عبدالعزيز آرتي وقوة التأثير الضوئي موفق فرزات

عبدالعزيز آرتي وقوة التأثير الضوئي

"التأثيرية" في الفن التشكيلي، ليست مدرسة فحسب وإنما هي لغة بسيطة يخاطب فيها الفنان الناس لما لهذه اللغة من مقدرة في السيطرة الكاملة على أحاسيسهم ومشاعرهم بشكل مباشر، لأن الفنان هنا يدخل في صميم الواقع وينقل لنا هذا الواقع بطريقة بصرية فيحول الثابت إلى متحول والمتحول إلى ثابت من هنا تكمن قوة التأثيرية في الفن.

الفنان عبدالعزيز آرتي استطاع إلى حد ما أن يشكل لهذه النظرية مقومات البعد التأثيري محققا الجزء الأهم من هذا البعد، معتمدا على التكوين البنائي لكتل اللونية المضيئة، ويعطيها الشكل المتحرك واليقظ ضمن رؤية حضارية لها ميزاتها المهمة منها:

أولا: اعتماده الكلي على تصوير البيئة بكل أبعادها التاريخية.
ثانيا: تسليط الضوء على التراث الذي يشكل عنده مساحة واسعة من الاختزال التصويري والفكري.
ثالثا: التوثيق لأبرز المعالم الحضارية في الكويت من خلال منظور إنساني يدعو إلى الشعور بارتياح، وذلك بتأكيده على الأصالة الإنسانية بكل أبعادها.

إذن فقد حقق الفنان "آرتي" ثالوثا مهما في الفن التشكيلي المعاصر، وهذا لم يأت من فراغ وإنما هي موهبة الإحساس بالفن أولا وبالقوى غير المرئية والمحركة للأشياء ثانيا، تضعه في إطار فني مناسب، فتعبيره الفني المباشر جعله يدخل في عالم "اللغة التأثيرية" التي ربما لم يدخلها بمحض إرادته أو أنه لم يجدها.. وإنما باعتقادي هي التي وجدته، فانخرط طموحا بها ليسبح بشعاع الضوء المنكسر وصولا إلى رؤية جديدة لها نفحات خاصة وشعور آخر في تفسير ما ينتجه هذا الفنان في تحقيق أعمال لها صفة الديمومة على الأقل - ويبرز ذلك من خلال مقولة "لا وجود لفن حقيقي دون مبادئ أخلاقية" فالفنان ينظر إلى أعماله على أنها رسالة يستقيها من الحياة ويعيدها إليها ثانية، ويعتبر حرية الفن من الشروط الأساسية لتحقيق هذه الرسالة.

أما عن سر إبداعه في التقاط الضوء كركيزة مهمة يقول آرتي:
(الضوء يعني لي الكثير، إنه سر من أسرار هذا الكون، إنه عطاء تعبيري يمنح اللوحة دورا أكبر، بحيث يصاغ الموضوع عن طريق تداخل الضوء مع اللون. ضمن علاقات خطية ولونية، والضوء عملية ترجع إلى أحاسيس الفنان الذاتية ورؤيته الخاصة لها. وإذا أحب شيئا يراه برؤية سليمة ويكون مخلصا له ويعطيه أحاسيسه الصادقة)

قد يقول قائل: إن رصد مرحلة تاريخية من مراحل الزمن ربما تكون عين الكاميرا أبلغ تعبيرا وصدقا من عين الفنان وبذلك تكون مرحلة التوثيق أكثر منطقية من الريشة.

أقول: إن للكاميرا لغتها ووظيفتها، وللريشة لغتها ووظيفتها، ما تراه عين الفنان من الصعب جدا أن تراه عين الكاميرا، من هنا جاءت أهمية الفنان الأكثر قدرة وتعبيرا من حيث رؤيته للأشياء. إن للكاميرا عينا خاصة، تنتهي حركتها ورؤيتها للأشياء، بضغطة آلية بسيطة، لكن عين الفنان ومفرداته وأدواته وحركاته الخاصة به، من شأنها أن تصنع لنا حوارا ديناميكيا يتم بين الأضواء والظلال والخطوط والمساحات، ومن ثم خلق عملية تآلف ومودة بين المساحات الهندسية والعناصر العضوية الأخرى الرامزة للديمومة وبين العناصر العضوية العذبة التي تكشف لنا عن بعض مراحل الصيرورة مهتما بالناحية الإنسانية التي تبدو أكثر وضوحا في أعمال معرضه الأخير، حيث لجأ إلى التعامل مع الواقع بكل جرأة من خلال تتبعه "للأثر" والخطوط التي هي بنظرنا ربما تكون هامشية، لكن عند الفنان لها وقع كبير عليه، استطاع أن يحقق نقلة نوعية على الصعيد التصويري دفعته ودفعتنا كمتلقين إلى الانشغال بعالم جمالي وتأثيري في آن واحد. وهذه دلالات ومعان تحمل صفات من الألم والحزن لأن الفنان هنا يبحث عن الحلقة المفقودة في الجانب المنسي من حياتنا ويلتقطها بعدسة عينه، ليسلط عليها الضوء المشبع بحرارة الألوان. فكل ما يرسمه الفنان من أشكال لها صفة الديمومة تعيش حياتها الخاصة في العمل الفني.

وهكذا يصبح العمل الفني تركيبا لعناصر من البيئة وإعادة خلقها من جديد لتقدم عالما آخر له نفس مقومات العالم الموجود.

يقول الفنان آرتي "استخدم السكين في بعض مناطق اللوحة بدلا من الريشة.. لماذا؟ للتركيز على مسطحات الضوء وإشعاعه. وهذا ما أسعى إليه دائما لأسبب نوعا من الخداع البصري، فالتأثيرية هي أحاسيس اللونية النابعة من رؤيتي لأعطيها شحنة تعبيرية متفوقة على لغة التشكيل".

فقد لجأ الفنان إلى التعبير الأكثر انتشارا عن طريق شحن لوحاته بصيغ شاعرية موضوعية أكثر إيحاء من الشاعرية التقليدية، فقدم لنا موضوعات تتسم في مشاهد لها صبغة شاعرية خاصة فيما يخص اللوحات ذات الطبيعة الصامتة.

وخلق لنا تناغما في الحركة ضمن اللوحة الواحدة. بحيث توحي للمشاهد ذلك التناغم اللوني الهارموني وفق سلم الألوان عن طريق - تتبعه للأثر - كما قلت سابقا واختياره للموضوع الملائم.

إذن فأعمال الفنان (آرتي) لا تبتعد عنا كثيرا فهي قريبة منا، ما زلنا نعيشها، وما زالت هي تتنفس بوجودنا، فهو يسعى للوصول إلى هوية فنية تميزه من بين هذا الزخم المتنوع والمتراكم والمعقد لفنون العصر الحديث.

 

موفق فرزات 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات




تناغم لوني بين الطبيعة، وانعكاس الضوء على الفتاة





الشارع الجديد.. أحد شوارع الكويت بطابعه التقليدي قبل أن يغمره التجديث





طبيعة صامتة





الشارع الجديد.. أحد شوارع الكويت بطابعه التقليدي قبل أن يغمره التجديث





الفنان عبدالعزيز آرتي في مرسمه، حرارة في الألوان مع كل ضربة فرشاة