العولمة ومستقبل العمل

العولمة ومستقبل العمل

يتجه مجتمع ما بعد الصناعة, الذي نعيش فيه الآن, نحو عولمة العمل بسرعة فائقة, بحيث أصبح من الممكن أن تشترك في إنجاز العمل الواحد قوى عاملة كثيرة مختلفة تنتمي إلى عدة دول متباعدة وذلك على العكس تماما مما كان مألوفا حتى سنوات قليلة ماضية. وتثير هذه الأوضاع الجديدة عددا من التساؤلات المهمة حول التغيرات التي يتوقع حدوثها ليس فقط فيما يتعلق بمواقع أو مواطن العمل, ولكن أيضا فيما يخص أنماط وطبيعة ومقومات العمل في المستقبل من منطلق أن التقدم التكنولوجي الهائل يقلب رأسا على عقب كثيرا من الأوضاع التقليدية المتوارثة ويساعد على ظهور أنماط من السلوكيات والمواقف والعلاقات, وأشكال من النشاط الجديدة تماما, والتي كان يصعب تصور إمكان حدوثها حتى عهد قريب. وقد عقدت في السنوات الأخيرة عدة مؤتمرات وندوات لمناقشة المشكلات, التي يحتمل نشوبها في المستقبل في مجال العمل نتيجة للكشوف العلمية والابتكارات التكنولوجية المتسارعة وتغير الظروف الدولية والمصالح الاقتصادية المتشابكة والمتعارضة واحتمال ظهور أشكال وصيغ جديدة من علاقات العمل وأساليب الممارسة, وأخلاقيات النشاط الاقتصادي بوجه عام, وأثر ذلك كله على أسلوب الحياة والروابط الاجتماعية في عالم الغد. ومن أهم وأحدث هذه المؤتمرات والندوات المؤتمر الدولي الثاني عن مستقبل العمل, الذي عقد في فيلادلفيا في أبريل الماضي تحت عنوان (أسلوب التنفيذ: من الرؤية إلى الفعل), وذلك بقصد البحث عن الوسائل الكفيلة بتحقيق مزيد من الارتقاء بأساليب وطرق العمل في المؤسسات الكبرى حتى يمكن مواجهة تحديات العولمة بكل ما يترتب عليها من تنوع وتباين في القيم التي تتحكم في سلوكيات الأيدي العاملة في مختلف المجتمعات والثقافات, وبخاصة الثقافة الغربية, وإمكان وضع تصور جديد عن إدارة العمل في المستقبل, ودفع مسيرة العمل والإنتاج بما فيه خير القوى العاملة وصالح المجتمع بأسره.

والظاهر أن هذه القضايا كانت تشغل فكر الباحثين والكتاب خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي. ففي مايو 1996 - على سبيل المثال - عقدت الأكاديمية العالمية للفنون والعلوم ندوة عن (مستقبل العمل) حضرها عدد محدود من كبار الأكاديميين والمخططين المهتمين بالموضوع, وتناولت المناقشات عددا كبيرا من الموضوعات المتعلقة بتأثير العولمة على اقتصاديات العمل والأبعاد السياسية والثقافية لهذه التأثيرات, ولكن المشكلة المحورية التي دار حولها معظم النقاش كانت أثر التقدم في العلم وتكنولوجيا المعلومات على علاقات العمل وزيادة الإنتاج بالرغم مما قد يترتب على هذا التقدم العلمي والتكنولوجي من تراجع ونقص في فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة وازدياد خطورتها, بحيث كادت عبارة (العمل من أجل كسب القوت) تخلو تماما من المعنى, مما يتطلب وجود فكر جديد متطور يستطيع اقتراح حلول عملية عاجلة وفعالة للتغلب على هذه المشكلة الصعبة.

كذلك شهد العقد الأخير من القرن الماضي قيام عدد من المؤسسات ومراكز البحوث المتخصصة في دراسات مستقبل العمل كما هو الشأن - على سبيل المثال أيضا - بالنسبة لمؤسسة مستقبل العمل The Foundation of Work Future التي أنشئت في أستراليا بهدف تحديد التوقعات المستقبلية بالنسبة للعمل من خلال رصد مسار الأحداث وتطور العلاقات القائمة بالفعل بين أطراف العمل, وإجراء بحوث استطلاع الرأي حول ما سيكون عليه الوضع عام 2020 وهكذا.

***

وبالرغم من كل ما قد يبدو من بساطة مفهوم العمل وقربه إلى الأذهان فإن قاموس أكسفورد المختصر يذكر سبعة وعشرين تعريفا مختلفا للكلمة لعل أبسطها هو: (الشغل لكسب المال عن طريق بذل الجهد). ولكن مهما اختلفت الآراء وتعددت التعريفات فإن المفهوم يعني - بالنسبة للعاملين أنفسهم على الأقل - الانخراط في نشاط اقتصادي معين يضمن لهم دخلا كافيا يستمر طيلة فترة الحياة التي يمارس خلالها الفرد البالغ ذلك النشاط بكفاءة واقتدار. وهذا لا يمنع من انتشار ظاهرة عمالة الأطفال في كثير من دول العالم, كما أنه لا يتعارض مع احتمالات حدوث تغيرات جذرية في مجالات العمل المعروفة, نتيجة للتطورات العلمية والتكنولوجية, إذ المتوقع أن تتغير مجالات وأنماط وأساليب العمل خلال السنوات القليلة المقبلة (حتى العام 2020 مثلا) عما عليه الوضع الآن. بل إن هناك من الكتاب من يرى أن المفهوم التقليدي للكلمة يخضع الآن للتهميش وأنه قد يختفي تماما بقدوم العام 2020 ليس فقط نتيجة مباشرة لهذه التطورات العلمية والتكنولوجية أو لتفشي البطالة, ولكن أيضا بسبب بعض العوامل المستجدة التي قلما تلقى الاهتمام الكافي من الباحثين, مثل عدم رضا الكثيرين من العاملين عن نوع العمل الذي يمارسونه والعائد المادي والأدبي من المجهود المبذول وعدم الحصول على الإشباع النفسي والمعنوي الكافي بما يكفل للشخص الشعور باحترام الذات وهكذا. وكما يقول عالم الاجتماع الأمريكي الشهير دانييل بل Daniel Bell وهذه مسألة سنعود إليها فيما بعد - إن وظيفة العمل والترتيبات الخاصة به سوف تتأثر تأثرا عميقا بما يطلق عليه اسم (التكنولوجيا الذهنية Intellectual Technology) أي ظهور المعارف النظرية المجردة التي تعتمد على الكمبيوتر وتعمل على تطوير - أو بالأحرى تثوير - طبيعة العمل في مرحلة ما بعد الصناعة. فالكمبيوتر سوف يساعد على الارتقاء بنوعية العمل الذهني الذي هو عمل المستقبل, بل وسوف يقضي على كثير من العمليات الذهنية الروتينية المألوفة, ويدفع إلى التفكير الإبداعي الخلاق. ولعل هذه العبارة الأخيرة تلخص أهم الملامح المميزة لعمل المستقبل والتحولات التي سوف تطرأ على المفهوم والتطورات في أساليب الممارسة.

وتسيطر على معظم الكتابات عن مستقبل العمل نظرة متشائمة متأثرة في الأغلب بعدم الشعور بالأمان نتيجة لاستفحال ظاهرة البطالة وازدياد الفقر واتساع الفجوات الاجتماعية بين شرائح المجتمع, حتى في الدول المتقدمة, واختفاء كثير من المهن لدرجة أن جون بيرجس الأستاذ بجامعة نيوكاسل ببريطانيا يتكلم عما يسميه The End of Career لصعوبة ملاحقة التغيرات في محكات ومعايير المهارات المطلوبة لممارسة الأعمال التي سوف تظهر في المستقبل. بل إن أحد علماء الاقتصاد الكبار وهو جيريمي ريفكن Jeremy Rifkin يذهب إلى أبعد من ذلك فيتكلم عن (نهاية العمل The End of Work) على اعتبار أن العالم قد وصل بالفعل إلى نهاية الطريق ولم يعد قادرا على توفير أو (اختراع) أعمال جديدة مبتكرة في ميادين الصناعة والنشاط الاقتصادي التقليدي, وإن كانت التكنولوجيا المتقدمة سوف تزيد من فرص العمل في مجال الخدمات, وبخاصة تلك التي تحتاج إلى مهارات ذهنية فائقة. والأدهى من ذلك في نظر هؤلاء الكتاب (المتشائمين) أن إمكانات العمل في هذه المجالات الجديدة ذاتها لن تجد من يكفي لشغلها لأنها تتطلب توافر مهارات وقدرات ذهنية يصعب على الكثيرين الوصول إليها مما سيؤدي إلى مزيد من تهميش القوى العاملة. ولذا فإن الأمر يحتاج إلى إجراء إصلاحات هائلة في هياكل المؤسسات الكبرى وبذل جهود مكثفة لتوفير فئات من المتخصصين فيما يطلق عليه اسم الاقتصاد غير المادي intangible, الذي يعتمد على القدرات الذهنية والتفكير النظري المجرد إلى حد كبير. وإن كانت هذه الإجراءات سوف تواجه بكثير من المقاومة والاعتراضات من القوى التقليدية, بل ومن المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ذاتها.

ومما يثير الأسى - كما يقول بعض هؤلاء الكتاب - أن فئات العاملين الفقراء أو من يطلقون عليهم اسم The Working Poor سيكونون هم ضحايا التقدم العلمي والتكنولوجي وسوف يعانون أكثر من غيرهم من جراء ذلك التقدم العلمي والتكنولوجي, الذي يؤدي إلى الاستغناء عن كثير من الأيدي العاملة غير الماهرة, وأن ذلك سيكون له آثاره الاجتماعية السيئة, التي تتمثل في زيادة الانخفاض في مستوى المعيشة وتدهور العلاقات الأسرية وارتفاع معدلات العنف والجريمة وغير ذلك من الشرور المرتبطة بالبطالة الكاملة أو الجزئية. وقد يمكن التغلب - من الناحية النظرية البحتة - على هذه الأوضاع السيئة عن طريق إعادة التأهيل, ولكن السؤال الذي لم يجد له حلا مقنعا حول هذا الموضوع هو: التأهيل لأي شيء بالضبط? فأوضاع المستقبل لم تتضح بعد بما فيه الكفاية, وهناك احتمالات قوية بظهور مفاجآت جديدة غير متوقعة في مجال البحث العلمي والاكتشافات والاختراعات التكنولوجية, بل وأيضا في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, مما يضع قيودا شديدة على سياسات وخطط التدريب والتأهيل على المدى البعيد. وثمة بعض الأصوات التي تنادي بتطبيق مبدأ المشاركة في أداء العمل الواحد, بمعنى أن يوزع العمل الواحد الذي يقوم بأدائه في العادة شخص واحد بين شخصين أو أكثر للتغلب على ظاهرة البطالة, مع التنسيق بين هذه الجهود المتفرقة حتى لا يتأثر العمل أو يتعطل الإنتاج, ولكن المشكلة هنا أن ذلك الإجراء سوف يترتب عليه اقتسام الأجر عن العمل بين هؤلاء المشاركين وهو أمر مرفوض ولن يرضى به سوى الأشخاص الذين يفضلون العمل لبعض الوقت, فقط لأن ذلك يناسب ظروفهم الخاصة, وذلك فضلا عن أنه في كثير من الحالات لا يكفي العائد من عمل شخص واحد طيلة الوقت لسد احتياجات العائلة, مما يضطرها إلى البحث عن أعمال أخرى مساعدة.

***

ومن الطبيعي أن تجد هذه النظرة المتشائمة من يعارضها من المفكرين والكتاب, الذين يرون فيها نوعا من السلبية الهدامة, خاصة أن التاريخ - كما يقول تشارلز جولدفينجر Charles Goldfinger وهو مستشار اقتصادي دولي كبير - يدلنا على أن الاختراعات والابتكارات التكنولوجية كانت تؤدي دائما إلى زيادة فرص العمل ولذا فالأغلب أن فكرة نهاية العمل لن تتحقق على أرض الواقع بل قد يكون العكس هو الأقرب إلى الصواب وأن الغد سوف يشهد زيادة ملحوظة في فرص العمل في مجالات جديدة بما يعوض التراجع والفقد في الأعمال التقليدية, بل وقد يزيد عليها. فالمستقبل في نظر المفكرين (المتفائلين) مليء بإمكانات العمل في مجال تكنولوجيا المعلومات بالذات وطرق وأساليب تناول هذه المعلومات وتطويعها والإفادة منها عن طريق خدمات الكمبيوتر, وهذه مجالات خصبة للغاية, ولا تزال في حاجة إلى أعداد كبيرة من المتخصصين والعاملين من ذوي الخبرات الاستثنائية, الذين يستطيعون في الوقت ذاته توجيه هذه المعرفة وجهات تتفق مع احتياجات المستقبل, وبخاصة في مواجهة التغيرات الديموجرافية المتوقعة, ليس فقط بالنسبة للزيادة في عدد السكان أو حركات الهجرة المتزايدة, ولكن أيضا مواجهة المواقف التي سوف تنجم عن توقعات طول فترة الحياة, وازدياد حالات الشيخوخة واحتياجاتها من الرعاية الفيزيقية والاجتماعية والسيكولوجية وضرورة توفير أعمال تتعلق بتقديم هذه الخدمات.

فالزيادة المتوقعة في فرص العمل سوف تكون في المحل الأول في المجالات التي لن تحتاج بالضرورة إلى قدرات وإمكانات فيزيقية كبيرة, وإنما في مجال الخدمات والأعمال الذهنية وهذه سوف تهيئ فرصا واسعة لعمل المرأة التي يتوقع لها أن تفوق نسبة اضطلاعها بهذه الأعمال ما هو متاح للرجل, بحيث يتساءل بعض الكتاب هل سيكون المستقبل أكثر (تحيزا) للمرأة في ميادين العمل? وهو تساؤل ينم عن كثير من القلق بالرغم من كل الشعارات المرفوعة عن عدم التفرقة بين الجنسين.

وثمة بعض مفارقات يعاني منها سوق العمل والعمالة في الوقت الحالي وقد تكون لها انعكاسات في المستقبل.

المفارقة الأولى هي أنه في الوقت الذي تلجأ فيه بعض الشركات والمؤسسات الكبرى في الخارج إلى الاستغناء عن نسبة من الأيدي العاملة بها من حين لآخر, لضمان استمرارها في العمل فإن المشروعات (أو الأعمال الصغيرة) تجذب إليها أيدي عاملة جديدة بشكل متزايد وإن كان ذلك لا يقضي تماما على ظاهرة استفحال البطالة, ولكن الموقف ينبئ بإمكان حدوث تغيرات مهمة في هياكل العمل والعمالة في المستقبل وقد تكون له آثار بعيدة على النظام الاقتصادي العالمي.

المفارقة الثانية هي أنه في الوقت الذي تشكو فيه المجتمعات الغربية من الزيادة المطردة في البطالة, تنجح بعض دول شرق آسيا في توفير أعمال منتجة لكل الأيدي القادرة على العمل من الجنسين بل وأحيانا من الأطفال أيضا. ويقال إن الصين وفرت مائة مليون وظيفة وفرصة عمل جديدة خلال العقد الماضي وحده, كما أن نسبة (التشغيل) في الهند تضاعفت بعد إجراء بعض التعديلات والإصلاحات الاقتصادية في التسعينيات, وهذا أيضا قد يحدث انقلابا في موازين القوى في الاقتصاد العالمي.

والمفارقة الثالثة تتمثل فيما يذهب إليه تقرير مكتب العمل الدولي لعام 1995 عن حالة البطالة في العالم, من أنه ليس هناك ما يدعو إلى الجزم بأن البطالة سوف تزداد في المستقبل وأن من الخطأ رد ارتفاع معدلاتها الحالية إلى العولمة والمنافسة الشديدة أو إلى التغيرات التكنولوجية وحدها لأن المسألة أكثر تعقيدا من هذا بكثير, وأنه في الوقت الذي تستغني فيه بعض المؤسسات عن أعداد كبيرة من العاملين فيها فإن هناك فرصة لاستمرار بعض العاملين في ممارسة أعمالهم لعدد من السنوات أكثر مما هو متاح لهم الآن تحت نظام سن التقاعد المعمول به في معظم الدول (ما بين الستين والخامسة والستين) وذلك بفضل التقدم في أساليب الرعاية الصحية والتحكم في أمراض ومتاعب الشيخوخة, بل المتوقع أن يختفي مفهوم التقاعد كلية نظرا لاحتمال ظهور مجالات جديدة للعمل لا تحتاج إلى القوة الفيزيقية أو حتى إلى القدرات الذهنية العالية بقدر ما تحتاج إلى توافر عامل الخبرة الطويلة المتراكمة عبر السنين, والتي يفتقر إليها العاملون الأصغر سنا, حتى وإن كانوا أكثر دراية ومعرفة بأسرار التكنولوجيات المتقدمة. بل إن المتوقع أيضا إعادة النظر في كثير من أنواع النشاط الفردي التي لا تدخل الآن في باب (العمل) بالمعنى الدقيق للكلمة, بحيث تصبح في المستقبل مصادر مهمة للدخل المادي وتجذب إليها أعدادا كبيرة من (العاملين) بعد التطورات والتجديدات التكنولوجية وتغير النظرة إلى الحياة ذاتها. وسوف يترتب على ذلك زيادة كبيرة في عدد (فئات) العمل أو المهن والحرف عما هو معروف الآن. فبينما كانت هناك ثمانون (فئة) عمل فقط في الأربعينيات من القرن الماضي أمكن التمييز بين أكثر من ثمانمائة (فئة) أو نوع عمل العام 2000 وسوف يزداد هذا العدد في المستقبل, وبخاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات التي سوف تساعد على ظهور وتطور ألوان جديدة من العمل تعتمد على المعرفة الذهنية المجردة أو على قوة العقل Brain Power وليس على الجهد الفيزيقي بحيث يطلق عليها اسم (عمل المعرفة Knowledge Work) والذي يعتبر إنتاج البرمجيات الآن النموذج المثالي لهذا النوع من العمل في العصر الرقمي, الذي بدأنا الدخول فيه بقوة وثبات - على الأقل فيما يتعلق بدول الغرب المتقدمة.

وسوف يشاهد المستقبل أيضا إقبالا شديدا على (الأعمال غير النمطية) مثل العمل لبعض الوقت فقط أو العمل المؤقت أو العمل العارض والتعاقدات قصيرة المدى لإنجاز مهمة محددة فحسب مما قد يقلل من فداحة البطالة. وسوف تلقى فكرة ممارسة العمل في البيت أو بعيدا عن المقر الرسمي للعمل فيما يعرف باسم (العمل عن بعد) إقبالا متزايدا من العاملين وبخاصة في مجال الأعمال الذهنية والمتعلقة بالخدمات حيث يمكن أداؤها بكفاءة عن طريق الاتصالات الإلكترونية. والواقع أن هذه الظاهرة كانت قد بدأت تشيع في بعض الدول الغربية منذ الثمانينيات, ولكنها قد تصبح هي النمط السائد والمقبول, وبخاصة من النساء في المستقبل غير البعيد في كثير من أنحاء العالم. فبينما كانت حالات العمل عن بعد تقدر بحوالي مليون حالة فقط العام 1994 ارتفع ذلك العدد إلى ما يزيد على عشرة ملايين حالة العام 2000 والمنتظر أن يزداد الإقبال على هذا النوع من العمل زيادة هائلة في المستقبل, خاصة أن كثيرا من المؤسسات تشجع عليه نظرا لانخفاض التكلفة وتوفير الوقت وتحقيق درجة أكبر من الدقة, لأن العاملين في هذه المجالات يمارسون أعمالهم في ظروف أكثر راحة واسترخاء, كما أنهم هم الذين يحددون لأنفسهم أوقات العمل بما يتلاءم مع ترتيباتهم الخاصة, وليس تبعا لأوقات عمل رسمية تحددها المؤسسة أو صاحب العمل. وربما يترتب على ذلك أن يصبح العمل هو ما يختاره الفرد لنفسه بالمشاركة أحيانا مع غيره, بدلا من أن يكون العمل هو ما يحدده صاحب العمل ويسند إلى الآخرين مهمة تنفيذه حسب تعليمات محددة وجامدة. فهذه كلها تحولات تساعد على تهيئة مناخ أفضل يوفر الراحة النفسية والرضا ولو أن هذه الأعمال ستكون مقصورة بطبيعة الحال على فئات محدودة من العمل في مجال المعلومات والمعرفة, حيث لا يحتاج الأمر إلى استخدام آلات أو أجهزة كبيرة الحجم.

والمهم في هذا كله هو أن المستقبل - في نظر المفكرين والكتاب المتفائلين - لن يكون سيئا إلى الحد الذي يذهب إليه الفريق الأقل تفاؤلا أو الأكثر تشاؤما. ولكنها كلها أفكار وآراء وتوقعات تحتمل الصدق والكذب.

 

أحمد أبوزيد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات