القارئ الإيجابي.. من هو?

القارئ الإيجابي.. من هو?

من هو القارئ الإيجابي? القارئ الجامعي المثقف الذكي?, أم القارئ العادي?

مع ازدياد عدد الجامعات في بلادنا. ومع تخرّج مجموعات من طلاب الدراسات العليا في كليات الآداب كل عام, أصبح يمكننا التمييز بين نوعين من القرّاء:

1. القارئ الجامعي.
2. القارئ العادي.

وبينما يتوجه أصحاب المؤلفات الأدبية - ومعظمهم, هذه الأيام, من أساتذة الجامعات - إلى القارئ الجامعي الذي لم يتخرج بعد, أو الذي يتابع دراساته العليا, ويطمح بدوره إلى أن يكون مشروع باحث أو ناقد أدبي, فإن إهمالاً متعمدًا أو غير متعمّد يصيب الشريحة الأعرض من القراء التي يمثلها القارئ العادي من خارج الجامعات, وكل يوم, أكثر من اليوم الذي سبقه, تزداد الفجوة اتساعًا بين الأدب بأجناسه المختلفة وبين القارئ.

والنتيجة:

1 - تحول الكتابة إلى حرفة يمسك بها أساتذة الأدب في الجامعات. ورثوها عن أساتذتهم ويورّثونها إلى تلاميذهم, وتجد لها سوقًا رائجة بين الطلاب الراغبين في النجاح, أو بين الخريجين الطامحين إلى ملء الكراسي الشاغرة في كليات الآداب.

2 - التلاميذ يحذون حذو أساتذتهم. يتشكلون على أيديهم, ويتشبّعون بآرائهم, فيعيدون, عن طيب خاطر, ما أنتجه الأساتذة, أو جمعوه, الأمر الذي يحد من الموهبة, ويعيق تقدم الحركة الأدبية, ويحصرها في حلقة تضم أفرادًا قليلين يمثلهم (الكاتب/ القارئ) الجامعي.

وعلى النقيض من هذا المشهد تتسع الحلقة الثانية لتضم القراء العاديين, وهي الحلقة الأوسع والألصق بما هو حيوي وحياتي, ويومي.

القارئ العادي من خارج كليات الآداب وفروعها المختلفة يقف اليوم بعيدًا عن المشهد القرائي, فالفلسفات, ونظريات النقد, والمناهج, والطرائق, والدراسات, والبحوث, والقراءات لا تعني له شيئًا كثيرًا. ماذا يعني (فرديناند دي سوسر) للقارئ العادي? وأي فائدة يقدمها له (النقد الجديد)? أو البنيوية, أو التفكيكية, أو التأويلية? وكم لديه من الوقت ليملأه بمفاهيم: النص, التناص, الاختلاف, الإرجاء, الأفق, التوقع, فائض النص, وما شاكل ذلك?!

وكم سيقضي من عمره لتعلق في ذاكرته أسماء مثل: نيتشه, هايدجر, بيتس, باوند, إليوت, سارتر, بارت, فوكو, لاكان, دريدا, و.. و..?!

ماذا يهم القارئ العادي من كل هذا?

القارئ العادي لا يملك الوقت ولا الصبر. وليس مضطرًا للتعامل مع آلاف وجهات النظر, ومئات النظريات, وملايين المقالات.

ما يطلبه القارئ العادي عمل أدبي يثير اهتمامه, ويشدّه إليه حتى النهاية.

ويكفي القارئ العادي أن يميز بين ما هو مكتوب له, وما هو مكتوب لطلاب الجامعات. بين ما هو مكتوب للحياة والإنسان والحب, وبين ما هو مكتوب للحفظ وللربح وللحصول على كرسي شاغر.

القارئ العادي جاهز دائمًا للاهتمام بالنصوص التي تهتم به. وتثبت مفاهيمه, وتوسع إدراكه وتشبع توقعاته.

يكفي القارئ العادي لكي يكون قارئًا أن يقيم علاقة من نوع ما بينه وبين المقروء. علاقة مع لغة أو فكرة أو إيقاع أو سياق, يكفيه أن يعثر في النص على إحساس من أحاسيسه أو حلم من أحلامه.

القارئ العادي قارئ إشراق ولمعان, قارئ نص له مظهر وكتلة وحجم ومذاق.

ماذا يفعل القارئ العادي في حفريات الغياب? حين لا يكون ضوء لا شيء يمكن رؤيته في العتمة.

القارئ الجامعي قارئ سلبي? لا, ولكنني لا أشك أبدًا أن القارئ العادي هو القارئ الإيجابي الحقيقي.

 

رنده عبدالرحمن قوشحة

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات