عزيزي القارئ

 عزيزي القارئ

الحرية والعمران

تعيش الكويت , بيت مجلة (العربي), حركة عمرانية ضخمة هذه الأيام, ففي أكثر من بقعة فيها تزال المنازل الصغيرة القديمة لتحل بدلا منها أبراج فارهة, ويتم تجديد مرافق البنية الأساسية, وتشتعل الأسواق الحديثة بحركة التجارة, وتكسو طرقاتها طبقة لامعة من الإسفلت الجديد. تتواصل حركة العمران هذه حتى تحت شمس أغسطس الحارقة, وهو الشهر نفسه, الذي كان يحمل للكويتيين أشد الذكريات مرارة وحزنا, فمنذ 15 عاما وقعت الكويت فريسة لاحتلال النظام العراقي البائد, وشهدت تحت ظله ـ الذي دام سبعة أشهر ـ أسوأ صور التخريب والدمار في تاريخها, ولكنها اليوم تعيش أزهى تجربة العمران, وهذا هو الفرق بين أغلال العبودية ونسائم الحرية, فالغزو ـ كعمل استثنائي وشرير ـ ضد حركة العمران والتقدم, أما الحرية فهي الوقود الدائم الذي تتغذى منه روح الشعوب, لتصبح قادرة على العطاء, لقد تبدلت الصورة, وأصبح الشعب العراقي الشقيق هو الذي يعاني محنة طاحنة - ندعو الله أن يخرج منها سالمًا - وأن تتكاتف كل الأطياف المتصارعة على أرضه, كل من فيه من سنة وشيعة وغيرهم, حتى يحل السلام بينهم ليتمكنوا من الظفر بحريتهم, والاعتماد على الذات من أجل إعادة الإعمار.

وفي هذا العدد تفتح (العربي) ذراعيها مرحبة بعودة كاتبها الكبير د.جابر عصفور بعد أن غاب عن صفحاتها لشهرين, بسبب الوعكة الصحية التي ألمت به, ونحن نيابة عن قراء (العربي) ندعو له بدوام الصحة والعافية, وأن يحفظه الله من تجربة هذه المحنة مرة أخرى, وهي تفرد له صفحات إضافية لمقال مهم يقدم فيه تجربة ودرسا في تأليف واحد من أهم كتبه, وكيف تطور من مجرد فكرة جنينية إلى عمل أدبي متكامل.

والقضايا المثارة كثيرة أيضا في هذا العدد, ولعل أهمها هي تلك القضية المثارة ـ والتي سوف تظل كذلك لأمد طويل ـ وهي إصلاح النظام العربي, القضية التي خصها رئيس التحرير بمعظم مقالاته الأخيرة, حتى يقدم رؤية متكاملة تليق بأهميتها, وفي هذا المقال يلاحظ منتقدا أنه في وسط ذلك اللغط العالي والمتواصل عن الإصلاح, يبدو صوت الثقافة خافتًا وضائعًا, بالرغم من أن معظم من يقومون بهذا اللغط هم المثقفون, وهو يرى في هذا الأمر إساءة بالغة لتقدير موقع الثقافة في النهوض البشري.

والحديث عن بقية محتويات هذا العدد يطول, فهو حافل بالقضايا والموضوعات, فهناك ملف فكري دسم تقدمه (العربي) بمناسبة الذكرى الستمائة على رحيل العلامة ابن خلدون, أول من تحدث عن أهمية العمران البشري, وهناك رحلة متفردة تقوم بها (العربي) إلى أكثر المواقع تضررا من إعصار تسونامي, وما أحدثه جبروت المياه من دمار ومآسٍ إنسانية, ولا ننسى أيضا أنه قد أصبح لـ(العربي) شقيق أصغر هو الملحق العلمي, الذي يحفل بباقة منوعة وجديدة من أحدث الموضوعات العلمية, التي تهم مستقبلنا جميعا, كل هذا يجعل من عدد أغسطس واحدًا من أعداد (العربي) المتميزة.

 

المحرر