كتاب الأمكنة والمياه والجبال والآثار لمؤلفه نصر بن عبدالرحمن الإسكندري

كتاب الأمكنة والمياه والجبال والآثار لمؤلفه نصر بن عبدالرحمن الإسكندري

أحسن الناشران إحسانًا كبيرًا, وذلك بإخراج هذا الكتاب في حلة قشيبة, زانها قلة الأخطاء والضبط الدقيق, اللذان يثريان هذا العمل, ويليقان بمقام مؤلفه, وبمقام محققه, علامة الجزيرة العربية, المغفور له بإذن الله, الشيخ حمد الجاسر.

أصدر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية, بالتعاون مع دارة الملك عبدالعزيز بالرياض, كتاب (الأمكنة والمياه والجبال والآثار ونحوها المذكورة في الأخبار والأشعار), تأليف أبي الفتح نصر بن عبدالرحمن الإسكندري, من علماء القرن السادس الهجري. ويقع الكتاب في مجلدين, يضم أولهما 554 صفحة, وثانيهما 614 صفحة من القطع الكبير. وقد نُشر الكتاب عام 2004م بتحقيق الشيخ حمد الجاسر. ويُعدّ الكتاب إضافة مهمة للمكتبة العربية, فهو أول كتاب في التراث العربي يعنى بمسألة التصحيف في أسماء المواضع والأماكن.

وتعود معرفتي بهذا الكتاب إلى عام 1386هـ (1967م) حينما نشر الشيخ حمد الجاسر في الجزء الرابع من السنة الأولى من مجلة العرب بحثه في (المؤتلف والمختلف في أسماء المواضع بين الإسكندري والحازمي). وحينما علم الشيخ حمد باهتمامي بأبي عبيد البكري الذي كان موضوع رسالتي في الماجستير عنه, وبكتابيه (معجم ما استعجم), و(المسالك والممالك), تكرم فأرسل لي نسخة من كتاب نصر, وحثني على دراسة الكتاب, والاستفادة منه. وتابعت بعد ذلك بإعجاب, دراسات المغفور له الشيخ حمد عن هذا الكتاب, وكتاب (الأماكن) للحازمي. والمشتغل بهذا المجال, يدرك المعاناة التي عاشها الشيخ حمد رحمه الله, في تحقيق هذا العمل العلمي, الذي نحن اليوم بصدد التعريف به وإلقاء الضوء عليه. وسوف يتركز حديثي إليكم في ثلاثة محاور هي : المؤلف, والكتاب, والمحقق.

المؤلف:

قدم أستاذنا الشيخ حمد الجاسر ترجمة تفصيلية, لشخصية نصر بن عبدالرحمن الإسكندري, في مقدمته لكتاب (الأمكنة), معتمدًا على القفطي في (إنباه الرواة), والصفدي في (الوافي بالوفيات), والسيوطي في (بغية الوعاة), وابن الدُّبيثي وابن النجار في ذيليهما على تاريخ بغداد, والعماد الأصفهاني في (الخريدة) - قسم شعراء مصر. وتتفق كل تلك المصادر على عدم ذكر تاريخ ولادته, وعلى عدم الدقة في تاريخ وفاته. ويجمع مترجموه على أنه من الإسكندرية, وأنه قدم دمشق ثم ذهب إلى بغداد, ويذكر العماد الأصفهاني في (الخريدة), أنه اجتمع به في بغداد في ذي الحجة سنة 560هـ, ونقل عنه تراجم بعض شعراء الإسكندرية, ويصفه بقوله: (قد رأيته شابًا متوقدًا بالذكاء والفطنة عارفًا بالأدب), وفي نفس تلك السنة التي التقاه فيها الأصفهاني, غادر الإسكندري بغداد, واختلفت المصادر في وجهته, فيرى القفطي في (إنباه الرواة) أنه خرج إلى خراسان وأقام بنيسابور, وقيل إنه توفي هناك, وهكذا ذكر ابن الدُّبيثي. غير أن السيوطي في (بغية الوعاة), ينص على أن الإسكندري قد قدم بغداد بعد الستين وخمسمائة, وسمع بها وجالس العلماء, وحدَّث باليسير عن ابن عساكر ودخل أصبهان, قال ابن النجار: (وأظن أنه مات بها سنة إحدى وستين وخمسمائة). ولعل هذا هو الأقرب إلى الصواب, فقد يكون ذلك بترغيب من العماد الأصفهاني, الذي أثنى عليه وعلى علمه - كما قدمنا - كما أن الأصبهانيين كانوا أكثر عناية به, فقد قام عالم أصبهان أبو موسى محمد بن عمر الأصبهاني المديني (المتوفى عام 581هـ) باختصار كتابه. واتخذ محمد بن موسى الحازمي (المتوفى عام 584هـ) من كتابه أصلاً لكتابه الذي دعاه (الأماكن).

ويختم الشيخ حمد كلامه عن شخصية نصر الإسكندري بقوله: إنَّ تحديد سنة وفاته يبقى مجهولاً. ومن قال بأنه مات سنة إحدى وستين وخمسمائة, فهو مبني على أنه كان في بغداد سنة 560هـ, وبعد سفره منها جُهل أمره. وأنا أتفق مع شيخنا في شكه, خاصة مع وصف العماد الأصبهاني له حينما التقاه في عام 560هـ بأنه كان شابًا ولم يكن شيخًا كبيرًا. ولابد أنه قد بقي في أصبهان فترة تمكن العلماء في أثنائها من الأخذ عنه والاستفادة من علمه.

الكتاب:

يدخل الكتاب في باب المؤتلف والمختلف في أسماء المواضع. وهو نمط من التأليف الجغرافي نشأ نتيجة شيوع التصحيف في أسماء المواضع بين الناس. وقد كان أبو عبيد البكري, هو الأسبق بين العلماء العرب, الذين اهتموا بمشكلة التصحيف في أسماء المواضع, فوضع كتابه (معجم ما استعجم) في القرن الخامس الهجري, وأورد البكري في مقدمته أسماء المواضع التي يحدث فيها التصحيف عادةً مثل ناعجة وباعجة, نبتل وثيتل, نخلة ونحلة, وما إلى ذلك. وضرب الأمثلة على تصحيف علماء اللغة كالأصمعي وأبي عبيدة معمر بن المثنى, وذكر من علماء الحديث يزيد بن هارون, وأنه على إمامته في الحديث وتقدمه في العلم يصحف (جُمدان) وهو جبل بالحجاز بين قديد وعسفان, فيقول: (جُندان) بالنون, وهو من المواضع الواردة في الحديث.

غير أن البكري لم يَبْنِ كتابه على نظام المؤتلف والمختلف كما أوحت مقدمته, بل استخدم الترتيب الألف بائي المعجمي, فذكر كل موضع مبيّن البناء مُعجَم الحروف, حتى لا يُدرك فيه لبس أو تحريف.

وبعد نحو قرن من الزمان, جاء نصر بن عبدالرحمن الإسكندري ليضع كتاب (الأمكنة), وفقًا لنظام خاص يقوم على رصد الكلمات المتشابهة الرسم, والمختلفة في النطق والإعجام, ويرتب تلك الكلمات المتشابهة بحسب حروف المعجم, فيبدأ بالهمزة (باب أبَّا وأُنَّا وأُنَا وأَيَاء) وينتهي بالياء (باب يَيْعُث ويَثْقَب).

وهذا الترتيب الذي انتهجه الإسكندري, هو أكثر عملية في بيان مواضع التصحيف والتحريف التي تقع في الأماكن, خلافًا لكتاب (معجم ما استعجم) للبكري, الذي كان يورد كل اسم في مكانه من المعجم, فيتطلب ذلك من الباحث, جهدًا للوصول إلى الكلمة المطلوب التأكد من صحتها.

والدليل على أهمية كتاب نصر وريادته في مجال الكتابة في المؤتلف والمختلف من أسماء الأماكن والبقاع, أنه ما إن عرف الكتاب في بغداد وأصبهان, حتى سارع العلماء إلى الإفادة منه, إما باختصاره لتيسير قراءته كما فعل عالم أصبهان محمد بن عمر الأصبهاني (501 - 581هـ), أو باعتماد منهجه والإفادة من مادته مع الإضافة والشرح والتفصيل, كما فعل محمد بن موسى الحازمي (548 - 584هـ), الذي عاصر الإسكندري, وربما التقاه في أصبهان أو في بغداد التي وردها الحازمي في مقتبل حياته.

وقد أدى التشابه الكبير بين كتابي نصر بن عبدالرحمن الإسكندري ومحمد بن موسى الحازمي, إلى أن يتهم ياقوت الحموي الأخير بأنه قد (اختلسه وادعاه واستجهل الرواة فرواه), يقول ياقوت الحموي في مقدمته لـ (معجم البلدان): (وأبو بكر محمد بن موسى الحازمي له كتاب ما ائتلف واختلف من أسمائها, ثم وقفني صديقنا الحافظ الإمام أبو عبدالله محمد بن محمود بن النجار على مختصر اختصره الحافظ أبو موسى محمد بن عمر الأصفهاني, من كتاب ألفه أبو الفتح نصر بن عبدالرحمن الإسكندري, فيما ائتلف واختلف من أسماء البقاع, فوجدته تأليف رجل ضابط, قد أنفد في تحصيله عمرًا, وأحسن فيه عينًا وأثرًا, فوجدتُ الحازمي - رحمه الله - قد اختلسه وادعاه, واستجهل الرواة فرواه, ولقد كنت عند وقوفي على كتابه أرفع قدره من علمه, وأرى أن مرماه يقصر عن سهمه, إلى أن كشف الله عن خبيَّته, وتمخض المخض عن زُبْدته, فأما أنا فكل ما نقلته من كتاب نصر فقد نسبته إليه, وأحلته عليه, ولم أُضِعْ نصَبه, ولا أخملت ذكره وتعبه, والله يثيبه ويرحمه).

دفع التجني

وقد درس الشيخ حمد الجاسر كلام ياقوت الحموي, ولاحظ أن الأخير كثير التجني على الحازمي, وذكر أمثلة عديدة دالة على ذلك, منها قوله بعد كلامه عن (ذات القِنّ): (وذاتُ القِنّ أكمةٌ على القلب, جبل من جبال أجأ عند ذي الجليل - واد - كذا قال الحازمي وفيه نظر, لأنّ ذا الجليل عند مكة, وقال: إنه أكمة بأجأ, وبين أجأ وبينه أيام, ولعل أجأ غلط وسهو...), وقد رد الشيخ حمد على كلام ياقوت, مبينًا أن ما نقده ياقوت هو نص كلام نصر في كتابه, وأنه لا يمنع أن يكون عند مكة واد باسم ذي الجليل, وعند أجأ واد آخر بهذا الاسم. وأن الاسم الواحد قد يُطلق على عدة أمكنة في الجزيرة العربية. ويقول ياقوت عند كلامه عن (أرار): (إنه من نواحي حلب عن الحازمي, ولست منه على ثقة), وعلَّق أيضًا على نص الحازمي عن (السرير) بقوله: (وهذا خطأ من الحازمي), وغير ذلك من الملاحظات التي ذكرها الشيخ حمد الجاسر في مقدمته لكتاب (الأماكن) للحازمي (ص: 16-19).

ويذكر الشيخ حمد أن ياقوت الحموي أهمل نصوصًا قيِّمة من كتاب نصر, كما أنه قد ينسب إلى نصر ما هو من كتاب الحازمي, ومع ذلك يؤكد الشيخ حمد أن الحازمي قد اتخذ من كتاب نصر أصلاً, وأنه لم يطلع على نسخة أكمل من النسخة التي وصلت إلينا (مقدمة كتاب الأمكنة ص 39).

وخلاصة الرأي عند الشيخ حمد أن (الحازمي - رحمه الله - يتفق في كتابه مع نصر, اتفاقًا يكاد يكون حرفيًا, مما يحمل على الجزم بأنه اطلع على كتاب نصر, غير أنه يمتاز عليه بأن قسمًا كبيرًا من المواضع أورد تحديدها نقلاً عن علماء ذكر أسماءهم واستشهد بأشعار كثيرة واطّلع على كتب كثيرة, لا نجد لها في كتاب نصر, رحمه الله, ذكرًا).

ويرى الشيخ حمد أن الحازمي ربما أخذ كتاب نصر, فأراد أن ينسب ما فيه من أقوال إلى أصحابها, ولكنه لم يتمكن من ذلك إلا في معظم الكتاب, لأن آخره قد جاء خاليًا من الشواهد ومن نسبة الأقوال إلا ما ندر (مجلة العرب, مجلد 1 ص 725).

وذكر الشيخ حمد في خاتمة تقديمه لكتاب الأمكنة (ص 48) أن أحد الكتابين يعد مكملاً للآخر.

وفي تقديري أن الشيخ حمد الذي اجتهد كثيرًا في بيان الفروق بين الكتابين, قد ترك جوانب لها اعتبارها عند مقارنة الكتابين وبيان فضل أحدهما على الآخر. وقد قمت بمقارنة كتاب الهمزة بين الكتابين فوجدت نحو 63 موضعًا أوردها نصر في كتاب الهمزة, ولم يذكرها الحازمي وهي: (أبلاء, أبرم, أثوا, الأبترة, آبَة وآيَةَ, أَبَنْد وأُثَيْدَاء, أُثْنَان وأَبْيَار, أُثَال, الأَجْوَل والأجْزَل, الأَحْزَابَة, أُرْمَّ وأَزَمَ, أَرْنُم وأزِيمَ, أُدَيَّات وآذِنَات, أُرَاظ وأُرَاط, آزَاب وإرَاب, أَرْوَل وأَوْرَل, أُسُر وأُسُن, أشْرَاع وشُرَاع, آشَب وإثْبيِت, أَقْساسَ وقُسَاس, ألْعَس وأَلْعُش, أُلَيفه وألْبَقَّة, أَلْيَه وألِيَّه ولِيَّة, أَلْيان والبْارَ والنَّار, أَلاب وآلاَت وأَلاآت, أُلاَلَه, الأمْهَاد والأَمْهَار, أَمْن, الأَنْعَم, والأَنْعُم, أَنْخُل وأَنْجَل وأَنْحِل, أُوْر, أَيْن وأيَر وإيْر, الأَيْسُن والأَيْسَر والأَنْسُر).

وتمثل هذه الأسماء نحو 34% من مجموع أسماء المواضع المذكورة في كتاب الهمزة التي يبلغ عددها 187 موضعًا. وقد أحصيت في كتاب الباء نحو 63 موضعًا أيضًا وردت عند نصر ولم ترد عند الحازمي, وهو ما يمثل 50% من مجموع أسماء المواضع التي أوردها نصر في كتاب الباء. ونجد مثل هذه الاختلافات في بقية الحروف. ويضاف إلى ذلك أن كتاب نصر يتميز عن كتاب الحازمي بأنه في آخر كل حرف يورد مجموعة من أسماء المواضع تحت باب باسم المفردات, وهي إضافة قيِّمة لا نجدها عند الحازمي, وكل ذلك يقدم دليلاً ماديًا على وجود اختلاف واضح بين الكتابين, وأن نشر كتاب الحازمي لا يغني عن نشر كتاب نصر الإسكندري, بل يضيف إليه ويكمله كما ذكر الشيخ حمد.

وقد تؤدي دراسة إحصائية مقارنة بين أسماء الأماكن والمواضع في الكتابين مع بيان مستوى الشرح والتوثيق إلى تفصيلات أخرى تؤكد ما ذهب إليه الشيخ حمد الجاسر, رحمه الله, من أهمية كتاب نصر.

المحقق:

لا أظننا بحاجة إلى الحديث عن شخصية المحقق, فهو عَلَمٌ كبير من أعلام البحث العلمي والتحقيق, وله مكانته المرموقة في المحافل العلمية العربية, وإليه يرجع الفضل الأكبر في العناية بأسماء المواضع في شبه الجزيرة العربية من خلال مجلة العرب, أو من خلال البحوث والدراسات التي أصدرتها دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر.

وعملُ الشيخ حمد رحمه الله في هذا الكتاب, عملٌ مميزٌ, فقد أدرك - منذ أن اطلع عليه وقرأه - أهمية الكتاب, لتقدمه على غيره من كتب المواضع ومعاجم البلدان, ولما يحتويه من علم غزير يحتاج إلى عناية واجتهاد قبل خروجه إلى القراء, وربما كان هذا هو السبب في تأخر نشره, فقد ذكرنا أن أول تعريف له بالكتاب كان عام 1386هـ الموافق 1967م, ولم يطبع في صورة كتاب إلا بعد نحو 35 عامًا, نشر خلالها عشرات الكتب والمقالات, وحقق فيها الآلاف من أسماء المواضع المتعلقة بشبه الجزيرة العربية.

والقارئ المتفحص لهوامش الكتاب يدرك ذلك الجهد الكبير الذي بذله الشيخ حمد في تحقيق الكتاب وإعداده للنشر, فهو أولاً قد عارض الكتاب على ما جاء في كتاب الحازمي, ونص على ما ورد عنده من أسماء المواضع, وما لم يرد عنده, وعارضه أيضًا بأقوال ياقوت الحموي, في (معجم البلدان) على وجه الخصوص, وبما جاء عند البكري في (معجم ما استعجم), والأصفهاني في (بلاد العرب), والهمداني في (صفة جزيرة العرب), وبغيرها من كتب البلدان وكتب الأدب والأشعار, مستفيدًا في كل ذلك من رحلاته الميدانية, وما دونه من مشاهدات مسجلة في كتبه المختلفة في هذا المجال.

وجميعنا يعلم أن تحقيق ما يقرب من ألفي موضع من المواضع التي أصبح الكثير منها الآن في حكم المواضع الدارسة, من الأمور الشاقة التي تواجه كل محقق, ولا نريد أن نقول في هذا المقام إن الشيخ حمد الجاسر قد قال كلمة الفصل فيما ورد في تحقيقاته في هذا الكتاب وفي غيره, فهو نفسه لا يقبل أن يقال ذلك عنه, فقد يأتي من يستدرك عليه بعض ما فاته أو استعصى عليه, وهذه طبيعة البحث العلمي.

وقد بيَّن الشيخ حمد الجاسر - في مقدمته - عَملَه في نشر كتاب (الأمكنة), فقد حرص على أن يقدم صورة مطابقة للأصل المخطوط بقدر الإمكان, مع التنبيه على ما فيه من أخطاء. وفي سبيل التعرّف على المواقع الصحيحة للأمكنة, بذل الشيخ حمد جهدًا كبيرًا في تحديد الأمكنة تحديدًا دقيقًا, وحاول بقدر الإمكان أن يوضح مواقعها بالنسبة لخطوط الطول والعرض, معولاً في أغلب ذلك - كما ذكر - على كتاب (معجم الأسماء الجغرافية) المكتوبة على خرائط المملكة العربية السعودية للأستاذ الدكتور أسعد سليمان عبده, الذي اعتبره من أوثق المصادر في تحديد الأمكنة المرسومة في المصورات الجغرافية.

مقابلة وتحقق

ونظرًا لعدم وجود نسخة مخطوطة أخرى من الكتاب, فقد حرص الشيخ حمد في تحقيقه على أن يقابل نصوص كتاب (الأمكنة) مع نقول الحازمي في كتاب (الأماكن), ونقول ياقوت الحموي في (معجم البلدان), ونقول الزبيدي في (تاج العروس), وتشمل تلك الكتب نصوصًا مأخوذة عن نصر, إما من دون إشارة أو هي منسوبة بشكل مباشر إليه, وأضاف إلى ذلك - كما قلنا قبل قليل - مطالعاته في كتب البلدان الأخرى, وغيرها من الكتب ذات العلاقة, وتضمنت ملاحظاته - كما ذكرنا كذلك - الكثير من المعلومات التي استقاها من رحلاته ومشاهداته وتحقيقاته الميدانية. وتُعدُّ تعليقات الشيخ حمد وهوامشه الجزء الأثمن من هذه الطبعة القيمة من كتاب (الأمكنة), ويعد تحقيقه درسًا في بيان المؤتلف والمختلف من أسماء المواضع, ومنهجًا رائدًا في تحقيقها.

ويبدو أن الشيخ حمد كان يريد إعداد فهرس شامل وتفصيلي للكتاب, غير أنه لم يتمكن من ذلك, ففي ص42 من المقدمة ذكر الشيخ حمد: (فأما من ذكرهم من الشعراء فسيرد ذكرهم في الفهرس). وأشار أيضًا في ص 48 إلى أنه حاول أن يضع فهارس عامة للكتاب, تيسر للباحث العثور على بغيته بسهولة.

ومن ثَمَّ نرجو أن تنهض مؤسسة الملك فيصل بنشر جزء مستقل يتضمن تلك الفهارس إن وجدت, أو يكلف بها أحد المختصين, وذلك لقيمة الكتاب وما يتضمنه من موضوعات مهمة ذات اتصال بجميع ما كتب عن شبه الجزيرة العربية جغرافيًا وأدبيًا. فضلاً عن تحقيق الهدف الأساسي لهذا الكتاب, وهو المحافظة على أسماء الأمكنة والمياه والجبال والآثار ونحوها, تلك المذكورة في الأخبار والأشعار.

ولا بأس من تكليف أحد الباحثين أيضًا بإعداد ثبت بالأخطاء المطبعية التي لا يخلو منها كتاب مطبوع, إضافة إلى بعض الأخطاء الأخرى التي فاتت على الشيخ حمد رحمه الله.

ومثال لهذه الأخطاء:

- قوله في ( ص 46): إن النسخة من مخطوطات ما قبل القرن السادس الهجري, والصواب أنها من مخطوطات القرن السادس الهجري.

- يقول الشيخ حمد (ص 202): إن باب (بَيَان وبَنَان وبُتَّان وبُتَان وتِيَان وَنَيَّان وثِبار وَنِيار) لم ترد في كتاب الحازمي, والصواب أن خمسة من تلك الأسماء قد وردت في كتاب الحازمي (ص 100) وهي (بُتَان وبَتَّان وبَيَان وبَنَان وبُنان) ]والأخيرة لم يذكرها نصر في المادة المشار إليها[.

- كما أن ما ذُكر عند الحازمي يُفَصِّل ويصحح ويضيف على ما جاء عند نصر. ومثال ذلك قوله (ص 202) عن بُتَان: أنها (بضم الباء وتخفيف التاء, قرية من أعمال طريثيث), في حين يفصل الحازمي (ص 100) الحديث عنها فيقول: (بُتان بعد الباء المضمومة تاءٌ مخففةٌ فوقها نقطتان: قريةٌ من نواحي نيسابور, من أعمال طريثيث, منها أبو الفضل البُتاني ساكِن طريثيث, أحد الزهاد الفضلاء, من أصحاب الشافعي رضي الله عنه). وورد كذلك عند نصر بُتَّان بضم أوله وتاء مشددة عليها نقطتان: (ناحيةٌ من بقعة حَرَّان يُنسب إليها محمد بن جابر البُتَّاني صاحب الزيج), في حين أن هذا الاسم ورد عند الحازمي بفتح أوله وتشديد ثانيه, وبعد أن ذكر نص نصر قال: (وذكره ابن الأكفاني بكسر الباء).

وهذا السهو من الشيخ حمد رحمه الله, ناشيء عن كثرة أسماء الأماكن وتداخلها بين كتابي نصر والحازمي, وربما وجدت ملاحظات أخرى خلاف ذلك, وعلى الباحث المتتبع الذي نرجو أن يكلف بوضع استدراك شامل يكون ضمن مجلد الفهارس الذي اقترحته آنفا أن يتابع ذلك. كما أرجو أن يشتمل ذلك أيضًا على الأخطاء المطبعية الواردة في الكتاب, ومن أمثلتها:

- ص 38, كراتشوفسكي = كراتشكوفسكي
- ص 47 دون زيارة = دون زيادة.
- ص 118 عنج = أنج.
- ص 118 الزوزان = الذوذان.
- ص 480 يفيص = يفيض.
- ص 500 ثلاية = ثلاثة.

وكل ذلك هنات بسيطة بالنسبة للجهد الكبير الذي بذله الشيخ حمد - يرحمه الله - في تحقيق الكتاب ومقابلته بالكتب المناظرة وتحديد المواقع الواردة فيه, وليس هذا الجهد بغريب على علامة الجزيرة العربية الذي كان لعطائه المذكور في مجال خدمة أسماء المواضع في شبه الجزيرة العربية أطيب الأثر في التعريف بالمواضع القديمة الواردة في كتب التراث العربي, ولولاه لخفي علينا الكثير من المعلومات في هذا الميدان, نتيجة اختلاف الظروف الحضارية وتبدل الأحوال في البوادي العربية.

 

حمد الجاسر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




المرحوم حمد الجاسر, مؤرخ الجزيرة العربية ومحققها





 





الصفحة الأولى من المخطوط





بذل المحقق جهداً كبيراً في تحقيق الأصل وتخليصه من الأخطاء