عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

ذاكرة الألم والأمل

يهل الشهر الفضيل, شهر رمضان المبارك, فتجتاز عتباتِ الأذن فيوضٌ من السبحات التنويرية, لآيات كتاب الله. وتلاوة آيات الكتاب فن, مارسه قراء القرآن الكريم, على امتداد مساحة العالم الإسلامي. وقد لقب هؤلاء القرَّاء بأكثر من لقب, فهم سفراء كتاب الله, وهم منشدو صوت السماء, وهم الشيوخ الذين يشنفون الآذان بالكلمات الطيبات من الآي الحكيم. وواحد من ملفي هذا العدد يقدم رحلة فن التلاوة, بأصوات كتيبة من القراء, لم يكونوا مكررين لا أداء, ولا أصواتا, ولا لحنا, بل لكل منهم نغم يخدم النص, فمنهم قمة الأحكام , ومنهم قمة الصوت الجميل, ومنهم قمة الفن الرفيع الرائع المستحيل الجميل, ومنهم جامع كل ذلك في إئتلاف لا يرتفع فيه فن على فن, ونعد صفحات هذا الملف مجرد بوابة لولوج هذا العالم النوراني لكتاب الله.

لكن الشهر الكريم نفسه, يستدعي إلى ذاكرة الكتابة مدينة مقدسة, لا تغيب عن ذاكرة الألم والأمل. إنها القدس التي أسري برسولنا الكريم إليها, وهي منزل المسجد الأقصى أولى القبلتين, وقد اختصتها (العربي) هذا العدد بأكثر من رؤية. فرئيس التحرير يقدم القدس من خلال فيلم أثار ضجة كبرى, وهو مملكة الجنة, الذي تناول تاريخيا فضاء المدينة خلال الحروب الصليبية, وبالرغم من اعتراضات كتابات كثيرة فإن من بين الإيجابيات التي كرسها الفيلم, الحوار الحضاري الذي دار في تلك الفترة والذي قدم صورة لصلاح الدين المحارب المنتصر, الذي لا يريد سفك دماء المسيحيين, وإنما هو يريد تأمين المدينة بعد استعادتها. وإذا كان الفيلم يعالج ماضي المدينة, فإن حاضرها يستحضره ملف خاص, أعدته (العربي) من داخل المدينة, في سبق نوعي, بين قلم أديب, ورؤية باحث, وعدسة مصور, لتسجل وتوثق صرخة عربية ضد الاستيطان والجدران والعزلة, التي يحاول أن يفرضها العدو على مدينة السلام.

وإلى الشمال, غير بعيد عن هاجس الصرخة التي توثق ألم معاناة المسلمين, تسافر (العربي) إلى البوسنة والهرسك, لتكون شاهدا أيضا على الاحتفال السنوي بدفن ضحايا مجزرة سريبينتشا والصلاة عليهم, البلاد التي ناضلت, فنجت من إبادة جماعية, وبعد ذبح 800 إمام وخطيب, وسجن مئات المفكرين والمثقفين, تسمع الأذن الدعوة إلى الصلاة وكلمة الله من فوق 60 مئذنة.

وإلى الشرق, وفي قارة أخرى, حيث لعب الإسلام دورا مؤثرا في الفنون المعمارية والتشكيلية, تقدم (العربي) رحلة إلى فضاء الفن الهندي, الموسوعة التي قدمها علم من أعلام الثقافة العربية هو الدكتور ثروت عكاشة, ليضيء جوانب مهمة في هذه القارة التي تمثل كتابا مفتوحا للفن.

وهكذا بين سفرة إلى الماضي, ورحلة في الحاضر, ونظرة إلى المستقبل, يكتب الإسلام حضوره. وبين قصة لأديب يمني, ورواية لمبدع سوداني, وقصيدة لشاعر كويتي, ونص إسباني لمترجم سوري, ووجهًا لوجه مع مبدع برازيلي, ورؤية تشكيلية لناقد لبناني, وإبحار سينمائي لكاتب جزائري, يجري نهر عدد (العربي) بين يديك, ولك أن تقف عزيزي القارئ على الضفاف التي تستهويك, وما أثمرها, والموانئ التي ترتاح إليها, وما أكثرها.

 

المحرر