ملتقى الشعر العربي.. أحفاد السَيَّاب في الكويت

ملتقى الشعر العربي.. أحفاد السَيَّاب في الكويت

في العام 1958, بدأت ملامح الوجه العروبي الثقافي للكويت تأخذ شكلا جديدا, حين شهدت البلاد - حتى قبيل إعلان استقلالها بسنوات - أهم حدثين ثقافيين عربيين آنذاك; الاجتماع الأول لاتحاد الأدباء العرب, وصدور مجلة (العربي), صوتا عربيا للثقافة, التي لا تعترف بجغرافيا الحدود السياسية في الجسد العربي الواحد. وعبر 47 عامًا تغيرت على خريطة الثقافة العربية مواقع كثيرة, رسمتها أكثر من ريشة, وتدخل بها أكثر من قلم, ولكن من لم يشهد اجتماع الأدباء العرب في الألفية الماضية, كان يمكنه أن يستعيد المشهد - بالألوان - في الألفية الجديدة, خلال أيام الملتقى الكويتي الأول للشعر العربي في العراق, الذي اختتم به فصل الربيع موسمه.

ربما يستحق الملتقى أن يحصد من الأسماء ما يروق لمنظميه, مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري, لكن الاهتمام به لم يكن مرده الحضور الكثيف للمدعوين إليه وحسب, ولكن لأنه أقيم تحت رعاية سمو الشيخ صباح الأحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء الكويتي, الذي حضر افتتاحه أيضا, مما يعكس - بجانب الأهمية الثقافية للعنوان - الأهمية السياسية للحدث أيضا, الذي يجمع على مستوى شعبي بين مواطني الدولتين على أرض الكويت بعد نحو 15 عامًا من الكارثة التي صنعت شرخًا عميقا في جدار الثقة بين الجارين, وليأتي هذا الملتقى - كما قال بيان المنظمين - في إطار التواصل مع شعراء العراق وأدبائه, بعد غياب قسري فرضه النظام العراقي السابق على مجمل شعراء العراق وأدبائه لفترة طويلة.قبل الملتقى, قدمت دولة الكويت - ثقافيا - مبادرات نوعية, أصدرت (العربي) في سلسلة كتبها الفصلية (كلمات من طمي الفرات) (يوليو 2003), واستضافت في ندوتها السنوية مبدعين ونقادا عراقيين, كما أصدرت جريدة الفنون بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عددا خاصا عن الفن العراقي, وقدم المخرج الكويتي سليمان البسام عرضًا مسرحيًا, شارك فيه عراقيون وكويتيون في مهرجان رسمي, ليأتي الملتقى الكويتي الأول للشعر العربي في العراق, مواكبة لهذا الجهد من النخب المثقفة لتجسير الهوة, ورأب الصدع, وبناء تواصل ثقافي جديد.

الشعر العربي في العراق

عنوان مشترك بين الملتقى وكتابين صدرا بمناسبته, وقد اختار ماجد الحكواتي في مختاراته (قصائد من الشعر العربي في العراق), خمسة وعشرين شاعرا ضمن مجموعة شعرية تعكس نهج المؤسسة المنظمة في (تجميع) الدواوين والمجموعات الشعرية بين غلافين, سواء في موسوعة أو أنطولوجيا تحاول الحياد. يقول حسين مردان في رجل الضباب:

ويلٌ لشعب لا يثور إذا رأى هذا التراب يدوسُه مستعمرُ
ويل لشعب قدْ أعين ولم يزلْ يخشى سياط الحاكمين ويؤمرُ
أنظل نحلم بالسماء ولونها وأنوفنا في الطين قبرًا تحفر?


صرخة مردان لا تزال تحمل شرعيتها وهو الذي توفي في عام 1972, وكأن الشعر الحقيقي الثائر ولد ليبقى. في المختارات الثانية قدم الدكتور عبدالواحد لؤلؤة مختارات (من الشعر العربي في العراق) ونقلها إلى الإنجليزية, وقد اختار لها: جميل صدقي الزهاوي, وعبد المحسن الكاظمي, ومعروف الرصافي, ومحمد رضا الشبيبي, وأحمد الصافي النجفي, ومحمد مهدي الجواهري, وحافظ جميل, ونازك الملائكة, وخالد الشواف, وعاتكة الخزرجي, وبدر شاكر السياب, وبلند الحيدري وحسين مردان ومصطفى جمال الدين وشفيق الكمالي ولميعة عباس عمارة وعلي الحلي وأكرم الوتري ومحمد جميل شلش ويوسف الصائغ وسعدي يوسف وصلاح نيازي وفوزي كريم وعلي جعفر العلاق ومعد الجبوري وأمجد محمد سعيد وجواد الحطاب وهادي ياسين, وعبد الوهاب البياتي الذي يقول:

دكتاتور تحت قناع العدمية, أوغل في القتل, وفي سحق الإنسان.
ويخشى مدعيا أن يقتل عصفورًا
صورته مبتسما في المقهى والمبغى والملهى والسوق
من بحر الكاريبي حتى سور الصين
يتناسخ هذا الدكتاتور ويأخذ شكل التنين.
فمتى يطعنه (مار جرجس), في ضربة رمح, ويجز جدائله بالسكين?!

وقدم لؤلؤة - بالإضافة إلى هذه المختارات, دراسة حول رواد التجديد في الشعر العربي المعاصر في العراق, تحت عنوان السياب ورفاقه, قال فيها: (يجب ألا يوحي العنوان بأن التجديد كان حكرا على شعراء العراق, ثم إنني أفضل كلمة (التجدد) على (التجديد), لأن الكلمة الثانية توحي بأن التجديد عملية مفروضة من خارج الشعر, دخيلة عليه, لكن التجدد توحي بأنها عملية نمو ونضج, تأتي من داخل الشعر, كما يندفع النسغ الصاعد من الجذور ويشتبك مع النسغ النازل من الأوراق في تعرضها للشمس وهواء الربيع, فتنتعش شجرة الشعر وتتخذ أغصانها أشكالا جديدة, وزهورها نضارة جديدة, لكن الشجرة تبقى هي الشجرة نفسها, لا تتحول إلى شيء آخر. والإنصاف يدعو - عند الحديث عن تجدد الشعر العربي في العراق - إلى الحديث عن نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري وقد أضاف الدكتور عبد الواحد لؤلؤة إلى هذه الأسماء: عبد الرازق عبد الواحد ولميعة عباس عمارة وسعدي يوسف ôأما الدراستان الأخريان في الندوات فكانتا للدكتور وليد محمود خالص (رواد الإحياء في الشعر العربي الحديث في العراق), والدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي (الشاعرة العراقية في العصر الحديث: نازك الملائكة وأترابها).

وبعيدا عن الأصوات الشعرية - العراقية والعربية - التي حاولت أن ترقى لمستوى المدون في مجموعتي المختارات الشعرية, فإن الشعر الحقيقي كان قليلا, واكتفى الحضور بتبادل المجاملات, والخطابات الرنانة التي كانت - كما يقول مؤرخو الشعر ونقاده - أحد أسباب سكون الشعر العربي وركوده, حتى أن تهديد رئيس الاتحاد العام للكتّاب العرب الشاعر الجزائري عز الدين ميهوبي بالاستقالة من منصبه في رئاسة الاتحاد خلال المؤتمر المقبل للاتحاد الذي سيقام في الجماهيرية الليبية, إذا لم يتخذ قرار بشأن تجميد عضوية العراق في الاتحاد, قوبل بالتصفيق مما أعاد للذهن مناخا منبريا, آملين أن يتجاوزه الشعراء الحالمون إلى التنفيذ, بعودة العراق, وليس باستقالة مَنْ قَبِلَ للترشح للرئاسة والوضع كما هو.

وبعيدا عن المنصة, والمنبر, وفي ركن ضيق من فندق الإقامة, تحلق في المساء المودع شعراء شباب, قادتهم أصغرهن, الشاعرة منى كريم, التي حرص الكثيرون على سماعها, وأن توقع لهم ديوانها مثلما حرص شعراء وشاعرات على مشاركتها في قراءات عفوية تابعها البعض من فوق السلم, كأي شعر حقيقي, لا يهمه أن يصعد المنبر, قدر حاجته للارتباط بالجمهور.

 

أشرف أبواليزيد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




أدباء العرب في ضيافة الكويت، الدكتور أحمد زكي يستقبل بمكتب مجلة (العربي) (1958) الدكتور عبدالهادي التازي والشاعر أحمد السقاف والعلاّمة الفاضل بن عاشور (مفتي تونس) ومحمد المزالي ومحمود شوقي الأيوبي والدكتور محمود السمرة





جانب من أدباء العرب في ضيافة الكويت بعد 47 عامًا





شاركت الفنون الشعبية التقليدية من الكويت والعراق في إحياء لحظة مد الجسور, ليبقى الشعر والفن ديوان العرب





شاركت الفنون الشعبية التقليدية من الكويت والعراق في إحياء لحظة مد الجسور, ليبقى الشعر والفن ديوان العرب





الكاتبة ليلى العثمان تدير ندوة الدكتور عبدالواحد (لؤلؤة حول رواد الشعر في العراق), والشاعرة منى كريم (أصغر الأصوات الشعرية في الملتقى) في ندوة جماهيرية على الهامش





الشاعرة منى كريم, وندة شعرية جماهيرية غير رسمية?