قلب المرأة والخطر مصطفى ماهر عطري

قلب المرأة والخطر

هناك اعتقاد شائع بأن قلب المرأة محصن ضد أمراض القلب أكثر من قلب الرجل، لكن هذا إلى حين، بعده تتساوى في دائرة الخطر كل القلوب .

ثمة نصيحة يوجهها الطب إلى المرأة فيما يتعلق بأمراض القلب تقول: سيدتي . . لا تسرفي في الارتكان إلى النعمة الطبيعية التي ميز بها الله المرأة في فترة مهمة من فترات عمرها. فهذه النعمة التي ينعكس مردودها الحميد على القلب لا تدوم حتى نهاية العمر، لأنها موقوتة بسن معينة. فالهرمونات المفرزة من المبايض "الأستروجين والبروجيستيرون" تحمي المرأة - نسبيا - من العديد من أمراض القلب والأوعية الدموية، وهذا حتى سن اليأس (وهي السن التي يبدأ عندها تناقص الإفرازات الهرمونية المشار إليها والتي تلعب دورا أساسيا في حدوث الدورة الشهرية والإباضة خلال فترة الخصوبة والحمل).

تنشأ هذه الوقاية النسبية الموقوتة لقلب المرأة من تأثير الهرمونات في القلب والأوعية الدموية، فالأستروجين الطبيعي يملك خاصية التأثير في مسببات تصلب الشرايين ونخر العظام. فهو- أي الأستروجين الطبيعي - يعمل على خفض معدل الكوليسترول الضار (LDL) ورفع الكوليسترول النافع (HDL) مما يعيق عمليات تصلب الشرايين وتضييقها. كما أن هذا الهرمون يعمل ضد فقدان المعادن وأملاح العظام التي يؤدي النقص فيها إلى نخرها.

ثلاثة أعداء للقلب

هذه الحماية، إضافة لكونها حماية موقوتة ومرتبطة بعمر المرأة (إذ ترفع عند سن اليأس)، ذات طبيعة هشة، لهذا وجب عدم الاتكال عليها بعد هذه السن، بل قبلها أيضا (ولو في حدود أدنى). وإذا كانت مراعاة القلب واجبة باعتدال لدى المرأة قبل سن اليأس، فإن هذه المراعاة ينبغي أن تكون أشد جدية بعد سن اليأس، ويكاد يندرج في إطارها من التحذيرات ما يحذر منه الرجال لوقاية قلوبهم وشرايينهم. هذه التحذيرات تشدد على وجود ثلاثة أعداء للقلب والشرايين.

1- التدخين: من المعروف أن التبغ له تأثير ضار في الأستروجين ومن هنا نعرف كيف تأتي سن اليأس مبكرا عند المرأة المدخنة. إضافة إلى ذلك فإنه مع كل سيجارة تتلقى المرأة المدخنة (ومن يجاورها عن طريق التدخين السلبي وإن بنسبة أقل) مجموعة من العناصر الضارة تعمل جميعها ضد صحة القلب والشرايين. هذه العناصر هي النيكوتين الذي يسرع معدل ضربات القلب، ويقلص الشرايين ويرفع من ضغط الدم الشرياني ويعمل على خفض معدل الكوليسترول الجيد (HDL). وغاز ثاني أكسيد الكربون المستنشق مع احتراق السيجارة يفقر الدم من أكسجين وهو - كالنيكوتين - يغير البطانة الداخلية لجدران الشرايين مهيئا لتراكم الكوليسترول الضار ومن ثم تصلب هذه الشرايين. لهذا كله يعتبر التدخين عامل خطر أساسيا في أمراض القلب والأوعية الدموية بما يسببه من عوامل تؤدي إلى التهاب الشرايين وانسدادها، والإصابات الدماغية، والذبحة الصدرية أو النوبة القلبية أو حتى الموت المفاجئ. ولا يفوتنا أن نذكر بهذا الخصوص التأثير السلبي للتدخين في خصوبة المرأة، وازدياد خطر الإصابة الوعائية، إذا كان التدخين مصحوبا بتعاطي حبوب منع الحمل وهذا بدوره يسرع أكثر من الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

2- زيادة الكوليسترول: والكوليسترول مادة شبه دهنية تتكون طبيعيا في الكبد ولا غنى لجسم الإنسان عنها في حالتها الحميدة وفي حدودها المعقولة، فهو يساعد على بناء جميع الخلايا والهرمونات والمواد الضرورية للجسم، و30% منه يأتي من غذائنا، و70% ينتج في خلايا الجسم خاصة خلايا الكبد. ويتحول الكوليسترول إلى مشكلة عندما تزيد نسبته في الدم على حاجة الجسم الطبيعية إليه، وتترسب الكميات الزائدة على جدران الشرايين مشكلة بالتدريج شرائح دهنية تتفاقم على مر السنين مما يسبب ضيق الشرايين وتصلبها، وعند تطور هذه الشرائح في الشرايين المغذية للقلب (التاجية) ومع انعدام مراقبة الكوليسترول الضار فإن هذه الرواسب تكبر وتشتد خطورتها مما قد يؤدي إلى انسداد الشرايين وتباطؤ سريان الدم إلى القلب والمخ خاصة والأعضاء الحيوية عامة. وفي حالة انسداد الشرايين التاجية لا يحصل القلب على كفايته من المغذيات والأكسجين مما يسبب آلاما صدرية تعبر عن اختناق القلب (ذبحة صدرية أو نوبة قلبية). وينتج ارتفاع معدلات الكوليسترول في الدم عن ازدياد استهلاكه أو زيادة تكوينه داخل الجسم. وإلى جانب السمنة وعدم ممارسة الرياضة البدنية تساعد العوامل الوراثية على ارتفاع الكوليسترول حتى لدى أشخاص يبدون في غاية النحافة. ومن هنا تكون الرقابة على الطعام والرياضة ضمن الشروط الواجب مراعاتها.

3- ارتفاع ضغط الدم الشرياني: ضغط الدم الشرياني كالكوليسترول، وارتفاعه العالي يصيب جميع الشرايين وهذا يكون عاملا مساعدا لتراكم الدهون على جدران هذه الشرايين. فضلا عن ذلك يعارض ارتفاع الضغط عمل القلب في إتمام وظيفته ويصبح عبئا عليه لأن القلب يبذل جهدا مضاعفا لتعويض عدم مرونة الشرايين المعترضة، ويؤدي ذلك إلى زيادة عمل القلب وتعبه المبكر وبالتالي وهنه وضعفه. وارتفاع الضغط يتطور بخبث وعلى نحو تدريجي حتى يمكنه الرسوخ قبل اكتشاف أمره لهذا يسمى لدى الكثيرين "القاتل الصامت" وغالبا لا تظهر له أيما أعراض مقلقة في مراحله الأولى ولهذا يمكن تحمله لفترة طويلة حتى لحظة اكتشاف أمره عند إصابة الإنسان بمضاعفاته. لذلك تجب مراقبة الضغط بصورة منتظمة، وتكون هذه المراقبة من باب الحذر قبل سن اليأس، أما بعد هذه السن فمراقبة المرأة لضغطها تصير ضرورة وقائية ملحة. وإجمالا لكل ما سلف، فإن هناك أرقاما يجب على المرأة مراعاتها حتى تبعد قلبها عن دائرة الخطر، هي: معدل الكوليسترول الطبيعي: أقل من 2 جرام / لتر في الدم، وضغط الدم الطبيعي: أقل من 140/ 90 . والتدخين لابد من وقفه.

 

مصطفى ماهر عطري

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات