عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

شهر الأسئلة

عزيزي القارئ . .

في هذا الشهر، ديسمبر، نقف عند نهاية عام يمضي، ونتطلع إلى أفق عام يجيء. وفي مثل هذا المفصل الزمني، يدور شريط المشاهد للعام الراحل، وتكون الأسئلة هي التعليق الغالب على معظم المشاهد. والأسئلة هي الشق الأصعب في عملية المعرفة، أيا كان نوع هذه المعرفة، لأن ذلك يمثل جوهر الفلسفة في العملية المعرفية عموما، ويمثل الاتجاه نحو سبر أعماق المواضيع التي نطرقها . ونظرة شاملة لمحتويات هذا العدد ستكون كاشفة بوضوح عن استبداد الأسئلة بعدد نهاية العام هذا، وفي كل الأبواب، وبترتيب غير متعمد، لكنه جاء استجابة لضرورة تلح على العقل العربي حتى وهو يعمل في منطقة اللاشعور. ولعل أقرب برهان على ذلك هو القصة العربية في هذا العدد والمسماة "مشكلات الجلوس"، ففيها قلق مشروع تجاه عالم يتداعى من حولنا، وبطلها لا يجد مستقرا لكيانه، بمعنى آخر هو معلق في دائرة السؤال دون إجابة متاحة. وإذا كان الإبداع الأدبي يعبر عن هواجس أعماق النفس الإنسانية، وبالتالي يشكل ملمح الصدق الفطري تجاه ما يشغل هذه النفس، فإن الصدق العقلي يتجلى في إلحاح الأسئلة على المواضيع التي تخرج كاملة أو شبه كاملة من منطقة الوعي، وهذا نجده في أغلب استطلاعات وموضوعات هذا العدد، ففي حديث الشهر يذهب رئيس التحرير باتجاه "أزمة المثقف العربي" ويعالجها بسؤال واضح يبحث عن منابعها فهل هي في "قمع السلطة أم خلل البنية الفكرية؟" . وأزمة المثقف العربي، لا شك، هي لب الحيرة المعلقة بعالم كامل من المسلمات القديمة يتداعى أو تحوم حوله علامات الاستفهام ابتداء من المواضيع الفلسفية حتى مواضيع الطب. ففي الفلسفة هناك مقال واضح الاتجاه من خلال عنوانه، وهو "الفلسفة تعيد السؤال عن نفسها". وهناك سؤال آخر حول "مفهوم الأصالة". وسؤال علمي عن "الدور الحضاري للإنترنت"، وسؤال طبي عن أخلاقيات جراحة التقنيات الحديثة في استطلاع "استئصال المرارة بالمنظار" . وسؤال اقتصادي عن "الخصخصة والتكييف الهيكلي". وسؤال شرعي عن مفهوم "الحسبة" بكل ما أثاره ويثيره في أيامنا هذا المفهوم المختلف عليه. أما الاستطلاع الأجنبي فهو يذهب إلى مهد الفلاسفة الأوائل، اليونان، ويبحث في ملامح "التاريخ على قمة الأولمب" أو ما بقي من التاريخ من أثر على الحجر، وتاريخ اليونان القديم بكل ما يحتشد به من أساطير كان مقدمة لميلاد الفلسفة، أي ميلاد علم الأسئلة.

وهكذا عزيزي القارئ، يجيء هذا العدد الوداعي لعام 1996 مثقلا بالأسئلة، وهذا يعني أنه - من زاوية أخرى - يطرق أبوابا تختفي وراءها الإجابات أو مشاريع الإجابات.

فإلى لقاء متجدد، وعلى أمل أن نلتقي في عام جديد تخف فيه وطأة الأسئلة، وتتجلى طمأنينة الإجابات.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات