كيف نربي أطفالنا العرب?

كيف نربي أطفالنا العرب?

في مجتمعنا العربي تبرز بعض الممارسات الخاطئة في بعض الأسر, تتمثل في أساليب التربية وطرق التعامل مع الأطفال من الجنسين, مما يؤثر تأثيرا كبيرًا في سلوكهم وبالتالي في مستقبل حياتهم.

نبدأ هنا بعرض موجز لبعض النماذج التربوية المتبعة في العديد من الأسر في مجتمعنا العربي, منها ما هو سلبي, ومنها ما هو إيجابي, وذلك على النحو التالي:

النموذج الأول:

في ظل هذا النموذج يشعر الطفل بأنه غير مرغوب فيه من قبل الأب أو الأم أو من كليهما معًا, وهو لذلك لا يجد في المنزل أي عناية أو اهتمام, فلا عجب أن نجد الطفل في مثل هذه الأسرة معقدًا نفسيًا وغير متكيف اجتماعيًا, لأنه لا يشعر بالأمن ولا بالحب من قبل والديه, مما يؤثر في سلوكه الاجتماعي, فيضطر إلى البحث عن الحب والأمن المفقودين بطرق أخرى, ومن المحتمل أن يلجأ إلى الكذب والسرقة والتشرد وغير ذلك مما يؤثر تأثيرًا سلبيًا كبيرًا في مستقبل حياته.

النموذج الثاني:

في ظل هذا النموذج يسيطر الوالدان على الطفل سيطرة شبه كاملة, حيث يتحكمان في مراحل نموه كلها, وينوبان عنه في كل ما يحب ويكره, مما يجعل هذا الطفل يشعر بالاستبداد وفقدان الإرادة وضياع الشخصية.

ويعتقد بعض الآباء - خطأ - أن التحكم في تصرفات الطفل أو الطفلة, وخضوعهما لإرادة الأب أو إرادة الأم بشكل مطلق, يكون في مصلحتهما.

إن سلوك الأطفال الذين يعيشون في مثل هذه الأسر غالبًا ما يكون جيدًا, غير أن هذا السلوك لا يدوم طويلاً, إذ سرعان ما يتلاشى وينعدم, لأنه سلوك غير طبيعي لارتباطه بالاستبداد, فكثير من هؤلاء الأطفال عندما يصلون إلى مرحلة المراهقة ينحرفون لشعورهم بالنقص والخضوع أمام الآخر, مما يسهل على أصدقاء السوء قيادتهم إلى الضلال. وفي هذا السياق أشار د.علي وطفة إلى أن أحد الأركان الأساسية للتنشئة الاجتماعية في الثقافة العربية يتمحور حول مبدأ تطبيع الطفل العربي على الانصياع والخضوع للكبار, سواء أكان ذلك عن طريق التسلط أو القهر, وهذا يعني غياب قيم الحرية والتسامح في نسق العمل الأسري والمدرسي وهذا ما أكده أيضًا عالم النفس السويسري (جان بياجه) عندما قال: (إنه عندما تكون علاقة الطفل بالراشدين علاقة هيمنة فإنه ينشأ على أخلاقية الخضوع والانصياع).

النموذج الثالث:

هنا نجد الأبوين ينتبهان انتباهًا شديدًا إلى الطفل ويبالغان في العناية به, وقد يسرفان في التساهل معه, كما يبالغان في إظهار الحب والحنان له, ولا يأخذان بعين الاعتبار التغيرات الطبيعية التي تطرأ على نموه, فيحاولان إبقاءه في مرحلة نمو أدنى من المرحلة التي وصل إليها حيث ينظران إليه - وهو في مرحلة المراهقة - كما ينظران إلى طفل صغير متجاهلين أنه أصبح في مرحلة يحتاج فيها إلى نوع من الحرية حتى يتسنى له إثبات شخصيته.

وقد أثبتت دراسات كثيرة أن الأطفال الذين يعيشون في مثل هذه الأسر وتُمارس عليهم مثل هذه التربية, يصعب عليهم النجاح في الحياة, لأنهم قد فقدوا الثقة بأنفسهم, وأصبحوا عاجزين عن مواجهة مواقف الحياة المختلفة, وربما نجدهم يميلون إلى الانطواء والتهرب من المسئولية.

النموذج الرابع:

في هذا النموذج يحتل الطفل منزلة مهمة, حيث تعترف الأسرة بأن أطفالها يختلفون بعضهم عن بعض, وأن كلاً منهم ينمو نحو مرحلة من العمر يتمكن فيها من تحمل مسئولياته الكاملة في الحياة.

وفي ظل هذا النموذج تشجع الأسرة أطفالها على اتخاذ القرارات التي تخصهم, مع تعليمهم أن للوالدين حقوقًا وامتيازات يجب أن تحترم, وقد أثبتت بعض الدراسات أن أفراد هذه الأسر يستطيعون العيش في وئام وانسجام تامين, لأنهم تعلموا أن يعالجوا مشاكلهم بالمناقشة والحوار وبروح التعاون والمحبة, ففيها يُعاقب الأطفال عندما يتصرفون تصرفًا غير لائق, وفيها أيضًا يقدر لولي الأمر دوره في القيادة وحقه في التوجيه والإرشاد.

كما أثبتت دراسة أخرى أن الأطفال الذين يعيشون في مثل هذه البيئة المنزلية يتمتعون بحظ وافر في الوسط الاجتماعي الذي يؤهلهم لأن يتكيفوا مع المجتمع تكيفًا حسنًا, لأن الوالدين استطاعا أن يوفرا لهم الفرص المناسبة لتكوين العادات الاجتماعية الحسنة حتى يصبحوا قادرين على التكيف مع المجتمع ويؤثرون فيه.

تأسيسًا على ما سبق يمكن القول: إن سلوكنا مع الأطفال شأنه في ذلك شأن أي سلوك آخر محكوم بعدد من التصورات بعضها غير صحيح, وبالتالي علينا أن نستبدل بها تصورات أخرى تساعدنا على معاملة أطفالنا معاملة صحيحة. ومن أهم الأسس التي يمكن أن تساعد الطفل على تكوين صورة إيجابية عن نفسه ما يأتي:

أولا: رعاية الأبوين للأطفال بشكل يكشف لهم عن الاهتمام بهم وبحاجاتهم الأساسية.

ثانيًا: الاستجابة للتعبيرات التي تصدر عن الأطفال مثل تعبيرات الارتياح أو القلق أو عدم التكيف.

ثالثًا: ضرورة إيجاد فرص للأطفال يتاح من خلالها القيام بأعمال ناجحة, أو إبعادهم عن الأعمال التي تفوق عمرهم الزمني والعقلي لأنهم قد يخفقون فيها.

رابعًا: الاهتمام بنقاط قوة الطفل وإبرازها له وتعزيزها, وتمكينه من التغلب على نقاط ضعفه.

خامسًا: الحديث مع الطفل عن الأنشطة التي يقوم بها بشكل يعكس رضانا عما يفعله, وخاصة إذا كان ما يفعله في الإطار المقبول, ومن أفضل الطرق التي يتم بها ذلك أن تصف بنفسك ما يقوم به الطفل كأن تقول له مثلاً (هل تحب العربات ذات اللون الأحمر?) أو تشير إلى رغبتك في مشاركة الطفل فيما يقوم به من أعمال كأن تقول له (سأمسك لك الكتاب وأنت ترتدي ملابسك) أو تمدحه وهو يمارس نشاطًا معينًا كأن تقول له (أنت تكتب واجبك بشكل جيد).

تتويجًا لما سبق تبقى توصية واحدة تتلخص بضرورة فهم الأسرة للأسباب التي تدفع الطفل في بعض الأحيان إلى إصدار استجابات عدوانية, لأن فهم مثل هذه الأسباب ومعالجتها يؤدي إلى تلاشي الاستجابات غير المرغوبة وعدم حدوثها, وأن قيام الأسرة بهذا الدور يجنب أطفالنا مشكلات لا حصر لها, وخاصة أننا نعيش عصر الفضائيات, التي يحاول بعضها نسف النسق القيمي لنا ولأطفالنا على حد سواء, على الرغم مما جاء في إعلان جنيف لحقوق الطفل لعام 1924 وفي إعلان حقوق الطفل, الذي اعتمدته الجمعية العامة في 10 نوفمبر 1959 من ضرورة حماية الطفل وإعداده إعدادًا كاملاً ليحيا حياة فردية في المجتمع, وتربيته بروح المثل العليا المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة, وخصوصًا بروح السلم والكرامة والتسامح والحرية والمساواة والإخاء!.

 

صابر جيدوري

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات