في وداع أحمد بهاء الدين محمد الرميحي

في وداع أحمد بهاء الدين

لم يصدق أحد وهو يلقي نظرة الوداع الأخيرة أن جسده ظل يقاوم الموت الفعلي لمدة ست سنوات متصلة. فهذا الجسد الضئيل قد تعب في مرادات النفس الكبيرة لأحمد بهاء الدين على حد تعبير شاعرنا المتنبي. وقد ظلت هذه النفس متشبثة بإرادة الحياة حتى جعلتنا جميعا موقنين من انتصارها على المرض وأن صاحبها سوف يهب ممتشقا قلمه كما عودنا دائما. رحل بهاء الدين عن 69 عاما وعشرات الكتب ومئات المقالات، وإجماع على نزاهته الشخصية والفكرية معا. تولى رئاسة تحرير "صباح الخير" وهو في مطلع شبابه، وتولى رئاسة مجلة "العربي" وهو في قمة نضجه الفكري، وقد بقي في الأخيرة سبع سنوات كاملة. رأى بهاء الدين في "العربي" تجسيدا فكريا للحلم القومي الذي نادى به طويلا، فهي ساحة مفتوحة لكل الأفكار العربية بلا حدود ودون أي تدخل حكومي، ولولا أنه مكتوب عليها أنها تصدر عن وزارة الإعلام بدولة الكويت ما عرف أحد من أين تصدر على حد تعبيره هو شخصيا. وقد كتب خلال هذه الفترة افتتاحيات 76 عددا تناول فيها مختلف القضايا السياسية والثقافية، كان فيها غاضبا أحيانا.. ناقدا أحيانا، ولكنه كان مثقفا مستنيرا في كل الأحيان. وفي هذا الملف تحيي "العربي" الفقيد الكبير فتنشر مقالا لرئيس تحريرها الدكتور محمد الرميحي لا يهتم فقط بتقييم فكر بهاء الدين بقدر ما يقدم شهادة وفاء لكل ما قدمه للثقافة العربية. كما تنشر مقتطفات من القضايا التي تناولها على صفحات "العربي" على أمل أن تكون هذه البداية لنشر المزيد من الدراسات والمقالات حول بهاء الدين، وأن تنشر أيضا كل مقالاته في المجلة في "كتاب العربي" عندما يعاود الصدور قريبا بإذن الله.

فاطمة حسين

أحمد بهاء الدين
الاعتدال والوسطية

هل الوسطية تهمة أم هي خيار العقلاء؟ الإجابة عن هذا التساؤل صعبة مثل السؤال نفسه، لقد عاد هذا التساؤل يلح على خاطري من جديد عندما نعى الناعي من القاهرة وفاة أحمد بهاء الدين، الصحفي، والإنسان، والمفكر. ومثل غيره من المشتغلين بالشأن العام في مثل تاريخنا العربي المعاصر، سيجد من يتحدث عنه حديث العاطفة المؤقتة، وحديث الواجب من زميل لزميل انتقل إلى رحمة الله، لذلك جاءت الكتابات عنه حتى الآن سريعة وعفو الخاطر، ولم يعد بالإمكان إلا ذكر مناقبه وإن بولغ فيها على طريقة العرب، ولكن أحمد بهاء الدين يستحق أكثر من ذلك، يستحق أن يعرض منهجه الفكري الذي اختطه وسار عليه من أجل دراسته بهدف الانتصار لهذا المنهج المعتدل والعقلاني، وهو في اعتقادي الوسطية التي تقود إليها العقلانية التي نحن أحوج ما نكون إليها في لحظتنا الراهنة وفي سعينا نحو المستقبل.

من الكثير مما كتب حتى اليوم عن حياة أحمد بهاء الدين وأعماله لم يتعرض أحد ممن كتبوا لمرحلة من أهم مراحل حياته وأعماله، وهي المرحلة التي امتدت من 1975 إلى 1982، سبع سنوات، وهي فترة توليه رئاسة تحرير مجلة "العربي" في الكويت، وهي المرحلة التي عرفته فيها مع غيري من المهتمين بالشأن العام في الكويت، وهي مرحلة حاسمة من حياته، وأعتقد أنها مرحلة النضج السياسي والثقافي، ليس لأنه كان يفتقدهما، معاذ الله، ولكن لأنه تخفف من أعباء الوجود في بؤرة الغليان السياسي المصري آنذاك، فتوافرت له فرصة اللقاء الأطول والأهدأ مع الذات المفكرة التي كانت أثمن ما فيه.

هذه المرحلة حانت بعد أن قطع أحمد بهاء الدين رحلة طويلة مع الصحافة والسياسة في بلده مصر، ومن أصعب الأمور التفريق بين الاثنتين، ليس في عالمنا العربي وحده وإنما في العالم أجمع. ولكن في عالمنا العربي خصوصا فإن ذلك الاختلاط غير صحي ومحاط بالأذى في كثير من الأوقات، وقد جاء بهاء إلى فترة العمل في مجلة "العربي" وهو يحمل معه تجربة مصرية طويلة في الصحافة كرئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة لمؤسسات راسخة مثل دار الهلال والأهرام وروزاليوسف، من بين أعمال ومهمات أخرى كثيرة كان يقوم أو يكلف بها، وكان من الجيل الصحفي المصري المميز الذي تسلم قيادة الصحافة المصرية من جيل المؤسسين من عرب الشام الذين كانت لهم يد طولى في تأسيس صحافة حديثة احتضنها المصريون وأضافوا إليها الكثير من عصارة تجربتهم الحضارية. جاء بهاء الدين إلى الكويت بعد الفترة الناصرية التي شغلت العالم مع كل ما أثارته من أفكار وقدمته من ممارسات. وكان بهاء أحد فرسان هذه المرحلة مراقبا وناقدا، جاء إلى الكويت مع الاضطراب الذي بدا عميقا ومقلقا في السياسة العربية بعد أن تولى الرئيس المصري الراحل أنور السادات قيادة السياسة المختصة بالصراع مع إسرائيل، وكان واضحا اتجاهها إلى المسالمة بدلا من الحرب والبحث عن حلول بدت وقتها وكأنها انقطاع عن الماضي القريب.

وكانت الكويت وصحافتها آنذاك تضج بالأفكار العربية وريثة فكر عبدالناصر النظري غير المطبق عمليا عليها، فكانت لدى بعض الأصوات القدرة على التحدث بالأفكار دون دفع الثمن الذي عرفه بهاء عن قرب، إضافة لأقلام شتى لم يكن بعضها ليراعي الحدود الدنيا من حسن الاختلاف وأدبه نتيجة ذلك التثقيف القومي الحماسي من جهة، ووجود عدد كبير من الصحفيين الذين كان يعتقد بعضهم أن الوطنية هي الهجوم على الآخرين ودون هوادة أو تعقل، فكان على بهاء أن يدافع بعقله وقلمه الذي لم يكن ليرفض مبدأ المصالحة وإن انتقد بعض أوجه خطوات التنفيذ، كان عليه أن يدافع ضد الخلط المتعمد بين مصر كدولة وشعب وبين ممارسة واجتهاد سياسي أو مجموعة من السياسيين قد تصح أو يخطئ أو يتغير أصحابها، وهو - أي ذلك الخلط - كان بعض العرب عن تعمد أو عن جهل يروجون له.

أمسيات وأيام بهاء في الكويت توزعت بين لقاء بالأصدقاء وقراءة معمقة في المطبوعات والكتب الحديثة التي كان بهاء بحسه الحضاري ينتقيها ويعرضها لقرائه في مجلة "العربي" أو فيما يكتبه للمجلات العربية الأخرى والتي بدأت تظهر بتكاثر في الخارج خاصة أوربا.

بعد أن عمل في "العربي" مدة من الزمن تعرض، مع الأسف الشديد، لحملة قاسية وغير منصفة استمرت بعض الوقت من البعض، دون معرفة سابقة ودون سبب مقنع، وكانت منصبة ظاهريا على الأقل حول سياسته في تسيير مجلة "العربي"، ولكنها في الواقع كانت راجعة إلى صغائر حملتها بعض النفوس الصغيرة، وهو الصحفي القدير الذي مارس أشكالا مختلفة من الصحافة ووريث مدرسة صحفية راسخة.

كنت ألقاه في تلك الأيام مع مجموعة خيرة من أبناء الكويت ومثقفيها، فأجد فيه ذلك التسامح الحضاري الفريد، ولعل موقفه الشخصي والسياسي من الوسطية والتسامح ومحاولة تفهم سلوك ودوافع الآخرين والبحث عن أسباب لهم، ناتج أساسا من تعليمه الأساسي وهو القانون، وقت ازدهار تدريسه وممارسته في مصر في أربعينيات هذا القرن، والذي إن فهمت فلسفته جيدا قادت إلى هذا العدل الفكري عند التعامل مع أفكار الآخرين، فلا حكم دون بينة، ولا حكم دون تفهم الأسباب.

كانت أمسياته وأحاديثه مثل كتاباته سهلة وممتعة في نفس الوقت، وكان دائم القول إن الكاتب الجيد هو قبل ذلك وبالأساس قارئ جيد، وفي السنوات السبع التي قضاها رئيس تحرير لمجلة "العربي" جدد موضوعاتها وقدم أبوابا جديدة ومبتكرة، وكانت فرصة لكاتب بحجمه أن يجد الوقت الكافي للقراءة المتعمقة ويجد السبل ليتعرف عن قرب على الإنسان الكويتي والخليجي فسافر والتقى وتعرف، فأحب تلك البساطة والوضوح والشفافية في ذلك الإنسان الذي ذكره بأهل الدلتا في مصر، وهو الإسكندراني المولد، وأدرك كم حاق بذلك الإنسان من ظلم معرفي وإعلامي نتيجة ما أعطته أرضه من نماء يسمى الذهب الأسود.

في تحليلاته وكتاباته الصحفية يذكرك بالمهندس، وهو لقب اشتهر به بين العارفين من قمم الصحافة المصرية، فهو أولا يفكك الموضوع إلى عناصره الأولية ثم ثانيا يعيد تركيبه في شكل جديد مفهوم وسهل الهضم للقارئ العادي قبل المتخصص، كما ابتعد عن المثير والسلبي وإن اجتهد في تقديم المختلف والمختلف عليه، لأن الحقيقة لا يمكن الوصول إليها إلا بالحوار والاحتكاك الحضاري للأفكار.

قيل إن أحمد بهاء الدين ناصري، بل قيل إنه ساداتي عندما دافع في فترة فض الاشتباك عن سياسة الرئيس السادات ، وطالب المعارضة المصرية وقتها بأن تبتعد عن المزايدات ما دامت لا تملك البديل. ولكنني أعتقد أنه لم يكن هذا أو ذاك، فقد كان يرى في سياسة ما صوابا جزئيا فيتبناه، وكان يرى في سياسة ما خطأ جزئيا فيقف دونه، ودليلي على ذلك أنه وقف ضد بعض سياسات عبدالناصر كما وقف ضد بعض سياسات السادات ، لذلك تم نقله من عمله كعقوبة وتم فصله مرة، ومنع من الكتابة أكثر من مرة، كما هدد بالاعتقال أكثر من مرة، وكان ذلك دليلا على صلابته وموقفه المستقل. لقد كان ديمقراطيا محاربا للفساد، عاشقا لحرية الرأي، وكانت الصحافة بالنسبة له حرية تعبير قبل أي شيء آخر.

واحدة من القضايا لم يكن وسطيا فيها وكانت هذه القضية هي القضية الفلسطينية، والتي جرد قلمه للدفاع عنها، وكشف المظالم التي وقعت على أصحابها وربما كانت أكبر مآسيه السياسية هي هزيمة 1967 التي فاقت في التأثير فيه - على المستوى الشخصي - أي كارثة أخرى. كان واعيا إلى أن الصراع مع إسرائيل هو في الأساس صراع حضاري لا تنفع في خوضه الحناجر المتضخمة بالضجيج، إنما كانت هذه المواجهة تستدعي العقل والديمقراطية والحداثة، وكان يعلم أن ذلك لن يتأتى للعرب في يوم وليلة، ولن يخرجهم من هذا الصراع منتصرين إلا مكافحة النفس قبل الآخر، والنظر داخليا قبل النظر خارجيا، ومحاسبة الأنا قبل محاسبة الغير. ولقد قال لي مرة بعد زيارة لبغداد وهو يعتصر ألما: هل تعرف ما هي الهدية التي قدمها صدام حسين لي في زيارتي الأخيرة لبغداد؟ سألت بدهشة: ماذا؟ فأجاب بحسرة: إنه مسدس. صحفي مثلي يعطى مسدسا وهو الذي لا تعرف يداه غير القلم، أتراه تهديدا؟ غمغم بالكلمات الأخيرة وعلى شفتيه شبه ابتسامة باهتة لا تخلو من حسرة. لقد مات أحمد بهاء الدين قبل أن يموت، وأخذ إجازة إجبارية بسبب ذلك المرض الذي أصابه، وابتعد قسرا عن ساحة الصحافة والسياسة العربية المتردية قبل أن ينتقل إلى جوار ربه، فلم يشاهد أو يسمع أنباء فتك صدام حسين بالكويت وبالعرب، ولم يع بالإهمال الشديد للقضية القومية التي تحولت على أيدي المغامرين إلى مفاوضات يغلب عليها التكتيك السياسي اليومي ويبتعد بها كل يوم عن الإيمان الأخلاقي بالأحقية التاريخية لأي شعب عربي.

لو كان لي أن أصف أبرز صفات بهاء لقلت إنها أخلاقه الشخصية ذات السوية العالية، فلو جرد من كل شيء فلن يستطيع أحد أن يجرده من هذه الصفة العظيمة وهي التي كما قلت أعطته منطق الوسطية، كان يعرف، بل يحذق، فن كسب الأصدقاء، وكان يحذق أيضا فن الاحتفاظ بهم. كسب الأصدقاء دون خسارتهم فن إنساني عظيم لا يقدر عليه إلا قلة من الناس، فكل من عمل معه هو صديق، وكل من عرفه أحبه. وقبل حوالي سنة تنادى أصدقاء بهاء إلى إنشاء وقفية تسمى باسمه تعتني بالدارسين العرب ضمن نشاطات أخرى، وأرجو الآن وفاء لذكراه أن تدعم هذه الوقفية للتذكير بجهود صحفي عربي صدع لأربعة عقود بالحق والعدل والوفاء لكل القيم النبيلة.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن جهود ذلك الراحل النبيل ينبغي أن يعاد تسليط الضوء عليها، فهما أعمق لدوره وتكريسا للقيم المهنية التي أرساها بعمله الصحفي وفي هذا الإطار أستطيع أن أتوقف عند مرحلة اقتربت فيها كثيرا من أحمد بهاء الدين، فعندما تقرر أن أقوم برئاسة تحرير مجلة "العربي" بعد فترة رئاسته لها، وذلك في صيف 1982، قضيت معه عدة جلسات في منزله في الكويت والتي مازلت أذكرها لأن بها من الأستاذية والتفهم الحضاري ما يحتاج إليه كل إنسان، لقد شرح لي في عدد من الأيام طريقة العمل، ومستوى العاملين الفني من وجهة نظره وطموحاته التي لم يستطع تحقيقها حتى ذلك الوقت وكان من بينها إصدار مجلة متخصصة للصغار العرب، أمل الأمة ومستقبلها، وكذلك كتاب خاص من مجلة "العربي" تحت عنوان "كتاب العربي"، لأن ما تحتويه المجلة من مقالات قيمة يجب ألا يذهب سدى ويبقى متفرقا في أعداد متناثرة، وهكذا كان. فقد تم بعد فترة إصدار مجلة متخصصة للفتيان والفتيات العرب هي "العربي الصغير"، وكذلك كتاب فصلي مما ينشر في مجلة "العربي" لكاتب واحد أو مجموعة مؤلفين، وقد وجدت هاتان المطبوعتان صدى طيبا لدى القراء، لقد كانت تلك أفكاره، وكان دورنا اللاحق في "العربي" إخراجها إلى الوجود بالشكل الذي ارتأيناه، واستمرت مجلة "العربي الصغير" و "كتاب العربي" حتى الاعتداء العراقي، ولحسن الحظ أنه عندما توقفا قسرا -بعد الاحتلال لصعوبات عديدة- لم يكن بهاء بقادر على المتابعة حتى لا يزداد حزنه حزنا.

لقد كانت السوية الشخصية لأحمد بهاء الدين هي المنبع لاعتداله الفكري، ومن ثم قدرته على إقناع شريحة هائلة من القراء، مختلفي الأهواء والمشارب والتوجهات الأيديولوجية. فالسوية النفسية تتحول عند الكتابة إلى حالة من توخي العدل والصبر من أجل ارتياد مناطق أعمق وأكثر حقيقية في الموضوع الذي يعالجه. وإذا أضفنا هذا المردود المهني الذي تعكسه السوية الشخصية إلى التصرف على نحو أخلاقي كما في موقف التسليم والتسلم الذي عرضت له حين جئت رئيسا لتحرير العربي بعد الأستاذ أحمد بهاء الدين، لكان واضحا مدى الخير الذي ينشره نموذج أحمد بهاء الدين في حقل الثقافة والفكر، وهو دور نادرا ما تمنحنا الأيام مثله، لهذا ينبغي أن نركز عليه كثيرا. ففي مثل الحالة السابقة عادة ما يكون صدر الذاهبين مليئا بأحاسيس المرارة تجاه القادمين لشغل أماكنهم، من ثم يندر أن يكون الهدف الأسمى فوق كل الاعتبارات. لكن النفس الطيبة والروح الصحيحة السوية لأحمد بهاء الدين جعلته يتعامل مع الأمر بنقاء نادر، وبساطة صافية، ولا بد أنه كان يتعامل مع المهمة كأمانة، لهذا أسلمها لمن يخلفه بأمانة، بل بمنتهى الأمانة.

إن الإنسان لا يتجزأ، وقد كان أحمد بهاء الدين من بين هؤلاء النفر النادر من البشر، الذين ينطبق عليهم ذلك القول، لهذا كان مقنعا، وحكما مرتضى فيما يشجر للناس من أمور يلتمسون فيها كلمة مضيئة. ولكم افتقد الجميع أحمد بهاء الدين حين وقعت الواقعة وغزا صدام حسين الكويت. لقد انبرى كثيرون للتحليل والفتوى والشجب والتأييد والتهكم والغضب، لكن صوت أحمد بهاء الدين الغائب كان فجوة لم يستطع أي من الكتاب أن يملأها، فهي لا تملأ إلا بروح العدل، روح السوية التي كان يتحلى بها وتتحلى بها كتابته. بعد آخر تجلت فيه سوية أحمد بهاء الدين الكاتب، فقد تميز بقدرة خاصة على استشفاف المستقبل، دون ادعاء ودون صعوبة.

ومن يقرأ بعض افتتاحياته لمجلة العربي حين كان رئيسا لتحريرها يدرك بوضوح كيف كانت رؤية ذلك الرجل الهادئة ثاقبة. فكأنه كان يطرح أسئلة المستقبل على ضمير الحاضر. ففي مقالة بعنوان "العرب والثمانينيات" توشك أن تكون كلماته موجهة نحو التسعينيات، فإشكالية العالم بين السياسة والأخلاق تكاد تكون في أوضح صورها الآن، وقد كان يراها مبكرا ومبكرا جدا، كذلك موضوع ضرورة مراجعة التاريخ كما جاء في مقاله حول إعادة كتابة التاريخ. أما موضوعه عن المفكرين "عقل جبار وضمير قلق" فهو يكاد يكون تلخيصا رؤيويا لمأزق الفكر الإنساني على مشارف القرن الحادي والعشرين حيث يعلو الأداء المعرفي وتهبط الأخلاق الإنسانية.

لقد كانت السوية هي الأساس الراسخ الذي قام عليه ذلك البناء النادر للكاتب والمفكر والصحفي الأستاذ أحمد بهاء الدين الذي فارقنا بجسده ومكث بيننا بإنجازاته ومساهماته وسيرته العطرة.

رحمك الله أبا زياد، وألهم محبيك وتلاميذك الصبر ومتابعة طريقك الصعب في الاعتدال والوسطية والاستقلال بالرأي والدفاع عن القيمة الحضارية التي يستحقها شعبنا العربي في أي بقعة من الأرض كان.

كلمات لا تموت
أول مقال في العربي

ونحن كشعب عربي لسنا شعبا معصوما أو خاليا من العيوب. ولست أريد أن أزعج القارئ العزيز بأن أنقل له مثلا عن "ابن خلدون" أعظم فلاسفة التاريخ العربي، وأحد مؤسسي علم التاريخ والاجتماع في العالم، ما قاله عن العرب والحضارة من نقد لاذع مرير. فلعل السبب أنه كتبه والإمبراطورية الإسلامية العربية في مرحلة تفكك، ولكن يكفي أن أقول إن هذا الموقف الناقد الفاحص لصفات القوة والضعف معا في المجتمع، هو الموقف الوحيد الجدير بأمانة القلم ومسئولية الفكر في كل مكان وزمان وهو الجدير بالأمم الحية حقا على أي حال. وما أصح قولة الكاتب الفرنسي "شاتوبريان" من أن "الجهل هو أغلى ترف تنغمس فيه الشعوب.. لأنه ينتهي بها إلى الكارثة".

يناير 1976

السلطة والإعلام

ويقترن بعنصر السرعة والسبق، الذي هو جزء من عملية الإعلام، عنصر البحث عن الغرابة، والمفارقة.

فالمنافسة بين وسائل الإعلام شديدة. وكلما كبر حجم مؤسساتها زادت نفقاتها الهائلة، واحتاجت إلى مزيد من التوزيع. وهنا نجد قاعدة أن "الجنس والجريمة والعنف والمفارقة" هي دستور وسائل الإعلام الكبرى، التي تسمى "جماهيرية".

كل صحفي يريد أن يجد المرأة ذات الثدي الواحد. فهذا هو الخبر. وهذا هو السبق. حتى ولو كان هذا على حساب الحقيقة! ويأتي بعد ذلك أهم سبب جعل وسائل الإعلام مصدرا من مصادر "سوء التفاهم" بين الشعوب وليس العكس، وهو: وقوع الإعلام في يد السلطة. والسلطة هنا قد تكون سلطة الحكم أي الدولة، وقد تكون سلطة المال، وقد تكون سلطة "النخبة" بأي شكل من الأشكال.

وبالنسبة لحالات تأثر الإعلام بسلطة الحكم والدولة، فإنها معروفة وواضحة. وغير محتاجة إلى شرح. فالسلطة بوجه عام وفي كل النظم أدركت الخطورة الكبرى للدور الذي يلعبه الإعلام في تشكيل الرأي العام. والرأي العام هو السيد في بعض الحالات. ولكنه حتى في أضعف حالاته فإنه يظل عنصرا مهما لم يعد ممكنا لأي حاكم أن يتجاهله، فهو حتى في أضعف حالاته، تنطبق عليه كلمة "إن ضغط الرأي العام مثل ضغط الهواء: تحسه ولا تراه".

وفي الحالات التي لا تبدو فيها يد السلطة واضحة، أو مباشرة، على الإعلام، نجد أنها تستعين بوسائل أخرى: إما القلة أصحاب المال، وإما النخبة أصحاب الخبرة.

يوليو 1989
فاطمة حسين

حزام من اللغة

وإنني لأسمح لنفسي أن أروي، أنني منذ سنوات، وقبل قيام هذه الصراعات بأشكالها الحالية، حين كان السودان على وشك الانقسام في الحرب في الجنوب، في تلك السنوات، قلت لبعض زعماء وحكام الدول العربية، الذين لديهم الإمكانات الهائلة: إن هناك خدمة بسيطة جدا، ولكن أثرها الاستراتيجي بالنسبة للأمة العربية، والأمن العربي، لا يقدر بثمن، وهو الاتفاق، والنضال، من أجل نشر اللغة العربية، على طول الحزام الإسلامي في إفريقيا، وحيث لا توجد لغات محلية متكاملة.

السنغال، مالي.. وسط إفريقيا.. تشاد.. غينيا.. شمالي غانا ونيجيريا.. جنوبي السودان المسيحي.. الصومال بفروعه المبعثرة. هذا الحزام، كان من حظي أن أذهب إلى بعض مناطقه، في أول أيام استقلال تلك المناطق، وانهدام الحاجز الذي كان يمنعنا منعا من الذهاب إليه، ورأيت لهفة الناس إلى اللغة العربية، لغة كتابهم المقدس، لغة عباداتهم وصلواتهم، وأحيانا لغة جيرانهم الأقدمين وشركائهم في التجارة عبر طرق القوافل التي شقها العرب قديما. هذه اللغة أقرب إليهم، وأسهل لهم. ولم تفرض يوما بالقوة عليهم. إنها ليست الإنجليزية ولا الفرنسية ولا الإيطالية ولا الألمانية مما تعاقب عليهم. وقد حاولت بعض الدول العربية محاولات محدودة في هذا المجال. ولكن وجه الخطأ كان في أنها ركزت على تدريس اللغة فقط. أو تدريس الدين فقط.

ولكن من زار هذه البلاد - ميدانيا - يجد أن هذه الشعوب على درجة من التخلف تجعل الناس فيها محتاجين أشد الحاجة إلى ما يغير حياتهم. ومن هذه الزاوية دخلت إسرائيل في تلك الأيام بسهولة ويسر: كانت تعلم الناس حرفا يدوية تلائم البيئة. أو طرقا حديثة مبسطة لزراعة الأرض البالغة الخصوبة. فيتغير مستوى الفرد ودخله ووضعه. بينما من تعلم اللغة فقط وترك كما هو في الغابة لم يستفد شيئا. ثم إنها. على أية حال، كانت مجهودات قليلة وتجريبية تقريبا.

ومن هنا، فيما أذكر، نشأت فكرة تطوير الأزهر في مصر. ليخرج منها رجل الدين واللغة والعلم معا: الطب مثلا ليعالج أو الهندسة الزراعية ليعلم، إلى جانب تلبية حاجات الناس الروحية المعنوية المتعطشين إليها تعطشا شديدا. ولكن الأمر في تطوير الأزهر خرج عن فكرته الأولى، وتحول إلى جامعة أخرى بين الجامعات العديدة.

ولكن الآن. وقد توفر للعرب المال الهائل. وقد افتتحت إفريقيا وآسيا أمامهم وأقبلت عليهم، فلا يعود لنا عذر في هذا المجال. وإن المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة تبحث حقا في هذا وتتلمس وضع استراتيجية لها. ولكن بملاليم؟ إن نصف الملايين التي تنفق في شراء السلع حتى الأسلحة القديمة. لا تحقق الفوائد الاستراتيجية التي يحققها استخدام سلاح اللغة العربية في آسيا وإفريقيا إلى أقصى مداه. لا يكفي أن نستصدر قرارات من الأمم المتحدة ومنظماتها باعتماد اللغة العربية لغة رسمية من اللغات العالمية. المهم أن نجعل هذا واقعا أقوى، وأقوى، كل يوم..

أبريل 1978

المال العربي والعمل العربي

إن لدينا مثلا شعبيا يقول "يأكلونهم لحما، ويرمونهم عظما". وهذا هو الوصف الشامل الكامل للموجة الأوربية ضد العمالة الأجنبية. وبالذات العمالة العربية. وفي تقديري أن المال العربي المستثمر في أوربا، من واجباته حماية العمل العربي في أوربا، حتى يجد طريقه عائدا إلى بلاده العربية، حين تفلح الدول العربية في استثمار مواردها وأموالها بشكل يستوعب كل العمالة العربية والخبرة العربية.

إن المال العربي في الخارج، يجري استثماره في بلاد بعيدة غير بلاده. والعمل العربي أيضا في الخارج، يجري استثماره في بلاد بعيدة غير بلاده. أليست هذه مفارقة من أعجب المفارقات في الدنيا؟

العنصران الأساسيان للنهضة والإنتاج والقوة، في الخارج. فماذا ينقصنا يا ترى؟
أليس هو العقل؟

أبريل 1981

تحديات المثقف العربي

المهم أن المثقف في العالم العربي شب عن الطوق، واستطاع في حالات كثيرة التأثير في التفكير العام في بلاده ولكنه خرج لكي يواجه عددا هائلا من الضغوط لا حصر له، القديم منها والجديد..

شيوع الاستبداد السياسي والإرهاب الفكري في كثير من المراحل في كثير من البلاد العربية في تاريخها الحديث، انتشار الأمية انتشارا مخيفا، وما زال قائما، الذي يجعل دور العالم والمفكر بوجه عام مقتصرا على التأثير أو مجرد الوصول إلى عدد قليل من الشعب، الذي يفكر له.

ديماجوجية بعض الزعامات التي تستخدم سحرها لدى الجماهير، في إسكات الصوت المختلف وإرهابه فكريا، بضغط الأغلبية المنساقة لها السلطة الرسمية.

طغيان وسائل الإعلام ذات الانتشار الساحق، من صحافة وإذاعة وتلفزيون، وهي وسائل تحتاج إلى استهلاك واسع من جهة، وإلى تلبية رغبات نسبة كبيرة من غير المتعلمين من جهة أخرى. صار ضجيجها الترفيهي يغطي تماما على صوت العقل المفكر في القضايا الأساسية لأي بلد، وهي محنة يعاني منها مفكرو العالم جميعا.

عدم وجود المؤسسات التي تنطوي على طابع البحث والتفكير والدراسة في شتى الفروع، والتي قد يجد المثقف والباحث فيها ملاذا وملجأ ومجالا يفيد فيه.

الشك القديم الذي يميز العلاقة بين السلطة وبين المثقفين بهذا المعنى.

ديسمبر 1976

  • أحمد بهاء الدين يتسرب اهتمامك به شخصيا بذات الأسلوب الذي يتسرب به إليك قلمه. ذلك القلم المتخم بألوان من الفكر، بسيطة إلى حد السذاجة، وعميقة إلى حد التعقيد.

فاطمة حسين

كأنه كان يتنبأ

الآن ماذا نرى؟..
جبهة إسرائيل اتسعت، واستشرت، وتفاقم خطرها..
"ثم هناك جبهة الخليج".. وقد بدأت السفن الحربية الأجنبية تسبح فيها من حين لآخر، ولا يمر يوم دون مئات المقالات في صحف العالم عن المخاطر المحتملة فيها..

ثم جبهة "باب المندب" والبحر الأحمر بوجه عام، فالدول الكبرى تسعى إلى إقامة قواعد عسكرية على مقربة من مدخل البحر الأحمر الجنوبي.. وإسرائيل ذاتها تجرب بعض قطعها البحرية، وتحصل على طائرات تصل إلى هناك، وصار على من يفكر في الأمن العربي أن يكرس اهتماما كبيرا بأمن البحر الأحمر.

"ثم جبهة إفريقيا"، في المشاكل التي تتعرض لها حدود السودان، المطلة على تسع دول إفريقية، ومحاولات تقسيمه وتمزيقه، فالجبهات المعرضة زادت. وتعددت. والتحرشات توالت. أو في القليل إرهاصات هنا وهناك تشير إلى أن مداخل العالم العربي ومفاتيحه الجغرافية، صارت محل اهتمام واضعي الاستراتيجيات الأجنبية، الأمر الذي يفرض على واضعي الاستراتيجيات العربية أن يضعوا هذه الأمور الأضخم، والأوسع، في حساباتهم الجديدة، بما يلقيه هذا عليهم من أعباء بشرية ومالية ضخمة.

وحين نتأمل هذه الجبهات التي انفتحت علينا، وقد ينفتح غيرها غدا، نجد أن الأمة العربية باتت في أشد الحاجة إلى نظرية أمن جديدة، وإلى استراتيجية موحدة شاملة للأمن القومي العربي كله.

أبريل 1977

دعوة لكتابة التاريخ

هذه الدعوة كما قصدتها، دعوة إلى الانفتاح على الحقيقة، وليست دعوة إلى الانغلاق دونها، كما توحي كتابات بعض المطالبين بإعادة كتابة التاريخ. فالتاريخ الإسلامي، قد كتب جانب كبير منه في ظل ظروف من تحكم السلطة، وفي عصور مظلمة فكريا وثقافيا، واجتماعيا، وبالتالي فلا بد من إعادة النظر في كل هذا. والبعض ينظر إلى التاريخ الإسلامي نظرة يخلط فيها بين التاريخ الذي صنعه البشر، وبين الإسلام ذاته، فاسبغوا على البشر عصمة الدين. وبالتالي جعلوا التاريخ وكأنه كتلة مقدسة تتساوى في قيمتها. وكأن الخليفة عمر في مكة في مقام الخليفة العثماني في اسطنبول! ثم إن أمهات الكتب التاريخية الإسلامية ذات القيمة، صارت بعيدة عن متناول القارئ، وصعبة على فهم حتى المتعلم، الأمر الذي يبرز الحاجة إلى طرحها على الناس بإعادة نشرها، مع حسن الانتقاء، وتبسيط بعضها، لتصل لجمهور أكبر. ثم إن هذه الدعوة تنطلق مما نراه من إدخال أشياء على حياة المسلمين ليست من الإسلام وأخطرها المذاهب المتعددة التي تنتمي إلى أحداث خاضها البشر وصنعها البشر ومزقت المسلمين تمزيقا. وأخذها الناس عبر آلاف السنين على أنها الدين وهي اجتهادات على أحسن الأحوال. فالنبي الكريم ترك إسلاما واحدا ومذهبا واحدا، ولم يترك عشرين مذهبا تفرق المسلمين حتى اليوم. ولكن لن يكون هذا إلا بإعادة طرح التاريخ. وإعادة تحليل أحداثه. وفرز الغث من السمين فيه. فتبقى للقداسة حرمتها. ويبقى ما هو من صنع البشر للبشر. فهي في الواقع دعوة عكسية، وإن اشتركت في اللفظ فحسب. هنا.. نريد أن نتخطى كتابات السلطة عبر القرون ولا أن نستدعيها. نريد النزاهة لا التعصب. نريد النور لا الظلام.

مارس 1981

الفن والكذب

وأنا أقول للقارئ: إن الفن العظيم لا بد أن يكون في أسلوبه الفني الكذب. وفي هدفه الصدق، أو هو الذي يصل فيه الكذب الفني إلى مستوى الصدق. ونأخذ مثلا مبسطا من المقارنة في رسم صورة شخص ما بالكاميرا أو بالريشة. إن الكاميرا صادقة في أسلوبها. إنها تنقل الوجه كما هو تماما. وهذا صدق تسجيلي ولو سجل مؤلف رواية بنفس الأسلوب وهو نقل الحقيقة كما هي دون تصرف، فإنه يقدم لنا ريبورتاجا صحفيا، ولا يقدم لنا رواية فيها خلق فني. فلو جاء عشرة مصوري كاميرا والتقطوا عشر صور لنفس الوجه لما وجدنا بينها فرقا. أما لو جئنا بعشرة رسامين يرسمون هذا الوجه، فسوف نجد أن كل رسام قد خرج بنتيجة مختلفة، هنا يدخل كذب الفن وصدقه. فالرسام الفنان لن ينقل ملامح الوجه حرفيا وإلا لأغنتنا عنه الكاميرا، ولكن الرسام سوف يحاول النفاذ إلى كنه هذا الوجه - من وجهة نظره - سوف يلتقط تعبيرا معينا يبرزه مصورا لنا الوجه وما وراء هذا الوجه. فهو هنا "يؤلف" ولكنه يؤلف بهدف الوصول إلى الجانب الصادق في هذا الوجه. كذلك الحال في رسم شخصيات رواية ما، ثم في نسج وقائعها. الفن العظيم يقدم لنا شخصية تشعر بأنها فرد حقيقي حي، كما نشعر في نفس الوقت بأنها "نموذج بشري" ملامحه نجدها في آلاف الناس. وفي العادة تكون ملامح الشخصية مركبة من عشر أو عشرات من الشخصيات في الواقع الذي يختار عشرات الخيوط لينسج منها وجها واحدا.

أكتوبر 1981

تحية ووداعا

وقد كانت لدينا مخاوف من هذه التغييرات والإضافات، برغم إدخالها بتدرج غير مفاجئ وغير محسوس. ولكن ظهر أن العكس صحيح. وأن القارئ العربي لم يعد - كما يتصور البعض - قارئا تقليديا. ولكنه قارئ استيقظت فيه روح المعرفة وحب الاستطلاع والحاجة إلى فهم هذا العالم الجديد، وأنه يقرأ الأعمق والأرفع إذا قدم له في شكل جذاب، يحترم عقله، كسبيل وحيد للقدرة على مواجهته. والقول الكريم "من تعلم لغة قوم أمن شرهم" لا يقتصر مدلوله على "اللغة" بمعناها الحرفي، إنما يشمل كل شيء: الثقافة والحضارة والعلم والعوامل البشرية والمادية والروحية جميعا.. وهكذا.. يطبع ويباع من هذا العدد الذي بين يديك 265.000 ألف نسخة! والطلبات الموجودة، التي لا نقدر على تلبيتها بسرعة، تزيد على هذا الرقم لتصل إلى ثلاثمائة ألف. وليس معنى ذلك أنني حققت وزملائي، وكتابنا الكبار من أنحاء العالم العربي - كل ما نريده. فقد كنت أتمنى لو خرجت "العربي الصغير" مثلا.. في ثوب مجلة شهرية مستقلة رائدة. وكنت أتمنى لو خرج "كتاب العربي" شهريا.. جامعا أهم ما شارك به كل كاتب في "العربي" على صفحات المجلة.. كطريقة سهلة للاقتناء. إلى آخره. ولكن لا أظن أن أي إنسان مخلص مع ضميره، يترك عملا تولاه فترة، وهو راض كل الرضا عما حققه. وقد كان "لا بد من صنعاء وإن طال السفر". وكان لا بد من عودتي إلى مكاني في "الأهرام" في القاهرة، وإن كان هذا - بكرم من المشرفين على العربي - لن يقطع صلتي بها، بالكتابة إلى القراء الأعزاء على صفحاتها. تلك الصلة التي هي بالنسبة للكاتب أغلى ما لديه، وأهم ما يحرص عليه، مهما كان المكان، أو الزمان.

يوليو 1982
أحمد بهاء الدين.

قالوا عن بهاء الدين

  • منذ أن سكت صوت بهاء الدين صوتا وقلما ولا أكاد أتذكر يوما توقفت فيه عن التفكير في أمره، وكيف السبيل مرة أخرى إلى التواصل معه عقلا وفكرا، صحبة ورفقة.

محمد حسنين هيكل

  • تمتد مقالات الأستاذ بهاء الدين نحو أربعة عقود متصلة. وقد جاءت معبرة عن تطور الفكر العربي في مجالاته المختلفة. إذ تكاد لا توجد قضية مهمة إلا وعالجها، وتعكس جهودا كبيرة من أجل العدل والتقدم.

جميل مطر

  • واحد من حملة مشاعل التقدم، ومن تقليد فكري ينتمي إليه طه حسين وتوفيق الحكيم. يحفظ لنفسه الحق في أن يرى الصدق ويتبناه حيث يجده وأن يوجه النقد لمن يستحقه.

أكرم الميداني

  • عروبته بشكل خاص هي التي ميزته عن غيره من أبناء جيله. وكان شديد التحسس من كل مزاج مصري - شعبي أو حكومي - انعزالي عن العرب.

منح الصلح

  • عندما قابلته أول مرة دهشت لأنني كنت أحسب أن ما أقرأه لبهاء من مقالات لشخص أكبر سنا من الذي التقيت به، فكانت كتاباته أكبر بكثير من عمره. ولعله تحمل ما لا يطيق فأخذ يشكو المرض في سن مبكرة.

نجيب محفوظ

  • أحمد بهاء الدين يتسرب اهتمامك به شخصيا بذات الأسلوب الذي يتسرب به إليك قلمه. ذلك القلم المتخم بألوان من الفكر، بسيطة إلى حد السذاجة، وعميقة إلى حد التعقيد.

فاطمة حسين

 

محمد الرميحي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




أحمد بهاء الدين





أحمد بهاء الدين والكاتب مصطفى نبيل رئيس تحرير مجلة الهلال القاهرية





بهاء في حديث مع محمد مساعد الصالح الكاتب الكويتي المعروف