امتد دور المرأة الكويتية عبر الحقب المتتالية من تاريخ البلاد, ففي
زمن البحر, الذي شهد صراعًا بين الإنسان ورزقه, كان الرجل يذهب في رحلة الغوص على
مدى تسعة أشهر من العام الواحد واصلاً, الى موانئ إفريقيا والهند, مبتعدًا عن أسرته
غريبًا في غير أرضه, معانيًا أهوال وأخطار البحر, قد يعود, وقد لا يعود, فكان
صراعًا للبقاء عنيفًا حادًا بحدة حر الصيف وطول أيامه, وأحيانًا غاضبًا بغضب أمواج
البحر وتكسر السفن في جوفه فلا يلاقي إلا أعماق البحر فراشًا لمثواه الأخير تاركًا
خلفه عائلته تقودها زوجته صابرة متحملة أشهر الغياب والانتظار, في انتظار زوج أو أخ
أو أب, وهي تتمزق عاطفيًا وجسديًا وإنسانيًا فتحملت مسئولية الحياة وحيدة وعانت
قسوة الحياة الطبيعية. وأدارت شئون أسرتها بكل مسئولياتها من فقر وعمل وتربية وبناء
وبيع وشراء, حتى أنها لم تسلم من الأمراض التي كان لها نصيب وافر منها لم يبخل
القدر به عليها وعلى أهل الكويت فى ذلك الوقت. فمن أمراض الطاعون والجدري إلى
المجاعة التي حصدت من حصدت من أهل الكويت وماشيتهم على حد سواء, إلى بيوت الناس
القريبة للعمل في الخبز والخياطة والتنجيد وغيرها من الأمور التي حرقت جسدها بحرارة
الصيف وحر الفرن والابتعاد والموت. تساقط الشهداء حولها الأب والأخ من أجل لقمة
العيش ومن أجل الدفاع عن تراب الأمة العربية خلال الحروب التي شاركت فيها الكويت
أشقاءها العرب في مواجهة العدو الصهيوني, وعملت كبائعة في أقدم سوق نسائي بالكويت
وهو سوق واجف أو كبائعة متجولة تحمل على رأسها بضاعتها تحوم بها حول البيوت
وأطفالها. لم تعرف ترفًا ولا راحة حتى انفجر ينبوع الذهب الأسود من باطن أرض الخير
الكويت, حاملاً معه رخاء امتد عبر السنين, غير أن هذا الرخاء لم يرحمها من متابعة
دورها بل أضاف إليها من خلال الدور الاجتماعي والاقتصادي والإنساني. بدأت في الخروج
إلى سوق العمل لتلبية حاجات أسرتها الاقتصادية من مأكل ومشرب وملبس ومواجهة أقساط
متراكمة لا تنتهي, تتطلب من الأسرة, الكويتية العمل لمساعدة الزوج في تدعيم دخل
للأسرة. فلم يعد الراتب الواحد للزوج وحده كافيا لمواجهة متطلبات الحياة الحديثة
ولتكوين أسرة مستقرة.
تدرج في التعليم
بُنيت الكويت بعد ذلك بسواعد أهلها من الرجال المغامرين والنساء
المقاومين ظروف الحياة الصعبة, وكان لهم الفضل في تأسيس هذه الدولة, وإن كان عمر
الكويت قصيرًا على حساب الزمن فإنه يماثل عمر الولايات المتحدة تقريبًا, وإن كانت
الكويت ذات مساحة جغرافية صغيرة وعدد قليل من السكان, فإنها سعت دومًا للوقوف في
الصفوف المتقدمة باختيار التعليم أساسًا لانطلاقتها كدولة.
قبل أكثر من نصف قرن لم يقتنع الآباء بأهمية تعليم الفتاة, وقبع
الكثير منهن في بيوت ذويهن دون أن يحصلن على قدر من التعليم.
ففي عام 1937 اتخذ حاكم الكويت المغفور له الشيخ أحمد الجابر قرارًا
مهمًا تمثل في افتتاح أول مدرسة للبنات, ثم قيد الآباء في هذه الفترة بناتهم في
المدارس, ولكن التعليم كان يتوقف بعد مراحل المتوسطة أو الثانوية وقليل من الآباء
من سمح لبناته بتلقي التعليم الجامعي.
وفي عام 1957 شهد المجتمع الكويتي أول بعثة خارجية للبنات لكن دون
الانخراط في سوق العمل. وبعد ذلك بدأ الأباء بقبول فكرة عمل الفتاة خارج المنزل,
ولكن في أعمال محددة مثل التعليم الذي لا يسمح بالاختلاط مع الرجال. بيد أن الأمور
تغيرت في حقبة الثمانينيات, وفي السنوات الحالية من هذا القرن, حيث أصبح العمل
ضرورة لدى معظم الأسر الكويتية, سواء للذكور أو الإناث. وبات من الاعتيادي أن يبحث
الآباء عن وظائف لبناتهم, ويستخدموا الواسطة لتعيينهن في مواقع العمل لدى
الحكومة.
إن دخول المرأة سوق العمل لابد أن يتوازن ويتوازى مع درجة إقبالها على
التعليم بمراحله وتخصصاته المختلفة, وهذا هو واقع الحال بالنسبة للمرأة الكويتية إذ
يتزايد يومًا بعد يوم وجودها ومنافستها للرجل في سوق العمل.
فالمرأة لم تعد قانعة بحصر دورها في المهام الأسرية كأم وزوجة
والاضطلاع بمتطلبات الزوج والأطفال, وإنما أصبحت تحقق ذاتها من خلال إسهامها الفعال
والمشاركة الإيجابية في خدمة الوطن والسعي الدءوب لأن تلعب دور الشريك الأساسي في
عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
فالدستور الكويتي الصادر في عام 1962 كفل لها الحقوق والضمانات, وكان
خير دعم لمكانة المرأة الكويتية العاملة, وحافزًا قويًا للانخراط في سلك العمل.
ونصت المادة (14) من الدستور على أن لكل كويتي الحق في العمل وفي اختيار نوعه,
والعمل واجب على كل مواطن, تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام, وتقوم الدولة
بتوفيره للمواطنين وعلى عدالة شروطه.
ومنها انطلقت أسماء عديدة حملت مناصب كبيرة ومهمة حساسة, ولكن ظلت في
نطاق محدود, فلم تتعد منصب وكيلة وزارة أو سفيرة أو مديرة للجامعة, وأخيرًا وبعد
صراع طويل وزيرة, وكانت الدكتورة معصومة المبارك أول وزيرة كويتية تم تعيينها من
قبل الحكومة في يونيو 2005 بعد نيل المرأة حقها السياسي.
البدايات
انطلقت المسيرة التاريخية للحقوق السياسية للمرأة الكويتية من خلال
أحداث 1973 وما تلتها من أعوام 1980 - 1982. حيث جاءت المادة 92 من الباب الثالث
لدستور الكويت لتنص على أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية, وهم متساوون لدى
القانون في الحقوق والواجبات العامة. لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو
اللغة أو الدين... إلخ. وجاء قانون الانتخاب رقم 35 لعام 1962 ليسلب المرأة
الكويتية أهم حقوقها السياسية التي نص عليها الدستور. فالمادة (1) من قانون
الانتخاب تنص على: لكل كويتي من الذكور بالغ من العمر إحدى وعشرين سنة ميلادية
كاملة حق الانتخاب... إلخ. فكلمة الذكور حرمت المرأة من ثلاثة حقوق سياسية رئيسية
وهي: الانتخاب والترشيح والوزارة. كما أن المادة 125 من الدستور تنص على: يشترط
فيمن يولى الوزارة الشروط المنصوص عليها من المادة 28 من الدستور وهي: يشترط في عضو
مجلس الأمة أن يكون كويتي الجنسية بصفة أصلية وفقًا للقانون.
وقد بدأ أول تحرك نحو المطالبة في 15 ديسمبر 1971 في رحاب جمعية
النهضة الأسرية حينما انعقد المؤتمر النسائي الكويتي الأول وكان حدثًا بارزًا, فقد
شاركت فيه مائة امرأة كويتية من مختلف القطاعات, وخرج المؤتمر بأول عريضة تطالب
بحقوق المرأة الكويتية, تم دفعها لرئيس مجلس الأمة السيد خالد صالح الغنيم بتاريخ
29 ديسمبر 1971, وتضمنت توصيات تتلخص بالمطالبة بحق المرأة في ممارسة عملية
الانتخاب غير المشروط, والمطالبة بمساواة المرأة مع الرجل في جميع ميادين العمل,
وضرورة انخراط المرأة في السلك الدبلوماسي...إلخ.
وفى 11 فبراير 1980, أطلق ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد
العبدالله الصباح تصريحًا, أكّد من خلاله اعترافه بحق المرأة الكويتية عندما
قال:
(أما الأخت الكويتية, فإننا جميعًا نذكر لها بالاعتزاز والتقدير الدور
الكبير, الذي أدته وتؤديه في صمت ومثابرة لخدمة الوطن والمجتمع داخل الأسرة وخارجها
على امتداد تاريخ الكويت قديمًا وحديثًا, وعلى اتساع ميادين العمل فيها, وقد آن
الأوان - في رأيي - ليأخذ تقديرنا لدور المرأة الكويتية صورته العملية الفعّالة بأن
ندعوها للمشاركة في انتخاب أعضاء المجالس النيابية, وسأعمل على طرح هذا الأمر
للدراسة والمشاورة حتى يجد سبيله للتنفيذ القريب).
ثم جاء النائب أحمد الطخيم في عام 1982 باقتراح يتضمن تعديل المادة
الأولى من قانون الانتخاب والاعتراف بحقوق المرأة الانتخابية. وقد رفض هذا
الاقتراح. وفي عام 1985 فتح موضوع تعديل المادة الأولى مرة أخرى, فقام رئيس مجلس
الأمة السيد أحمد السعدون برفع الموضوع إلى إدارة الفتوى والتشريع بشكل استفسار,
وجاء ردها بعدم جواز منح المرأة حق الانتخاب والترشيح, كما تقدم النائب عبدالرحمن
الغنيم عام 1986 بمشروع قانون لمنح المرأة حق الانتخاب, وقد رفض من لجنة الشئون
الداخلية والدفاع. وفي عام 1992, تقدم النائب حمد الجوعان بمشروع قانون لمنح المرأة
حقها ولقي مصير القوانين الأخرى السابقة عليه.
مساواة دستورية
نصت المادة الأولى من قانون الانتخاب رقم 35 لسنة 1962 بشأن انتخابات
مجلس الأمة, أن تكون الذكورة هي شرط لممارسة هذا الحق, والقانون هنا يخالف الدستور
الكويتي ومخالفته صريحة, حيث نص الدستور الذي بدأ العمل به 29/1/1963 على مبدأ
المساواة مرات عدة, فمقدمة الدستور أشارت إلى مبدأ المساواة كدعامة من دعامات
المجتمع, كما نص الباب الثاني من الدستور على أن العدل والحرية والمساواة من دعامات
المجتمع, ونصت المادة 29 من الدستور على أن الناس متساوون لدى القانون في الحقوق
والواجبات العامة, وبذلك نرى أنه لا لبس أو غموض في مبدأ المساواة في الحقوق من
الناحية الدستورية, وأن ما عانته المرأة من حرمان راجع لقرار سياسي بالدرجة الأولى,
وكان لابد أن يتغير بقرار سياسي أيضًا, وهذا ما حدث, فقد شكّل يوم السادس عشر من
مايو 1999 منعطفًا تاريخيًا مهمًا بعدما جاءت الرغبة الأميرية بمرسوم أصدره سمو
الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت بمنح الحقوق السياسية الكاملة
لنساء الكويت, وأتت بمنزلة صفحة جديدة من صفحات المطالبة, إلا أن المجلس أخفق في
إقرار ذلك المرسوم , فلم نجد المرأة في انتخابات 2003, وتعطل المشروع حتى عام 2005
لتنال حقها كاملاً غير منقوص, وتمت انتخابات المجلس البلدي, وعينت كل من المهندسة
فاطمة الصباح, والمهندسة فوزية البحر عضوتين بالمجلس البلدي. وتلا ذلك تعيين
الدكتورة معصومة المبارك وزيرة للتخطيط والتنمية الإدارية. وقال في ذلك رئيس مجلس
الوزراء الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إن توزير امرأة كويتية في مجلس الوزراء
نعتبره خطوة مميزة تمنينا تحقيقها على أرض الواقع, وها نحن اليوم نشاهد هذه الأمنية
تتحقق لتشارك المرأة الكويتية في تنمية ورقي الوطن من موقع آخر.
إن المرأة الكويتية التي تشكل حوالي 75% من مخرجات التعليم العالي,
كما أنها تمثل 40% من إجمالي القوى العاملة في مؤسسات الدولة الرسمية, آن الأوان
لها كي تخرج بهذه الحقوق, وأن تستغل استغلالاً صالحًا لخدمة الوطن, وإعلاء شأنه,
فهنيئًا للمرأة الكويتية بالدخول في ركب الديمقراطية.