حدائق الغبطة (قصة × صفحة)

حدائق الغبطة (قصة × صفحة)

- ما اسمك?

- اسمي نجوى

- هل تعرفين معنى النجوى?

شيء ما يذكرني بجذع شجرة الكباد, عندما لم تستطع خالتي أن تقطف الثمرة العالية جدًا. أمسكت بالغصن ثم بدأت بتحريكه في كل الاتجاهات, إلى أن جاءت جدتي مسرعة, طالبة منها أن تكفّ عن هذا, فأنين شجرة الكباد يملأ الأجواء كلها, ثم أعطتها عصا طويلة للمساعدة في التقاط الثمرة, يا إلهي! مَن يساعدني على التقاط المعنى الغائب عني. ما معنى النجوى? ولكي أداري عجزي قلت لمن سألني إنني أعرف معنى غدير وغدائر, ولكن لا أعرف معنى النجوى, وأيضًا الغبطة ساعدني يا إلهي.كانت الابتسامة. ثم قال: لا يهم, لا يهم يا ابنتي إن كنت تعرفين المعنى أم لا, فالمعاني ياللمعاني! كم تتغير بفعل أصحابها, لعلك يومًا ما سوف تعطين اسمك معنى آخر.

أحيانًا يقول لي خاطري إنها نجمتي.

صمت طويلاً, خلع حذاءه خارجًا, اقترب مني, أمسك بيديّ لنتجه إلى مواجهة المقام معًا.

مرّ زمن أي زمن, ثم عاود قوله, ألم أقل لك? ألم أقل لك?

ماذا?

لا تدعي أيا من المعاني يستقر في وجدانك الجميل.

عاودتني اهتزازات شجرة الكباد, فأنا أفهم تماما ولا أفهم أيضا ما يقول, وما من عصا أتكئ عليها. لعل ما أصابني, أستطيع الوصول إليه.

تعالي تعالي, قال لي, لربما أثقلت عليكِ, اعذريني, ولسوف أساعدك الآن.

نعم نعم, أريد أن أفهم تمامًا ما تقول, ولنبدأ بالغبطة.

قليلا, قليلا من التمهل قال. ثم علينا يا صغيرتي أن نبدأ أولا بهذا القماش الذي يرتديه المقام.

لنبدأ بهِ, قلت.

تماسكت نظراتنا, انتشرت عيوننا على المقام, إلى أن سألني: ما لون المقام?

لونه? أخضر.. أخضر بلا شك. تعاودني بعض من اهتزازات شجرة الكباد, فها هو يقول: أهو اللون نفسه الذي نظرت إليه بالأمس?

تماسكت بعض من أغصاني, لأستطيع البوح له بازدياد حيرتي وارتباكي.

أنا لا أقصد هذا, ولكني أحاول فقط.

تحاول ماذا?

أحاول أن أجعل اللون الأخضر, المعنى الأخضر لا يستقر في قلبك بشكل ما, بمعنى ما, بلون ما.

ماذا?

أسيرُ باتجاه دارنا. أحاول أن أشغل بالي بوجبة الغداء, جدتي تجعل طعامنا ملونًا محببًا.

طبق من الجبن الأبيض, مع أوراق النعنع الخضراء

ماذا? ماذا? تعاود الأسئلة الخبط من جديد. خبطٌ خبطٌ في رأسي, دوائر دوائر خضراء تتراقص أمامي. ليعاودني السؤال. ماذا? هل اللون الأخضر له أحوال وأشكال الأحرف نفسها. بداية وسط نهاية. ولربما هنالك أيضًا عشبٌ أخضر في بدايته, عشب في وسطه, عشب في نهايته.

ماذا قال لي? ما الذي كان يريد قوله?

لا يهم, لا يهم, ولكن سأحاول ترتيب اللون الأخضر, كلما شعرت أو رأيت أو سمعت اخضرارًا, سأحتفظ به في ورقة خاصة. ها هي الياسمينة البيضاء أمامي أوراقها خضراء, وأشجار الليمون ثمارها صفراء أما أوراقها فهي خضراء. ولكن مهلاً مهلاً أيتها الياسمينة البيضاء ذات الأوراق الخضراء, سأعود إليك غدًا فانتظريني. ولسوف تخبريني عمن يأتي إليك ليلا ليستعير بعضًا من ألوانك.

أما هو فإنني إذا ما قابلته غدًا, فسوف أصرح له بكل حيرتي. ولن نخفي عنه شيئًا أليس كذلك يا ياسمينتي. ولسوف أسأله وعليه أن يعطيني جوابًا.

لماذا لا نستطيع أن نمسك الألوان بأيدينا.

لماذا لا نستطيع أن نخبئها تحت مخداتنا.

 

نجوى الزهار

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات