عن الخنساء وبكائياتها.. أيضاً

عن الخنساء وبكائياتها.. أيضاً

على الرغم من مرور وقت طويل على نشر مقال (من بكائيات الخنساء) للأستاذ فاروق شوشة, فإن تعقيبات القراء عليه مازالت تتوالى, وقد نشرنا في (منتدى الحوار) في العددين (530) و(549) بعضًا منها, وهنا مداخلة أخرى:

أوردت مجلة (العربي) الغراء في العدد (520) من ذي الحجة 1422هـ - مارس 2002م مقال (من بكائيات الخنساء) ورد في معرض الحديث عن نسب الخنساء: (أما اسمها الحقيقي فهو تُماضر بنت عمرو بن الحارث, وتُماضر معناه الجميلة البياض, ويذكر شارح ديوانها في طبعته اللبنانية الدكتور محمد محمود: أنها نشأت وترعرعت في بني سليم, وهي قبيلة نبغ فيها عدد من الشعراء المشهورين, في مقدمتهم زهيربن أبي سلمى).

والنص على ماهو عليه يحتاج إلى بسط القول لينجلي اللبس عنه:

1- ورد في النص: (تُماضر: معناه جميلة البياض). ولم يشر الكاتب إلى المرجع الذي استقى منه هذا الشرح! علما أن مصادر اللغة العربية لا تقره على هذا التفسير الذي ذهب إليه, وإن كان في جانبه يتضمن شيئا منه.

فقد ذكر صاحب اللسان لدى تعرضه لمادة (مَضَرَ) (مَضَرَ اللبن يَمضُرُ مضُورًا: حَمُضَ وابيضَ, ومَضَر اللبن أي صار ماضرًا وهو الذي يَحذي اللسان قبل أن يروبَ.. قال ابن سيده: مُضرُ اسم رجل قيل سمي به لأنه كان يشرب اللبن الماضر, وتُمَاضرُ: اسم امرأة مشتق من هذه الأشياء, قال ابن دريد: أَحسبه من اللبن الماضرُ).

وللعرب مذاهب في تسمية أبنائها, فمنها ما سموه تفاؤلاً, ومنها ما سمي بالسباع ترهيباً لأعدائهم. قال الجاحظ: (والعرب إنما كانت تسمى بكلب وحمار وجُعَلَ وحنظلة وقردًا على التفاؤل بذلك, وكان الرجل إذا ولد له ذ كر خرج يتعرض لزجر الطير والفأل فإن سمع إنسانا يقول حجرًا, أو رأى حجرا سمى ابنه به وتفاءل فيه الشدة والصلابة والبقاء والصبر وإنه يحطم ما لقي).

ويوحي اسم (تماضر) إلى اللسان الحاذي في الدفاع عن النفس والعشيرة, مثل فعل اللبن الماضر على اللسان ولعله هو المقصود في التسمية, وقد انطبق هذا الاسم على الخنساء في ردها على سيد جشم وفارسها دريد بن الصمة الذي أقرت له العرب بالفروسية حين خطبها فصدته قائلة (أتراني تاركة بني عمي مثل عوالي الرماح, وناكحة شيخ بني جشم هامة اليوم أو غد! إنها الخنساء..! ونستبعد معنى تماضر الجميلة البياض. ولعل الكاتب يريد اسم الخنساء الذي ينطبق عليها الجمال, وسميت الخنساء لأنه كان في أنفها خنس, والخنس: تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع الأرنبة وهو لقب غلبت عليه تشبيها لها بالبقرة الوحشية في جمالها وكانت جميلة.

2- ويبدو أن الكاتب اعتقد أن الدكتور محمد حمود هو من شراح ديوان الخنساء (ويذكر شارح ديوانها في طبعته اللبنانية الدكتور محمد حمود أنها).

والثابت لدى المهتمين بالتراث أن شُرَّاح ديوان الخنساء هم طائفة من علمائنا القدماء وقلة من المحدثين.

أ- إن طائفة من العلماء القدماء قد شرحوا شعر الخنساء ويأتي على رأسهم ابن الأعرابي (230 أو 232 هـ) وابن السكيت (245 هـ).

وقد أشار محقق ديوانها الى العلماء الذين تصدوا لرواية شعر الخنساء وشرحه, واستطاع أن يحصي منهم ثلاثة عشر راويا وشارحا ذكر منهم: المفضل الضُبي ويونس بن حبيب وأبو عمرو الشيباني وأبو عبيدة والأصمعي وغيرهم من العلماء.

ب - وفي العصر الحديث ظهر الكتاب تحت عنوان (أنيس الجلساء في شرح ديوان الخنساء نشره الآباء اليسوعيون في بيروت سنة 1888 م, وطبع مرة أخرى بعناية الأب (لويس شيخو اليسوعي) سنة 1895 م, وعلى الطبعة الأولى اعتمد (دي كوببيه p.v.de copier) في الترجمة الفرنسية التى نشرت في بيروت سنة 1889م, واتخذها كرنكوف مرجعا (لمادة الخنساء) في دائرة المعارف الإسلامية.

وقام كرم البستاني بتحقيق ديوانها سنة 1963 كما شرحه أيضا وحققه عبد السلام الحوفي 1985 ثم تلاه الدكتور إبراهيم عوضين فحقق ديوانها وشفعه بدراسة وافية سنة 1986.

وظهر ديوانها بشرح ثعلب سنة 1988, وحققه الدكتور أنور أبو سويلم, ثم قدم له وشرحه الدكتور فايز محمد سنة1993.

ولم نعثر فيما انتهى إلينا من أن الأستاذ محمد حمود كان من شراح ديوان الخنساء!

والراجح أن الدكتور محمد حمود قد صدر كُتيبه الموسوم بـ (الخنساء شاعرة الرثاء) ضمن سلسلة شعراء العرب لدار الفكر اللبناني وهو يحتوي على دراسة لخصائص رثاء الخنساء واعتمد في جل نصوصه على ديوانها المطبوع في دار صادر - بيروت وقد ألمح إلى سهولة الرجوع إليه بقوله: (غير أن نسخة الديوان الأكثر تداولا في أوساط المتأدبين في أيامنا هذه هي ديوان الخنساء, منشورات دار صادر ودار بيروت 1328/1963م لا لأهمية الجهد المبذول فيها وإنما لسهولة الحصول عليها بسبب توفرها في الأسواق)

ويتضح هذا الأخذ في الجزء المخصص للنماذج المختارة من شعرها, وهو يبدأ من الصفحة (57 إلى 123).

وعلى هذا نستبعد أن يكون الدكتور محمد حمود من شراح ديوان الخنساء كما ورد في النص.

 

مسعود عامر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات