ديمقراطية الرسالة في الواقع.. الممزوجة بقيم وسمات الحياة

الدولة المدنية

طالعت مقال الدكتور الحبيب الجنحاني.. في مجلة العربي العدد (638) يناير 2012 تحت عنوان «حراك الدولة المدنية».. ومما لا شك فيه بعد الثورات العربية في تونس ومصر واليمن وليبيا وسقوط أنظمة الحكم بها.

وقبل كل شيء هناك تساؤل: هل حققت الثورات العربية أهدافها؟ والبعض منها محا نظمًا أفسدت وتمادت في الانحرافات السياسية، وغياب الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وأرقام الفساد مع أي حكم سلطوي لاتعد ولا تحصى، بالرغم من أن عتبات الحكم الصالح قائمة على الديمقراطية.. والعدالة.

والتساؤل: أين كانت تلك الشعوب طيلة حكم الفكر السلطوي؟ وهل كانت تتفرج على مجريات الأحداث؟ وهل غاب عنها ثلاثية: رؤى التبصر، وإبداء الرأي، وممارسة النقد الموضوعي لطبيعة السياسات؟

وهل انخدعت الشعوب في مسارات الإعلام الحكومي ومدح السياسات الحاكمة؟ وهل الإعلام الفضائي.. وبرامج «التوك شو» أسهمت هي الأخرى في إشعال مسار الثورات العربية، كلها تساؤلات قائمة، لأننا لم نكن عربيًا في صراع مع السلطة، بالرغم من أن تاريخنا العربي مع الحكم السلطوي عبارة عن سنوات ضائعة بالعقود الزمنية.

وكنا نتعايش مع نظم حاكمة تسمى جمهورية، وهي تعني الارتباط بالجماهيرية، بل متناسقة مع مفهوم الديمقراطية البناءة، ومن شروطها: توافر الإرادة والسيادة للشعب.

  • مع الثورات العربية.. وسقوط الديكتاتورية، وبروز ونمو الحركات الإسلامية، اختلطت الأمور ما بين نمو الدولة المدنية والدينية، في ظل استخدام الدين في السياسة، ورجل السياسة، ونحن مع الدولة المدنية والدينية، في ظل استخدام الدين في السياسة، ورجل السياسة، ونحن مع الدولة المدنية، ومع العمل بثوابت العقيدة، وقيم المجتمع العربي ومبادئه ولغة الاستقامة والصدق، والتراحم والتسامح، لفتح أبواب التعاون في كل مجالات الحياة لخدمة أهداف المجتمع، وإزالة كل مظاهر الضعف والتشتت والظلم والفساد، والديكتاتورية والاستبداد، والتبعية الأليمة، والتخلف العلمي والثقافي والاجتماعي.

ونحن أمام علاقة تأسيس دولة عصرية بمفهومها الحضاري، لأن علاقة التيارات الإسلامية والدولة المدنية أصبحت بحاجة للدراسة والاهتمام والتحليل، وما ننشده هو تحقيق الوسطية بنية صادقة، ولغة تكامل، كما أن فهم الدين والسنن الكونية يحقق التغيير المنشود، وقوة المجتمع المدني تجيء من قوة داخله.

  • الدولة المدنية.. ليست منفصلة عن ثوابت العقيدة، كما أن الثورات الشعبية العربية تنادي بالحرية، والاستقلال، والعدل.

وعلينا النظر إلى الآتي:

1- كيفية البناء الداخلي بأبعاده السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، لأنه إذا لم تأتِ الديمقراطية لتحقيق التنمية، فلا فائدة منها، وعلينا أن ننظر للحكم الصالح، وبناء الدولة الحديثة، وقبول الآخر.

2- الحفاظ على الهوية، فضعفها يؤدي إلى نشر الفوضى، والضعف الاجتماعي والاقتصادي.

3- مواجهة الفساد الإداري والمالي والسياسي.

وبين هذا وذاك، ومع متغيرات العصر أصبحنا بحاجة إلى:

سيادة مبادئ حقوق الإنسان، وقيم العدالة والحرية والمساواة، وعلى التيارات الإسلامية عربيًا أن تدرك متغيرات العصر، لأنه كفانا كلمات: «إسلاميون، سلفيون، أصوليون»، لأن منهج الإسلام واحد، والمهم كيفية التحليل والفهم والتفسير لكل ما يفيد تحقيق ثقافة التغيير والتقدم الحضاري. كما أن الأديان السماوية أوضحت مكانة الإنسان ورسالته.. والله عزوجل بيّن للإنسان كيفية اتباع الحق باستمرار، ودون تخاذل أو تردد، كما أن الخطاب الإسلامي لايرفض الحداثة من أجل الاستفادة من الإبداعات الفكرية، والثقافية، والعلمية، والاجتماعية وبما يتفق مع ثوابت العقيدة.

التيارات الإسلامية عليها التنبه لمتغيرات العصر لأن كلمة إسلام تعني الدين الأولي والطاعة لله، وهذا التجسيد جاء منذ دعوة إبراهيم عليه السلام.

إذن هل نحن في وضع عربي أو إسلامي أفضل علميًا وسياسيًا واقتصاديًا كي نحدد بوضوح كيفية التحرك نحو المستقبل، لأن العقيدة الإسلامية لا يجوز النظر إليها بالجلباب، واللحية فقط أو رفع الشعارات، وأصبحنا أمام خطابات بمسمى «الإخوان، السلفيين، الجهاديين» وبينها لغة تناقض ما بين معتدل، وجهادي، ومتطرف.

ونحن نتناسى أن الإسلام يتميز بلغة الإقناع والوعظ، حيث لا إكراه في الدين، كما أنه ليس في الإسلام دولة دينية.

وتحضرني كلمة عن الخير للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك، وأن يعظم حلمك، وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله، وإن أسأت استغفرت الله، ولا خير في الدنيا إلا لرجلين، رجل أذنب ذنوبًا فهو يتداركها بالتوبة، ورجل يسارع في الخيرات».

  • مدنية الدولة ضرورة حياتية، كما أن العقيدة الإسلامية قدمت للبشرية فكرًا إنسانيًا قائمًا على آليات العلم والعمل والتنمية، وأي مجتمع يمر بحالة صعود وهبوط، بغض النظر عما يملك من إمكانات وقدرات، وأي مجتمع يجب أن يخطط لذاته بعد أن تقاربت حركة البلدان.

ومع مدنية الدولة يجب الحث على تهذيب الأخلاق في البر والرحمة، والتعاون والصبر والعدل والمودة.

بلدان الأمة العربية.. حاضرها يعاني من ارتفاع الديون الخارجية والداخلية، والبطالة في أوساط الشباب، والضعف الاقتصادي والزراعي..إلخ.

وحضارة أي مجتمع قائمة على العلم، كما أن الإنسان يحمل أمانة الاستخلاف في الأرض، والعقل العربي عليه أن يواجه التحديات المستقبلية بحكمة ووعي.

قال تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ «القصص: الآية 77».

دعونا ننظر إلى كيفية تشغيل العقل، لتحويل المسار إلى أدوات وإنتاج نوعي لتحقيق التقدم الحضاري.

والعقل العربي يحتاج لثقافة، والثقافة تساهم في نمو المعرفة، وبما يكفل تنمية العقل، والصراع لم يعد بين إنسان وآخر، ولكن لمن يحقق مزيدًا من الفهم والاتزان والإدراك.. فهل نعي الدرس؟

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يحيى السيد النجار
دمياط - مصر