المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

الكويت

مهرجان الكويت المسرحي رفع الستار عن الرقابة والإبداع

تثير المهرجانات والاحتفالات الفنية والثقافية التي تشهدها بلادنا العربية أسئلة أكثر مما تطرح إجابات, ندوات فكرية, تجتر فيها أفكار قديمة أو منقولة أو مبهمة عصية على التصريح, وتقام عروض فنية, مسرح أو سينما او فنون تشكيلية, من باب الدعاية الإعلامية, ذلك لأنها غالبا بعيدة عن ارض الواقع وغالبا لا يشعر بها المواطن العادي الذي كثيرًا ما يتندر على مثل هذه المحافل بأنها كلام مثقفين... ويبدو أن المثقفين أنفسهم يعرفون أنهم أضحوا مجرد حلية أو واجهة, فتعالى خطابهم عن المجتمع وضل صوتهم في البرية. ولم تعد حواراتهم تهم الناس من قريب أو من بعيد, وهي خواطر أثارها مهرجان الكويت المسرحي الثامن.

فى الافتتاح تم تكريم كوكبة من كبار الفنانين الكويتين والعرب من بينهم الفنانة سعاد عبدالله سفيرة اليونيسيف للنوايا الحسنة فى دولة الكويت, والكاتب د.حسن يعقوب العلي عميد المعهد العالي للفنون المسرحية الأسبق, والفنان أحمد الصالح أحد أبرز أعمدة فرقة المسرح الشعبي, والفنان سعد الفرج رائد من رواد فرقة المسرح العربي. والفنان عبدالله غلوم أحد أبرز أعضاء فرقة المسرح الكويتي. والمخرج احمد عبدالحليم الذى عمل لمدة ربع قرن أستاذا بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت.

نظمت ضمن أنشطة المهرجان ندوة فكرية حول (الرقابة والإبداع) دارت على مدى يومين, تَحاور فيهما الكتّاب والنقاد والأكاديميون من حضور المهرجان. وأدارت محور اليوم الأول الناقدة د.نهاد صليحة وقدم د.إبراهيم عبد الله غلوم الأستاذ بجامعة البحرين بحثا عنوانه (الآثار السلبية والإيجابية للرقابة على الإبداع) طرح فيها رأيه حول الرقابة فى المسرح الخليجي, يقول: (الفصام أحد تجليات ظاهرة الرقابة, نراه على مستوى النقص الفادح فى تمكين الدولة للمسرح وللثقافة فى الوقت الذي تدعي فيه احتضانها للمسرح ودعمها له وللثقافة... هذه المزاوجة بين المنع والكبح والعقاب وبين التشجيع والدعم والاستعراض الإعلامي, واحد من أخطر تجليات الرقابة على المسرح).

وحملت الورقة البحثية للدكتور سيد علي إسماعيل الأستاذ بجامعة الإمارات عنوان (تاريخ الرقابة وتطورها فى مصر) استعرض فيها تاريخ الرقابة فى مصر منذ عامي 1868ـ 1869 عندما أتم الخديو إسماعيل إنشاء وافتتاح المسرح الكوميدي الفرنسي ودار الأوبرا فى القاهرة, حين عين أول رقيب مسرحي فرنسي هو (باولينو درانيت باشا) مدير التياترات.

وجاءت ورقة الكاتب السوري هيثم الخواجة صاحب نصوص المسرح المدرسي ومسرح الطفل المهمة في المكتبة العربية, بعنوان (تجربتي والرقيب) فى صورة شهادة على تجربة كاتب مع الرقابة. وفى اليوم الثاني للندوة قدم الكاتب الكويتي نبيل الفضل بحثاً حمل عنوان (الرقابة في العالم العربي) مستعرضا وسائل الاتصال العالمية التي تحيط بنا مثل الإنترنت والفضائيات والهواتف النقالة وأنظمة الرسائل القصيرة قائلاً: (رقابة اليوم ربما لم تعد رقابة استيراد ولكنها قطعاً رقابة إنتاج وتصدير وفي عالمنا اليوم تستقوي الرقابة السياسية بالرقابة الدينية لتقييد الفكر وتحجيم الإبداع).

وقدم الكاتب السعودي محمد العثيم فى ورقة بحثه شرحًا لنظام العمل فى مجالات النشر والإبداع من خلال وجود نظامين, الأول (السياسة الإعلامية فى المملكة العربية السعودية) والثاني (نظام المطبوعات والنشر).

أما الجانب الفني بالمهرجان وهو العروض المسرحية, فقد تسابقت على جوائز المهرجان 6 مسرحيات قدمتها فرق اتحاد المسارح الأهلية وهو تنظيم يضم الفرق المسرحية العاملة على الساحة الكويتية برعاية المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. جاء عرض الافتتاح (الشجرة المقدسة) خارج المسابقة لحصوله على جائزة مهرجان الخرافي المسرحي وهو ثاني المهرجانات التي يشهدها المسرح الكويتي هذا العام ويفسح في المجال لتجارب الشباب من الهواة وطلاب الجامعات برعاية جاسم الخرافي رئيس مجلس الأمة.

ورغم أن لجنة التحكيم وزعت الجوائز على أغلب العروض ربما من منطلق تشجيع شباب المسرح الذين بذلوا جهداً مخلصاً إلا أن ما تميز من عروض المهرجان كان مسرحية (الهشيم) وحصلت على جوائز أفضل عرض, وأفضل مخرج للموهوب فيصل العميري وأفضل إضاءة لأيمن عبد السلام وممثلة واعدة لحنان المهدي. ويقدم عرض (الهشيم) حالات إنسانية لأشخاص التقوا مصادفة فى مكان ما بعد ان فقدوا السيارة او وسيلة تقلهم من أو إلى مكان آخر. إن الفكرة ليست جديدة فقد عرفها المسرحان العربي والعالمي, لذا فقد برع المؤلف عبدالامير شمخي في اختيار عدد قليل من النماذج الانسانية في موقف درامي محدد هو الوجود في اللازمان واللامكان وترك كل منهم يطرح نفسه ببساطة آسرة كانت سر تألق العرض.

د. سامية حبيب

الشارقة

بينالي الشارقة.. انتماء جيل المهاجرين الثاني

من بين ثلاثة أعمال فازت في بينالي الشارقة السابع نال الفنان الإيطالي ماريو ريتسي جائزة عن عمله (خارج المكان). وانطلاقاً من مفهوم (الانتماء), الذي حمله البينالي في دورته السابعة, وتجلى في أعمال 70 فنانًا من 36 بلدًا, طرح ريتسي أسئلة استوحاها من واقع الحياة المعيشة في أوساط الجيل الثاني من المهاجرين حول العالم ليخرج بحوار عن كيفية اكتساب المواطنة في المكان الآخر.

يقول ريتسي في سياق شرحه لرؤيته حول عمله (خارج المكان) إن الانتماء بالنسبة للذين يعيشون بين ثقافتين يشبه التوازن على أرجوحة السيرك بين العالم, الذي يسمونه الوطن والعالم الآخر, كما يتطلب التفاوض باستمرار على الحدود والهوية, فإما يتوصل إلى نوع من التكيف فينتج الحوار الانفتاح, وإما يحدث التفرقة والانغلاق لدى الناس الطارئين والسكان الأصليين.

وفي لقاء معه, توسع ريتسي في شرح مفهومه, موضحًا أن الفنان غالبًا ما يعيش هذه الحال في ترحاله بين الحدود.

قال: (أسعى إلى الإحساس بالمكان قدر المستطاع من خلال التفاعل مع أهله ومعايشتهم, وإن كنت لا أنتمي إليه بكليتي).

بين عامي 1996و2005, أنتج ريتسي أبرز أعماله متنقلاً بين هولندا وفنلندا وألمانيا وفلسطين وأستراليا والشارقة, في محاولات لاكتشاف الطبائع المختلفة وكسر حواجز الأفكار المقولبة, التي ينتجها الإعلام باستمرار.

وشهد عام 2001 اللقاء بين ريتسي الإيطالي, وجاك برسكيان المقدسي, القيم العام لبينالي الشارقة السابع في القدس الشرقية مطلع الانتفاضة الثانية, حيث خرج الفنان الإيطالي بفكرة تبادل هدايا مفاهيمية بين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين مستخدمًا إياها قاعدة لعمله (الهدية), وشكل ريتسي همزة الوصل بين الجانبين متنقلاً عبر المعابر بجوازه الأوربي بسهولة لينقل 37 هدية من الطرفين.

ومن ضمن (الهدايا), التي حملها ريتسي من الجانب الفلسطيني إلى الآخر اليهودي, (المفتاح), الذي شكّل عبر تاريخ الصراع رمزًا للتهجير, الذي تعرض له الفلسطينيون. ويقول صاحب المفتاح في رسالته إلى اليهودي, إن من يملك المفتاح في عادات العرب هو صاحب البيت, وإنه أعطى نسخة منه كانت لوالدته, في حين احتفظ بالنسخة الثانية التي حملها أبوه.

وأسس لقاء برسكيان وريتسي قبل أربعة أعوام لمشاركة الأخير في بينالي الشارقة, فكانت المحطة الأولى له في دولة الإمارات العربية المتحدة, التي تمثل الغنى الثقافي الإسلامي في العالم العربي.

ويعلق ريتسي على هذه التجربة مثنيًا على الإنجاز, الذي توصلت إليه الشارقة, ودولة الإمارات العربية المتحدة من خلال نجاحها في تشكيل حال فريدة للبيناليات في البلدان الحديثة العهد في مجال تنظيم معارض الفن التشكيلي العالمية, ولاسيما أنها تجذب للمرة الأولى النقاد العالميين لمواجهة مع الفن في البلدان النامية في رحاب ما يسمى بـ(الجنوب اصطلاحًا).

وشدد على أن البينالي لا يستمد نجاحه من شهرة المدينة, التي تنظمه, بل من مدى تمكنه من مقاربة مفاهيم جديدة تستحق النقاش والبحث.

يشار إلى أن ريتسي ولد في مدينة بارليتا في إيطاليا في العام 1962, ويعيش في تورين, بينما يعمل في برلين, وشارك في بينالي سيدني الرابع عشر, الذي نظمه معهد الفنون المعاصرة في سيدني عام 2004, وبينالي تيرانا الثاني بتنظيم من الجاليري الوطني للفنون في ألبانيا عام 2003, وأول بينالي في براغ في السنة عينها.

القاهرة

سر تشيخوف

اعتبرت د.مكارم الغمري, عميدة كلية الألسن, أن أنطون تشيخوف أكثر الأدباء الروس الذين نالوا اهتماما من المبدعين في مصر.

وقد توقفت في بحثها المقدم إلى مؤتمر (تشيخوف.. نبع متجدد) - الذي عقده المجلس الأعلى للثقافة بمناسبة مرور مائة عام على رحيله - أمام أشكال استقبال أعماله الدرامية والقصصية في مصر ومدى تأثر المبدعين بها.

كما أوضحت أن الدراسات النقدية التي تناولت إنتاجه تعد من أهم بواعث انتشاره, وهي تعكس جانبا من الصورة التي تم من خلالها تلقي أعماله في مصر.

في حين أرجع الناقد الدءوب د.ماهر شفيق فريد, أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة, اهتمام العرب بتشيخوف إلى النصف الأول من القرن الماضي حين نقل له محمد السباعي وغيره من المترجمين, مستخدمين لغة وسيطة كالإنجليزية أو الفرنسية, عددا من الأقاصيص, ثم ترجمت بعض رواياته ومسرحياته وقدمت على خشبة المسرح المصري, كما كثرت الدراسات النقدية عنه, مؤلفة ومترجمة. وفي مرحلة لاحقة تكونت في الجامعات المصرية كوادر تجيد اللغة الروسية فشرعت في نقله إلى العربية من لغته الأصلية مباشرة.

وتناول د.فريد صورة تشيخوف, روائيًا وقاصًا وكاتبًا ومسرحيًا, عند خمسة من النقاد العرب هم: نجاتي صدقي, محمد القصاص, رشاد رشدي, أنور المعداوي, وعلي الراعي, مع إشارة سريعة إلى نقاد وأدباء آخرين منهم: محمد مندور, شكري عياد, محمد عناني, عبد العزيز حمودة, فؤاد دوارة, نعيم عطية, وغيرهم.

وتشيخوف الذي قال عن نفسه: (من لا يريد شيئًا, وليست له آمال ولا مخاوف, لا يستطيع أن يصبح كاتبًا عظيمًا), وقال عنه يوسف إدريس: (لقد جاءني تشيخوف, فدعم بواقعيته إدراكي لحقيقة الأشياء), وصفه الناقد السكندري شوقي بدر يوسف في بحثه (البعد الإنساني في قصص تشيخوف) بأنه يمثل مدرسة لها تفردها, وألقها الخاص, وتأثيرها العميق في صياغة واتساق القصة القصيرة. وأوضح أن البعد الإنساني في قصص أنطون تشيخوف يتمثل فيما تقدمه من تجربة ورؤية إنسانية خاصة لشخصيات انتخبها من المجتمع الروسي في مرحلة كانت الحياة العامة فيها تعاني من عدة نواحٍ تحكم هذا المجتمع, إبان حكم القياصرة. كما يكمن هذا البعد أيضا في النظرة المستديمة لهذه الشخصيات للأمور العامة من خلال وجودها في بيئة مهترئة وأجواء ومناخ لا إنساني, لذلك عرج عليها تشيخوف ليجسد من خلالها جوانب من المجتمع الروسي في إبداعه القصصي, آخذًا في الاعتبار تجربته الخاصة واحتكاكه مع العديد من الشخصيات التي وجدت نفسها تتجسد في قصصه وتنتقل إلى الإبداع كرمز لنواحٍ كثيرة في الجوانب الإنسانية.

أما مواطنه القاص والكاتب المسرحي السكندري محمد الجمل الذي عنون بحثه بـ (مسرح تشيخوف ما بين الرقة والدهاء) فقد رأى أنه كان أرق كتّاب المسرح في عصره, وأشدهم دهاء وبعدًا عن العاطفة والتحيز. ويضيف: كان تشيخوف يجمع بين رقة المزاج وصلابة العقل والدهاء الدرامي, مما جعل مؤلفاته مزيجا غير عادي من الأخلاق والواقع, الثورة والقبول, الاستهزاء والعطف, ويستثير حمية فريدة في أحلك ساعات اليأس, وليس ثمة من هو أشد منه دفئًا وسخاء.

ويتصدى الشاعر د.حسن طلب في بحثه (تشيخوف ونقد القيم الثقافية السائدة) لفكرة محورية هي البحث عن الجذور والغوص إلى ما تحت السطح الظاهر من أجل اقتناص الحقيقة, وهو الهاجس الذي يؤرق تشيخوف في سائر أعماله, مسرحية كانت أم قصصية. مشيرًا إلى أن هذه الفكرة المحورية هي التي أضفت على أعماله لمحة فلسفية, جعلت عالمه المسرحي والقصصي نابضا بالحياة, وتبدو شخصياته مستغرقة في تفاصيلها اليومية التافهة. وربما كان السر في عظمة تشيخوف يعود بالدرجة الأولى إلى قدرته على استنطاق تلك الشخصيات المهمومة بمشاغلها الصغيرة, لكي توضح لنا من خلال نسيج الأحداث الدلالة العميقة للحياة الإنسانية, والمغزى الفلسفي للوجود البشري, والقيمة الحقيقية للعلاقات بين الناس.

مصطفى عبد الله

بيروت

اليوبيل الفضي لمدرسة الترجمة

رافقت الترجمة حالة الازدهار الاجتماعي والثقافي التي عاشها العصران الأموي والعباسي, ولم تغب عن عصر النهضة. فقد أورد الجاحظ في مقدمة كتابه (الحيوان), أفكارًا هي نواة نظريات ترجمية تتعلق (بشرائط الترجمان). وذكر سليمان البستاني في مقدمة ترجمة إلياذة هوميروس (حكاية المعرّب). أما في العصر الحديث, لاسيما في الثمانينيات من القرن الماضي, فقد فُصلت مادة الترجمة عن سائر المواد, وظهرت تخصصًا قائمًا بحدّ ذاته. فأنشأت جامعة القديس يوسف في بيروت سنة 1980 أولى مدارس الترجمة بمعناها الأكاديمي الجامعي في لبنان, وهي مدرسة الترجمة التي عملت على تخريج دفعات من المترجمين يعملون باللغات الثلاث: العربية والفرنسية والإنجليزية.

وقد احتفلت هذه المدرسة أخيرًا, بيوبيلها الفضي, أي بمناسبة مرور ربع قرن على تأسيسها. وقد حضر هذا الحفل, بالإضافة إلى المثقفين اللبنانيين المعنيين بقضية الترجمة, نخبة من الباحثين والأكاديميين الأجانب, الذين تربطهم بمدرسة الترجمة المذكورة صلات أكاديمية, بالإضافة إلى أن المدرسة التحقت قبل سنتين بنظام الوحدات, الذي تنصّ عليه اتفاقية بولونيا, التي أقرّها الاتحاد الأوربي. وبموجب هذا النظام, يمكن لطالب هذه المدرسة, أن ينتقل إلى كلية ترجمة أوربية أخرى, ويتعين على هذه الكلية عندئذ, أن تعترف بالمواد التي أنهاها في كلية ترجمة داخلة في نظام الوحدات المشار إليه.

ويبدو أن دراسة الترجمة الحديثة اليوم, تتحول إلى علم وتخصص دقيق ومستقل, بعد أن كانت الترجمة في الماضي عبارة عن مبادرات فردية, كثيرًا ما جرى الحديث عن عيوب ونواقص تشوبها. أما الدراسة في مدرسة الترجمة التي جرى الاحتفال بيوبيلها الفضي في بيروت, فتستلزم خمس سنوات, في نهايتها يحصل الطالب علي إجازة جامعية تؤهله, إما لمتابعة دراسات عليا في الترجمة, وإما لمزاولة الترجمة التحريرية أو الفورية. تبلغ ساعات التدريس اليومي في المدرسة, بين ست وثماني ساعات, أما المواد الأساسية فيها, فهي التالية:

- مدخل إلى الترجمة.
- إستراتيجيات الترجمة.
- ميادين الترجمة.
- الترجمة أو نظريات الترجمة.

يُضاف إليها مواد أخرى مواكبة لها كالحقوق والطب والعلوم والتاريخ والجغرافيا والاجتماع والقواميس والألسنية, ولكن على أساس أنها مواد مواكبة, لا مواد أساسية, لسبب جوهري, هو أن الترجمة باتت اليوم مادة مستقلة وذات سيادة عن سواها من المواد الأخرى, ولدرجة إمكانية الحديث عن (جمهورية الترجمة).

تجدر الإشارة إلى أن عدد الطلاب الذين يتابعون دروسهم في هذه المدرسة يبلغ مائة وعشرة. وقد ذكر مدير المدرسة د.هنري عويس أن بيروت تتوفر الآن على بضع عشرة مدرسة أو كلية جامعية للترجمة في الجامعة اللبنانية, وجامعة البلمند, والجامعة الإسلامية, وجامعة الكسليك, وجامعة سيدة اللويزة, وجامعة الجنان وسواها. ولكن مدرسة الترجمة, وهي معهد جامعي مرتبط بكلية الآداب في جامعة القديس يوسف, فإنها تُعتبر المدرسة الأقدم من حيث الزمن, كما أن لهذه المدرسة علاقات أكاديمية وثيقة بمدارس ترجمة في الغرب, تجعل منها مدرسة حديثة ومتطورة الترجمة.

على أن أبرز ما يستخلصه المرء من احتفال مدرسة الترجمة في جامعة القديس يوسف ببيروت, وبخاصة من الاطلاع على مقرراتها والكتب التي أصدرتها بهذه المناسبة, أن الترجمة المعاصرة تنتقل اليوم من عهد إلى آخر. من عهد كانت كثيرًا ما تُتَّهم فيه بالارتجال والفردية والتخبط, وبالتفلت من ضوابط وقيم كثيرة, أخلاقية وغير أخلاقية, إلى عهد آخر تتحول فيه إلى علم وتخصص ومران وتجربة. كما أن مهنة الترجمة في بيروت, بدأت تشهد في السنوات الأخيرة اهتمامًا مختلفًا عن السابق. ويعود ذلك إلى أن العاصمة اللبنانية تهبّ عليها الآن رياح التغيير والانفتاح, الأمر الذي يهيئ للترجمة والترجمان, أو المترجم كما بات يُدعى, فرصًا لم تكن متوافرة في السابق. فالمترجم لم يعد مجرد ناقل لكتب, أو وثائق, أو عامل في قنصلية أو سفارة, وإنما بات جزءًا من مشهد ثقافي وحضاري واقتصادي ومالي واجتماعي.

على أن الأهم من ذلك أن مثل هذا المترجم الجديد بات يستند إلى ثقافة أكاديمية متينة. فإذا علمنا أن معاهد ومدارس الترجمة بدأت تشقّ طريقها في الكليات الجامعية, وآخرها إنشاء كلية للترجمة بجامعة دمشق, أدركنا أن الترجمة في البلاد العربية ينتظرها دور أكثر تقدمًا وتطورًا من دورها السابق.

جهاد فاضل

بغداد

سينمائيون بلا حدود

أعلن أخيرًا في بغداد تأسيس منظمة عراقية مستقلة تعنى بالفن السينمائي وتندرج ضمن مؤسسات المجتمع المدني وهي منظمة (سينمائيون عراقيون بلا حدود), وقد عقدت هذه المنظمة مؤتمرها التأسيسي في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد أخيرًا بحضور وزير الثقافة مفيد الجزائري والسفير الألماني ونخبة من السينمائيين والمثقفين من مختلف الأجيال.

وبموجب النظام الداخلي للمنظمة الذي تمت مناقشته وإقراره في المؤتمر, فإنها تعد منظمة غير حكومية, غير سياسية, وغير ربحية, تعنى بالفن السينمائي المعاصر وبتأسيس سينما عراقية معاصرة تركز اهتمامها على خمسة أنواع سينمائية أساسية هي: السينما التجريبية, السينما غير المحترفة, سينما حقوق الإنسان (بما في ذلك سينما حقوق المرأة والطفل), سينما البيئة, والسينما التسجيلية.

وتسعى هذه المنظمة الى التعريف بهذه المحاور وتأسيس وعي جمالي ومعرفة نظرية وتطبيقية لها. وتنطلق المنظمة من أن هذه الأنواع السينمائية من الأنواع المهمة والضرورية على صعيد التجربة السينمائية في العراق والتي لم تنل ما تستحق من اهتمام في الماضي, في وقت ازدهرت فيه في التجارب العالمية. ولهذا فإن هذه المنظمة تهتم بالانفتاح على الثقافات وتأصيل الوعي السينمائي الجمالي من منطلق محصلات الثقافة العربية الإسلامية ومنجزها العظيم على أساس معاصر وتنويري ومعرفي.

وهذه المنظمة تعمل وفق أسس فنية, ثقافية, إعلامية, اقتصادية وتعتمد في تمرير نشاطاتها على التمويل الذاتي.

وبحسب مقررات المؤتمر فإن مركز المنظمة الرئيسي في بغداد ولها أن تفتح فروعًا في باقي محافظات العراق وفي الوطن العربي وسائر بلدان العالم أو تنتدب لها ممثلين في تلك البلدان بحسب مقتضيات عملها وفي إطار شعار المنظمة (سينما بلا حدود), ولممثليها أن ينشئوا فروعًا في البلدان التي يوجدون فيها.

وقد أقرت المنظمة أهدافها التي يمكن تلخيصها في: تنمية المعرفة السينمائية وتأسيس اتجاهات فكرية جادة وأصلية تنطلق من الهوية العراقية ومن الثقافة العربية الإسلامية المنفتحة على العالم للتعرّف على الإنتاج السينمائي المعاصر ضمن الأنواع الخمسة التي تنشط بها المنظمة وفي غيرها من الحقول السينمائية, وتنمية المواهب والكفاءات العراقية الشابة المتطلعة إلى الإبداع السينمائي الجديد ضمن الحقول الخمسة التي تنشط فيها المنظمة.

ويشير النظام الداخلي للمنظمة إلى تثقيف جيل جديد من السينمائيين حول سينما حقوق الإنسان وسينما البيئة والسينما التجريبية, والسينما التسجيلية والسعي لتدريب كوادر في هذا المجال تعتز بانتمائها لوطنها العراق والأمتين العربية والإسلامية وتنفتح على ثقافات العالم الأخرى وتحترمها وتتفاعل معها, يضاف لهذا تأسيس سينما غير محترفة وتشجيع التجارب السينمائية غير المحترفة من خلال دعم تلك التجارب بالوسائل التي تتناسب مع أهداف وإمكانات المنظمة, وبالتعاون مع المختصين ومع المؤسسات ذات العلاقة في داخل العراق وخارجه.

أما على صعيد النشر فقد أقرت المنظمة إصدار المطبوعات والنشرات السينمائية على اختلاف أنواعها التي تخدم هدف تنمية المعرفة السينمائية ضمن الأنواع السينمائية الخمسة.. وللمنظمة توفير تلك المطبوعات لأعضائها بأسعار رمزية في إطار برنامج (السينما للجميع) أي نشر الثقافة السينمائية للجميع عبر المعارض المعتمدة للكتاب.

وتطرق النظام الداخلي إلى مسألة المساهمة في ترويج الإبداع السينمائي العراقي ودعمه بالوسائل المتاحة, بما في ذلك المشاركة في المهرجانات والملتقيات والمؤتمرات ذات الصلة باختصاص المنظمة, والمشاركة في حملات الترويج بموجب اتفاقيات وتفاهمات مع الجهات ذات الاختصاص, بالإضافة إلى المشاركة في الإنتاج السينمائي للأنواع الخمسة بما يتناسب مع إمكانات المنظمة المالية وبما لا يتعارض مع هويتها وأهدافها.

أما على صعيد الإنتاج السينمائي فإن للمنظمة الحق في التعاقد مع الجهات الراغبة في إنتاج أفلام تجريبية أو متعلقة بحقوق الإنسان أو البيئة أو السينما التسجيلية والكتابة أو المساهمة في كتابة السيناريو والتصوير والإخراج وتقدير الكلفة.

وامتدادًا لهذا تبرز مسألة الأرشيف السينمائي حيث تم إقرار تأسيس مكتبة سينمائية أرشيفية من الأشرطة والأسطوانات السمعبصرية المدمجة, ومن الكتب والمطبوعات السينمائية باللغة العربية وباقي اللغات العالمية الحيّة وتبادل تلك المطبوعات أو أهدائها وترويجها بما يتناسب مع أهداف المنظمة في جعل الثقافة السينمائية في المتناول (الثقافة السينمائية للجميع).

وأقر المؤتمر أيضًا اعتماد المركز السمعبصري للعدالة والتنمية والسلام في مقر المنظمة الرئيسي وفروعها, وهو مركز يعنى بحقوق الإنسان والعدالة والتنمية والسلام في العالم وكيفية نقل هذه المفاهيم إلى مجال الإبداع السينمائي, ويكون هذا المركز هو الواجهة الإعلامية للمنظمة, وتعتبر إجازة هذه المنظمة رسميا بمنزلة إجازة لهذا المركز لممارسة أعماله, وتصدر المنظمة لائحة داخلية بعمل المركز.

ونص البيان الختامي على المساهمة في دعم قضايا حقوق الإنسان في داخل العراق وخارجه من خلال اللقاء والتحاور والاتفاق مع الأفراد والجمعيات والمنظمات المعنية بهذا الموضوع لتحديد نوع مساهمة المنظمة. وتقوم المنظمة بإنجاز أفلام إرشادية وتعليمية وغيرها تعكس أوضاع حقوق الإنسان, وتشارك في عقد المؤتمرات والحلقات الدراسية وورشات العمل المشتركة حول هذا الموضوع وتنفتح لهذا الغرض على منظمات العفو في داخل العراق وخارجه وتشجع النشاطات التطوعية في هذا المجال وبحسب الإمكانات المتوافرة.

وحول موضوع البيئة أقر المؤتمر إعطاءها أهمية خاصة من خلال المشاركة مع الجهات المختصة بهذا الشأن في إنجاز الأفلام الإرشادية وغيرها.

وعلى صعيد العمل التطوعي والخيري فإن المنظمة تدعم عمل المنظمات والهيئات الخيرية والإنسانية التطوعية الناشطة في داخل العراق وخارجه, التي تقدم المساعدات والخدمات للفقراء واليتامى والأرامل والمعاقين فضلاً عن أطفال العراق المتضررين من جراء الحروب, وتساهم مع تلك المنظمات والهيئات من خلال إنتاج الأفلام الإرشادية وإقامة الورشات وغيرها من الوسائل المتاحة.

وفي ختام المؤتمر أطلقت المنظمة مشروع (مهرجان بغداد الدولي للفيلم التسجيلي والقصير) الذي من المقرر ان تعقد دورته الأولى في شهر ديسمبر من هذا العام.

طاهر عبد مسلم

تونس

معرض تونس الدّولي للكتاب
مشاركة كويتية متميّزة

أصبح معرض تونس الدّولي للكتاب من أهمّ معارض الكتب في الوطن العربي, بعدما فرض وجوده وأضحى من المواعيد الثقافيّة الثابتة في النشاط الثقافي والفكري السّنوي في الجمهوريّة التونسيّة.

وقد انتظمت الدورة الثالثة والعشرون لمعرض تونس الدولي للكتاب بمشاركة 29 دولة. وبلغ عدد العارضين في هذه الدورة 274 عارضًا من العرب والأجانب, وقد شارك في المعرض 28 ناشرًا لأول مرّة من بينهم 12 ناشرًا تونسيًا.

وكالعادة كانت المشاركة الكويتية متميزة في المعرض مع تطوير الشكل الخارجي لجناح دولة الكويت حيث أقيم الجناح داخل خيمة شعر كبيرة جذبت الزّوار من مختلف الأعمار.

وتمثلت مشاركة الكويت في مجموعة كبيرة من العناوين في جوانب متعددة مثل الشعر والقصة والكتب التي تعرّف بالكويت وبنهضتها الثقافية والفكرية والأدبية, وبتراثها, بالإضافة إلى كتب لمؤلفين كويتيين مع إصدارات وزارة الإعلام ومنشورات مختلفة, وكان الإقبال كبيرًا من قبل الجمهور التونسي على الجناح وخاصة على مطبوعات وزارة الإعلام والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, وكانت مجلة (العربي) حاضرة بقوّة وقد نفدت الأعداد المعروضة منذ الساعات الأولى بعد افتتاح المعرض.

وقد أبرز الشكل الجديد للجناح الكويتي في هذه الدورة التراث الكويتي من خلال جلسة السدو, خصوصًا أن المعرض تزامن مع تنظيم شهر التراث في تونس واعتمد في الديكور الخارجي على المزج بين الماضي والحاضر وأبراج الكويت وبرج التحرير.. إلى جانب بوابّة السور القديم.

كانت الدّورة الثالثة والعشرون لمعرض تونس الدولي للكتاب مناسبة جديدة التقى فيها الناشرون العرب والأجانب, وتبادلوا الآراء والتجارب والخبرات, في سبيل خدمة الكتاب ودعم القراءة, وكان فرصة أخرى أمام الكتاب العربي من أجل الانتشار والوصول إلى عدد أكبر من القرّاء في كل مكان.. هذا الكتاب الذي يتطلّب مزيدًا من الدّعم لينتقل بحريّة بين الأقطار العربيّة ويتجاوز المشاكل والعراقيل التي مازالت تعترضه, لأنّ الكتاب الورقي يبقى دائمًا سلطان المعرفة.

عبدالسّلام لصيلع

طهران

شيراز... خالٌ على خد الأقاليم السّبعة

الثقافة تراث إنساني مشترك تساهم في بنائه وإغنائه كل الشعوب بخصوصياتها وإبداعاتها, ويتحدد مستقبل العالم عبر حوار الحضارات وتعايش الثقافات فحاجتنا اليوم إلى ترسيخ قيم التآخي والتسامح هي أقوى من أي وقت مضى.

وفي هذا الإطار يأتي التمازج بين الأدبين الإيراني والعربي بجذوره التاريخية ليؤكد ضرورة ما بدأه الأجداد, فقد جمعت الأدبين قرابة سببية ونسبية منذ القدم حين نظم شعراء إيران بالعربية, ودون علماؤهم الكتب والبحوث بالعربية والفارسية, ومن أجل استعادة تلكم الأجواء الرحبة وإحياء القواسم التاريخية والثقافية المشتركة جاءت مجلة (شيراز) سعيًا لمدّ ما تيسّر لها من جسور الأدب المعاصر من شعر وقصة ومقالة وحوار, وتصبو إلى فتح نافذة لأولئك الذين قال عنهم عبدالوهاب البياتي في قصيدة (قمر شيراز):

يحلمون بالقمر الشيرازي الأخضر فوق البوابات الحجرية


شيراز مدينة سعدي وحافظ وسيبويه كانت محط رحال المتنبي في آخر رحلاته, حيث يصف بوان وهو أحد أحياء شيراز الكثيرة الشجر والمياه بقوله:

مغاني الشعب طيبًا في المغاني بمنزلة الربيع من الزمان


وكتب عنها ابن بطوطة أجمل عباراته فهي خالٌ على خد الأقاليم السبعة وإحدى متنزهات الدنيا الأربعة, ولهذا تزينت بها مجلة أدبية تصدر في إيران باللغة العربية وبحلة قشيبة في مبادرة لتعزيز الأواصر بين الأدب العربي والأدب الإيراني المعاصر.

تصدر مجلة (شيراز) عن مركز الفكر والفن الإسلامي الإيراني ويرأس تحريرها الأديب الإيراني موسى بيدج وتتألف لجنة الترجمة من كاتب السطور ود.صادق خورشا والأستاذ حيدر نجف.

يتضمن العدد الأول حوارًا مع الشاعر الإيراني قيصر أمين بور تحت عنوان (طوفان نوح وطوفان الروح) ودراسة للدكتور صادق آينوند حول (حافظ الشيرازي في كتابات الباحثين العرب) وبحثًا حول مترجم أغاني شيراز العلامة المصري إبراهيم أمين الشواربي مع مجموعة قصائد وقصص لأدباء وأديبات من إيران مترجمة باللغة العربية.

ومن مقطوعة للشاعر علي رضا قزوة وهو من الجيل الثاني لشعراء ايران بعد الثورة الإسلامية نقتطف ما يلي:

يا له من خطأ عظيم
نحيك للغيم كفنًا
نحفر للأرض قبرًا
ونقيّد الزمن بساعةٍ
لا أمل في قرص خبز
طاحونة قلبي تدور
فقط من أجل أن
تأخذ بشعري إلى البياض!
لم أطلب من عالمكم
سوى أن يكون لي
مكان لإنشاد الشعر
تحت ظلال المطر

شيراز, محاولة متواضعة, ولو جاءت متأخرة فهي خطوة على طريق الألف ميل لتحقيق التواصل الحضاري العربي - الإيراني, وإحيائه من جديد بعد أن حلّقت الحضارة الإسلامية إبّان القرن الرابع بهذين الجناحين وتألقت, وهي دعوة للمثقفين العرب ليخطوا خطوتهم ويردوا التحية ويدلوا بدلوهم في بعث التواصل الأدبي العربي - الإيراني عسى أن يشكل نبراسًا في طريق النهوض الحضاري لهذه الأمة التي اختارها الباري خير أُمة أخرجت للناس.

سمير أرشدي

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




نجوم مسرحية (الهشيم) التي حصلت على جوائز أفضل عرض





لقطة من عرض مسرحية (حفرة انبيش)





 





غلاف (تشيخوف: حياة في صور)





احتفال مدرسة الترجمة في بيروت





 





هل تنجح تجربة المنظمة في تأسيس هوية سينمائية عراقية?





29 دولة شاركت في الدورة 23 لمعرض الكتاب