(العربي) في آتشيه والمالديف.. تسونامي.. جبروت الماء

(العربي) في آتشيه والمالديف.. تسونامي.. جبروت الماء

لم يكن أمرا عاديا, ذلك الغضب البحري الذي انطلق قبل نهاية العام الماضي.

زئير مائي لم يسمع شهود الكارثة بمثله, ولا خطر على بال بشر. هجوم جامح, اكتسح ما ألقت به الصدفة في طريقه, وخلال دقائق استبدل بالمشهد آخر, تحول المكان إلى خراب, فوق قدرة العقل على التصديق, والعين على الرؤية, والقلب على احتمال الأسى.

هكذا, انطلقت (العربي) لاجراء هذا الاستطلاع, عبر دولتين شهدتا فصول واحدة من أكبر الكوارث في تاريخ البشرية: أندونيسيا والمالديف.

انشقت الأرض شقًا, ابتلعت ماء المحيط الشاسع, فافترشت الأرض أسماكها, واندفع الفقراء لجني محصول جاء إليهم دون جهد.

وعلى حين غرة, جاءت الموجة الأولى, خرجت من الشق الهائل, حملت الملهوفين وأسماكهم, أوقعتهم أرضا, دحرجتهم, راحوا يقاومون, يحاولون التماسك.

لكن الموجة التالية, لم تترك أمامهم وقتا ليتساندوا, اندفعت كاسحة, انطلق بركان مائي, خرج من زفرات الأرض الغاضبة, جرف البشر والحجر.

وخلال دقائق, كان الماء الهائج قد أهلك الحرث والنسل, الكائنات والبيوت والشجر, كل ماوقع في طريقه, مات, أو اقتلع, سويت الأرض عن بكرة أبيها, عادت الأمور إلى صورتها الأولى, بقاع من الخواء, موات, بوار في بوار, انتشر الخراب في كل الأرجاء, وعم الفزع.

إنها الابادة الجماعية للبشر.

لكنها هذه المرة, بفعل الماء, أصل الحياة, وآخرتها.

نصيحة أولية

(عليكم أن تقرأوا الشهادتين, كل ليلة قبل أن تناموا, وإذا اهتزت الأرض من تحتكم, إن أخذت الأشجار تتراقص, إن رأيتم طيورا فزعة, أو كلابا تدلت أذانها وراحت ترتجف, اطفئوا أنوار المنزل, واخرجوا سريعا للعراء).

هي النصيحة إذن التي كان لابد من الاستماع إليها, فقد جاءت زيارتنا إلى تلك المنطقة المدمرة في وقت كانت لاتزال تعاني فيه من ارتدادات تظهر بين وقت وآخر, وعلى الرغم من أننا وصلنا إلى بؤرة المحرقة بعد أقل من أربعة شهور على الحدث الكارثي, فإن نصيحة كتلك ظلت تدفع الحذر إلى نفوسنا منذ أن وصلنا إلى (باندا آتشيه) ضحية المد البحري القاتل ومأساته الصارخة.

لم نكن في حاجة إلى الشعور بالمزيد من الأسى, فالأرض التي تتكدس في طرقاتها شواهد لحياة كانت عامرة, و تتناثر في جنباتها مقابر جماعية شاسعة, وتغطيها مساحات تحتشد فيها خيام من منحتهم المصادفة لحظات إضافية من العمر, كانت كافية كي يداخلنا شعور عارم بحجم لايصدق من مآسٍ, هي فوق أي تصور.

وعلى الرغم من أن مجلة (العربي) قد منحتنا خلال السنوات الماضية فرصة الذهاب إلى أكثر المناطق التي تعرضت لكوارث فاجعة, من النزوح الكبير لأهالي كوسوفا, إلى المقابر والمحارق الجماعية في كردستان وحلبجة, إلى المأساة التي عانتها الجزائر, فحرب القرن الإفريقي المدمرة, إلا أن ماشاهدناه هذه المرة في باندا آتشيه يفوق كل مايمكن أن يتوقعه الخيال في أقصى درجات جموحه.

حيث الهلع يمكن ملامسته بوضوح على وجوه البشر, تصرفاتهم, توجسهم, ذلك الرعب الذي يظل مقيما في كل كلمة, حركة, ابتسامة, لم يكن يحتاج منا إلى جهد كبير لرؤيته.

ومنذ اللحظة الأولى, كنا نشعر أننا وصلنا إلى معرض مفتوح لجثث احتضنتها ثلاث مقابر جماعية كبرى, وجثث أخرى تسير على الأرض مسكونة برعب أكبر من قدرتها على الاحتمال, وأثقل من طاقة بشر مثل هؤلاء, ضعفاء البنية, مكدودين, يسعون في مناكبها ويحملون على ظهورهم قصصًا لمأساة هي بكل المقاييس الأكثر فزعا, والأكثر جلبا للذهول.

إنها قصص الماء حين يتحول عن رقرقته إلى ممارسة السطوة والقسوة, حين تجتاحه فجأة شهوة القتل والدمار.

هل يصدق أحد ماحدث?

هل يتصور, أن 228 ألف إنسان في آتشيه وحدها قضوا نحبهم في نصف ساعة فقط? من بين سكانها الذين كان تعدادهم قبل ديسمبر الماضي أربعمائة ألف نسمة, وهل يصدق أحد أن أكثر من مائة ألف منهم فقدوا أو تحللت أجسامهم تحت الحطام الهائل?, أتت الأمواج العملاقة على نصف المدينة, سوتها بالأرض, بشكل لايستطيع المرء معه استيعابه.

إذ كيف يمكن تصديق ان هذه الفجيعة البشرية قد وقعت في عصرنا?, وأن هذا العصر بالرغم مماتوصل إليه قد عجز عن التنبؤ بحدوث زلزال له كل ذلك الجبروت?, انها الفجيعة المذهلة لنا, أما الذين نجوا منه فأخبرونا انهم حتى الآن (لايصدقون ان ما حدث.... حدث).

تعميم الفقدان

عمران بن على, اسم عربي خالص, لكنه ليس كذلك, فهو لايعرف كلمة واحدة من اللغة العربية, ولم يسبق له أن خرج من (لوك نجا) التابعة لآتشيه الكبرى, هو أيضا لايصدق حتى الآن ماجرى معه, دخلنا إلى خيمته الواقعة في محيط كبير من خيام عشرات الآلاف من المشردين, يستغرب المرء من هذه الخيام الواطئة, كيف تنحشر فيها بقايا العائلات ولا تئن بهم?, حين تجولنا بينها, لم نجد أسرة واحدة مكتملة, ليس هناك من لم يفقد عزيزا, بعد ذلك عرفنا أن الأمر ليس يقتصر على ساكني الخيام وحدهم, ففي مدينة آتشيه, لم يحدث أن التأم شمل عائلة واحدة بعد حدوث الكارثة.

قال عمران, قبل أن تأخذه من استطراداته نوبة نحيب: (أشعر أني ذهبت إلى الموت ثم عدت, رجعت لأعيش, لكن أولادي الثلاثة الكبار ماتوا وبقي لي أصغرهم, عثرت عليه بالصدفة بعد أسبوع, لاأعرف كيف نجا?, ولا أعرف أصلا كيف كتبت لكلينا حياة أخرى, لو كنا لقينا حتفنا لكان ذلك أمرا عاديا, فجميع من نعرف ماتوا, الموت ليس في مثل حالتنا أمرا عجيبا, فالعجيب حقا هو ان تكتب لنا حياة بعد ماحدث).

كان علينا أن ننتظر عمران قليلا ليهدأ, قبل أن يواصل وصف ماعايشه, كانت المياه قد انحسرت بشدة, حدث جزر سريع في أعقاب أصوات شبهها لنا بأزيز الطائرة, شرب البحر ماءه في جرعة واحدة, تحول المكان إلى أرض واسعة مبللة, افترشتها الأسماك, ركض عمران من منزله القريب, مع عشرات من جيرانه لجمع ما أهداه اليهم دون جهد.

لملموا مااستطاعوا, اتخذوا طريق العودة, كان الموج أسرع, خرج فجأة, احتل مساحته السابقة, واندفع خارجا من حدوده, تراكضوا بعيدا, اعتقدوا ان الأمر انتهى عند هذه الغضبة, لم يمر وقت حتى كانت الموجة الثانية, هذه المرة خرج الماء مندفعا, انطلق بقوة هائلة, حمل عمران وأسماكه, وجيرانه, اقتحم منزله, انتشل أحجاره وأسرته, أخذ يرتفع مترا, فمترين, فاثني عشر, ازدادت سرعة الجريان لتصل إلى ثمانمائة كيلو متر في الساعة, بساط مائي هائل, مرعب, مقتحم, ليس للبشر معه حول ولاقوة. على بعد عشرين كيلومترا أخذ الماء ينخفض, ارتطم بحاجز جبلي سامق, توقف هناك, استدار, اتخذ وجهة أخرى, استفاق عمران على رؤية برج حديدي, انتصب في منتصف الجبل, كان يستخدم في السابق للانارة, تشبث بمنتصفه, انحشر بين فتحاته, ظل وقتا هكذا, هنا يعتقد عمران انه ربما, راح في غيبوبة, أو كما يؤكد, انه مات, فيما كانت الجثث الطافية تدور من حوله, جثث كثيرة لأطفال وشيوخ, نساء وشبان لم تتحمل أجسادهم الممصوصة المقاومة للنهاية, انحسر الماء, تراجع, انخفض منسوب الموجة, أخذت طريقها إلى مخبئها البحري, عاد الماء, وافترشت آلاف الجثث الأرض الخربة, تحولت المنطقة إلى خلاء مترامي الأطراف, البيوت دمرت, كلها بأكملها, لاجدار واحد ولاسقف بقي في ذلك المكان, سوى مسجد أبيض مستدير, ذي قبة زرقاء, ظل وحده. منطقة بأكملها, مات فيها ثلاثة آلاف وخمسمائة فرد من سكانها الأربعة آلاف, وركض الخمسمائة الباقون بعد أن أصبحوا دون بيوت ولا مأوى إلى المكان الوحيد الذي ظل دون أضرار, المسجد الذي يحمل اسم (رحمة الله).

ساعات وساعات

تطلب الوقت أربع ساعات كاملة, كي ننتقل من جزيرة جاوة إلى سومطرة, انطلقنا خلالها في طائرة الخطوط الجوية الإندونيسية (جارودا) من مطار جاكرتا إلى آتشيه, هبطنا قبلها لنحو الساعة في مدينة (ميدان) عاصمة الجزيرة, رأينا من الأعالي جبال باريسان الشهيرة, إنها تضم سلسلة من القمم البركانية على امتداد الساحل الجنوبي الغربي, و يقال إن هذه القمم ترتفع في بعض الأماكن لتصل إلى 3660 مترا فوق سطح البحر.

لم يكن في المساحة المحدودة لمطار (باندا آتشيه) الذي يحمل اسم حاكمها في الزمن القديم (اسكندر مودا), سوى عدد قليل من طائرات عمودية, ولم تصادفنا أي اجراءات, تماما مثلما يحدث عادة في المطارات الداخلية, دقائق معدودة كنا بعدها في الخارج, لفت انتباهنا على الفور لافتة منتصبة بالخارج, كتب عليها (السلام عليكم) باللغة العربية, حملتنا سيارة تابعة لمقر جمعية الهلال الأحمر الكويتي في إقليم آتشيه, كان نحو الساعة قد تبقى أمامنا قبل أن تغرب الشمس, ففضلنا الانطلاق إلى موقع الكارثة.

طريق محاط من جانبيه بأشجار الموز وجوز الهند, قطعنا مسافة طويلة, أعطتنا في البداية انطباعا بأن الأمور تبدو عادية, وان هناك مبالغة ما في الحديث عمافعلته موجات المد البحري.

دخلنا إلى وسط المدينة, كانت الأمور مازالت تسير بشكلها الاعتيادي, بشر يدبون على الأرض, باعة يفترشون ساحتها, وآخرون على عرباتهم الخشبية المتنقلة, سيارات مارقة ودراجات نارية تقودها فتيات في الغالب, يقطعن بها الطرقات من جميع جوانبها.

تلك اللحظة شكلت إطلالتنا الأولى على المدينة, حتى كدنا نسيان اننا جئنا اليها لرصد ذلك الحدث الفاجع الذي تابعه العالم, والناتج عن واحد من أقوى خمسة زلازل شهدها العالم منذ قرن من الزمان.

قررت (العربي) ارسالنا إلى هذه المنطقة تحديدا, بعد أن كان قدرها أن تشهد أكثر المآسي الإنسانية فظاعة, أن يقتل من أبنائها في أقل من نصف ساعة كل هذا العدد الهائل, من بين مايزيد عن 282 ألف انسان أودت بهم الكارثة غير المسبوقة التي اجتاحت 11 دولة في نهايات العام الماضي.

جئنا لنرصد, ما الذي يمكن أن تفعله الطبيعة بالبشر, ما الذي يمكن أن يفعله الماء, حين ينقلب فجأة, ليصبح سوطا قاسيا, لايبقي أمام جبروته ولايذر.

في تلك الساعة, منحتنا اعتيادية الحياة ايحاء لم يدم طويلا, فلم تكد تمر دقائق قليلة, حتى كانت السيارة قد أوصلتنا إلى قلب المأساة مباشرة.

أحجار متناثرة, أكوام من الأخشاب, بقايا أسرة وأوانٍ محطمة, ملابس مهترئة, بحيرات من المياه الراكدة, رائحة موت مازالت قادرة على التسلل إلى الأنوف, رغم بعد الوقت, وبؤس واضح على وجوه من يصادفنا من بشر.

خراب لايصدق, أمعقول ماحدث لباند آتشيه تلك المدينة العتيقة التي كانت تمتد على ضفاف الماء, والتي ظلت قصورها وحماماتها الملكية دلالة على تراثها التاريخي العريق?, هل دمر كل ذلك حقا?, هل تم محو تاريخ غني كهذا, كان له الفضل في رسم هوية خاصة لسكانها, ظلت تميزهم على الدوام, عن سائر السكان وتعزز توجسهم من السلطة المركزية?!!

أسأل عن بقايا السلطنة, كانت هنا سلطنة مستقلة استمرت حتى القرن السابع عشر, قبل أن يأتي الهولنديون اليها غزاة في القرن التاسع عشر, وقبل ان تضمها إندونيسيا في القرن العشرين.

فجأة وجدنا أنفسنا عند باخرة بطول 80 مترا, ولها وزن يصل في بعض التقديرات إلى 10 آلاف طن, تقف في وسط ذلك الخراب, أنظر أسفلها فأجد أعمدة خرسانية محطمة تبقت من بيوت, حطت فوقها فصارت هشيما, أتطلع إلى البحر, أراه على مسافة تقترب من الكيلو متر الواحد, يحدثنا من تبقى من الأهالي عن ذلك الموج المندفع, وكيف حمل الباخرة (Pltdapung1) التي كانت تستخدم في توليد الطاقة الكهربائية للمدينة, من عمق كيلو متر في عرض البحر, ليعبر بها من ارتفاع 12 مترا, ويلقي بها إلى داخل المنطقة.

أستغرب من ذلك المشهد, حين أرى ذلك الحجم الهائل من الحديد قابعا, وقد تشكلت على الأرض إلى جواره بقعة هائلة من زيوت مازالت دائرة امتصاص التراب لها واضحة, أندهش أكثر حين أقترب من مسجد آخر قريب من البحر, أراه دون خدوش, كأن الماء لم يقترب منه في اندفاعته من البحر إلى عمق الكيلومترات السبعة داخل مدينة باندا آتشيه, لم يمسسه سوء, على الرغم من أن كل ماحوله محاه الماء الهائج محوا, جعل من المنطقة, أثرا بعد عين, أراني لست وحدي مغمورا باندهاشتي, فالصحفيون القادمون من شرق العالم وغربه, كانوا أيضا في حالة ذهول, ربما ستظل تلازمهم وقتا.

أتذكر في تلك اللحظة صورة بثتها وكالة الصحافة الفرنسية لمسجد قائم لوحده وسط محيط الدمار, أسأل عن اسم المنطقة, أنطلق وزميلي المصور في الصباح التالي إلى هناك, نسير بموازاة البحر, تصادفنا عشرات المناطق التي تحتشد فيها خيام الناجين, بقايا أبناء المدينة المنكوبة, نصل بعد وقت قصير إلى منطقة يحوطها الخراب, تتمدد فواجعه في دائرة متسعة, تكفل البحر الهائج بتسوية أراضيها تماما, جرف بيوتها عن بكرة أبيها, أعادها إلى سيرتها الأولى, أرض مسطحة, تتناثر في ارجائها بقايا الأحجار ومخلفات المنازل, دلائل على أن في هذا المكان, كان هناك بشر يعيشون.

نسأل بعض من تبقى من سكان المنطقة, ممن كتبت لهم حياة إضافية بالمصادفة, عما جرى, نستمع إلى قصص المشردين في خيام أقيمت على عجل إلى جوار ذلك المسجد, يؤكد معظمهم انهم احتموا داخله لعدة أيام, كان رعبهم طاغيا من حدوث موجات جديدة من المياه, أكدوا انهم في داخله شعروا بردات زلزالية, حدثت في الأيام التالية, لكن لم تحدث أضرارا.

ليست هذه هي الحكاية الوحيدة, فالحكايات كثيرة ومتشابهة, منها ماقاله لنا العديد من الأهالي عن انهم احتموا بمسجد بيت الرحمن, اكبر مساجد المدينة وأكبرها, الواقع على بعد ثلاثة كيلو مترات ونصف الكيلو متر من البحر, الذي يعود تاريخ انشائه إلى أكثر من 350 عاما, اكتظ بهم في أعقاب الموجة الثانية لتسونامي, عاشوا في داخله أياما, استوعبهم فعادت الطمأنينة اليهم, هرعوا اليه حين رأوا ان الماء لم يتجاوز عتباته الأولى, كان أشهر سلاطين آتشيه اسكندر مودا الذي حكم الإقليم بين عامي 1607 و1636 م هو الذي بناه, ليتحول هذا الجامع إلى ملاذ لمئات السكان إبان الكارثة, لقد ظل صامدا على الرغم من عنف الزلزال, كما صمدت معه بعض الابنية في المدينة التاريخية, في الوقت الذي انهارت أمام المياه الجارفة أبنية وبيوت قديمة تعود إلى أكثر من قرنين, وكذلك سوق المدينة التقليدي الذي كان يطلق عليه (بازار آتشيه).

في آتشيه, سرعان مايفاخر السكان بأن المساجد لم تتأثر, يقولون هذا ويؤكدون أن ذلك تم كي نحتمي في داخلها, لكنهم في الوقت نفسه يشيرون إلى الكنائس الثلاث أيضا التي تضمها المدينة ويؤكدون انه لم يطلها سوى بعض الأضرار الطفيفة.

كان الحديث عما مافعلته الكارثة فيهم متزامنا مع تعبيرهم عن الاعتزاز بصمود مباني المساجد وأضرحة الأولياء, لم يشكل هذا الأمر لنا عجبا, فنحن في منطقة كانت تضم قبل الزلزال وتوابعه, أربعة ملايين انسان, منهم نسبة 99 في المائة من المسلمين, وهذا الاقليم الذي يقع في الشمال الغربي لجزيرة سومطرة التي تعد سادسة اكبر الجزر في العالم, كان هو الجسر الذي عبر منه الإسلام منذ أن دخل اليه على يد التجار المسلمين من الهند والجزيرة العربية في القرن الثالث عشر إلى جنوب شرقي آسيا, جاء الإسلام وانتشر بالتدريج بين أبناء الشعب الأندونيسي, لكنه أخذ في الازدياد منذ أن اعتنقه أحد حكام (آتشيه), كان اسمه الملك الصالح ومازال ميناء باندا آتشيه هو مكان التجمع لحجاج بيت الله الحرام قبل انطلاقهم بطريق البحر في رحلة الحج, حتى أن عددا كبيرا منهم قد طواهم المد البحري عندما كانوا بملابس الإحرام ينتظرون الانطلاق إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة لأداء فريضة الحج, هذا الميناء الذي زرناه فيما بعد والذي يطلق عليه (اولي لهو) الذي رست فيه سفن الهولنديين الغزاة في القرن التاسع عشر, طالته أيضا أضرار كبيرة للغاية.

وأقليم آتشيه, الذي لايزال أهله يطلقون عليه (شرفة مكة), ربما من أجل ذلك, صار له منذ سنوات وضع خاص, اذ بات هو الوحيد في إندونيسيا الذي اعتمد تطبيق الشريعة الإسلامية, على الرغم من انه ظل يشهد مواجهات دامية اعتبارا من 1976 بين الجيش الإندونيسي ومتمردي حركة آتشيه الحرة التي لديها حكومة ورئيس وزراء يقيم حاليا في السويد, وتطالب بتطبيق كامل للشريعة الاسلامية, حتى أن هذا الإقليم كان فيما قبل تسونامي, مغلقا تماما أمام الأجانب, إلى ان جاءت الكارثة, فانفتحت أبوابه, ودخل الجميع, من كانت نواياه تقديم المساعدة الخالصة, ومن كان له غرض في نفس يعقوب.

جاء الزلزال, فدمر الحزام الأول من المناطق السكنية الداعمة للتمرد, وأباد أعدادا كبيرة من هؤلاء المتمردين أنفسهم, أما الباقون فاندفعوا إلى غابات كثيفة اختبأت خلف الجبال, وظلت بعيدة عن سطوة الموج المدمرة. غير انهم لايزالون على مطلبهم بمنح الإقليم وضعا خاصا, وازداد هذا الطلب إلحاحا بعدما تم اكتشاف الغاز بكميات كبيرة في أراضي ذلك الإقليم الذي يعاني سكانه درجة مدقعة من العوز.

حكاية الخوف

خلال وقت قصير, كانت موجات المد القاتلة قد عادت إلى مسكنها البحري مجددا, أخذت غفوتها الطويلة, لكنها تركت خلفها رعبا مقيما يجتاح جميع من نجا منها, بدا ذلك واضحا من الأعداد الكبيرة من الاطباء النفسيين الذين استعانت بهم إندونيسيا لعلاج الباقين على قيد الحياة, هؤلاء الذين أصبح مجرد مشاهدة كوب ممتلئ بالماء كفيلا بإعادة مشاهد الرعب لهم, أو حتى سماع أصوات تهدر لطائرة أو سيارة أنهكها الزمن وسوء الاستخدام, ثمة خوف تركته الأمواج لدى البشر, زرعته في نفوسهم ورحلت, خوف من اللحظات القادمة, ومايمكن أن تخبئه من هجمات غادرة, وخوف حتى من الدخول بعمق في لحظات النوم, تلك التي باتت تحمل للأهالي منذ وقوع كارثة تسونامي بين اليوم والآخر هزات ارتدادية لا تعتزم الخلود إلى الراحة في وقت قريب, حتى أن الكثيرين ممن قابلناهم في تلك المدينة المنكوبة, قالوا لنا إنه لما وقع الزلزال الذي ضرب جزيرة نياس الإندونيسية في شهر مارس 2005, فر سكان آتشيه من منازلهم إلى قمم الجبال فزعا واحتماء, على الرغم من أن المسافة بين تلك الجزيرة ومدينتهم تصل إلى 800 كيلو متر.

ثمة مبالغة هائلة في الشعور بالخوف, لكن ما الذي يمكن أن يحدث في بلد تعرض للمرة الثانية إلى موجات تسونامي, حتى وان كان الدمار في المرة الاولى أقل بكثير, والضحايا لايتجاوزون عدد الأصابع? إنها منطقة واقعة على بركان يغلي, ليست هي وحدها, فكل إندونيسيا التي تعد من أنشط مناطق العالم زلزاليا, واقعة فوق تلك الفوهة الرهيبة, ولنا أن نتخيل ان عدد البراكين شبه النشطة في تلك الدولة يصل إلى 128 بركانًا, تنتشر جميعها على مساحة جزرها البالغة 17 الف جزيرة. أما العدد المعروف للفوهات البركانية فإنه يبلغ نحو 400, إنهم يعرفون ذلك, لكن ما الذي يمكن أن يفعله المرء ازاء طبيعة منحتهم ثروات أرضية هائلة لم تعد عليهم بأي فائدة حتى الآن, ومنحتهم في المقابل خوفا لايغادرهم, تحالف في الوقت نفسه مع اندلاع القتال مرة أخرى بين الانفصاليين وقوات الحكومة.

إنها منطقة مأساوية, والبشر وقعوا فيها بين شقي رحى الموت, سواء أجاء من مياه مميتة, أو على أيدي المتقاتلين من الجانبين الذين يستخدمون البشر في العادة خطوطا أمامية عند كل مواجهة, هكذا قال لنا أحد الاشخاص الذين قابلناهم, غير أنه طلب بالحاح أن نتجاهل اسمه, فهو بالتأكيد ليس يحتاج إلى لطمات أخرى, بعد أن نجا من اللطمة الأكبر.

حكاية أزور

أزور محمد, فتى في الثلاثين من العمر, درس في الأزهر, رافقنا حين علم اننا وفد مجلة (العربي), يعرفها جيدا, خلال السنوات التي قضاها في القاهرة.

قبل الكارثة بعشرين يوما عاد إلى مسقط رأسه آتشيه من جاكرتا التي كان يعمل فيها مدرسا في احد المعاهد الدينية, أجبره مرض أمه على العودة, يتذكر ماحدث, قبل الزلزال بيوم واحد, كانت الأمور تسير بشكل معتاد, غير ان صباح السادس والعشرين من ديسمبر, كان يوما مختلفا, يستطرد:

(في الثامنة صباحا, كنت أجلس مع أصدقاء في مقهى, أتناول الافطار ثم قهوة الصباح, شعرنا وقتها بهزة بسيطة, بعدها مباشرة داهمنا إحساس بأن الأرض أخذت تحملنا إلى الأعلى, ثم عادت وراحت تهتز يمينا ويسارا, بعدها بدأت ترتج بعنف.

في تلك اللحظة, أدركنا ان شيئا غير طبيعي يحدث, أردنا الخروج من المقهى, لكننا وقعنا على الأرض, رحنا نسمع صوت انفجارات تخرج من باطن الأرض وتزداد ارتفاعا, رأينا الأشجار تهتز بشدة, اعتقدنا أن هذا هو يوم القيامة, تعوذنا, وأخذنا نردد بقدر ما استطعنا(لا اله الا الله), ونقرأ الفاتحة.

كان لديّ موعد عند احدى الأسر من أقاربي, وكنت قد طلبت من أحد زملائي مرافقتي, بعد أن توقف الزلزال, قال انه يمكننا الانطلاق, فالأمور عادت إلى طبيعتها, لكني فضلت أن أذهب إلى منزل عائلتي للاطمئنان عليهم, لم أكد أصل إلى هناك حتى رأيت أعدادا كبيرة من السكان يأتون من جهة البحر إلى المنطقة التي أسكن فيها, وهي مرتفعة أكثر, كانت ملامح الفزع بادية عليهم, الجميع يجتاحه الرعب, يركضون ويصرخون, كانوا يقولون إن المياه تنطلق من البحر وتزداد ارتفاعا في طريقها إلى المدينة.

جاء أخي الأكبر بشاحنته الصغيرة, فيما أخذت أصرخ داعيا النساء والأطفال إلى الركوب, انطلق بهم باتجاه مطار المدينة, بينما امتطيت دراجتي, أخذت أتبعهم إلى المكان نفسه الذي يعد من بين أكثر الأماكن ارتفاعا.

معظم الناجين من تلك المذبحة هم من استطاع الوصول إلى هناك, أو من اتجه إلى منطقة (سليمو) المرتفعة, أو هؤلاء الذين اتخذوا الطريق المؤدي إلى مدينة (ميدان) رابعة أكبر المدن في إندونيسيا بعد جاكرتا وسورابايا وباندونج.

في الثانية عشرة ظهرا, على وجه التقريب, ذهبت إلى المدينة, كنت أريد أن أرى ما الذي جرى, رأيت ما لم أكن أتصور اني سأشهده في حياتي, جثثا تفترش الشوارع, أنا لا أبالغ, لقد غطت أجساد الموتى طرق المدينة, تراصت فوق بعضها, أو تجاورت, كثيرون أماتتهم الأمواج, لكن هناك أعدادا كبيرة أيضا ماتت عندما سد الطين المخلوط بالماء أنوفهم, ذلك الذي اندفع عندما تشققت قشرة الأرض, وانكسرت.

دخلت المياه إلى مسافة أربعة كيلومترات في وسط المدينة, وعندما عادت إلى البحر, خرج الناجون للبحث عن مصير أقاربهم, و ظل البحث جاريا بعد ذلك لمدة اسبوعين, أما الجثث فقد دفنت في المقابر الجماعية, في كل مقبرة نحو أربعة آلاف جثة, أما الموتى الآخرون فتم دفنهم حيث وجدوا, ولكن هناك أيضا من تحللت جثته, ولم يتبق منه سوى عظام.

أنا بنفسي, قمت بدفن العديد من الجثث, كنت أحفر الأرض مثل باقي المفجوعين, وأدفن الموتى, لديّ عائلتان من أقاربي, ماتوا جميعا, لم يبق من هؤلاء الاثني عشر فردا سوى شاب وحيد, إحدى الأسرتين هي التي كنت أنوي الذهاب اليها بعد تناول القهوة في صباح ذلك اليوم الرهيب.

قصص أخرى

في الصباح الباكر اتخذنا طريقنا إلى البحر, أردنا أن نبدأ من المكان الذي انطلق منه الماء مهاجما البشر والأحجار, وصلنا عبر لسان ترابي, كان في السابق جسرا يتنزه عنده سكان المدينة, كان كل ماحولنا حطاما, فيما بقايا الصيادين قد غمروا أجسادهم في المياه, ليس هناك سوى الأسماك تسد رمق معظم سكان المدينة, نبدأ من تلك النقطة, ونعود منها إلى المدينة, من مناطقها التي اجتاحها السيل العرم, دمار شامل يمتد على مساحة تبدو على مرمى البصر, أكداس من الأخشاب المحطمة امتلأ بها المكان.

خطوات قليلة باعدتنا عن البحر, فاجأنا مشهد خيام كثيرة للنازحين, رأينا في تلك الأيام العديد من التجمعات التي يحتشد فيها هؤلاء الذين باتوا فرادى, أو برفقة من تبقى من العائلة, حين اجتزنا الأسلاك التي تحيط المكان, سألنا أول من قابلتنا: كيف تسكنين بجوار البحر, ألست خائفة?, قالت لنا (مرحمة) التي بدت في الاربعين, والتي كساها حزن غامر, ان بيت عائلتها كان على البحر, قريبا من هذا المكان, زال تماما من الوجود الآن, لكنها تعرف أين كان, رأت أن تعود لتظل الذكريات باقية, تذهب إلى مكانه كل يوم تجلس معظم الوقت هناك, تبكي وتتذكر ولديها اللذين حملهما الموج, تقرأ لهما الفاتحة, كلما طلعت الشمس, وتعود إلى خيمتها, عندما لايمكن لها أن تقضي الليل خارجها.

أعيد السؤال لها: نجوت من الماء, وتعودين إليه?, ألا تخافين من أن يغدر ثانية?, ترد بما يشبه السخرية: أتمنى لو حملني إليهما, لو فعلها سأكون ممتنة, لست أخاف الموت, لقد رأيته, تعاملت معه, دفنت بيدي عشرات الجثث في هذا المكان, ولم أعثر على ولديّ, قالوا لي إنهما مفقودان, ثم عادوا حين سألتهم ليقولوا, ان علي أن أعتبرهما في عداد الأموات, ماذا علي أن أفعل?, وماذا يفعل الذين خسروا حياتهم مثلي, سوى التشبث بالذكريات?.

هذا ما سمعناه من (أزهر) ومن (سعيدة) و(عارف) و (مرزوقي), وسمعناه أيضا, وإن بتنويعات مختلفة من (أم الايمان) وكذلك من (مرضية الأمينة), أسماء قريبة من أسمائنا, استسلمت لقدرها, وذهبت إلى البحر, هي لم تعرف منذ طلعت إلى الدنيا سواه, منازلهم كانت هناك, ومصدر رزقهم, ودنياهم التي لايعرفون أن هناك عالما يقطن بعيدا عنها.

نخرج من المكان, نبتعد قليلا عنه, يفاجئنا مشهد إحدى السفن وقد اعتلت مجموعة من البيوت, اجتاحها الطوفان, لم ينجح في تدميرها تماما, لكنه قذف فوقها تلك السفينة, هي أخف وزنا من الأولى التي رأيناها في استهلال جولتنا بالمنطقة, لكنها أيضا كانت كبيرة, كيف لهذا الموج الجبار أن يلهو بالسفن هكذا?, كيف له أن يحول البشر وما صنعوا إلى دمى يتقاذفها, ويحط بها أين شاء?.

نسير لمسافة أكثر بعدا, نشاهد سيارة بكاملها قذفها الموج في داخل فتحة اقتطعها من جدران منزل, نسير وسط ماتبقى من هياكل حجرية, كانت قبل السادس والعشرين من ديسمبر الماضي بيوتا يقطنها بشر وتموج بحياة, نلمح في الخلاء المترامي قوارب ملقاة, وسيارات منقلبة, وسفنا كبيرة وصغيرة أزيحت من بحرها, ونرى في كل مكان نتقدم اليه مآذن طالعة, وخراب محيط.

أسئلة الكارثة

ما شاهدناه في تلك الأرض المحروقة دفعنا للتساؤل, لماذا في آتشيه كانت كل تلك الأعداد من القتلى?, لماذا حدث فيها كل هذا الدمار, وهو دمار وصف بأنه كان أقرب إلى ماتحدثه قنبلة ذرية?, على الرغم من أن مركز الزلزال المدمر كان على بعد 60 كيلو مترًا من مدينة (مولابو), وهي تبعد أصلا عن آتشيه بمسافة 241 كيلو مترا?, الاجابة تكمن في العدد الهائل من السكان الذي تضمه المدينة المنكوبة واحتشاد المنازل التي كانت تضمها مناطقها الأقرب إلى البحر, فمع أن الدمار طال 80 في المائة من (مولابو) فإن الضحايا كانوا أقل بكثير من فاجعة آتشيه.

غير أن الكارثة غير المسبوقة في مآسيها, تظل تطرح المزيد من الأسئلة, ما الذي حدث ليخلف كل ذلك الدمار,? ولماذا لم يتمكن عدد من الدول البعيدة عن مركز الزلزال من تلافي أي أضرار? إذ إن الفارق بين حدوث الزلزال في الأرخبيل الاندونيسي والوقت الذي وصلت فيه أمواج تسونامي المدمرة إلى شواطيء هذه الدول تراوح بين 9 إلى 12 ساعة, وهي فترة كافية لاتخاذ الاحتياطات, كشفت هذه الكارثة عن غياب مراكز رصد الأنشطة الزلزالية التي من المعروف أنها تنتشر على سواحل المحيطين الهندي والهادي, ومع ذلك فهي لم تستطع تحذير أي دولة من الدول الاحدى عشرة التي اندفع اليها الموج, بل حتى لم تقم بتحذير الصومال التي تبتعد سواحلها بنحو أربعة آلاف ميل عن مركز الزلزال.

لم يكن حدثا عاديا, ذلك الذي شهده العالم, واكتوى به سكان المناطق التي ضربها, لقد أدى الزلزال في النهاية إلى تسريع دوران الأرض حول محورها, ما جعل اليوم أقصر بمقدار جزء من الثانية, وحركت شدته جزر سومطرة, بل أخفت 11 جزيرة تماما, وأزاحت عددا آخر من الجزر الصغيرة من مكانها لمسافة تصل إلى 20 مترا باتجاه الجنوب الغربي, لقد كانت قوة هذا الزلزال الرهيب أقرب إلى قوة 175 قنبلة نووية, وفق دراسة حديثة لمعهد البحوث الجيوفيزيائية التركي, أكدت أنه من حسن الحظ ان الزلزال كان مركزه في قاع المحيط الهندي بعمق 40 كيلو مترًا.

لعل هذا مايلقي الضوء على الزلزال الذي وقع في جزيرة نياس الإندونيسية أيضا, فقد خلف في النهاية نحو عشرة آلاف قتيل, على الرغم من أن قوته بلغت 8,7 درجة مئوية على مقياس ريختر وهي درجة قريبة من زلزال ديسمبر 2004 الذي بلغت قوته 8,9 درجة وترك وراءه كل هذه الأعداد من القتلى التي امتدت على مساحة شملت إندونيسيا وتايلاند والهند وسيرلانكا والمالديف وماليزيا وكينيا وتنزانيا والصومال وبنغلاديش, واليمن.

غير أن زلزال نياس الذي يتشابه مع سابقه في ظروفه نفسها, لم يحدث عنه أي موجات (تسونامي), الأمر الذي فسره البعض بانه كان على مسافة أكثر بعدا في قاع البحر من زلزال ديسمبر.

لم يترك الموج شيئا, ولم يردعه شيء, كما أن الأضرار لم تقتصر على التراث والفنون, إذ طالت الفنانين والكتاب والشعراء بلحمهم ودمهم ايضا, فقد أعلن عن فقد نحو 300 فنان ورسام وشاعر من أصل قرابة 350 كانت آتشيه تشير اليهم بزهو, في الوقت الذي تكفلت فيه المياه الهائجة بتبديد كل ما أبدعوه.

وقصص لا تنتهي

لم يبق من تلك المأساة سوى قصصها الفاجعة, كل من قابلناه كان لديه مأساته, كل من طلبنا منه أن يتذكر, أطلق العنان لدموعه أولا, ثم أخذ في سرد ماحدث, كان علينا أن ننتظر قليلا, حتى يتوقف النشيج, وكان على مترجمنا من لغة البهاسا التي لايجيد غالبية السكان سواها, أن يتحلى بالصبر أيضا مع هؤلاء البائسين, الذين يعيشون حاليا وسط حطام, وفقدان, وأمل غائم في غد قد لايجيء.

(عبد الله) في الاربعينيات, ربما بدا أكبر من ذلك العمر الذي أبلغنا به, كان يقود حافلة صغيرة, عندما سمع الزلزال لم يخطر بباله أن أمرا سيئا حدث, واصل طريقه قاصدا فندق (الميدان) في قلب باندا آتشيه, عندما وصل إلى هناك, رأى البشر يصرخون, وهم يتراكضون, حالة هروب وفزع عارم, ابتعد عن طريقهم بحافلته, اتجه إلى الطريق المعاكس, انتابته هو الآخر حالة رعب, اصطدم بأفراد للشرطة كانوا يحاولون في تلك اللحظة تهدئة الناس, كان الماء يندفع في مطاردته, اقترب من السيارة, أوقفها, رأى عبد الله نساء يستغثن من فوق احد المباني, حاصر الماء مكانهن, راح يتسلق الجدار ساعيا لإنقاذهن, كان الماء يرتفع أكثر فأكثر, سقط الجدار بعبد الله, وسقط من أراد انقاذهن, جرف الماء الجميع, لكن عبد الله ظل على قيد الحياة, إذ تمكنت بنيته القوية من الإمساك بساق نحيل لشجرة جوز الهند, أخذ يتسلقها, وصل إلى قدر ما استطاع من ارتفاع يصل في بعض الاحيان إلى 25 مترا.

وفي المالديف

نالت المالديف أيضا نصيبها من غضبة تسونامي, انها بلاد كان يشار إليها دائما بالكثير من الخوف, كان الانطباع السائد عنها هو أنها مهددة بالغرق إذا ارتفع مستوى سطح البحر بسبب الاحتباس الحراري.

غير أن لتسونامي رأيا آخر, صباحا هاجم الجزر جميعها على موجتين, في الثانية غمرتها المياه بالكامل, اندفعت من احدى جهاتها, وخرجت من الجهة الاخرى, سريعا انتشر الدمار, سقطت منتجعات سياحية تحت سطوة المياه, انهدمت أكواخ, ومبانٍ, سويت بالارض في بعض الأماكن, ومات 82 شخصا فيما ظل 32 دون معرفة مصيرهم, دمر الزلزال والمد البحري العاتي بشكل كامل وجزئي ما يقارب من ثلثي الجزر المأهولة بالسكان, 69 جزيرة من 197 جزيرة مأهولة قضى عليها بالكامل فيما دمرت 53 جزيرة بصورة جزئية.

فجاة توقفت السياحة, تراجعت أعداد القادمين بشكل ملحوظ, على الرغم من أن هناك جزرا كان تأثير الكارثة عليها محدودا, كما ان بعضها لم تصبه أي اضرار, فقط مجرد غمر المياه لأرضها ثم الانسحاب بعد وقت قصير, فيما لم تتأثر العاصمة (مالي), بأي اضرار, دخلها الماء, غمر ثلثي شوارعها, اخترق بيوتها حتى ارتفاع متر وربع المتر, أحدث بعض التلفيات القليلة, ثم عاد من حيث أتى... إلى البحر.

غير أن جزر المالديف رغم ذلك, تعد من بين أكثر البلاد تضرراً من تلك الكارثة, في الوقت الذي يعتقد أنها ستواجه أكبر تكلفة إعادة بناء بين نظيراتها, بعد أن لحق الدمار بالبنية التحتية في تلك الدولة التي كانت أكثر بلدان جنوب شرق آسيا ازدهاراً, ووفق تقديرات دولية حصلنا عليها من المركز الوطني لكارثة تسونامي, الذي يقع وسط العاصمة (مالي) فان عدد المتضررين من هذه الكارثة بلغ ما يقرب من 300 ألف شخص كما تم تشريد ما يزيد عن 12 ألف شخص.

مشهد آخر

وصلنا إلى المالديف, بعد رحلة طيران مجهدة, توقفنا خلالها في مطاري سنغافورة وكولومبو, كنا نقصد رصد مافعله الزلزال في جزر تلك الدولة, كان المشهد قد بدا مختلفا, فقد مر وقت على الكارثة المريعة, ومازالت بعض الجزر تعاني من أضرار كبيرة, وسوف تستمر جهود إعادة إعمار على مدى سنوات قادمة, لكن مواجهة آثار الكارثة تتطلب وفقا لتقديرات الحكومة المالديفية نحو 420 مليون دولار حتى نهاية السنة الحالية.

حطت بنا الطائرة فوق أرض المطار, إنه يحتل جزيرة (هالولي) بأكملها, تلك الجزيرة التي أغرقها الماء حين اندفع, وعطل الملاحة فيها لأيام.

اتخذنا طريقنا إلى العاصمة, عبر زورق شق المياه الفاصلة بين الجزيرتين, واستغرق نحو عشر دقائق قبل أن يصل بنا إلى الجهة المقابلة, حيث العاصمة التي لاحت لنا من على البعد فنادقها وأبنيتها القليلة المرتفعة أدوارا عدة.

لم تنج مالي هي الأخرى من تسونامي, و لا نجت جزر (كورومبا) ولا (فيلوتوتشي), أو (فاديبولو), ولا (مولاكو), غير أنه فور وقوع الزلزال, وما أعقبه من كارثة المد البحري, سارعت بعض الدول بمد يد المساعدة للتخفيف من الأضرار, وكانت الكويت هذه المرة أيضا إلى جانب المالديف, كما كانت إلى جانبها منذ البداية, فقد سارع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية بمنح المالديف عشرة ملايين دولار على مدى عشر سنوات من أجل بناء مطارات ومشروعات بنية تحتية أخرى.

أخذنا نجوب أنحاء العاصمة, إنها مدينة شديدة الصغر, انطلقنا من نقطة على طريق البحر, وأخذنا ندور حتى وصلنا بعد ساعة وربع الساعة إلى نقطة البداية, حاولنا بعد ذلك قطع المدينة من شارعها الأوسط, ذلك الذي يصل البحر بالجهة الأخرى, لم يستغرق الأمر سوى عشرين دقيقة من المشي, مررنا على سوق السمك, كانت (التونة) هي المحصول الرئيسي, يخرجه الصيادون من البحر, وينطلقون به عابرين الشارع إلى السوق, حيث حشد البشر المستهلكين, انها الوجبة الأساسية في المالديف, وكل مايفضلونه من طعام, تنويعات مختلفة عليها, فالتونة مصدر مهم للعملة الصعبة, وهي والسياحة المصدر الرئيسي لموارد الدولة.

ومالي, يعيش فيها سكانها فقط, تمر عليها في بعض الأحيان, أعداد قليلة من السياح, لكنها الآن تكاد تمتلئ بمن فيها, اذ إن ثلث سكان البلاد البالغ تعدادهم 300 ألف نسمة, يتخذونها مسكنا, حتى ان الاكتظاظ الذي تعانيه دفع الحكومة إلى اعداد جزيرة أخرى قريبة لاستيعاب الزيادة المتوقعة.

والجزر في المالديف كثيرة, انها وفقا للتعداد الرسمي تصل إلى 1190 جزيرة, دوائر صغيرة متناثرة, ونتوءات تترامى من بعيد هنا وهناك, غير أنها في النهاية تتوزع على 26 محافظة, وفي كل محافظة توجد مجموعة من الجزر, لاتزيد مساحة الجزيرة الواحدة منها عن خمسة أميال مربعة.

هذه الجزر التي تبدو خارجة من الماء, مكسوة بخضرة كثيفة, وسط بحر شديد الزرقة, شفاف وصاف, تشكل ماوصفه ابن بطوطة بأنه احدى عجائب الدنيا, أو ما وصفه السندباد الرحالة الدكتور حسين فوزي بأنه (جنة الله على الأرض).

من هنا كانت هناك مخاوف كبيرة من أن تكون أمواج المد العاتية قد تسببت في تدمير الاعشاب المرجانية, وهي ثروة أخرى تتمتع بها المالديف, غير أن فريقا مؤلفاً من تسعة خبراء قدموا من استراليا كشف خلال مهمة تقييم أن الأضرار لم تكن بالغة, وأن أمواج المد لم يكن لها تأثير بالغ على الحياة المرجانية والأسماك التي تستغل كطعم للصيد.

غير أن الخسائر الحقيقة هي تلك التي أصابت قطاع السياحة, فهو الأكثر تأثرا بالكارثة, والأرقام هنا تدعو إلى الذهول, وفق ماذكره تقرير أعده البنك الدولي, اذ إن الخسائر وهي تصل إلى 100 مليون دولار التي سببتها كارثة تسونامي تشكل تقريبا ثلثي الدخل السنوي للاقتصاد المحلي, والى جانب قطاع السياحة, كانت هناك أيضاً أضرار جسيمة لحقت بقطاعات التعليم والصيد والنقل.

ويرى ألاستير مكيكني المدير الاقليمي للبنك الدولي بجزر المالديف ان الاجتياح المدمر لتسونامي كان بمنزلة كارثة طال غضبها جميع أنحاء الدولة. مشيرا إلى انه بالرغم من أن إجمالي الخسائر في الأرواح بجزر المالديف ليس مروعًا كما هو الحال في الدول الأخرى المتضررة من كارثة السونامي, فإن الضرر الذي ألم باقتصادها جعلها إحدى أكثر الدول تضررًا من هذه الكارثة, فقد تركت هذه الكارثة الجزر العشر التي تتكون منها المالديف مدمرة, بخلاف 14 جزيرة أخرى تم إخلاؤها, بينما ألحقت هذه الكارثة ضررًا مباشرًا بثلث عدد سكان الدولة تقريبًا.

كانت كارثة تسونامي, التي تراوح ارتفاعها بين أربعة أقدام و14 قدما, قد ضربت جميع أجزاء المالديف, كما أدت مياه الفيضان الذي تبعها إلى قطع الكهرباء في العديد من الجزر, مما دمر بدوره خطوط الاتصال بأغلب الجزر المرجانية.

أيادٍ رحيمة

في مقرها الذي يقع على بعد خمس دقائق من مطار باندا آتشيه, كانت حركة المتطوعين في جمعية الهلال الأحمر الكويتية على قدم وساق, إذ إن مولدات للكهرباء قامت الجمعية بشرائها, كانت على وشك الوصول, في الوقت الذي وزع المتطوعون جهودهم للعمل في أكثر من جهة, إذ تزامن وصولنا إلى إندونيسيا مع تواصل الرحلات الجوية القادمة من الكويت والتي تحمل المساعدات إلى جزيرة نياس التي كانت قد بدأت لتوها تفيق من زلزال مدمر ضربها في شهر مارس 2005, أي بعد ثلاثة أشهر على كارثة تسونامي.

وبينما كان خالد الغيص مقرر لجنة الشباب في الهلال الأحمر الكويتي وزميله خالد العتيبي يطيران يوميا من جاكرتا إلى نياس مرافقين للمساعدات, كان هناك في آتشيه زميلهما جاسم قمبر مسئول الإمداد في الهلال الأحمر, قد عاد للتو من تسليم عدد من القوارب للصيادين في المنطقة الواقعة قرب البحر, كانت الكويت قد تبرعت بها لهم, فيما كان يستعد للتوجه إلى الميناء لاستلام محطات تحلية المياه التي قررت الكويت إهداءها لأهالي آتشيه.

كان التفاعل مع الكارثة كبيرا, فتقديرًا لحجمها المأساوي, قرر مجلس الوزراء الكويتي التبرع بمائة مليون دولار امريكي يخصص 30 مليونا منها كتبرعات نقدية ويكلف الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية باقامة مشروعات البنى التحتية في الدول المتضررة بما قيمته 70 مليون دولار, بالإضافة إلى خمسة ملايين دولار من صاحب السمو امير الكويت ومليوني دولار من سمو ولي العهد ومليون دولار من سمو رئيس مجلس الوزراء, إلى جانب تنظيم حملة شعبية شاملة للإغاثة على الصعيدين الرسمي والشعبي.

في الوقت نفسه كلفت الحكومة الكويتية جمعية الهلال الاحمر بتأمين إيصال المساعدات ومواد الاغاثة والادوية لمستحقيها بالسرعة اللازمة, وقد قامت على الفور فرق الجمعية بمسح شامل للدول المتضررة من تايلاند إلى سيرلانكا فإندونيسيا والهند وجزر المالديف, وتعد الكويت الدولة العربية والخليجية الأولى التي أرسلت فريقا مدربا وعاملا فعليا للمساعدة في عمليات الإغاثة والإعاشة وحصر الأضرار وتوزيع المعونات ورفع الأنقاض والبحث عن الضحايا, بل والمساعدة في رفع الجثث ودفنها.

كان لإندونيسيا وهي الدولة الاكثر تضررا من الكارثة, النصيب الاكبر من مساعدات جمعية الهلال الأحمر الكويتية, جاء التحرك عبر رحلات ميدانية إلى مناطق الكارثة, على الرغم من أن الطرق الرئيسية الساحلية كانت قد تضررت مما أدى إلى صعوبة شديدة في التنقل هناك.

ولم تتوقف جهود دولة الكويت لإغاثة ومساعدة منكوبي الكارثة عند مجرد الاكتفاء بتوفير إمدادات الأغذية والخيام والمستلزمات الانسانية الاولية إلى المتضررين, بل تجاوزتها إلى عمليات إعادة الإعمار طويلة المدى.

ويحدثنا سفير دولة الكويت لدى إندونيسيا محمد فاضل خلف عن أن المساعدات الكويتية تمت وفق ثلاث مراحل, الأولى هي مرحلة الطواريء, حيث كان التركيز على توفير الأغذية والإمدادات الأولية, وفيها قدمت الكويت مساعدات عاجلة هي عبارة عن 500 ألف دولار لدعم صندوق الإغاثة الذي أقامته أندونيسيا, واعتبرت الكويت أكثر الدول تبرعا لهذا الصندوق.

أما المرحلة الثانية فهي مرحلة إعادة التأهيل وفيها دخلت جمعية الهلال الأحمر, هادفة إلى تمكين المنكوبين في اقليم اتشيه ومناطق اخرى من الاعتماد على انفسهم وإعادة إنشاء مناطقهم المدمرة.

أما المرحلة الثالثة التي يطلق عليها (إعادة البناء) فسوف يدخل فيها الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية, بالاضافة إلى اللجنة الكويتية المشتركة للإغاثة.

وفي هذا الاطار قامت جمعية الهلال الأحمر حتى شهر مارس الماضي بشراء 56 آلية ثقيلة لإنشاء ثلاث محطات لتنقية مياه الشرب, المحطة الواحدة سوف تنتج 250 ألف لتر من المياه يوميا, وسوف تساهم في القضاء على الصعوبة الحادة في العثور على المياه, وقامت الجمعية أيضا بشراء 10 شاحنات و 150 قارب صيد يعمل على كل منها خمسة صيادين الأمر الذي يوفر وسيلة لقمة العيش لنحو 750 اسرة, فيما تم توفير معدات طبية ومولدات كهربائية وأجهزة متخصصة لمستشفى زين العابدين في آتشيه.

وحين ضرب زلزال جديد جزيرة نياس الإندونيسية, سارعت جمعية الهلال الأحمر بتقديم العديد من دفعات الإغاثة الانسانية عبر الجسر الجوي الذي أقامته, ومازالت المساعدات الكويتية تتواصل للتخفيف سواء عن المتضررين في جزيرة نياس التي تسكنها غالبية من المسيحيين, أو آتشيه التي تقطنها أغلبية مسلمة, في الوقت الذي كان لجهود الهلال الأحمر الكويتي دور بارز في عمليات الإنقاذ والبحث عن الناجين, ومساعدة الذين أصابتهم الكارثة في الهند وتايلاند التي قدمت لها مؤخرا نظام انذار مبكر, أو سيرلانكا وغيرها من الدول المتضررة. كانت الطبيعة هذه المرة قاسية, لم تترك الفقراء يواصلون رحلة التعب ويحصدون المزيد من العناء, ولم تترك الأغنياء في استرخاءاتهم بمنتجعات بوكيت التايلاندية, سوّى الموج في الفناء بين الجميع, خلّف الأسى والفقدان والحزن.

كل شيء أضاعه الماء الهائج في أقل من نصف ساعة, تراث البشر, إنجازات الحضارة, الحزن والهناءة, الفرح والآلام. كل الأشياء انتهت, أمام جبروت الموج, وسطوته المروعة. إنه درس هائل القسوة, للذين تصوروا انهم أمسكوا بأياديهم مفاتيح كل أمر, وأسباب الموت والنجاة. غير أنه حصد هذه المرة أيضا, وبأعداد هائلة, أشد الكائنات ضعفا, كالعادة.

وزير الخارجية الكويتي الشيخ الدكتور محمد الصباح لـ (العربي):

70 في المائة من المساعدات الكويتية لإعادة البنية التحية للمناطق المدمرة

أكد وزير الخارجية الكويتي الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح ان المساعدات التي سارعت الكويت بتقديمها إلى الدول المنكوبة من الزلزال الذي وقع في المحيط الهندي وموجات المد البحري الناجمة عنه, ينطلق من الطبيعة التي جبل عليها الشعب الكويتي في مساعدة من تصيبه الاضرار, أيا كان جنسه أوعرقه.

وأضاف وزير الخارجية الكويتي في تصريح خص به مجلة (العربي) خلال وجوده في العاصمة الإندونيسية جاكرتا للمشاركة في اجتماعات القمة الإفريقية الآسيوية التي تم عقدها بمناسبة الذكري الخمسين لمؤتمر باندونج, ردا على سؤال لبعثة مجلة (العربي) حول المساعدات الكويتية للدول المتضررة:(لقد رصد مجلس الوزراء الكويتي مبلغ 100 مليون دولار لهذه الدول المتضررة, منها جزء يتعلق بتخفيف اعباء المعاناة عن الدول المتضررة, وإنقاذ الحياة بأسرع وقت لضحايا تسونامي, وهو بقيمة 30 مليونا وخصص للمساعدات العاجلة وهو على شكل منح تعنى بتوفير الدواء والغذاء والاحتياجات الفورية الأخرى. أما الـ 70 مليون دولار الباقية فهي لإعادة إعمار مادمره تسونامي وهو موجه لإقامة مشاريع خاصة بالبنية التحتية وإنشاء قاعدة اقتصادية في تلك الدول من شأنها إعطاء ديمومة لحياة السكان.

لقد رأت الحكومة الكويتية أن الأمر أشبه بالصياد الذي تكسرت صنارته, فمن الأفضل إذن أن يعطى في البداية أسماكا ليأكل, لكن الخطوة التالية يجب أن تصب في اتجاه منحه صنارة بديلة ليعاود هو بنفسه مزاولة مهنة الصيد.

والى جانب المائة مليون دولار المقدمة من الحكومة هناك أيضا:

* خمسة ملايين دولار مقدمة من صاحب السمو أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح.

* مليونا دولار مقدمة من سمو ولي عهد الكويت الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح.

* ومليون دولار مقدمة من سمو رئيس الحكومة الكويتية الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.

حصيلة كارثة المد البحري

فيما يلي حصيلة القتلى, أو الذين اعتبروا في عداد القتلى في البلدان المنكوبة إثر كارثة تسونامي:

* إندونيسيا: 228429 (بينهم 132197 مفقودا اعتبروا في عداد القتلى).

* سري لانكا: 30957

* الهند: 16413 (بينهم 5339 مفقودا اعتبروا قتلى)

* تايلند: 5384

* المالديف: 82

* ماليزيا: 68

* بورما: 61

* بنغلادش: 2

* الصومال: 298

* تنزانيا: 10

* كينيا: 1

* العدد الإجمالي: 281705

الكوارث الناشئة عن تسونامي

* من أشهر المرات التي حدث فيها تسونامي ذاك الذي ضرب جزر شرق الويسيان في 1/4/ 1946 حيث بلغ الارتفاع الأقصى للموجة 35 مترا وخلف على أثرها ضحايا بلغ عددهم 165 قتيلا.

* تسونامي (نيكاراجوا) في 2/ 9/1992 وكان الارتفاع الأقصى للموجة 10 أمتار اسفرت عن 170 قتيلا.

* تسونامي (اوكوشيري) الذي حدث في اليابان في 7/12/1993 وجاء ارتفاعه الاقصى 31 مترا وبلغ عدد الضحايا 239.

* تسونامي (بابوا غينيا الجديدة) في 17/7/1998 بارتفاع اقصى للموجة بلغ 15 مترا, وخلف ضحايا عددهم 2200 قتيل.

 

زكريا عبد الجواد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




صورة الغلاف





 





في سوق المدينة وسط العاصمة, ما الذي يفعله الخارجون من الموت سوى ممارسة الحياة





إنه الدمار الذي اجتاح منطقة لوك لونجا قرب المحيط الهندي فأزال البشر ومعظم الحجر... وبقيت نظرة الأسى وحدها تطل من نافذة المروحية





إنه الدمار الذي اجتاح منطقة لوك لونجا قرب المحيط الهندي فأزال البشر ومعظم الحجر... وبقيت نظرة الأسى وحدها تطل من نافذة المروحية





إنه الدمار الذي اجتاح منطقة لوك لونجا قرب المحيط الهندي فأزال البشر ومعظم الحجر... وبقيت نظرة الأسى وحدها تطل من نافذة المروحية





وزير الخارجية الكويتي الشيخ الدكتور محمد الصباح





بعض ما تبقى من آثار هجمة الموج الشرسة, أرض بوار, وأطلال كانت من قبل عامرة





رسم توضيحي لمركز الزلزال والدول المتضررة منه





هذه السفينة التي يزيد وزنها عن 10 آلاف طن ويصل طولها إلى 80 مترًا, كانت قابعة داخل البحر بعمق كيلومتر لإنتاج الكهرباء لمدينة اتشيه حملها الموج العملاق وألقى بها وسط المنازل





لا شيء هناك سوى البقايا, حطام ينتشر قرب شاطئ البحر وأحجار وشجرة جوز هند وحيدة صامدة ربما ساهمت في إنقاذ بعض من كتبت له الحياة





وكانت الخيام في نهاية الأمر بديلاً للذين دمرت حياتهم مياه تسونامي.. هكذا بدت (باندا آتشيه) مدينة مزدحمة بما يستر البشر





لايزال عمال الإنقاذ يلملمون الحطام ولكن الوقت قد يستغرق زمنًا طويلاً





وحيدة بقيت في هذا المكان الأخير بعد أن فقدت العائلة, والغد ولم تفقد الأمل





اختلط البحر بالبر في دقائق مروعة واستبدل الماء الهائج أماكن سفن الصيد وألقى بها بعديًا حيث لا إبحار ولا صيادين ولا أسماك





مشهد آخر للسفينة التي حوّلتها الأمواج إلى دمية. إنها أعجوبة واحدة من أعاجيب كثيرة شهدتها آتشيه





سفينة أخرى راح الموج يلعب بها لكن الناجين حولوا جزءًا منها إلى سوق لبيع المياه والمشروبات الغازية





لأن معظم سكان المنطقة يعملون بالصيد, رأت جمعية الهلال الأحمر الكويتي توزيع قوارب تساعد السكان على مواصلة العيش .. والعمل





هكذا بدت (مالي) عاصمة المالديف بعد أن خرجت من وقائع رعب تسونامي





دخلت المياه إلى علو يزيد عن المتر في عاصمة المالديف. فجأة وجدها البشر تتسلل إلى منازلهم تحملهم وأشياءهم قبل أن تغادر (مالي) مخلفة رعبا قد يظل يطارد من عايشوه طويلاً





زاوية مسجد الجمعة في المالديف غمرها الماء لكن دون أن يتسبب لها في أي أضرار





ناجيان من الكارثة يتطلعان لأفق قد يبزغ من وسط الخراب وفي الخلف واحدة من عشرات السفن حملها الموج وألقى بها فوق عدد من المنازل





سارعت الكويت على الفور لإغاثة متضرري الكارثة, في البداية تواصلت العمليات الإغاثية, وحاليًا بدأت العمل في إعمار البنية التحتية إلى جانب تقديم المساعدات للناجين





مقر جمعية الهلال الأحمر الكويتية في آتشيه