السنيورجوجيا إستراتيجية جديدة- في التربية والتدريب والتطوير ياسر الفهد

المؤلف: جين موتون / روبرت بليك
هناك اليوم جدل ساخن حول أسباب جمود الطرق التقليدية في التعليم وبشأن وسائل تحسينها وتطويرها ويذهب بعضهم إلى أن ضعف التربية يكمن على الأغلب في فشل طرق الإلقاء التي يستعملها المدرسون اليوم في المدارس، بينما يرى آخرون العلة في المناهج والمقررات.. وهكذا.

إذا افترضنا أن المعلم هو الأساس في العملية التعليمية التقليدية، فماذا نفعل حتى نحسن قدرته على التجلية والتجويد؟ هل نرفع راتبه، أم نكافئه مكافأة تتماشى مع جودة إنجازه، أم ندربه بشكل أفضل، أم ماذا؟ ومهما كانت أسباب الفشل وطرق العلاج، فقد أثبتت الخبرة أن كل ما اتبع حتى الآن في هذا المجال لم يجد فتيلا، أو أنه في أحسن الأحوال، لم يؤد إلى نتائج جيدة ملموسة.

فما الحل إذن؟ الكتاب الجديد الذي صدر حديثا في الولايات المتحدة، باللغة الإنكليزية، يقدم لنا حلاً جديداً.

الكتاب بعنوان (السينورجوجيا.. استراتيجية جديدة في التربية والتطوير والتدريب). وكلمة السينورجوجيا مشتقة أصلا من اللغة اليونانية. وهي تعني (العمل جنبا إلى جنب، من أجل تعليم تعاوني).

بين السينورجوجيا والبيداجوجيا والاندراجوجيا

المقصود بالبيداجوجيا الدرس التقليدي الذي يمتاز بانتظام التعليم وثباته، ولكن الطالب يبقى فيه سلبيا ومفتقرا الى الحافز الكافي. أما الإندراجوجيا، فهي الطريقة التعليمية التي تلقي على كاهل الطالب مسئولية أكبر وتفرض عليه انخراطا أعظم في العملية التعليمية، بينما يقوم المدرس، بدور المشجع والمحفز. ولكن مشكلتها تكمن في عدم قدرتها على تزويد الطلاب بمعلومات موحدة صالحة للاستعمال الجماعي.

وتجمع السينورجوجيا مزايا البيداجوجيا والاندراجوجيا وتتجنب بعض مثالبهما.

فهي تتحلى بخاصتين إيجابيتين مهمتين، أولاهما تمكين المتعلمين من اكتساب معلومات منظمة وموحدة.

والأخرى إتاحة الفرصة للمتعلم كي يشارك مشاركة فعالة ونشطة في عملية التعلم.

إن السؤال المهم الشائع الذي كثير ما يتردد اليوم بين أوساط المربين هو: ما أحسن طريقة لتمكين الأطفال والشبان والكبار من تعلم ما يحتاجون إلى تعلمه؟ وهنا يجيب مؤلفا الكتاب بأن الشيء الكثير في هذا المجال يعتمد على الحافز. وما لم يحصل المتعلمون على حافز كاف، فإن أداءهم لن يكون مقنعا ومجزيا. ولعل أحد الدلائل على ذلك تصاعد معدلات التسرب من مدارس التعليم النظامي التي لا تقدم حوافز كافية للتلاميذ. ويجد بعض المتعلمين المكافأة والحافز في فهم المادة التي تتم دراستها. ولكن هذا يعد وضعا مثاليا استثنائيا يسود فيه تعليم نقي يلقى فيه المتعلم التحريض والتشجيع من مادة التعلم نفسها. وإذا كان الحافز من أهم عوامل نجاح التعليم، فإن السينورجوجيا كما يشير المؤلفان، قادرة على تقديم الحل وتوفير الحافز المطلوب. ومن جهة ثانية، فقد بينت الأبحاث أن عدم فاعلية برامج التعليم والتدريب الحالية تعود إلى طبيعة العلاقة بين المدرس والطالب في غرفة الصف التقليدية أو في غرفة التدريب، فالمدرس هو الذي يقرركل شيء. إنه يعلم بينما التلميذ يصغي ويكتب ملاحظات ويسأل ويجيب وينتج عن ذلك السلبية وأحيانا المقاومة. وهذه في الواقع هي البيداجوجيا التي تؤدي إلى إذعان التلميذ وابتعاده عن المشاركة والمسئولية. وقد اشتد النقد والاعتراض ضد هذا الأسلوب فجاءت الإندراجوجيا مفسحة المجال لبعض المشاركة النسبية من قبل التلميذ. ولكن اعتماد هذا التلميذ على أستاذه اجتماعيا وعاطفيا يظل قائما وما دام المدرس يقول للتلميذ ما عليه أن يتعلمه، ومتى وكيف، فإنه بند يفسد العامل التحريضى عند التلميذ ويطيل فترة اعتماده عليه"، أي على المدرس.

الحل في السينورجوجيا

يؤكد الكتاب أن السينورجوجيا تتيح للتلميذ. بحرية التعلم دون أن يكون ذلك بعيداً عن إشراف المدرس الذي يبقى حاضراً وغائباً في الوقت نفسه. إن السينورجوجيا أو خطة التعليم الجماعي تمكن الطلاب من العمل والتعاون في سبيل:

ا- إدراك المعرفة واستيعابها، بما في ذلك تعلم الحقائق والمبادئ.

2- تعلم مقياس محدد للأداء في المهارات واستعماله بصورة عملية.

3- تطوير المواقف بشكل يساعد الطالب على توجيه معرفته ومهاراته نحو أهداف بناءة.

(ويجب ملاحظة أن تطوير المواقف مهمل إلى حد بعيد في التربية التقليدية المعاصرة). وهكذا فإن الكتاب يرى في السينورجونجيا بديلا مناسبا عن البيداجوجيا والإندراجوجيا، فهي تتجنب نقطتي ضعف فيهما:

(أ) اعتماد البيداجوجيا على سلطة المدرس.

(ب) اعتماد الإندراجوجيا على التلميذ وحده. كما أن السينورجوجيا تحافظ على نقطتي قوة:

(أ) دور المعلم في تهيئة خطة المادة المدرسية.

(ب) إشراك التلميذ بصورة إيجابية في العملية التعليمية.

ومن جهة ثانية فإن السينورجوجيا تقوم على ثلاثة مبادئ:

ا- توافر معدات وأدوات تمكن المتعلم من التعلم دون معلم مثل اختبارات الخطأ والصواب وبطاقات التقويم وحل الألغاز وكذلك النصوص وغيرها. وهذه المعدات أرقى من تلك المستخدمة في التعليم الذاتي. وهي تعد بمثابة إطار منظم لنيل المعرفة وإحراز المهارات وتطوير المواقف.

2- الاعتماد على فريق العمل، وهو مجموعة عمل ذات أهداف واضحة ومهام ومردود محدد.

3- اختلاف أجزاء وطرائق السينورجوجيا في مجموعها الكلي عن كل جزء منها على حدة. فالتصاميم مثلا تشكل كلا متكاملا ولا يمكن الإفادة منها إذا استعملت بشكل إفرادي. كما أن المتعلمين المشاركين يحرزون بمجموعهم مستوى جيداً من الفهم يزيد على ما يستطيع إحرازه كل واحد منهم على حدة.

إيجابيات وسلبيات

ويقدم المؤلفان، في فصل خاص، توضيحاً مفصلاً لمزايا السينورجوجيا ومثالبها: ومن أبرز هذه المزايا المردود التعليمي الجيد، فالسينورجوجيا تضع المسئولية على المتعلم وتحفزه على استعمال قدراته الشخصية في طرق بناءة يساعد فيها كل فرد الفرد الآخر. وهي تدعم روح المنافسة بين المجموعات المختلفة وتخلق جوا مسليا وتعاونيا يسهم فيه كل شخص لصالح الآخرين، ويتلقى إسهاماتهم.

إن فرق العمل السينورجوجية تعمل تحت رعاية أنفسها دون التقيد بمدرس رسمي يشرف عليها مباشر، مما يجعلها تواجه مسئولياتها وتلاحظ تقدمها وتسعى إلى تحسينه. ومن المزايا الأخرى قابلية تطبيق السينورجوجيا في جميع أشكال التعليم، سواء تعلق الأمر بالمعرفة أو بالمهارات أو بالمواقف، وكذلك صلاحيتها لجميع الأعمار بدءا من سن 12 فما فوق. ومن جهة ثانية، فليس من الضروري أن يكون المتعلمون قادرين على القراءة، إذ يمكن تقديم المادة الدراسية بواسطة الفيديو أو الكاسيت أو بوسائل بصرية أخرى. ويورد الكتاب مزايا إضافية كثيرة أخرى.

طريقة التعلم وتنظيمها

قبل أن يجتمع المشاركون في عملية التعلم السينورجوجي ويجروا المناقشة العامة، يقوم المتعلم بالمراجعة الأولية لمادة الدرس، ثم يجيب عن بعض الأسئلة ضمن نطاق التصميم الموضوع للدرس، مثل أسئلة الخطأ والصواب، أو أسئلة الاختيار المتعدد. (وهناك تصاميم للمعرفة وأخرى للمهارات وثالثة للمواقف). ويتبادل المشاركون المعلومات ويوضحون أفكارهم ويناقشون الأدلة التي يقدمها الآخرون ثم يستعملون المنطق لتقويم ما لكل خيار وما عليه، من أجل الوصول إلى أحسن جواب لكل سؤال ثم تجرى مقارنة أجوبة كل فريق مع أجوبة الفرق الأخرى. وبعدها توضع علامات لكل فرد، الأمر الذي يجعله قادرا على تقويم عمله الفردي. وينشأ الحافز في التعلم السينورجوجي من رغبة التعلم في إدهاش الآخرين وكسب إعجابهم بإنجازه الفردي. ويأتي المؤلفان بعد ذلك إلى دور منظم عملية التعلم وهو الاسم الذي يطلقانه على الشخص الذي يوجه مواقف التعلم من خلال استعمال تصاميم السينورجوجيا. وهو يمكن أن يكون مدرسا مجازاً، أو شخصاً مختصا بالتعامل مع مثل هذه التصاميم. والمنظم ليس مدرسا يلقن معلومات ويمنح مكافآت للتلميذ لقاء طاعته وإذعانه له، وإنما هو موجه تنحصر نشاطاته في إدارة العملية التعليمية من بعيد بواسطة وضع التصاميم التي تقوم بدورها بتقديم الإرشاد من خلال التعليمات التي تمكن المتعلم من التعلم وقيادة المناقشة. وذلك على عكس الحال في الإندراجوجيا حيث يقوم وسيط التعلم بدور في إدارة دفة مناقشات المتعلمين وحل خلافاتهم. وهم كثيراً ما يلجئون إليه لأمرتعليمي أو لآخر.

وبتعبير آخر، فإن دور الوسيط في الإندراجوجيا أقوى من دوره في السينورجوجيا حيث يقتصر هذا الدور في الثانية على تهيئة التصاميم ومساعدة المتعلمين على فهم هذه التصاميم واستعمالها. وبعد ذلك يتعاون هؤلاء مع بعضهم بعضا، ويطورون مبادراتهم الفردية دون أن يلتمسوا المساعدة منه. ولكن هناك حالات طارئة لابد فيها للمنظم أو الوسيط من التدخل. ومن هذه الحالات كون المشكلة خطيرة إلى حد لا يستطيع معه المتعلمون حلها بأنفسهم. ومن هذه المشكلات التي تستوجب التدخل سوء التحضير للدروس واعتماد المتعلم المفرط على باقي المتعلمين، والسلبية أو العداء أو عدم الاكتراث تجاه المشاركة في التعلم، ومثل هذه المواقف قد تكون ناشئة عن أسباب عديدة كالإجبار على الحضور أو كون مواعيد الدروس غير مناسبة أو وجود ظروف شخصية لدى المتعلم، أو عدم تحقق الانسجام بين أفراد المجموعات، ففي مثل هذه الحالات يجوز أن يتدخل الوسيط فيبدل مثلا، في توزيع الأفراد بين المجموعات المختلفة حتى يصبحوا أكثر انسجاما، أو يعمل على إزالة أسباب عدم حضور بعض المتعلمين بدلا من إجبارهم على الحضور وهكذا. وتتألف كل مجموعة سينورجوجية من عدد يتراوح بين (2) و (10) متعلمين. وكلما ازداد العدد قلت مشاركة الفرد. ويعتقد المؤلفان أن العدد المثالي للمجموعة يجب أن يكون ستة. فعندما يقل العدد عن ستة يضعف الحافز الاجتماعي، وتصبح وجهات النظر المعروضة قليلة. أما عندما يزيد العدد على ستة، فإن بعض الآراء والأسئلة التي يعرضها المتعلمون لا تلقى الاهتمام. وهناك مشكلة تأليف فريق العمل فهل يجب الجمع بين الذكور والإناث في فريق واحد أم يفضل الفصل بينهما؟ وما الحالات التي تستوجب إعادة النظر في تشكيلة الفريق؟ وهل يجب أن يكون أعضاء الفريق متجانسين بالضرورة أم أن وجود اختلافات فردية بين الأعضاء ممكن؟ وبالإضافة إلى ضرورة تقرير مثل هذه الأمور، يجب النظر في موضوع الاختيار والطوعية في تشكل الفريق لأن هذا يشكل حافزاً مهما للتعلم. فالعضو الذي يعمل به أعضاء آخرين يجمعهم وينسجم معهم، يتعلم بشكل أفضل.

السينورجوجيا والمستقبل

يعدد الكتاب فوائد السينورجوجيا بوصفها استراتيجية تربوية تناسب حاجات المستقبل، فهي طريقة سريعة وفعالة تؤدي إلى تعلم المبادئ والبيانات والتعميمات، وإلى التدرب على المهارات اليدوية، وكذلك إلى تطوير المواقف والقيم والأداءات، فاسحة المجال لدراسة كثير من مشكلات الحياة، وذلك ضمن إطار من التعاون والتآزر والصداقة بين المتعلمين أو في جو من الثقة بالنفس واحترام الذات والشعور بالكرامة. ويبين الكتاب أن التجارب قد أثبتت أن الطلاب الجيدين يتعلمون من خلال السينورجوحيا بالطريقة نفسها التي يتعلمون بها بواسطة الطرق التقليدية وبأداء متعادل تقريبا. ولكن الطلاب غير الجيدين يتعلمون بشكل أفضل بواسطة السينورجوجيا . وهذه ميزة لا يستهان بها. وتظهر فوائد الاستراتيجية السينورجوجية بشكل خاص في مجال التدريب في المؤسسات. وهناك افتراض شائع بأن الموظف في شركة أو مركز عمل ما، عندما تتحسن معارفه ومهاراته وتتطور مواقفه، تقل الحاجة إلى مراقبته وتتكون لديه نزعة داخلية لتحقيق أداء متقن لصالح العمل. أى أن الموظف بمقدار ما تزداد معرفته بطبيعة العمل، ترتفع قدرته على توجيه نفسه. ومن هنا نشأت الحاجة إلى إنشاء برامج التدريب والتطوير في أثناء العمل الوظيفي. ومن الموضوعات المهمة في الحاضر والمستقبل موضوع السلامة المهنية، فهو يعد من أعقد المشكلات في مراكز العمل المختلفة. وذلك بسبب تعقد الأجهزة والمعامل والتعليمات الخاصة بها. فمعظم الحوادث تقع بسبب ميكانيكي أو بسبب خطأ بشري، نتيجة لاستعمال معدات غير متقنة الصنع أو معدات تستلزم مهارات عالية من العامل، ومن أجل ذلك تولي المؤسسات الراقية التدريب على السلامة المهنية أهمية قصوى. وتستخدم من أجل ذلك أحدث الأساليب التربوية وعلى رأسها السينورجوجيا التي أثبتت فائدتها في مجالات المعامل والطائرات والطب والصيدلة. ففي المعامل هناك حاجة لإجراءات طوارئ كثيرة كإطفاء الحرائق والوقاية منها. وفي الطائرات يعد الأمر بالغ الأهمية لأن تحطم طائرة يؤدي إلى خسائر هائلة ومأساوية. وفي مجال الطب والصيدلة هناك أدوية غير مرخص بها يؤدي استعمالها إلى الإضرار بالصحة العامة، مما يجعل من الضروري تعريف المتعلمين بكل ما يتم إنتاجه من أدوية جديدة المفيدة منها والضارة.

ويقدم لنا الكتاب أخير فصلا خاصا حول مقابلات أجراها المؤلفان مع مربين استخدموا السينورجوجيا في المدارس والكليات ومراكز العمل والتدريب الصناعي. وقد تحدث هؤلاء عن تجاربهم ومدى مالاقته من نجاح. ولا شك أن النتائج تبدو مشجعة وباعثة على الأمل .

كلمة أخيرة

إن الكتاب الذي عرضنا أهم أفكاره الأساسية يستمد قيمته من الواقع الحالي غير المقبول للنظم التربوية المعمول بها، النظامية منها وغير النظامية، والتي أثبتت عجزها عن توفير مردود تعليمي مرض يسد حاجات المتعلمين، ولاسيما الكبار منهم. فهذا الواقع يفرض ضرورة التفتيش عن استراتيجيات تعليمية مبتكرة جديدة تتلافى النقائص والمثالب السائدة في الطرق المتبعة الآن. وبالطبع لا نستطيع أن نتوقع إيجاد بدائل كاملة وكافية عن هذه الطرق دفعة واحدة بل يكفي أن يكون الأسلوب البديل أكثر إيجابية وأقل سلبية من الأسلوب القديم، وبمعنى آخر يكفي أن يكون بديلا مرحليا يمهد الطريق لبدائل أخرى أكثر تقدما. وضمن إطار هذا التصور يجب الترحيب بالسينورجوجيا التي يدور الكتاب حولها بوصفها استراتيجية جديدة تتحلى بالكثير من المزايا الإيجابية وتتلافى العديد من المثالب، فضلا عن كونها تجمع بين التعليم والتدريب، ناهيك عن سهولة تطبيقها والإفادة منها.

وتزداد أهمية الكتاب في ضوء توقع نشؤ حاجات تعليمية جديدة يقتضيها التطور السريع للعلوم والتقانات في العالم ولعل أحد الأدلة الواضحة على هذه الأهمية، أنه ما إن انقضت شهور قليلة على صدور الكتاب لأول مرة في منتصف الثمانينيات، حتى أعيدت طباعته من جديد.