دون كيشوت.. فارس عمره 400 عام.. ومازال يرفض الهزيمة

دون كيشوت.. فارس عمره 400 عام.. ومازال يرفض الهزيمة

في هذا العام, وبعد حوالي أربعة قرون من خروجه الأول في عام 1605 عاد دون كيشوت للخروج لمواجهة العالم المعاصر.

بالمصادفة اكتشفت أن (دون كيشوت) يقف في وسط ميدان (إسبانيا), مختفيًا خلف نصب تذكارية أخرى, كان هذا الميدان الواقع في شمال العاصمة (مدريد) مزدحمًا كالعادة, تحيط به البنايات الضخمة, ولا أدري لماذا أخذ هذا الميدان وحده اسم المملكة الإسبانية كلها, كانت فيه أقدم وأعلى بنايتين في العاصمة, يعود بناؤهما إلى الخمسينيات من القرن الماضي, كنت أسعى للحديقة المستديرة في منتصفه حيث توجد محطة للحافلات التي تطوف العاصمة مصحوبة بترجمة فورية, ولكن حين التفت للوراء وجدت (دون كيشوت), وقد أخذ إهاب البرونز المائل للخضرة, كان كالعهد به يجلس منتصبًا فوق ظهر حصانه, يمسك رمحه في يد, بينما يرفع اليد الأخرى محتجًا ومعترضًا, يتصدى للبنايات العالية, كأنها طواحين معاصرة عليه أن يواصل الحرب معها, جسده هزيل وحصانه أعجف, ورمحه رفيع, ولكنه مازال ذلك الفارس المعتز بنفسه, حتى أن الحمائم التي تطوف في الحديقة كانت تخشاه, فلم تكن تقف فوق رأسه ولو للحظات, وبجانبه كان يوجد تابعه الأمين سانشو بنزا, بقامته القصيرة وجسده المكور, يجلس فوق حماره وقد وضع على رأسه خوذة, كانت من قبل وعاء يستخدمها الحلاق في إذابة الصابون, يحدق أمامه في شرود لعله كان مازال يفكر في الجزر والممالك التي وعدها به سيده ولم يف بهذا الوعد, وقفت أمام التمثال مشدوها

وأنا أتمتم لنفسي: يا إلهي, إنه يرفض أن ينهزم.

لم يكن (دون كيشوت), يبدو في وقفته الجامدة غائبا عما يدور في عالمنا, ولم يكن بعد مستعدا للاستسلام, خاصة و هو الفارس الوحيد بعد أن رحلت كل صنوف الفرسان الأخرى, فرسان المائدة المستديرة, فرسان الصليب والهيكل والإنكشارية, وحتى فرسان المماليك, هو الذي بقي محافظا على وجوده في الذاكرة الإنسانية, وعلى مبادئه أيضا, ربما لأن الدنايا الصغيرة, والأكاذيب الكبيرة, والسحرة والمردة, التي خرج من أجل محاربتها لم تختف بعد.

ولعل الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز حين أعلن أنه سيوزع مليون نسخة من رواية دون كيشوت مجانا على مواطنيه, كان يعي ذلك, فقد أراد أن يتمعن مواطنوه في مثال هذا البطل الذي حارب طواحين الهواء ملاحقا مثله العليا. وقال: (سنقرأ جميعا دون كيشوت لنتغذى أكثر من روح مكافحة أرادت إحقاق الحق وتصحيح العالم. إننا جميعا أتباع لدون كيشوت إلى حد ما).

أشهر من المؤلف

(دون كيشوت) مثل هاملت وموبي ديك وفاوست ودون جوان, من الشخصيات القليلة التي فاقت شهرتها شهرة مؤلفيها, وحين قرأت نسخة مبسطة منها وأنا صغير كنت أعتقد أنها إحدى هبات الطبيعة, مثل الأساطير والحكايات الشعبية والملاحم القديمة, حين تتشارك مجموعة بشرية في تأليفها وتضع فيها كل خبرات حياتها, أي أنها تصبح تعبيرًا عن العقل الجمعي, وليست نتاجا لعبقرية فرد واحد, ثم قرأت الرواية بعد ذلك في نسختها الكاملة, وأكتشفت فيها تلك التوليفة الساحرة من تراث الجماعة البشرية ومأثوراته, ممتزجا بالعبقرية الفردية, وهذا هو سر الأعمال الأدبية الخالدة, إن لها القدرة على احتواء التراث وتمثله, والقدرة على أن تصبح جزءا من حقائق الكون وليست مناقضة لها.

ولمن لا يعرفون (دون كيشوت), ذلك الفارس الحزين الوجه, فإن أفضل تقديم له هو قول شاعرنا المعروف أبي الطيب المتنبي:

وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسام


وهذا هو سر مشاكل (دون كيشوت), فقد كان يمتلك نفسا كبيرة, لا ترضى بالواقع الضيق الذي يحيط بها, ولا بالإمكانات الضئيلة التي لا يملك غيرها. فبالرغم من أنه نبيل متوسط الحال, هزيل الجسم, في الخمسينيات من عمره, بصره ضعيف من كثرة إدمانه على قراءة كتب الفروسية, فإنه أيقن أن وراءه رسالة كبرى عليه أن يؤديها, تمردت روحه على مكتبته الزاخرة بالأسفار القديمة, وعلى مائدة طعامه الحافلة بالأطباق الدسمة, وعلى الثياب الحريرية التي كان يقتنيها, أحس ذات لحظة أن العالم خارج أسوار ذاته يضج بالمظالم والبؤس والفقر والتسلط والبغي, وأنه في حاجة إلى رجل عادل يعيد الأمور إلى نصابها, وكان (دون كيشوت) محقا في ذلك, ولكنه حين قرر الخروج لتغيير هذا الواقع الأليم اختار أن يكون فارسا من نبلاء القرون الوسطى, راكبا فرسه وحاملا رمحه, وكان مخطئا في ذلك, لأن زمن الفرسان كان قد مضى إلى غير رجعة.

هذا هو التناقض الذي بنيت عليه أحداث الرواية, وهو ليس تناقضا مأساويا, كما يحدث في التراجيديا, عندما يسقط البطل نتيجة لنقطة ضعفه, فيثير فينا التفجع الذي يطهر الروح, ولكن (دون كيشوت) يخوض تناقضًا آخر, بين المثال والواقع, بين الوهم والحقيقة, فيثير فينا الضحك والسخرية, لقد لعب ميجل دي سرفانتيس مؤلف الرواية ببراعة على القطب الثاني من الدراما وأعني به الكوميديا, التي تشحذ العقل وتعمل التفكير. لقد وضع إحدى السمات الأساسية لفن الرواية, سوف يحتفي بها ويحافظ عليها كل الروائيين من بعده, من جوجول إلى ديكنز, ومن ماركيز إلى كونديرا, ألا وهي الاعتماد على فن السخرية من الطبائع البشرية, بل إن أعمال ديستفوسكي ـ أستاذ عموم التشاؤم ـ لم تكن تخلو من هذه السخرية السوداء, وعلى حد تعبير الروائي التشيكي الشهير ميلان كونديرا, فإن حس السخرية والقدرة على اكتشاف التناقض هو الذي ضمن لفن الرواية التميز عن بقية الفنون الأخرى, وهو الذي أمّنَ بقاءها, وعلينا أن نعترف أن سرفانتيس هو الذي وضع الأساس لهذا الأمر.

غادر (دون كيشوت) قصره ليخوض تجربة الفروسية مرتين, في الأولى كان وحيدا, عديم الخبرة بالعالم الخارجي, لذلك كانت هزيمته سريعة, وجروحه بالغة, وعاد إلى بيته وهو على وشك الموت, ولكنه لم يمت, بل وجد نفسه يستعيد هذه المغامرة الصغيرة الفاشلة, فتمتلئ روحه التي لا تعرف الوهن ولا الشيخوخة بالعزم على العودة مرة أخرى, وهكذا يعاود الخروج مرة أخرى بعد أن أقنع أحد الفلاحين الذين يعملون عنده ـ هو سانشو بنزا ـ بأن يكون تابعا له, وهكذا تبدأ واحدة من أكبر المغامرات في التاريخ الروائي, حروب ضد العمالقة التي هي في حقيقتها طواحين هواء, وضد الجيوش المسحورة التي هي أغنام, وتقديم فروض الطاعة لأميرات هن بائعات هوى, وإنقاذ لفرسان هم في الأصل مجرمون, وهكذا تمضي ثنائية الوهم والحقيقة دون توقف, وتتحول كل هزيمة ساحقة ـ من وجهة نظره ـ إلى انتصار مؤزر ـ كما يحدث في عالمنا الثالث ـ ويتلقى (دون كيشوت) من الضربات أكثر مما يوجه من طعنات, ويمتلئ جسده بالجروح البالغة, ولكنه لا يموت, بالرغم من جسمه الواهن, وعظامه الهشة وعمره المتأخر. إن روحه الكبيرة تعوض كل نقاط الضعف هذه, إنه أشبه بشخصيات أفلام الكارتون التي لا تموت مهما تعرضت لحوادث أو انفجارات, ومن المؤكد أنها أخذت عن فارسنا هذا التقليد.

التابع الأمين

ولا يمكن الحديث عن (دون كيشوت) دون تابعه (سانشو بنزا), فهو الشخصية المكملة, وليست المناقضة له, كما ذهب كثير من النقاد, فهو لا يمثل ـ في رأيي ـ الواقع المادي في مقابل المثالية التي يمثلها (دون كيشوت), ولكنه الوجه الآخر للعملة, لقد كان فلاحا عاديا, محدود الأفق, نهما, لا يدرك إلا الأشياء التي يحس بها بين أصابعه, لا يعرف القراءة والكتابة, وهذه هي نقطة ضعفه, فمن المؤكد أنه لم يصدق (دون كيشوت) حين وعده أنه إذا رافقه في رحلته فسيهبه جزيرة ويجعله ملكا عليها, ولكن الحقيقة أنه وهو الجاهل الأمي قد أخذ ببلاغة (دون كيشوت), وفصاحته وسعة معرفته, فهو يقول له معجبا: (في الحقيقة يا سيدي أنك واعظ أفضل منك فارسًا), وعندما سار خلفه لم يكن متوهما, كان على الأقل يرى العالم على حقيقته, يعرف أن مايقف أمامهما هي طواحين هواء, وليست مردة أو شياطين, ويعرف أن ما يعترض طريقهما هي أغنام وليست جيوشا مسحورة, وأن الذين في الأسر هم مساجين وقتلة, وليسوا فرسانا مهزومين, بل ويعرف أيضا أن ما يلبسه على رأسه هو (طاسة) حلاق وليست خوذة ذهبية, ثم يتحول بالتدريج ليرى العالم كما يراه سيده, ليعيش معه أحلامه وأوهامه, توحد الوجهان في عملة واحدة, بالرغم من الفارق الكبير بينهما. ونقطة التحول هذه واحدة من أجمل الإبداعات في هذه الرواية العظيمة.

مؤلف تعيس الحظ

ما الذي دفع هذا الكاتب المغمور للقيام بالمغامرة الإنسانية التي لم تتكرر كثيرا, لقد كان جالسا على مائدة منزوية في ميدان (بلازا مايور), حيث يقام السوق الكبير, وتعقد أحيانا مصارعات الثيران ويتجول رجال الحاشية, يكتب الشكاوى للقرويين ليتقدموا بها للمحاكم, ويختلط بالخادمات الشبقات اللواتي يردن لفت أنظار عشاقهن, وبغيرهن من رواد السوق, كان ميجيل دي سرفانتس قد قضى حياة مريرة قادته إلى هذا المكان,كان أبوه جراحا متوسط القيمة في مدينة ابن الوليد, أنجب من الأولاد أكثر مما ينبغي, تسعة أولاد بين ذكور وإناث, وولد هو عام 1547, نال جزءا من التعليم الديني, فقط لأنه كان تعليما مجانيا أو غير مكلف, ولكن روحه النزقة لم تخضع للتربية الدينية المتزمتة, وفشلت كل محاولاته للتعلم سواء في المدرسة أو في خارجها, ثم اضطر للفرار إلى إيطاليا عام 1568, ويبدو أنه كان هاربًا من حكم قضائي بعد دخوله في مبارزة غير مشروعة, المهم أن هذا الفرار قد غير حياته وملأ وجدانه بكل آيات الفن والثقافة, فقد كانت إيطاليا تعيش روح عصر النهضة بكل ما فيه من انطلاق ورغبة في التجديد, تتفتح على أرضها كل الفنون الأوربية, ولكنه عمل جنديا مرتزقا يخوض المعارك تحت إمرة دوقاتها, وخاض إحدى المعارك الضارية التي شنها أسطول فينيسيا, تعاونه بعض قطع الأسطول الإسباني ضد الأسطول العثماني, وكانت تركيا في ذلك الوقت هي أقوى قوة مناوئة للعالم المسيحي, وانتهت هذه المعركة بهزيمة الأتراك, ولم يكن لينسى هذه المعركة أبدا, ففيها تلفت أعصاب يده اليسرى, فبالرغم من أن ذراعه لم تقطع فإن اليد ظلت لبقية حياته عاطلة عن العمل, وقد سجل سرفانتس طويلا هذه المعركة بعد ذلك بسنوات, وضمنها في (دون كيشوت).

وبالرغم من ذلك الثمن الباهظ الذي دفعه في القتال فإن الحظ السيئ لم يغادره, ففي أثناء عودته إلى وطنه هاجمت السفينة التي تقله إحدى سفن الأسطول التركي وأخذته أسيرا, حيث سجن في الجزائر, وهكذا بقي في سجن القراصنة مدة طويلة, يشكو ويتوسل ويكتب الرسائل الطويلة إلى ملك إسبانيا فيليب الثاني, حتى يتدخل ويفك أسره هو ومن معه, ولكن كان للملك من متاعبه الداخلية ما يكفيه, فلم يلتفت لهذا الصوت القادم من خلف البحار, وتدخل أخ له غير شقيق كي يدفع عنه فدية من المال وينقذه من يد القراصنة.

عاد إلى إسبانيا أخيرا عام 1580, حاملا الكثير من الذكريات المؤلمة والحظ السيئ, رحل بين أكثر من مدينة, وتزوج زواجا تعيسا, وهل كان في إمكانه أن يفعل غير ذلك, واتخذ له عشيقة, وأنجب بنتا غير شرعية, فلم يزد هذا وضعه إلا سوءا, كتب الشعر فلم يأبه بقصائده أحد, دخل ميدان الكتابة المسرحية فلم ترفع الستار عن أي من فصوله, وظلت طاقة الخبرات المختزنة في داخله لا تجد لها متنفسا, ثم بدأ يكتب القصص, قصصا رعوية زائفة, يتخفى فيها الأمراء في زي الرعاة ليمارسوا الحب مع راعيات هن أيضا أميرات متنكرات, ولم يحل هذا من معضلة الفقر المستحكمة حولهن بل إنه أودع السجن أكثر من مرة, تارة من أجل مخالفات بسيطة, وتارة من أجل اتهامه بالشروع في قتل أحد الفرسان, لأنه اعتدى على شرف ابنته, وهكذا ظلت الفضائح والجرائم تلاحقه, وفي ذات لحظة قرر أن يعتزل كل هذه الصراعات والضغائن اليومية, وأن يعلو على كل الجراح الصغيرة التي تؤلم روحه, وأن يكتب قصة عن فارس وحيد, حزين الوجه خرج يطلب العدل, في عالم غير عادل.

نشر سرفانتيس الجزء الأول من (دون كيشوت), عام 1605, ولم ينشر الجزء الثاني إلا قبل وفاته بقليل في عام 1616, يقول سرفانتس إنه قد كتب هذه القصة ليسخر من عصر الفرسان, ومن الروايات التقليدية, التي كان الناس يدمنون على قراءتها في عصره, ولكنه في واقع الأمر كان يحاول اكتشاف الفارس النبيل في داخله, الفارس الذي أرغمته الأقدار على العيش داخل جلد رجل وضيع, محاصر بالديون والاتهامات, كان كاتبا عبقريا خذله عصره, فلم يوهب له من الحياة إلا هامش ضئيل, وكان عليه أن يعلو على هذا الهامش حتى يكتشف الأفق المترامي خلفه, ولم يكن أمامه إلا القلم والورق, لقد عاش مطاردا من جرائم ارتكبها, وأخرى لم يرتكبها, وكان في حاجة إلى العدل, وليس أفضل من فارس شاكي السلاح يرسي هذا العدل في رحلة لا تنتهي.

انتقد كل عصره, وربما العصور التي سبقته, هاجم القوانين السائدة, وقساوسة محاكم التفتيش المتعصبين, والكتاب الذين يدعون الحكمة, بينما يسطون على كتب القدماء, والحكام المحليين الغارقين في الفساد, والأدعياء والمتملقين الذين جعلوا من أصحاب الموهبة الحقيقية ـ مثله ـ في حضيض السلم الاجتماعي. باختصار كتب عن الفارس الذي كان يأمل أن يكونه ولكنه لم يستطع, ولأن الموهبة غلابة كما يقولون, فقد تمرد (دون كيشوت) على كاتبه, واكتسب حياته الخاصة, لم يعد قناعا يختفي المؤلف خلفه,, ولكنه كائن حقيقي يواجه الكون كما يجدر به, مشكلته أنه خرج للعالم الحقيقي بعد طول احتجاب, دون مرجعية يستعين بها, فاختلط أمامه الخير بالشر, والوهم بالحقيقة.

تأثيرات إيجابية وأخرى سلبية

كتب سرفانتيس هذه الرواية في ظل إسبانيا العظمى التي كانت تحكم العالم كله إلا قليلا, لذا فلم يضع فيها خبرته الشخصية فقط, ولكن وضع فيها خلاصة معارف (العولمة), التي كانت متاحة في عصره, ولكن يمكن القول إن فيها مؤثرين رئيسيين أحدهما بالإيجاب والآخر بالسلب, أولهما تأثره العميق بثقافة عصر النهضة وتحررها, التي كانت سائدة في إيطاليا, وتبدو ملامح قصص (الديكاميرون) التي كتبها (بوكاشيو) في القرن الرابع عشر واضحة, خاصة في حكايات العشق والخديعة التي تعتبر متحررة نوعا ما عن الأخلاقيات المتزمتة في تلك الفترة, وتأثر أيضا بالكوميديا (دي لارتي), وهي مسرحيات كانت تقدمها الفرق الجوالة, ترتجلها بالريف الإيطالي, وهي مثيرة للضحك الصاخب, وتحفل الرواية بمشاهد مرتجلة, وأقنعة تنكرية, وخاصة عندما تجتمع شخصياتها في حانة أو في قصر فتبدو كأنها فرقة مسرحية جوالة ممثلها الأول هو (دون كيشوت), وهم يرتجلون جميعا, مسرحية عبقرية تقف على حدود الواقع والجنون.

وتظهر التأثيرات السلبية في الإشارات العربية التي تحفل بها الرواية, في البداية يحاول المؤلف إيهامنا بأن هذه القصة مأخوذة عن مخطوط قديم كتبه عربي متنصر يدعى حامد بن الأيل, واكتشف المتخصصون فيما بعد أن (الأيل), المقصود هو معنى اسم سرفانيتس بالإسبانية, ومن الواضح أنه يستخدم بعض الكلمات العربية التي تعلمها أثناء أسره في الجزائر, ليسخر من القارئ المتحذلق الذي يبحث خلف كل عمل إبداعي عن مرجع تاريخي, ولكن الرواية تمتلئ بإشارات قاسية ضد العرب, فهم منبع الشر و السحر والشعوذة, وخاصة أهل مراكش. غير أن علينا أن ندرك أن هذا نابع من تأثير الصراع الذي كان محتدما في هذا العصر, وخاصة تجربة المؤلف الشخصية, التي كانت في سجون الجزائر, كما أن الحروب بين الجانبين والتي كانت تدور على الشواطئ والقلاع وفي السفن لم تكن تهدأ, ولم يكن عهد استرداد إسبانيا للأندلس بعيدا عن الأذهان, ولكن هذا التأثير بالرغم من سلبيته فقد أغنى الرواية بإطلالة على ثقافة خارج منظومة المركزية الأوربية, وإن كان لا يمنع أن سرفانتس كان ناقدا لاذعا, وهجاء كبيرا, فقد صب غضبه في الوقت ذاته ليس على المسلمين فقط ولكن على الرعب الذي كانت تثيره محاكم التفتيش في بلاده.

بعد انتهاء مغامرته عاد (دون كيشوت), ونام على فراشه في رقدته الأخيرة, ولكنه كان قد ترك عالما متغيرا, وأثبت أن عصر الفرسان لم ينته بعد, وأنه مادام هناك ضمير يقظ, ونفس كبيرة, فإن روح الفروسية لا تموت أبدا.

 

محمد المنسي قنديل

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




مؤلف دون كيشوت الأديب الإسباني ميجول دي سرفانتيس





 





دون كيشوت كما تخيله الرسامون





تمثال دون كيشوت وتابعه سانشو بنزا وهما يقفان في ميدان إسبانيا في العاصمة مدريد





بعض المعارك الوهمية التي خاضها دون كيشوت