أخطار تهدد طفولة بلدان العالم الثالث محمود عبدالعظيم

بدءا من عام 1989 ومع صدور الاتفاقية لحقوق الطفل من الجمعية العامة للأمم المتحدة بدأ الاهتمام من المنظمات الدولية برصد مواقع الخطورة على حياة أطفال العالم . وقد أظهرت الدراسات التي أعدتها المنظمات أن الأخطار التي تهدد طفولة اليوم - وتحديدا طفولة العالم الثالث - تأتي من تعرضهم للأمراض وللظروف الاجتماعية والأسرية الصعبة .

في عام 1990 اجتمع في نيويورك أكبر عدد من قادة الدول لمتابعة قضايا الطفولة في العالم ، بهدف وقف ذلك النزيف البشري وهو وفاة الأطفال أو إعاقتهم أو تشردهم .

ويقدم المقال التالي عدة دراسات ، لليونسيف ، ومؤسسة إنقاذ الطفولة في إنجلترا ، ولاثنين من الأساتذة العرب .. وهي نتائج تشير إلى خطورة الوضع المحيط بأطفال العالم الثالث .

تزايدت التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لفيروس الإيدز على الأطفال في العامين الماضيين . وقد تجلى ذلك في بلدان إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى . وقد رصدت التقديرات الأولية لمنظمة الصحة العالمية وجود 4 ملايين حالة إيدز بين الرضع والأطفال دون الخامسة . وكان 90 % من الضحايا من بلدان أفريقيا . وتقدر المنظمة عدد الأطفال والرضع الذين سيصابون بفيروس المرض بعشرة ملايين طفل على الأقل بنهاية عام 2000 وبأن الأغلبية العظمى منهم ستموت عندئذ .

وفي دراسة أجرتها " اليونيسيف " عن وفيات الأطفال الناتجة عن الإيدز في عشرة بلدان إفريقية اتضح أن ما يتراوح بين 1.4 مليون إلى 2.7 مليون طفل سيموتون بسبب الإيدز خلال التسعينيات .

أطفال قطع الغيار

وثمة جريمة أخرى يرتكبها العالم المتحضر كل يوم ضد أطفال الفقراء في دول العالم الثالث وهي خطف الأطفال وقتلهم وإعادة استخدام أجزاء بشرية من أجسادهم لزرعها في أجساد مرضى الدول المتقدمة لإنقاذ حياتهم . وكأن العالم " المتحضر " لم يكتف بخطف أبناءهم بهدف استمرار حياة المرضى منهم بضع سنين إضافية . ففي زيمبابوى بالتحديد في ولاية " بولاوايو " وهي منطقة تقع على حدود جنوب إفريقيا انتشرت ظاهرة غامضة . ثم العثور عليهم موتى وقد فقدت أجزاء من أجسادهم . كان الأطفال يختطفون وهم في طريقهم لشراء حاجيات ذويهم أو عندما يكونون عائدين من المدارس . إذ يقترب منهم رجال يتحدثون إليهم بلطف ويقدمون لهم بعض الحلوى أو اللعب ثم يستدرجونهم إلى عربات تختفي بهم . وقد كشف البوليس هناك عن وجود عصابة مسلحة تخصصت في خطف الأطفال ويبعهم لبعض رجال الأعمال الأجانب .

وقصص خطف الأطفال لا تهز زيمبابوى وحدها ، بل وصلت نيجيريا أيضا . في لاجوس اختطف 39 طفلا من فئات عمرية مختلفة وذكر طفل اسمه " إيروكا " - 12 عاما - أن أحد الرجال اختطفه وسلمه إلى امرأة تدير معسكرا سريا للمخطوفين . وهناك وجد الصبي داخل المعسكر أطفالا آخرين تم بيعهم بعد ذلك . وهو يقول كان هناك سبعة أطفالا زاد عددهم وخرج أطفال آخرون وقال إنهم لم يسيئوا معاملتنا وكانوا يقدمون لنا طعاما جيدا ، ولكنهم بين وقت وآخر يأخذون أحد الأطفال من بيننا ولا نراه بعد ذلك أبدا . وقد ذكر البوليس أن عودة الطفل " إيروكا " كانت معجزة إذ كان قد اختفى منذ أكثر من عام ولأنه أمي لا يعرف القراءة فلم يستطع أن يتعرف على المعسكر الذي استبقي فيه ثم بالمصادفة البحتة وجدته امرأة من قريته وهي التي أعادته إلى أهله .

أطفال مرض الدود

ويمثل مرض دودة عينيا ديناصورا أسطوريا يلتهم آلاف الأطفال الأبرياء في إفريقيا حيث يمتص المرض رحيق الحياة من تحت جلودهم ويتركهم هياكل عظيمة لا تقوى على الاستمرار أياما قليلة ثم يموتون . ويتسبب هذا المرض سنويا في معاناة ووفاة ملايين الأطفال في 19 بلدا إفريقيا وبعض أجزاء من الهند وباكستان وليس ثمة علاج طبي لهذه الدودة التي تسبب المياه الملوثة في انتشارها .

ويأتي الجوع ليمثل سلاحا فتاكا يفترس ملايين الأطفال في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وجنوب شرق آسيا وتؤكد الأرقام أن نصف مليون طفل يلقون مصرعهم كل عام كنتيجة مباشرة لأمراض سوء التغذية كما يتضاعف هذا الرقم في حالة الأطفال الذين يصابون بأمراض سوء التغذية ولا يموتون وخاصة أمراض البلاجرا والأنيميا بالإضافة لأمراض التخلف العقلي .

أما عن الأطفال المعاقين ، فتحصرهم التقارير الدولية في نحو ثلاثة ملايين طفل دون الخامسة يصابون سنويا بإعقات شديدة نتيجة لأمراض يمكن الوقاية منها بالتحصين . كما يصاب حوالي 500 ألف طفل بالعمى كل سنة نتيجة لنقض فيتامين " أ " وفي غضون أسبوعين من إصابتهم بالعمى يموت أكثر من نصفهم وهناك نحو 8 ملايين طفل يعانون من الاضطرابات الناجمة عن نقص " اليود " منهم مليونا طفل مصابون بتضخم الغدة الدرقية ، 3 ملايين طفل يعانون من الاضطرابات النفسية والتبلد الذهني .

أطفال ال أر . بي . جي

ونصل في قراءة التقارير إلى ورقة في غاية الحساسية والخطورة وهي الخاصة بالأطفال ضحايا الصراعات المسلحة حيث يعيش 20 % من الأطفال دون الخامسة عشرة في العالم النامي في ظروف بالغة الصعوبة حيث يقعون ضحايا للصراعات المسلحة والكوارث الطبيعية وتفكك الأنظمة في مقابل كل طفل قتل نتيجة الحروب والصراعات المسلحة خلال العقد الماضي أصيب ثلاثة أطفال أو أكثر بجروح أو إعاقات جسمية . ويقدر أن نحو عشرة ملايين طفل قد عانوا من مشاكل نفسية نتيجة وجودهم في ظل ظروف بالغة الصعوبة . وتعتبر مشكلة الأطفال من ضحايا الصراعات المسلحة مشكلة كبيرة . في أفغانستان وحدها لقي مليون طفل مصرعهم خلال 12 عاما من القتال بينما أصيب ما يقارب من ضعف هذا العدد بإعاقات جسدية ونفسية . وتشير التقارير إلى أن بعض بلدان الشرق الأوسط . بما في ذلك جيبوتي وإيران والعراق والأردن والكويت ولبنان وسوريا والأراضي المحتلة قد شهدت خلال العامين الماضيين مزيجا من الصراعات المسلحة وتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين تركت جميعها آثارا سيئة جدا ومدمرة على الأطفال .

أطفال الشوارع

ونصل إلى الفصل الأكثر دراما في تقارير المنظمات الدولية وهو الفصل الذي يستعرض حياة أطفال الشوارع المشردين في عواصم العالم المتحضر وغير المتحضر . طعامهم من صناديق القمامة وملابسهم لا تفترق كثيرا عن لون الأسفلت الذي يفترشونه أسفل الكباري . ثم يأتي الأطفال الذين يعملون في أعمال صعبة ولا تناسب مع أعمارهم. حيث تؤكد التقارير أن هناك 68 مليون طفل تحت سن العمل يتم استخدامهم بشكل غير قانوني .

هل يوجد مستقبل ؟

وفي محاولة لرصد المتغيرات الحياتية والمعيشية في دول العالم الفقيرة في السنوات الأخيرة وعلاقة ذلك بمستقبل الطفولة والتنمية في تلك الدول قام الدكتور نبيه إسماعيل أستاذ علم نفس الطفولة بجامعتي المنوفية وأم القرى بإجراء دراسة مهمة كشفت عن حقائق مهمة .

يقول الدكتور نبيه في دراسته إن أهم مشكلة تواجه مستقبل أطفال العالم الثالث هي ضيق المسكن حيث يؤثر ذلك على التكوين النفسي للأطفال بصفة خاصة لأن ضيق الحيز المكاني يؤثر على مدى ما يكون عليه الوالدان من الاستقرار والهدوء النفسي حال تعاملهما مع أطفالهم فضلا عن أن الطفل بحكم طبيعته يميل إلى الحركة واللعب وهذا يتطلب حيزا واسعا كي يستطيع أن يبدد فيه بعض ما لديه من الطاقة . فإذا كان المسكن ضيقا فلن يتم له ذلك مما يضطره إلى ممارسة أنماط من السلوك تثير القلق والاضطراب داخل المسكن بالإضافة إلى الحاجة إلى مكان خاص لممارسة اللعب بأداوته التي تقوم بدور مهم في معدلات نموه العقلي واكتساب خبرات جديدة الأمر الذي يؤدي به إلى وقوعه تحت ضغط الاضطرابات النفسية التي تؤثر بدورها على نمط شخصيته والتي قد تبدو في عدم النضج وقلة الاعتماد على النفس ، ويستطرد مشيرا إلى ما يحدثه المسكن الضيق من إتاحة الظروف للأطفال من التعرض لاكتساب خبرات لا ينبغي أن تكتسب في هذه الفترة من النمو مثل وقوع عين الطفل - مصادفة - على مشهد ممارسة العلاقة الزوجية بين أبيه وأمه مما يدفع بالأطفال إلى الانخراط في علاقات جنسية مبكرة وغير طبيعية .

لا فرق

وقد يتصور البعض أن أطفال بعض دول العالم الثالث التي تتمتع بمستوى معيشي واقتصادي مرتفع قد يفلتون من تلك المشاكل ولكن الواقع يؤكد عكس ذلك حيث لا يمثل الرخاء المادي عنصرا كافيا لطفولة سعيدة تتمتع بالسواء النفسي والدليل على ذلك ما جاء بالبحث الذي ناقشه مؤتمر رعاية الطفولة الذي شهدته القاهرة في شهر مارس 1992 ونظمه مركز دراسات الطفولة بجامعة عين شمس وأجراه - أي البحث - الدكتور يوسف عبدالفتاح بجامعة الإمارات .

يقول الدكتور يوسف في بحثه الذي استهدفه معرفة الفرق في تأثر أطفال كل من مصر والإمارات بحالات القلق والاكتئاب أن كلا النوعين من الأطفال الذين شملهم البحث يعانون من القلق والاكتئاب . وتبين أن الأطفال الإماراتيين أكثر معاناة من المظاهر الاجتماعية للقلق . أما فيما يتعلق بالاكتئاب فقد اتضح أن الأطفال المصريين من الجنسين أكثر معاناة من الاكتئاب بوجه عام . أما الإماراتيون فلم تبد لديهم سوى الجوانب الانفعالية والجسمية والحركية للاكتئاب .

وأخيرا ورغم رصد ملايين الدولارات لمواجهة مشاكل الطفل في أنحاء العالم ورغم انعقاد مؤتمر قمة الطفولة في نيويورك في سبتمبر 1990 والذي جمع أكبر عدد من قادة دول العالم لمناقشة قضايا الطفولة بهدف التصدي لوقف النزيف البشري الهائل المتمثل في وفاة عدد كبير من الأطفال كل يوم ومعاناة الكثيرين من الأطفال كل يوم ومعاناة الكثيرين ممن يظلون على قيد الحياة . رغم كل ذلك فالأرقام تشير غلى أن طفولة العالم الثالث تحتاج إلى جهد مكثف وإلى عناية فائقة ليس فقط من حكوماتها وإنما من المجتمع الدولي كذلك .