إسبانيا في تاريخها

إسبانيا في تاريخها

(إسبانيا في تاريخها - المسيحيون والمسلمون واليهود), المنقول حديثا إلى العربية في إطار المشروع القومي للترجمة الذي يشرف عليه المجلس الأعلى للثقافة بمصر, قد يكون أفضل كتاب يصدره مؤرخ إسباني حول الحقبة العربية الإسلامية في شبه الجزيرة الأيبيرية. مؤلفه أميركو كاسترو (1885 - 1972) أحد أبرز النقاد والعلماء الإسبان. وقد عمل أستاذًا جامعيًا بجامعة مدريد, وأستاذًا زائرًا بجامعة برنستون بالولايات المتحدة الأميركية, ويمكن اعتباره واحدًا من المدرسة التي تنتمي إلى المستعرب الإسباني الكبير كوديرا, أستاذ بالاثيوس وغوميز وعشرات المستعربين الغرب الذين أنصفوا الوجود العربي والحضارة العربية في إسبانيا, وسلكوا في النصف الأول من القرن العشرين طريقًا معاكسًا للدراسات التاريخية التي كانت سائدة في الثقافة الإسبانية التقليدية.

والكتاب الذي نقل إلى العربية حديثًا (نُقل في السابق ولكن بترجمة ملخصة ورديئة) هو ثمرة جهد خلاق ومبدع لباحث وعلامة أخذ طريقًا غير طريق السرد التاريخي ليحدثنا فيه, لا عن الوجود العربي الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية كسلسلة من الأحداث والتواريخ, وإنما كمكوّن أصيل وفاعل في تكوين الهوية الإسبانية, ويستدلّ أميركو كاسترو على ذلك بالإشارة إلى عدم ملاءمة مفاهيم مثل (الثقافة الغربية), أو الثقافة اللاتينية, لتدخل في حظيرتها كل من إسبانيا وإيطاليا وفرنسا. ذلك أن كل واحدة من هذه الدول تمثل في إطار مفهوم (العالم اللاتيني) سمات شديدة الاختلاف.

ومفتاح السّر في هذا هو المراحل التاريخية التي مرّت بها كل دولة على حدة. وليس هناك مخرج لفهم واعٍ وواضح لهذا التنوع, وذلك الاختلاف, إلا سرد كل حالة على حدة. والحالة التي يعالجها أميركو كاسترو في كتابه هي الخاصة بإسبانيا.

السارد, أو الشارح, أو المفسّر, هو العلاّمة أميركو كاسترو الذي جمع أدواته, ومنها قدرته العجيبة على أن يرينا ما لا نراه, وكشفه النقاب عن موضوعية شديدة في التناول. وكانت النتيجة الملموسة لها, هي الانتصار للفاعلية الإيجابية للوجود العربي الإسلامي.

عند ظهور هذا الكتاب في حينه, أثار جدلا قويا بين أقطاب الدراسات التاريخية والاجتماعية حول درجة تأثير الثقافة العربية الإسلامية في تكوين الهوية الإسبانية. ولكن كل ما حصل منذ صدور هذا الكتاب, وانتقال مؤلفه إلى العالم الآخر, أن هذا الباحث المدقق كان على حق في هذه القراءة الواعية للوجود العربي الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية, لا في الأندلس وحدها.

ذلك ان أميركو كاسترو لا يتحدث في كتابه عن الأندلس دون سواها, بل عن تأثيرات عربية إسلامية تشمل أيبيريا كلها. وهو بذلك يتحدث عن (أندلس) أشمل وأعمّ تتجاوز المفاهيم الضيقة للحدود الجغرافية والسياسية.

 

أميركو كاسترو

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات