مساحة ود

مساحة ود

سنوات ضائعة

نظرة حب منه بددت كل مخاوفي وجعلتني كتلميذة صغيرة تنصاع لما يطلب منها. أمسك بيدي وقادني إلى المقعد الكبير, أجلسني بقربه, قبّل يدي المرتجفة وقال:

- هل تقبلين الزواج مني?

أومأت برأسي وقلت: نعم

- لكن لديّ بعض المطالب يجب الحصول على موافقتك عليها قبلاً, وهي:

أولاً: أن تحبي والدتي وأولادي من زوجتي الأولى, ثانيًا: أن تحترمي رغبتي بالخروج منفردًا مع أصدقائي, ثالثًا: أن توافقي على عدم الإنجاب لأنني لا أرغب في تكوين عائلة من جديد.

وافقت على الفور دون أي تردد.

سنوات خمس مرّت الآن على زواجنا, صرت أنظر بعدها إلى تلك الشروط كأنها قيود يستحيل عليّ احتمالها, فوالدة صلاح لا تترك مناسبة إلا وتكيل لي اللوم لتحطيم زواج ابنها, وأبناؤه الذين لم يغفروا لي التسبب بطلاق أمهم, يرفضون لقائي أثناء قضاء عطلتهم في البلد. صحيح أنني تعهدت لصلاح بأن أحب عائلته, لكن فاته كما فاتني أن الحب لا يفرض بل ينبع من النفس والقلب, لذا كان عليّ التعهد باحترام ومراعاة مشاعر عائلته لا أن أحبها. أما شرط احترام رغبته بالخروج منفردًا, فقد أصبح مصدر قلق وشك كبيرين بعدما طالت الفترات التي يقضيها خارج البيت, فلم أكن قد نسيت بأننا كنا نلتقي خلال تلك الأوقات قبل أن يطلق زوجته. أما الشرط الثالث فلم يعد بإمكاني التقيد به حين أنظر إلى صلاح صباح كل يوم وأراه يتقدم بخطى سريعة نحو الشيخوخة, كما أرفض أن يعتبرني الناس عاقرًا. أضف إلى كل ذلك لوم أمي لي لعدم التخطيط لمستقبلي وإنجاب طفل.

لم أعد أحتمل كل ذلك, شعرت بالاختناق. كان عليّ أن أفتح قلبي لزوجي وأصف له هواجسي, بدلاً من التوغل في ذلك الجو المتوتر الذي أخذ يسيطر على حياتنا كلما رأيته يخرج وحيدًا في المساء, لكن عليّ أن أضع شروطي هذه المرّة.

- صلاح, أود أن نتحدث عن علاقتنا وحياتنا.

ارتسمت على شفتيه ابتسامة ولمع بريق ارتياح في عينيه. قال:

هذا ما كنت أنوي فعله أيضًا.

- لم أعد أحتمل غيابك الطويل المتكرر.

أطرق برأسه ثم أشعل سيجارة وصار ينفث دخانها بصوت مرتفع ينم عن تبرّمه.

قلت: صحيح أنني وافقت سابقًا على ذلك, لكن غيابك قد فاق الحدّ.

هزّ برأسه دون أن ينبس بكلمة. انتظرته ليقول شيئًا لكنه لم يفعل.

قلت: أريد طفلاً, لم أعد أحتمل نصائح الناس لي لاستشارة هذا الطبيب أو ذاك وكأنني السبب في عدم الإنجاب.

نظر إليّ مليًا كأنه يراني لأول مرة لكنه لم يتكلم. جنّ جنوني وقلت:

- بالتأكيد لا يهمك أمري, لكن عليّ أن أفكر بمستقبلي لأن أولادك يكرهونني.

قال بهدوء: ماذا تريدنني أن أفعل?

- تدعني.

قاطعني قائلاً: حسنًا, حسنًا, أنت طالق.

نظرت إليه غير مصدقة ما أسمع.

- هيه, ومن هي المرأة الثانية, هل هي أجمل مني?

هزّ برأسه نافيًا.

- إذن?

- إنها سامية زوجتي.

صعقني كلامه. قال إنها زوجته دون ذكر كلمة السابقة. يبدو أنه لم يكفّ يومًا عن اعتبارها زوجته الوحيدة, وما أنا سوى عشيقة لفترة من الوقت فقط. قلت بأسى:

- وحبنا يا صلاح?

- لم يكن حبًا. كان مجرّد افتتان أو انجذاب, سمّه ما شئت, الحب الحقيقي هو الانسجام الروحي والجسدي بين اثنين, وأنا لم أكفّ يومًا عن النظر إليك كفتاة صغيرة, وكلما تقدّمت بالعمر شعرت بثقل فارق السن بيننا وصار الخوف من المستقبل يلاحقني ليل نهار. معها أشعر بالارتياح.

 

نهى طبارة حمود