في إفريقيا وآسيا وأمريكا
اللاتينية والكاريبي يعانون مرضًا أو أكثر ترتبط بعدم توافر مياه الشرب النقية
والمرافق الصحية. وبالمثل يرتبط اجتثاث الغابات بزيادة الملاريا لأنها تقود إلى
المزيد من أراضي المستنقعات التي تنتعش فيها يرقات البعوض.
رسالة للإنسانية
منذ أربع سنوات, بدأت مجموعة من الأكاديميين والمدافعين عن البيئة هذا
المشروع الطموح الذي هدف إلى إجراء أول مسح كوني شامل للأنظمة الإيكولوجية في
كوكبنا. واليوم وضعوا بين أيدينا ثمرة مشروعهم الكبير: أي (تقييم الألفية للنظام
الإيكولوجي).
ويوضح التقييم, الذي بين لنا الخدمات الحيوية التي تقدمها النظم
الإيكولوجية للبشرية, كيف تسبب الأنشطة البشرية الأضرار البيئية على نطاق واسع في
سائر أنحاء العالم, وكيف أن التنوع الحيوي - قاعدة الحياة على الأرض - يتقلص
بمعدلات خطيرة وغير مسبوقة.
لكنه لا يكتفي بذلك, بل يصف لنا كيف يمكننا إيقاف هذا التدهور. وهو
يطرح استراتيجيات عملية ومعقولة لحماية الأنواع والبيئات الطبيعية, وصيانة رءوس
الأموال الطبيعية هذه من أجل التنمية. ويوفر لنا أدوات لإدارة البيئة, خاصة في
البلدان النامية, حيث يجب أن تقترن إدارة البيئة بسعي حثيث نحو التنمية.
لكن الأهم من رسالة تقييم الألفية للنظام الإيكولوجي نحو البشرية أنه
جاء ليسد فجوة معرفية. وكما قال كوفي عنان: (فقط من خلال فهمنا للبيئة وآليات
عملها, يمكننا أن نتخذ القرارات الضرورية لحمايتها. وفقط من خلال وعينا بكل مواردنا
الطبيعية والبشرية الثمينة يمكننا أن نأمل في بناء مستقبل أفضل قادر على
البقاء).
والأهم من هذا وذاك أن تقييم الألفية للنظام الإيكولوجي بين لنا بجلاء
أن الوقت مازال إلى جانبنا إذا أردنا فعلا أن نتغير. فنحن مازلنا نملك موارد طبيعية
تكفينا وتكفي لضمان مستقبل مشرق لأبنائنا ولأحفادنا. علينا فقط أن نبدأ التغيير -
وبسرعة. وخطوات مثل بروتوكول كيوتو تشير لنا إلى الاتجاه الصحيح الذي يجب أن نسلكه.
لكننا لانزال غير مدركين لما تنطوي عليه من أهمية وإلحاح.
حقائق من التقييم
- يستخدم الإنسان الآن حوالي 40-50% من المياه المتاحة.
- في بعض مناطق الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا, يستخدم الإنسان 120% من
موارد المياه المتجددة (وذلك نتيجة الاعتماد على المياه الجوفية غير المتجددة).
- كم المياه المخزونة خلف السدود يقدر بما بين ثلاثة وستة أضعاف
الموجود منها بالأنهار الطبيعية وفروعها (باستثناء البحيرات).
- الغابات اجتثت واختفت تماما من 25 بلدا, وفي 29 بلدا آخر, تقلصت
المساحات التي تغطيها الغابات بنسبة تزيد على 90 في المائة.
- تغطي الزراعة الآن نحو ربع مساحة الأراضي المنبسطة في كوكبنا.
- الأراضي العذراء التي داستها المحاريث منذ العام 1945 تتجاوز مساحة
الأراضي العذراء التي استزرعها الإنسان في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر
مجتمعين
- فقدت منذ العام 1980 حوالي 35% من أشجار المنجروف, و20% من الشعاب
المرجانية, كما أن 20% أخرى مهددة بالتدهور والفناء.
- تصدر الأنشطة البشرية الآن نيتروجينًا بيولوجيًا قابلاً للاستخدام
أكثر مما تصدره كل العمليات الطبيعية.
- العالم استخدم خلال العشرين سنة الماضية فقط, أكثر من نصف المخصبات
النيتروجينية التي صنعها خلال الأعوام المائة المنصرمة.
- تضاعف سريان النيتروجين في المحيطات منذ العام 1860
- تضاعف ثلاث مرات منذ العام 1960 وحتى 1990 استخدام السماد الفوسفاتي
وتراكم الفوسفات بالأراضي الزراعية.
- الفوسفات يستطيع البقاء في التربة لعقود.
- الصيد الجائر دمر إلى الأبد ربع مخزون الثروة السمكية في البحار
والمحيطات.
- زاد حجم صيد الأسماك بوتائر تصاعدية حتى العام 1980, ثم أخذ في
التناقص بسبب نفاد المخزون السمكي.
- تناقصت الثروة السمكية بالمياه الداخلية, الغذاء الأساسي للفقراء,
نتيجة للصيد الجائر وتغير الموائل وتناقص المياه العذبة وتلوث المجاري المائية
بالمخصبات الزراعية.
- أدت زيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وامتصاصه في المحيطات
إلى خلق ما عرف باسم (المناطق الميتة), أي التي تختفي منها كل أشكال الحياة, في قاع
المحيطات نتيجة لاستنزاف الأوكسجين.
- إزالة الغابات وإحراق الوقود الأحفوري أفضيا إلى زيادة كميات ثاني
أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بمقدار الثلث منذ بداية الثورة الصناعية, مع حدوث
ثلث هذه الزيادة منذ العام 1959.
- معدلات انقراض الكائنات الحية الآن أكثر ألف مرة من متوسطها خلال
تاريخ النشوء والارتقاء.
- ما يتراوح بين 10 و30 في المائة من الفقاريات البرية مهددة الآن
بالانقراض.
- منذ العام 1960, تضاعفت كمية المياه المأخوذة من الأنهار والبحيرات
لأغراض الري والشرب, وفي الوقت نفسه تضاعفت أربع مرات كميات المياه المحتجزة خلف
السدود, بينما تحتفظ خزانات المياه الصناعية بكمية من المياه تفوق بكثير الموجود
منها في الأنهار حرة الجريان.
- أدت الأنشطة السياحية الساحلية ومشاريع استزراع الأسماك والروبيان
(الجمبري) إلى تغيير درامي في أماكن التقاء اليابسة بالمحيطات. ويقدر أنه في عقدين
فقط أزال الناس ثلث أشجار المنجروف الموجودة على سطح كوكبنا - وهي غابات كثيفة تنمو
في غرين المد بالمناطق الاستوائية.
- 90% من وزن أسماك المحيط المفترسة الكبيرة كالتونة وسمكة السيف
والقروش اختفى في الأزمنة الحالية
- تسارع نقل البشر لنباتات وحيوانات وكائنات دقيقة إلى أجزاء من
العالم لم تكن موجودة بها أصلا, ودخلت في شبكة الحياة المحلية, وغيرت في أحيان
كثيرة من أساسها.
- بحر البلطيق, على سبيل المثال, يحتوي على مائة كائن من خارج
المنطقة, ثلثها موطنه البحيرات العظمى في أمريكا الشمالية. بينما ثلث المائة وسبعين
نوعا غريبا في البحيرات العظمى مصدره بحر البلطيق.
- هذه الأنواع الغريبة يمكنها أن تغير بطريقة درامية النظام
الإيكولوجي المحلي. فمثلا أدى دخول قنديل البحر المشط الأمريكي إلى البحر الأسود
إلى تدمير 26 سلالة أسماك عالية القيمة التجارية.
- حرق الوقود الأحفوري أطلق إلى الغلاف الجوي كمية هائلة من ثاني
أكسيد الكربون المسبب للاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي مما أدى إلى زيادة كمية
هذا الغاز فيه بحوالي الثلث منذ عصر الثورة الصناعية.
- حوالي 12% من طيور العالم, و25% من الثدييات, و32% من البرمائيات
مهددة بالانقراض.
- من المحتمل أن يكون الإنسان قد رفع معدل انقراض الأنواع حوالي ألف
ضعف المعدل (الطبيعي) النموذجي عبر تاريخ الأرض الطويل.