كيف غيّرنا جغرافية الأرض?

كيف غيّرنا جغرافية الأرض?

بمناسبة يوم البيئة العالمي هذا العام, أصدر برنامج البيئة العالمي التابع للأمم المتحدة أطلسًا جديدا وضع تحت المجهر التغيرات البيئية الضخمة - والمدمرة في أحيان كثيرة - التي تجتاح كوكبنا الأرض بسبب الانفجار السكاني وظاهرة الاحتباس الحراري.

ويحتوي الأطلس على صور لأكثر من ثمانين موقعا حول العالم التقطت على مدى ثلاثين عاما وتشير إلى حدوث تغيرات مذهلة في بعض هذه المواقع.

والأطلس الجديد, الذي حمل عنوان (كوكب واحد شعوب عديدة: أطلس بيئتنا المتغيرة One Planet Many People: Atlas of our Changing Environment), يقارن بين صور صافية للأقمار الصناعية التقطت في العقود القليلة الماضية, وصور حديثة للمناطق, نفسها, بعضها نشاهده للمرة الأولى.

ومن التغيرات المدهشة والمفزعة التي أظهرتها صور الأطلس الفضائية النمو الهائل للصوبات الزراعية في جنوبي إسبانيا, والتوسع المتزايد في استزراع الروبيان (الجمبري) في آسيا وأمريكا اللاتينية, وظهور شبه جزيرة أشبه بالدمية في دلتا النهر الأصفر في الصين.

أما التغيرات الأخرى التي نتصور أننا نعرفها فقد أظهر الأطلس الجديد أنها وصلت إلى حدود خطيرة, مثل اجتثاث الغابات المطيرة في باراجواي والبرازيل, والتوسع في صناعات النفط والغاز في ويومنج بالولايات المتحدة, وحرائق الغابات في أنحاء متعددة من إفريقيا جنوب الصحراء, وتراجع الأنهار الجليدية والغطاء الثلجي في المناطق القطبية والجبلية.

ومن المعروف أن احتفالات يوم البيئة العالمي أقيمت هذا العام في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية تحت شعار (مدن خضراء - خطة للكوكب).

وقد سلط الأطلس, الذي صدر بالتعاون مع هيئات وطنية ودولية مثل هيئة المسح الجيولوجي في الولايات المتحدة ووكالة الفضاء الأمريكية (ناسا), الضوء على هذه القضية, حيث أظهر تغييرات واسعة, ونموا انفجاريا لبعض المدن الكبرى في العالم, مثل بكين, وداكا, ودلهي وسنتياجو.

وغطى الأطلس أيضا التغيرات التي شهدتها مدن كبرى في العالم المتقدم مثل لاس فيجاس, وهي المنطقة الحضرية الأسرع نموا في الولايات المتحدة. وميامي, التي يهدد توسعها باتجاه الغرب أحراش فلوريدا الشهيرة, بما تمتلكه من حياة برية وموارد مياه.

وضم الأطلس ملاحق احتوت على صور فريدة لمدن مثل بوخارست, ولندن, ونيروبي وسان فرانسيسكو.

وفي تقديمه للأطلس, قال المدير التنفيذي لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة كلاوس توبفر: (عندما ينظر هؤلاء الذين يعيشون في مدن مثل سان فرانسيسكو ولندن إلى صور اجتثاث الغابات أو ذوبان الجليد القطبي, فإنهم قد يتساءلون عن علاقتهم بهذه الصور. فهذه التغيرات ليست سوى نتيجة أساليب حياة وعادات استهلاكية لأناس آخرين يعيشون على بعد مئات وآلاف الكيلومترات, لكنهم مخطئون).

(فالمدن تسحب إلى داخلها كميات هائلة من الموارد, بما في ذلك المياه, والغذاء, والأشجار, والمعادن والبشر. وتصدر كميات هائلة من المخلفات, بما في ذلك المخلفات المنزلية والصناعية, ومياه الصرف والغازات المرتبطة بالاحترار الكوني. لذا فإن آثارها تمتد وتتجاوز حدودها الفيزيقية لتطال بلدانا, ومناطق بل والكوكب بأكمله).

(لذا فإن المعركة من أجل التنمية المستدامة, ومن أجل عالم أكثر صحة وعدلا واستقرارا بيئيا, ربما سيتقرر مصيرها, أن نربحها أو نخسرها, في المدن).

ويأمل برنامج البيئة التابع للأمم أن يسهم (كوكب واحد شعوب عديدة: أطلس بيئتنا المتغيرة) في رفع وعي الحكومات, ورجال الأعمال, والمنظمات غير الحكومية والناس العاديين من خلال تسليط الضوء على الكيفية التي تقود بها العولمة التغيرات المحلية والإقليمية.

آسيا والباسيفيكي

صور الأطلس التغييرات الدراماتيكية التي شهدتها مناطق كثيرة في آسيا, بما في ذلك المنطقة العربية, حيث سجل الأطلس الاختفاء المروع لما كان يعتبر ذات يوم أكبر غابة للنخيل في العالم.

فعلى امتداد شط العرب في العراق وإيران, كانت تنتصب ذات يوم 18 مليون نخلة, أو ما يوازي خمس نخيل العالم.

وقد أفضت الطفيليات وزيادة ملوحة الأراضي نتيجة تشييد السدود وتجفيف الأهوار إلى نتائج وخيمة. وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية أن 14 مليون نخلة, أو نحو 80 في المائة من النخيل الذي كان موجودا في سبعينيات القرن الماضي, قد اختفى إلى غير رجعة.

وكانت التجارة في تمور شط العرب ذات يوم تحتل المرتبة الثانية بعد النفط كمصدر للدخل في المنطقة, وهو ما أفضى إلى تحطيم حياة ملايين من البشر كانوا يعتمدون على التمور كغذاء ومصدر للغذاء.

وكانت منطقة وادي السرحان في السعودية ذات يوم أرضا قاحلة شديدة الجفاف, وكانت تعيل بالكاد الحياة في بلدتي العيسوية وطبرجل.

لكن صور الأقمار الصناعية الآن تظهر المنطقة كسلسلة من البقع الخضراء اللافتة للنظر وسط الصحراء. وحدث هذا التطور نتيجة استخدام أسلوب للري بالتكنولوجيا المتقدمة يعرف باسم (الري المحوري المركزي), بدأ العمل به في مطلع تسعينيات القرن المنصرم.

وأظهرت صور الأطلس منذ 1973 مدى التردي المتسارع لوضع البحر الميت. فكل من إسرائيل والأردن تستهلكان مياه نهر الأردن الذي يصب فيه. وزاد الوضع سوءا نتيجة لتطورات أخرى, مثل التوسع في برك التبخير لإنتاج الملح, ومشاريع حجز المياه وبرامج استصلاح الأراضي.

والنتيجة أن مستويات المياه في البحر الميت تتناقص بمعدل متر واحد سنويا.

وقد أظهرت صور الأطلس توسعا هائلا في مساحة برك التبخير في الجزء الجنوبي من البحر الميت, فضلا عن انكشاف متسارع للأراضي الجافة حول شواطئه.

وأوضح الأطلس أن انخفاض مستوى المياه في البحر الميت وصل إلى درجة أصبح معها الجزء الجنوبي من البحر أقرب إلى بحيرة مستقلة وأنه بات على وشك الانفصال التام عن بقية البحر الميت.

وفي بقية آسيا, أظهرت الصور الدمار البيئي الذي خلفه منجم أوكي تيدي للنحاس في بابوا غينيا الجديدة. فكل عام يصرف هذا المنجم (الذي يتجاوز عمره عشرين عاما) 70 مليون طن من المخلفات إلى نهري أوكي تيدي وفلاي وتمتد تأثيراتها إلى أكثر من ألف كيلومتر. وهو ما تسبب من جهة في رفع منسوب المياه في النهرين, وزاد بالتالي من معدل ومستوى الفيضانات المدمرة, ومن جهة أخرى في تدمير الغابات المطيرة والتنوع الحيوي في المنطقة.

أما نهر هوانج هي, المعروف باسم النهر الأصفر, في الصين, وهو أعكر نهر في العالم. وتجرف مياهه كميات هائلة من المواد الرسوبية, وخاصة الميكا, والكوارتز وسليكات الألومنيوم من مناطق مثل نجاد شمالي وسط الصين.

وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية ظهور شبه جزيرة هائلة الحجم على شكل رأس حيوان عند مصب النهر وتمتد داخل بحر بوهاي.

وبالنسبة للمدن الآسيوية, لم يكن من المدهش ملاحظة التغير الرهيب في شكل العاصمة الصينية بكين. فقد شهدت المدينة توسعا جنونيا منذ بدء الإصلاحات الاقتصادية في العام 1979 ووصل تعدادها الآن إلى 13 مليون نسمة, ووصل توسعها المتزايد إلى حد أنها حولت مدنا مستقلة سابقة مثل جينجهي وفنجاتي إلى أحياء لها. وفي توسعها هذا, التهمت في طريقها مزارع الأرز والغابات التي كانت تحيط بها.

وحدث تطور مماثل في العاصمة الهندية دلهي. ففي العام 1975, كانت المدينة تضم 4.4 مليون نسمة, أو 3.3 في المائة من كل سكان الحضر في الهند. وبحلول العام 2000, تجاوز تعداد سكان المدينة 12 مليون نسمة, ومن المتوقع أن يصل عددهم في العام 2010 إلى 21 مليون نسمة.

إفريقيا وتراجع اللون الأخضر

أوضح الأطلس تأثير الحربين الأهليتين في ليبيريا وسيراليون على البيئة في غينيا المجاورة من خلال ما حدث لمنطقة باروتس بيك (منقار الببغاء).

ففي العام 1974, كانت المنطقة تغطيها الغابات وكانت الزراعة مزدهرة حيث ظهرت المناطق الزراعية في الصور كرقع رمادية اللون وسط بحر أخضر ممتد.

لكن تدفق مئات الآلاف من اللاجئين أدى إلى عمليات اجتثاث واسعة للغابات مع اقتلاع الأشجار من أجل استخدامها كمصدر للوقود ومواد البناء وتحويل أراضي الغابات إلى أراض زراعية.

واتضح هذا التحول بجلاء في صور الأقمار الصناعية في العام 2002, حيث تراجع اللون الأخضر واتسعت رقعة المنطقة الرمادية في الاتجاهات كافة.

وسجلت الزيادة السكانية في المناطق المحيطة ببحيرة فكتوريا أعلى المعدلات في قارة إفريقيا نتيجة لتوافر الموارد الطبيعية مثل الأسماك, تبدت هذه الظاهرة في سلسلة من الصور بدءا من ستينيات القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر.

ومن بين البلدان المحيطة بالبحيرة, يبدو أن كينيا هي التي شهدت الزيادة السكانية الأكبر حيث تطل على مائة كيلومتر من شواطئ البحيرة.

ومن جهة أخرى, أظهر الأطلس محنة بيئية ألمت ببحيرة فكتوريا وتمثلت في غزوها من قبل نبتة مائية غريبة تعرف باسم المكحلة المائية water hyacinth. وهي نبتة تنمو بسرعة شيطانية وتمتص كميات هائلة من المياه. وهي تسد المجاري المائية وأنابيب ضخ المياه لمحطات الشرب ويشكل سطحها الساكن بيئة خصبة لنمو البعوض المسبب للملاريا. وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية نموا متسارعا منذ العام 1995 للمساحة التي تغطيها هذه النبتة في البحيرة.

وبالنسبة للمدن الإفريقية, سجلت نيروبي النمو الأوسع والأسرع في آن معا منذ العام 1979. فعند استقلال كينيا في العام 1963, كان عدد سكان نيروبي 350 ألفا. غير أن نيروبي اليوم تحتضن أكثر من ثلاثة ملايين نسمة لتصبح المدينة الإفريقية الأكبر بين القاهرة وجوهانسبرج. وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية منذ 1979 وحتى الآن نموا هائلا لضواحي المدينة في اتجاهات الشمال والشرق والغرب.

أوربا.. اللون الأخضر يمتد

سلط الأطلس الضوء على وضع مدينة كوبسا ميكا في رومانيا, التي يعتقد أنها واحدة من أسوأ المدن صحيا في العالم. فقد أظهرت صور الأقمار الصناعية في العام 1986 مستوى شديد الارتفاع من تلوث الهواء (سحابة سوداء تلف المدينة). لكن صور العام 2004 أظهرت تراجعا ملحوظا لحجم التلوث, وهو تطور إيجابي.

غير أن العلماء يؤكدون أن تربة المدينة وما عليها من نباتات وزراعات ستظل ملوثة على مدى العقود الثلاثة القادمة.

وفي إسبانيا, كانت منطقة ألميريا في جنوبي البلاد منطقة زراعية تقليدية كما أظهرت الصور في العام 1974. لكن الصور الحديثة تظهر شيئا مختلفا بعد أن تحولت منطقة مساحتها 20 ألف هكتار إلى صوبة زراعية كبيرة لإنتاج المحاصيل التجارية النوعية.

وأثر هذا التطور سلبا في إمدادات المياه في إسبانيا, حيث تدرس الحكومة الآن تنفيذ مشاريع لتحلية مياه البحر.

وفي تركيا, شيد سد أتاتورك على نهر الفرات في العام 1990. وهو يولد 8.9 مليار كيلووات ساعة من الكهرباء, أي ما يوازي خمس حاجات البلاد المتوقعة من الكهرباء في العام 2010.

لكن صور الأطلس أظهرت أن تأثير السد في بيئة المنطقة كان دراماتيكيا, فالمناطق التي غمرتها المياه تبدو ككتلة سوداء هائلة الحجم.

أمريكا اللاتينية.. الروبيان يتألق

كشف الأطلس توسعا هائلا في استزراع الروبيان (الجمبري) في منطقة خليج فونسيكا بالهندوراس. وتأتي الهندوراس بعد الإكوادور فقط على رأس قائمة البلدان المصدرة للروبيان في أمريكا اللاتينية.

وقد أظهرت صور الأطلس كيف أن مزارع الروبيان نمت نموا سرطانيا على مدى 12 عاما لتغطي الآن معظم المساحة المحيطة بالخليج.

وألحق هذا التوسع أضرارا مدمرة ببيئة المنطقة. فقد قضي على نباتات المنجروف, وهي بمنزلة الدفاعات الطبيعية للشواطئ, والبيئة الطبيعية لتكاثر العديد من أنواع الأسماك, من أجل إنشاء مزارع الروبيان. كما ارتبطت هذه المزارع بتلويث الخليج وتدمير البيئة البحرية الطبيعية.

وأظهرت صور الأقمار الصناعية اتجاها مماثلا في خليج جواياكيل في الإكوادور, حيث زادت مساحة مزارع الروبيان 30 في المائة في الفترة من 1984 وحتى العام2000 لتغطي الآن مساحة تتجاوز 18ألف هكتار.

أما منطقة الحدود بين المكسيك وجواتيمالا فقد كانت ذات يوم حافلة بالتنوع الحيوي. وعلى الجانب الجواتيمالي, بقيت الغابة على حالها تقريبا بفضل الانخفاض النسبي لعدد السكان والسياسة الحمائية للغابات في المحميتين الطبيعيتين في سييرا دي لاكوندون ولاجوانا ديل تيجر.

لكن على الجانب الآخر في المكسيك يروي الأطلس حكاية مختلفة, فقد اختفت مساحات هائلة من غابات تشياباس نتيجة الزيادة السكانية والتوسع العمراني.

وتكررت القصة نفسها في منطقة الحدود الأرجنتينية البرازيلية البارجوايانية من خلال صورتين يفصل بينهما 30 عاما.

ففي العام 1973, كانت غابة بارانينس الاستوائية المطيرة الفريدة سليمة لم تمس تقريبا. لكن صورة الأقمار الصناعية في 2003 أكدت اختفاء 90 في المائة من مساحة الغابة بعد أن تحولت إلى مزارع, أساسا للذرة وفول الصويا. وسجلت معظم الخسائر على الجانبين البرازيلي والباراجواياني بينما كانت أقل بكثير على الجانب الأرجنتيني استنادا إلى أولويات سياسات استخدام الأراضي في البلدان الثلاثة.

وعلى صعيد المدن, أظهرت صور الأقمار الصناعية أن مكسيكو سيتي كانت واحدة من أسرع المدن نموا في العالم. ففي العام 1973, كان عدد سكانها تسعة ملايين, وارتفع إلى 14 مليونا في العام 1986 ثم إلى 18 مليونا في العام 1999, وعددها اليوم ربما تجاوز عشرين مليون نسمة. وأسفر التوسع العمراني للمدينة عن اجتثاث مساحات شاسعة من الغابات المحيطة بها.

وهو ما حدث بالضبط مع العاصمة الشيلية سانتياجو التي تضاعف عدد سكانها ليصل إلى خمسة ملايين نسمة.

 

أحمد الشربيني

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




 





نهر هوانج هي, المعروف باسم النهر الأصفر, في الصين, هو أعكر نهر في العالم, وثاني أطول أنهار الصين, حيث يجري لمسافة 5475 كيلومترا من شرقي التبت ليصب في بحر بوهاي





في العام 1973, كانت غابة بارانينس الاستوائية المطيرة الفريدة سليمة لم تمس تقريبا. لكن صورة الأقمار الصناعية في 2003 أكدت اختفاء 90 في المائة من مساحة الغابة بعد أن تحولت إلى مزارع, مخصصة أساساً لانتاج الذرة وفول الصويا





هذه الصورة تبين حجم المساحة التي باتت تغطيها مزارع الروبيان في خليج فونسيكا في هندوراس