مساحة ود: البوابة الخضراء إبراهيم صموئيل

مساحة ود: البوابة الخضراء

ماذا يمكنني أن أقول عن ثلاثة عشر يوما قضيتها، بين الأصدقاء، استطالت وامتدت، بطاقة من الحب الغامر، إلى ما يزيد على قرن كما يقول جنكيز ايتماتون؟! دعوة حميمة وصادقة وجهت إلي لأدلف من البوابة الخضراء الفسيحة إلى التفاصيل والمنمنمات التي لا تحصى: "هلا . . هلا" باللهجة المشبعة بنبرة الأصالة ومذاق الصدق ترفرف حولي في كل مكان زرته. . مع ساعات الحوار الحاد اللين التي جمعتني مع الأصدقاء الجدد - القدامى من الكتاب. في الأحاديث اليومية عن هموم الكتابة والأوطان والتواصل المتعثر. في البيوت والملتقيات العابقة بالدفء الحميم وبوح القلوب. في الأبراج العالية التي جمعت البلد وبيوته وساحله كعصفور سابح في الزرقة. في الشوارع، والأسواق القديمة والجديدة. في أمسيات الغناء المعتق وهو يدلف إلى الصدور على توقيع الأكف توقيعا خاصا، يحفزني للمشاركة، فما إن أبدأ حتى أتعثر مرتبكا من جهلي . . لكنهم كانوا يبتسمون بطيبة خاطر وصفاء لكأنما تعثري في التوقيع ونشازي عن اللحن يضيفان نغما جديدا إلى ألحانهم الأصيلة! وكذلك في الصحف والمجلات التي حلقت إلى طيارتي تستقبلني وأنا في الفضاء ثم ترافقني على امتداد أيام الرحلة، إلى أن تعود ثانية فتطير معي مودعة بحرارة ووفاء شديدين .

لقد فاض هؤلاء الأصدقاء الأحباء كما تفيض المياه من الصخور، فارتويت بالألفة والقرب والمودة بما فاق توقعي حين بدأت رحلتي.

وهأنذا الآن، في طائرة العودة إلى بلدي، أحلق على مسافات من الأرض عالية، شاعرا بأنني لم أخسر هنا إلا دهشة الغربة ولسع البعد، لكأنني مازلت في مدينتي!

هأنذا أعود، وأغنية "البوشية" الباسمة الأسيانة تدندن في أذني، وتوقع على مسمعي مشاركة إياي رحلة العودة إلى مدينتي لتطمئن على وصولي بالسلامة.

ها زوجتي إلى جانبي في الطائرة، أقطف لها زهرة وتقطف لي زهرة من ثلاثة عشر يوما كانت ثلاث عشرة حديقة يانعة، بلا أسوار، ولا حراس، ملونة بالصدق . . الصدق الذي يفسح لنا أن نختلف أحيانا ونتفق أحيانا مع الأصدقاء . . نتشاكس قليلا، ونتحاب كثيرا حول مشاهد وأحداث وحيوات ومواقف تحتملها الحياة في تكوينها المسبوك من الرأي والرأي الآخر .

يضيق الورق على الدوام بفيض الروح. إنها زهرة حب ليس إلا للناس، للحب الطليق، الضاج، والعاري من الاحتفاء الرسمي المبرمج. إنها زهرة حب للبوابة الخضراء.

 

إبراهيم صموئيل

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات