جان باتيست شاردان: (الممرضة النبيهة)

جان باتيست شاردان: (الممرضة النبيهة)

في منتصف القرن الثامن عشر, كانت الأرستقراطية الفرنسية قد انتقلت بفنانيها المفضلين إلى ضاحية فرساي للاستقرار في جوار الملك وبلاطه في قصره الشهير. أما باريس فقد تحولت إلى مرتع للتجار والمصرفيين, والمثقفين, وعلى رأسهم مجموعة من الفلاسفة عرفت باسم الموسوعيين. وكان لهذه النخبة الجديدة في العاصمة ذوقها الفني الخاص الذي راحت تطوره في اتجاه يبتعد أكثر فأكثر عن ذوق الأرستقراطية.
في فرساي,كان الرسام فرانسوا بوشيه هو المفضل عند المركيزة دي بومبادور. أما في باريس, فكان شاردان هو الرسام المفضل لدى الفيلسوف الموسوعي ديدرو.

يكمن التجديد عند شاردان في مجالات عدة, غير أن أهمها يبقى في قدرته المميّزة على اكتشاف الجمال الشاعري لإناء خزفي بسيط, أو في طاولة عليها بعض الفاكهة, أو حتى في اللحوم النيئة, أو وجه ممرضة عادية جداً. فمعظم المواضيع التي رسمها هذا الفنان الكبير كانت من داخل بيوت الطبقة المتوسطة الفرنسية, كما أن مقاسات لوحاته كانت عموماً متوسطة وصغيرة نسبياً إذا ما قورنت مع ما كان شائعاً آنذاك.

في هذه اللوحة التي تمثل ممرضة تحضر طعام أحد المرضى على ما يبدو, يمكننا أن نلاحظ بسرعة البساطة القصوى في محتويات الغرفة. الطاولة الخشبية, الغطاء الأبيض الخالي من الزخرفة, وكذلك الإناء الخزفي, والآنية النحاسية, حتى طعام المريض يبدو واقعياً جداً ويقتصر على بيضتين وقطعة خبز.

ما هو غير واقعي, وشاعري جداً هو الضوء الذي يغمر الممرضة والطاولة فقط ويفصلهما عن باقي الغرفة. إننا نعرف الجهة التي يأتي منــها, ولــكنــنا لا نرى مصدره.

وقد ساعد هذا الضوء الرسام على إظهار الكثير من المشاعر الإنسانية على وجه الممرضة المنحنية باهتمام على طعام المريض.

والواقع أن مثل هذه اللمسات الإنسانية والعاطفية الخجول, كانت تؤثر بعمق في مثقفي القرن الثامن عشر, ولكنها تطورت في القرن التالي, وتضخمت على أيدي الرومنطيقيين حتى كادت تدمّر فن الرسم في فرنسا.

تبقى الإشارة إلى أن ما قلناه حول شعبية شاردان في صفوف المثقفين والبرجوازيين لا يعني أن الأرستقراطية كانت قليلة الإحساس بأهمية فنه.

فعندما عرضت هذه اللوحة للمرة الأولى في معرض العام 1747, سارع إلى شرائها أمير ليختنشتاين, وبقيت من ضمن ممتلكات أسرته وورثته حتى العام 1952, تاريخ انتقالها إلى متحف الناشيونال جاليري في واشنطن.

 

عبود عطية







(الممرضة النبيهة) (حوالي العام 738), جان باتيست - سيميون شاردان, 1699 - 1779) مقاييسها (46*37سم), متحف الناشيونال جاليري في واشنطن.