المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

الكويت

افتتاح معرض ومسابقة (كونا) للتصوير الفوتوغرافي

أصبحت الصورة في ظل الانتشار الذي حققته الفضائيات و(الإنترنت), هي الأكثر تعبيرًا وتأثيرًا في وجدان الجمهور, لما تتضمنه من رصد حي وصريح للحدث, دون الحاجة إلى تعليق تحريري, كما لم تعد الصورة - خاصة الفوتوغرافية - لقطة عابرة تجمد الزمان والمكان في لحظة واحدة, بقدر ما أضافت إليها التقنيات الحديثة رؤى جديدة, ومتفاعلة بشكل ملحوظ مع تواتر الأحداث, وتصاعدها, ومن ثم فقد تضمنت اللقطات تعابير تشبه إلى حد كبير اللوحة التشكيلية في رصدها للأحداث, وتجديد نسيجها بالشكل الذي يسمح بتحريكها في أكثر من اتجاه.

ولقد استرعت هذه الأهمية - التي تمثلها الصورة في حياة المجتمع, والتأثير في الرأي العام - انتباه وكالة الأنباء الكويتية (كونا) لتنظم في مقرها معرضًا للصور الفوتوغرافية شارك فيه العديد من المصورين - داخل الكويت, بصورهم على المستويين الجمالي والصحافي, وبالتالي تنظم مسابقة في إطار هذا المعرض لاختيار أفضل الصور وتقديم شهادات تقدير وجوائز لأصحابها.

والمعرض - الذي افتتحه وزير الإعلام د. أنس الرشيد - احتوى على 400 صورة فوتوغرافية التقطتها كاميرات 110 مصورين, وبحضور حشد من الجمهور الذي جاء لمشاهدة لقطات تعبر عن الكويت في كل أحوالها, سواء تلك التي ترصد الطيور, أو الأبراج أو الشواطئ والسفن, بالإضافة إلى صور تتجول في الطبيعة بكل ما فيها من زهور وأشجار, ونخيل, وأخرى رياضية, كما جسدت بعض هذه الصور حركة الناس, ونشاطهم اليومي, في بانوراما فنية جذابة.

وعبرت صور أخرى عن مناظر أخذت للكويت ليلاً, من خلال معالمها الرئيسية المهمة مثل سوق شرق, والأبراج, والأسواق القديمة, و(البوم) (السفينة القديمة), والأمطار الغزيرة التي غمرت البلاد منذ شهور عدة, ومشاهد من فرحة الأطفال بالأماكن التي يزورونها, و(النقعة) (أماكن تجمع السفن), ولقطات سياسية, واجتماعية, وغيرها, وهي صور أخذت بعدًا فنيًا واضحًا من خلال ما تضمنته من اختيارات متنوعة للزوايا, وللمواضيع, والاقتراب أكثر من الحياة, بأكبر قدر من الحيوية, والتفاعل مع التقنيات الحديثة التي لحقت بالتصوير الفوتوغرافي في كل أشكاله.

وقد أعلنت اللجنة المشكلة لتحكيم الصور المقدمة في مسابقة (كونا) للتصوير الفوتوغرافي, والتي ضمت أستاذي الإعلام والتصوير في جامعة الكويت د.بدر الحجي, ود.أحمد دشتي, وأستاذ التصوير في كليات التعليم التطبيقي ومحترف التصوير العادي المهندس باسم الدرويش, ورئيس مركز كونا للتصوير أنور الحساوي, ورئيس قسم التصوير في الوكالة عدنان العاشور, أعلنت أسماء الفائزين في المسابقة بشقيها الجمالي والصحفي, الذين تنطبق عليهم الأسس العامة للتصوير, من خلال الإضاءة, والتركيب, والدقة وجمال الموضوع ليحصل - على مستوى الصور الجمالية - فهد أحمد الفهد, وأحمد عقاب المطيري على المركزين الأولين, في حين تكرر المركز الثاني بين هاني إبراهيم المواش, ونبيل شعيب المزيد, وتقاسم أنجلو ميجويل فروك, وأوفي فيلي المركز الثالث.

مدحت علام

دمشق

دمشق تكرم شيخها (ابن عربي)

في فيض التعريفات التي يمكن للمرء أن يقدمها للدلالة على مدينة دمشق, سيكون ثمة خصوصية ثقافية وفكرية في وصفها بمدينة ابن عربي, تماماً كما يجوز عند العديدين وصفها بالمدينة الفيحاء, أو عاصمة الأمويين, وما إلى غير ذلك من المسميّات, التي تأخذ منحى على علاقة بالسياسة أو الطبيعة, بالتاريخ أو الجغرافيا..

ومع ذلك, وفي كل حال, سيبقى الربط بين مدينة دمشق, من جهة, والشيخ الفيلسوف ابن عربي, من جهة أخرى, راسخاً في الذهن الدمشقي, كما في الواقع اليومي الحياتي, إذ أن لجوء هذا الفيلسوف الشيخ, ومكوثه في دمشق إلى حدّ وفاته, ودفنه في ترابها, وتحوّل ضريحه إلى عنوان بارز من أهم عناوينها (عنواناً مكانياً على الأقل), يمنح المنطقة السكنية المحيطة بضريحه اسمه, حتى بات أحد أهم أحياء دمشق العريقة, هو حيّ (الشيخ محيي الدين), المقصود به طبعاً الشيخ (محيي الدين بن عربي), الذي وُلد العام 1165 للميلاد, في المغرب العربي, وانتهى به المطاف إلى دمشق, حيث تُوفي بها في العام 1240 للميلاد.

من أي ناحية في دمشق اليوم ستجد طريقاً ما يقودك إلى منطقة (الشيخ محيي الدين), وهذا الحي الشعبي العريق استطاع في كل وقت أن يحافظ على حضوره الرائق في مدينة دمشق, سواء بالنسبة للناس العاديين الذين يصعدون الطريق إلى ضريح الشيخ ابن عربي, يزورونه, أو يتسوّقون على ضفافه, أو بالنسبة للزائرين القادمين من خارج الحدود, ممن يريدون ممارسة السياحة في المكان.. وكما لا يفلت السياح من بين أيديهم فرصة زيارة ضريح الناصر صلاح الدين الأيوبي, ومرقد الظاهر بيبرس البندقداري, وذاكرة انتصارهما في معركتي حطين وعين جالوت, على التوالي, وهما الراقدان جوار الجامع الأموي الكبير, لن يفوّتوا فرصة زيارة ضريح الشيخ ابن عربي, على الحافة الدنيا من جبل قاسيون.

دمشق إذن هي مدينة صلاح الدين الأيوبي, والظاهر بيبرس البندقداري, رجلي الحرب, السيف والرمح والقتال والانتصار, تماماً كما هي مدينة الشيخ محيي الدين ابن عربي, رجل الفقه والفكر والموقف وداعية التصوف والحب..

ومن هنا أتت الندوة الفكرية التي تمت بالتعاون فيما بين وزارة الثقافة السورية, والمعهد الفرنسي للشرق الأدنى, والمعهد الإسباني (ثربانتس), هذه الندوة التي حاولت الكشف عن جوانب من أهمية ابن عربي في المسيرة الحضارية الإنسانية, المعروف عنه دعوته إلى التوحيد, بالمعنى الديني والإنساني, وصاحب الكشف بالحب, والمعروف من خلال العديد من مؤلفاته الكبيرة التي تُعدُّ من أمهات الكتب في المكتبة العربية الإسلامية, من طراز مؤلفات: (الفتوحات المكية), (ترجمان الأشواق), وكتبه في التأويل التي تكشف عن حقيقة كونه فيلسوف الحرية وفيلسوف الحب, إذ كان على الدوام معادياً للتعصب وداعياً إلى أقانيم: الحب, المحبة الإلهية, الفقه, الإنسان الكامل..

انعقدت ندوة الاحتفاء بابن عربي في مدينة دمشق, بمشاركة قرابة ثلاثين من الباحثين والدارسين العالميين القادمين من شتى أنحاء العالم.

وتنوعت العناوين والموضوعات التي تناولها المتحدثون في سياق تناولهم للشيخ ابن عربي, إذ خصص د. نصر حامد أبو زيد موضوعه في مجال تناول موضوع التأويل بين ابن رشد وابن عربي, على اعتبار أن ابن عربي نشأ على استحضار ابن رشد, منتبهاً إلى أن كلاً منهما نشأ في البيئة الأندلسية, التي يشير أبو زيد إلى أنها كانت تعرف كل أنواع التراث: التراث اليوناني الأرسطي, التراث الإسلامي, التراث الصوفي.

ففي البيئة الأندلسية نشأت طرز متعددة من الفلسفة, وفي هذا الإطار ينتبه أبو زيد إلى أن ابن طفيل صاحب (حي بن يقظان) هو أستاذ ابن رشد, وأن ابن عربي كان يميز بين أنماط المعرفة, فيما كان ابن رشد يميز بين الأدلة والبراهين.. ويتساءل أبو زيد عما إذا كان العارف قد تخلَّص من البرهان! ويقول إن كثيراً من نصوص ابن عربي تنتمي إلى مجال البرهان..

أما د. حسن حنفي فقد خصص مساهمته لموضوع (الحرف عند ابن عربي), الحرف الذي يبدو بمنزلة تعبير إشاري عن الوجود, فالخلق يتم عن طريق الحروف, والله خلق العالم بالحرف.. حنفي يقول إن ابن عربي رأى أن الحرف هو بؤرة الكون, هو البؤرة التي خرج منها الكون كله.. وهو الوحدة الأولى في اللغة.. وبالتالي من يعرف معاني الحروف يستطيع أن يعرف الإيمان.. وابن عربي يعرف العوالم في عالم الحرف هي: عالم الألوهية, عالم الأخلاق, عالم الذات, عالم الطبيعة.

اللبنانية د. سعاد الحكيم, من الجامعة اللبنانية, رأت أن ابن عربي صاحب رؤية حية متدفقة تتصف بالوحدة والتجانس والتداخل والتكامل والتماسك, وتعبر عن ذاتها بحيوية عالية.. والسورية شيرين دقوري, من جامعة دمشق, قرأت الأنوثة في تجربة ابن عربي, إذ قدم صورة جمالية مقدسة للأنثى, خاصة من خلال شعر الغزل.. فقصائده الغزلية رأت في الحب ما يشبه العبادة التي تعادل مفهوم الدين.

السوري د. نذير العظمة أكد على أن جوهر الصوفية يكمن في إعطاء الذات حرية الاتصال مع الخالق, دون وساطة من أحد.

ويمكننا في الختام القول إن ابن عربي يبقى يعطينا دروساً في المحبة, فهو صاحب الفكرة التي تقول:

بالحب تعرفت على نفسي.. بالحب أعرف العالم..

بشار إبراهيم

القاهرة

مئوية الشيخ مصطفى إسماعيل

حرصت أسرة الأديب المصري الراحل عبد المنعم الصاوي على الاحتفال بمئوية ميلاد شيخ المقرئين وأميرهم الشيخ مصطفى إسماعيل في نفس يوم مولده مساء الجمعة 17 يونيو 2005 وذلك بالمركز الثقافي, الذي أنشأه أبناء الكاتب عبد المنعم الصاوي في حي الزمالك على ضفاف النيل, وجعلوا اسمه (الساقية) نسبة إلى ثلاثيته الروائية الشهيرة.

وقد حرص محمد عبد المنعم الصاوي, المسئول عن هذا المركز الثقافي - وهو يقدم هذه الاحتفالية على أن يسجل أن (ساقية الصاوي) تكمل اليوم ثلاث سنوات. ثم بدأت هذه الاحتفالية التي أكدت أن العالم العربي والإسلامي ولد فيه - قبل مائة عام تماما - عملاق كان له أثر بعيد في توصيل كلمات الله إلى البشر في كثير من بقاع الأرض, وقد نجح في استيعاب علوم القراءات والتفسير, ووظفها بمهارة فى خدمة رسالته. والدليل على عبقرية هذا الشيخ أننا بعد مرور مائة عام على ميلاده نجتمع اليوم لتأمل منجزه. ونحن على يقين أنه كان, وسيظل علامة كبيرة في توصيل كلمات الله واضحة مبينة إلى الأجيال تلو الأجيال. والغرض من هذه الاحتفالية أن نفي الشيخ حقه من التكريم وإحياء الذكرى الطيبة, ومواصلة الاستماع إليه والحرص على نشر علومه. وربما تحقق جانب من ذلك بعرض فيلم تسجيلي عرف برحلة الشيخ, وأهم محطاتها.

هو عملاق من عمالقة التلاوة صاحب أسلوب فريد ومتميز وبديع كان حين يقرأ القرآن تعلو صيحات السامعين أكبارًا وإجلالا, كان ينتقل بسامعيه من عالم إلى عالم تسوده الروحانيات والفيوضات الإلهية. كان الشيخ مصطفى إسماعيل بالنسبة إلى من عاصروه من القراء كبيرهم الذي علمهم سحر القراءة والتلاوة تجويدا وترتيلا, هو صاحب الحنجرة الذهبية فضيلة القارئ الشيخ مصطفي محمد المرسي إسماعيل, وقد ولد في السابع عشر من يونيو عام ألف وتسعمائة وخمسة بقرية (ميت غزال) والتي تبعد عن مدينة طنطا ثمانية كيلومترات وقد لقي توجيها واهتماما بالغين من جده في التعليم وحفظ القرآن وعندما بلغ السادسة من عمره ألحقه جده بكتاب القرية الذي كان يديره الشيخ عبد الرحمن أبو العينين, وفى العاشرة من عمره تعلم التجويد, وعلم القراءات على يد الشيخ محمد أبو حشيش وقد بذل الشيخ إدريس فاخر مجهودا كبيرا في تعليمه التجويد وذلك بعد أن تحقق من أصالة موهبته في التلاوة, فأتم معه مصطفى إسماعيل حفظ القرآن الكريم, وختمه على يديه ثلاثين مرة. كان ذلك في عام ألف وتسعمائة وسبعة عشر.

وكانت فرصته الحقيقية في عام ألف وتسعمائة وسبعة وعشرين عندما توفي سعد زغلول فأقيمت الاحتفالات لتأبينه, وحينئذ قرأ الشيخ في المسجد الأحمدي مما جعل جموع الناس يعجبون بصوته وأدائه المتفرد.

وبدأت شهرته تتسع في الداخل والخارج حينما قرأ في ذكرى المولد النبوي الشريف ونقلت الإذاعة المصرية الاحتفال.

بعد ذلك طلبته أكثر دول العالم ليقرأ القرآن فى أكبر مدنها, وجاب القارات من الأمريكتين إلى أوربا وآسيا وإفريقيا.

ندوة القدس في المصادر التاريخية تكشف:
بنو إسرائيل لم يدخلوا فلسطين!!

تعاونت مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف والشئون الدينية بدولة فلسطين مع الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية في مصر في تنظيم ندوة دولية حول القدس في المصادر التاريخية, شهدت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية جلستها الافتتاحية يوم الأحد 19 يونيو الماضي ثم انتقلت جلساتها إلى مقر دار الكتب على كورنيش النيل, وقد تحدث في افتتاح هذه الندوة: عمرو موسى, الأمين العام لجامعة الدول العربية, فاروق حسني, وزير الثقافة المصري, د. يوسف سلامة, وزير الأوقاف والشئون الدينية الفلسطيني, د. محمد غوشة, عميد مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية في فلسطين, ود. محمد صابر عرب, رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية في مصر, الذي أكد على أهمية هذه الندوة التي تضم أربعة محاور هي: القدس في المصادر العربية والأجنبية, وفي الكتابات الإسلامية والأدبية والحضارية, وتحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي, فضلا عن هويتها العربية والإسلامية.

وعلى امتداد خمس جلسات خلال يومين نوقش 29 بحثا, حيث تحدث وزير الأوقاف الفلسطيني د. يوسف سلامة عن الوقف في القدس, وعرض د.تيسير جبارة, الأستاذ بجامعة القدس المفتوحة برام الله, للوثائق المقدسية في الأرشيفات الأجنبية, مؤكدا أن هناك الكثير من هذه الوثائق في الأرشيفات الأوربية, وخاصة البريطانية منها, وبعض هذه الوثائق لم يطلع عليها أحد من العرب أو المسلمين.

أما د. الحاج زكي الغول, أمين القدس الشريف, فقد اختار في هذه المناسبة العلمية أن يخرج للعالم بتصويب لتاريخ القدس قائلا: تعود معرفتي بتاريخ اليهود القديم إلى كل ما نقرؤه في كتب التاريخ والتوراة وما كان يشاع من أن لليهود في فلسطين آثارًا ومقدسات, وأن بني إسرائيل كانوا يحكمون فيها, وكانت لهم مملكتان إحداهما في القدس والأخرى في نابلس, وأن داود وسليمان- عليهما السلام- عاشا في فلسطين. وبدأت أبحث في القرآن الكريم عما يتعلق بسيرة اليهود, فتبين لي أنهم خرجوا من أرض فرعون عن طريق البحر, وليس برا فوق رمال سيناء, وأن موسى فر من فرعون قبل ذلك إلى أرض مدين, وهي في الحجاز, ثم اتجهت إلى كتاب (العهد القديم) فوجدته يقرر أن بني إسرائيل خرجوا من أرض فرعون, وأن الله لم يهدهم إلى أرض الفلسطينيين, مع أنها قريبة, وأدارهم إلى طريق بحر يوسف (البحر الأحمر) ثم قطعوا البحر حين لحق بهم فرعون, وخرجوا إلى برية فاران في الحجاز.

وأعني بقولي هذا أن بني إسرائيل لم يدخلوا فلسطين, من فترة خروج موسى حتى نهاية حكم داود وسليمان وأبنائه.

ويتناول د. زكريا أحمد سعد الموقف الأمريكي من قضية القدس, مبينا كيف أن الولايات المتحدة الأمريكية التي مارست مختلف الضغوط للعمل على تدويل القدس, راحت تمارس نفس الضغوط بعد عامين لمنع صدور القرار, إرضاء للرغبات الصهيونية.

وقد حاول محمد ماجد الحزماوي, المشارك من دائرة التاريخ بجامعة القدس بفلسطين أن يقدم قراءة في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي لمدينة القدس في القرن التاسع عشر من خلال سجلات المحكمة الشرعية, التي تعد أقدم السجلات في بلاد الشام.

مصطفى عبد الله

قرطاج

زغاريد الهنود الحمر في مهرجان قرطاج

دائماً ما يكون الدخول إلى تونس الخضراء بالنسبة للإنسان العربى المسلم محفوفاً بالمشاعر والأشواق ضارباً بجذوره فى حقائق التاريخ وروعة الاسطورة .., لذا كان لابد من استئذان سلطان المدينة (سيدى محرز بن خلف) فى الدخول كما يفعل أرباب الذوق والأحوال من السادة الصوفية وبسطاء مدينة تونس والمنطقة المغاربية التى يمثل التصوف الطرقى العمود الفقرى للحياة الروحية فيها..

وفي تونس الخضراء نحو 350 مهرجانا لعل أهمها على سبيل المثال لا الحصر (ملتقى المبدعات فى سوسة) و(مهرجان المدينة) الذى يواكب شهر رمضان المعظم وأخيرا اكتسب مهرجان منطقة (الكاف) ذات الطابع الخاص الصفة الدولية; ورغم الصيف الحار إلا أن ذلك الجو الكرنفالى الذى تتميز به تونس فى الصيف ينسيك على الفور حرارة الجو حين تنتقل من مهرجان (الزهراء) إلى مهرجان (بنزرت) الدولى الذى يحتفل هذا العام بدورته الثالثة والعشرين; تغادره لتمر على مهرجان (الفلفل) بإحدى المناطق الفلاحية, وتتابع السير إلى سلطان المهرجانات (مهرجان قرطاج) لكن لابد أن تمر خلال الطريق أولاً على مهرجان (السمك) فى حلق الوادى.

كان الشغل الشاغل لإدارة مهرجان قرطاج الـ 41 فى هذه الدورة كما أعلن مديره الفنان (رؤوف بن عمر) هو تطويره وتصحيح مساره ليعود مهرجانا ثقافيا فى المقام الأول وترفيهيا فى المقام الثانى.. وكان الرجل موضوعياً وشديد الواقعية عندما اعتذر سلفاً عن أي ثغرات أو أخطاء قد تقع أو وقعت نتيجة لتعديل مسار درة المهرجانات التونسية (مهرجان قرطاج), وتنوعت أنشطة المهرجان من خلال خمس فضاءات أثرية خصصت لتقديم ما يقرب من مائة عرض للموسيقى والطرب والمسرح والرقص والباليه .. فضلاً عن ندوتين عن المسرح والموسيقى.

المسرح التونسى والعربى من أين وإلى أين? كان عنوان الملتقى المسرحى الذى انتظم تحت أشراف الكاتب التونسى الكبير (عز الدين المدنى) وضم نخبة من الأدباء والنقاد والمسرحيين من تونس ومصر وفلسطين والعراق وسورية , وقد دار الملتقى حول ثلاثة محاور, أولها طموحات الفنانين المسرحيين الشابة وتطلعاتهم النظرية والإبداعية فى الحاضر والمستقبل, وثانيها التجارب المسرحية الماضية وعلاقتها بالحياة الوطنية والتراث والعولمة الثقافية المسرحية العالمية; وثالثها المؤسسة المسرحية وأدوارها بين الأمس والغد .. وقد ضمت المشاركات مداخلات مهمة للأسعد عبد الله ونجاة فخفاخ وأحمد عامر وحسن المؤذن ومحمد كوكة وفوزية ثابت من تونس; والمسرحى الكبير قاسم محمد من العراق, ود. ماري إلياس من فلسطين, ورغدة ماردينى من سورية; والكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن والفنانة الكبيرة سميرة عبد العزيز وكاتب هذه السطور من مصر.

وقد تحدث الأسعد بن عبد الله مدير (مركز الكاف للفنون الدرامية والحركية).. عن مشروع المركز الذى بدأ سنة 1867 كفرقة جهوية محترفة مع المسرحى التونسي الكبير (المنصف السويسى); وقد ركز مداخلته فى عدة نقاط أهمها الارتقاء بمستوى التعبير الجمالى والفكرى فى العمل المسرحى وتنمية الرصيد الدرامى من خلال تنظيم العروض وإقامة التظاهرات الفنية وقد قدم مركز الكاف تجربة جديرة بالمشاهدة لأول مرة وهى 24 ساعة مسرح بلا انقطاع وفى أوقات غير تقليدية, كما ركز على أهمية تكوين الشباب وإعداد البحوث ونشرها.. أما المبدعة التونسية نجاة فخفاخ فشاركت بمداخلة عنوانها (مسرح يبحث عن جمهور), وركزت مداخلة الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن من مصر على علاقة المؤسسة بالإبداع ودورها وعن أشكال الرقابة التى ربما كانت أحياناً تطوعاً من أبناء الحركة المسرحية ذاتها, أما الفنانة سميرة عبد العزيز فقد تحدثت عن تجربتها مع المسرح فى مصر وتاريخ الفرق التى شاركت فى تأسيسها والجمهور الذى توجهت إليه الثقافة الجماهيرية; كما تحدثت عن تجربتها مع (ورش الكتابة المسرحية), في حين تحدثتُ في ورقتي عن ضرورة التعاطى مع ثقافة الآخر والانفتاح عليها مع التأكيد على التمسك بالثوابت والأصول وخصوصية الفكر العربى والمحافظة عليها; وتعرضت باستفاضة لمسرح الشباب وطموحاته.

عشرون عرضاً مسرحياً كان أبرزها (فوتوكوبي) من تأليف (أحمد عامر) ودراماتورجيا وإخراج (الأسعد عبد الله); (المتشعبطون) تأليف على اللواتي وإخراج محمد إدريس; و(فيملياستار) تأليف وإخراج المنصف السويسي; (لنتكلم بصمت) نص (عز الدين قنون) و(ليلى طوبال) سينوغرافيا وإخراج (عز الدين قنون), وغيرها من العروض المسرحية التى حملت أسماء عدد من كبار المبدعين التوانسة.

كان من أكثر العروض المسرحية التى قدمها مهرجان قرطاج تميزاً عرض (زغاريد الهنود الحمر) الذى قدمته فرقة مسرح الأرض التى أسسها الفنان الكبير (نور الدين الورغي) وزوجته الفنانة القديرة (ناجية الورغي).., كان العرض يقدم بحثاً على المستويين السمعى والأيديولوجى يقابله تطبيق على المستوى البصرى.. وكأنه درس حى فى فنون الأداء والسينوغرافيا, خاصة وأنت تشاهد كيفية التشكيل فى الفراغ المسرحى وعلاقات الجسد بالكتلة على خشبة مسرح سوداء وفارغة تماماً حتى أقصى العمق .. إلا من الممثلات والجثة وآلة (الكونترباص) ولفافات النايلون وأشرطة الأفلام مع آلات عرض سينمائى.

فى هذا العرض الذى يجسد الوجه القبيح والمخيف لما أطلق عليه العولمة.., يحكي لنا المؤلف والسينوغرافي والمخرج نور الدين الورغي كيف استولى الغول على العالم بأسره.., بداية من الهنود الحمر والعبيد السود, الذى قام اقتصاده القوي على عرقهم وسواعدهم ودمائهم وحتى ثقافتهم وليس انتهاء بالعرب الذين استولى على تراثهم قبل نفطهم..; من خلال بحث موسيقي عملي قام به مواكبا لأحداث العرض الفنان (نور الدين الورغي) ربط فيه بين إيقاعات أناشيد الهنود الحمر وموسيقى (البلوز) فى إفريقيا السوداء والأرتام الموسيقية للحضرة عند أرباب التصوف الطرقي.., والمذهل أن الإيقاعات كانت متشابهة إلى درجة التطابق التام.., والمؤسف أن كل هذه الإيقاعات استولى عليها الغول الأمريكى ليؤسس بها موسيقى خاصة ينسبها لنفسه .. إنها ثروة الغير وثقافته أيضاً.. هكذا يقول المخرج من خلال العرض الذى يروي فيه قصة (دار ثقافة) محاصرة وشاعر مقتول بأيدي الغزاة, وزوجة وابنتين لا يستطعن حتى دفن الأب تحت شجرته الحبيبة التى طالما كان يقرض الشعر تحتها وتمنى الخلود تحت ظلها.

خالد سليمان

الرباط

الحوار الشعري المغربي - الألماني:
الترجمة والتحديث الشعري

شهدت رحاب جامعة محمد الخامس ـ أكدال بالرباط, الدورة الثالثة للحوار الشعري العربي ـ الألماني بإشراف الأكاديمية الألمانية للغة والشعر, ووحدة ( بناء الخطاب الشعري المغربي الحديث) وقد اختار المنظمون لهذا الحوار موضوع (الترجمة والتحديث الشعري). ويظهر جليا أن الأمر ليس مجرد استعراض للبديهيات ومناقشة المسلمات, بل يعكس الحاجة الملحة لرؤية الذات من خلال مرآة الآخر بالنسبة للجانبين, من ثمة فليس الحوار هنا تناولا ضيقا لشكل تعبيري من منظورين, وإنما حوار جدي بين أدبين من ضفتين مختلفتين, تقف وراءهما مرجعيتان ثقافيتان وحضاريتان كل واحدة منهما تمتلك مواصفات خاصة. لذلك فالحوار ـ بهذا المعنى ـ فرصة للإنصات المتبادل حول المختلف لا المؤتلف, وصيغة من صيغ قياس امتداد الذات في الآخر والعكس, والأعمق من هذا يشكل هذا الحوار فرصة ملامسة حدود رؤية الإنتاج مقابل رؤية التأويل, لأن من يترجم قصيدة الآخر لا يشتغل على اللغة وحسب, ويكتفي بنقل العبارة من نسق لغوي إلى آخر, وإنما يتتبع ما يترتب عن انتقال القصيدة الشعرية برؤيتها الدلالية وصوغها الفني ومرجعياتها الثقافية والحضارية, وهي تقرأ وتؤول من لدن مترجم (غير أمين) يمارس خيانته الجميلة محملا بمرجعياته وتأويلاته الخاصة, ويُقَوِّل النص الشعري ما لم يفكر فيه منتجه الأصلي..من هذا التضارب المهم والعميق أيضا بين الإنتاجية الشعرية الأصلية والتأويلية (الغريبة) التي تمارسها الترجمة يصبح لهذه الأخيرة معنى غير المعنى المتداول, يصبح معنى الترجمة, إذن, هو (إعادة إنعاش النص الذي مات) ـ كما جاء على لسان د.كلاوس رايشيرت رئيس الأكاديمية الألمانية للغة والشعر, وهو ما أكده حين قال: (إننا لا نترجم لمن لا يجيدون اللغة الأجنبية بل لمن يجيدونها حتى يدركوا الفارق بين النصين, وكيف نضج هذا النص. فالترجمة تمنح للنص حياة أخرى وتعيدها له برؤية وتصور جديدين). ضمن هذا السياق اعتبر رئيس الأكاديمية الحوار المستمر والبناء مع الكتاب والعلماء الأجانب وربط علاقات عميقة معهم الضامن الأساس لإرساء تعاون ثقافي وعلمي على المدى البعيد, والوسيلة المثلى للنهوض باللغة والأدب الألمانيين في أفق جعل الأكاديمية نفسها منتدى للحوار الثقافي الحضاري.

وفي السياق ذاته أكد رئيس وحدة (أنماط الخطاب الشعري المغربي الحديث) الشاعر محمد بنيس أهمية هذا اللقاء من حيث كونه لقاء تاريخيا لأنه يعقد لأول مرة بالمغرب, وحضاريا لأنه يأتي في زمن صار من المفروض فيه الانفتاح على أكثر من واجهة ثقافية وحضارية, وإلا أصابنا التقوقع والانمحاء, ونبه في كلمته أيضا إلى أهم مزايا هذا اللقاء المتمثلة في انفتاح الدرس الأكاديمي الجامعي والبحث العلمي على الشعر المغربي الحديث, مشيرا أيضا إلى علاقة الشعر المغربي بنظيره الألماني الضاربة في القدم, والممتدة إلى سنوات كثيرة حين انفتح الشعر المغربي على شعراء ألمان من أمثال غوته وشيللر, وإقبالهم على الترجمات العربية والفرنسية لكتاب (هكذا تكلم زرادشت) لنيتشه, ليستتبعه إقدام أكبر على شعراء آخرين أمثال هلدرلين وريلكه وغوتفريد بن وبول تسيلان.

وفي كلمته الافتتاحية, اعتبر د.حفيظ بوطالب رئيس جامعة محمد الخامس ـ أكدال المحتضنة لأشغال الحوار الشعري المغربي ـ الألماني أن (الشعر وردة الحضارات) لما له من مكانة رفيعة في النفوس, واعتبر أيضا أنه من الواجب على جامعتنا أن تعيد النظر في تعاملها مع الشعر المغربي, حتى يصبح حاضرا في الحياة الجامعية واليومية على السواء. كما عرج على أهمية الشعر الألماني من حيث كونه يمثل تجربة إنسانية كبرى, ولذلك آثر أن يرحب بكل من شارك في هذا اللقاء بطريقة شعرية حين ختم كلمته بأبيات شعرية للشاعر الكبير غوته, تقول:

يا أصدقاءُ تعالوا
إن أنتم شُعرتم في طريقكم بثقل الحياة وعبئها
إن كان طريقكم طريق غفران
محفوفا بالزهور والأثمار
فسنلتقي بعضا لبعض
هكذا نحيا
وهكذا نرحلُ سعداء
وحتى لو تألمَ الأحفادُ حزنا علينا
فمن أجل سعادتكمْ, حياتُنا ستصبح خالدة.

عرف هذا الحوار الشعري مجموعة من المداخلات الفكرية, دشنها الأستاذ عبد الفتاح كيليطو بورقة تناول فيها المنظور القديم القائل باستحالة ترجمة الشعر انطلاقا من قولة للجاحظ (الشعر لا يستطاع أن يترجم, ولا يجوز عليه النقل, ومتى حول تقطع نظمه وبطل وزنه, وذهب حسنه), وقدم كيليطو نموذجين للاستفادة من ثقافة الآخر عبر الترجمة, هما أحمد الشدياق الذي ظل تقليديا, وشعراء المهجر الذين أثروا وجددوا القصيدة العربية.

وفي مداخلة للدكتور عبدالسلام بنعبد العالي عنونها بـ (انتعاشة الشعر) وافتتحها بقصيدة (رمز) للشاعر الألماني غوته اعتبر بنعبد العالي أن هذا اللقاء المنظم هو بالفعل رمز يجسد استنبات ورودنا في منابت أخرى, وهي العملية التي لا تتحقق إلا بفعل الترجمة التي تنقل القصيدة إلى لغة أخرى يرى فيها الشاعر نفسه وشاعريته من خلال الآخر ورؤيته, وفي ذلك تقوية لهذه الشاعرية وإخصاب لها, مشيرا في هذا الصدد إلى رفضه القاطع لموقف الجاحظ, ومنتصرا ـ في الوقت نفسه ـ لموقف غوته الذي لا يفصل ترجمة الشعر عن الإبداع.

عبد المجيد شكير

الجزائر

رحيل السائحي الكبير: محمد الأخضر

رُزِئَت الساحة الأدبيّة الجزائريّة على مدى الخمسة عشر عاماً الأخيرة بفقد عدد كثير من الشعراء والقاصّين والروائيين والمسرحيين قضَوا جميعاً أمثال مولود معمري, ومحمد الصالح باوية, والطاهر جاوت, وعبد القادر علولة, وبختي بن عودة, ويوسف السبتي, وعبدالحميد بن هدوقة, وعمّار بلحسن, وأحمد الطيب معاش, ومحمد ديب, وأبي العيد دودو, وصالح خرفي, ومحمد الشبوكي, ثمّ أخيراً محمد الأخضر السائحي... وإذا كانت الجزائر فقدتْ كلّ هؤلاء الأدباء, ومنهم من هو ذو صيت عالمي, فإنّها بالمقابل لم تظفر بظهور أحدٍ من الأدباء الشباب يملأ مكان أحدٍ من هؤلاء.

والشاعر محمد الأخضر السائحي الكبير (1918- 2005) أحد الوجوه الثقافيّة المتألّقة في الجزائر, بدأ ينشر قصائده الأولى في البصائر الثانية منذ شهر سبتمر 1948. وغالباً ما كان بدأ ينشر أشعاره قبل ذلك التاريخ, في دوريات وجرائد أخرى.

وقد انتصب السائحي بمجرّد حفْظه القرآن الكريم, وهو في سنّ العاشرة, لتعليم الصِّبْية القرآن, ثمّ انتقل سنة 1935 إلى تونس حيث مكث هناك إلى اندلاع الحرب العالميّة الثانية, فطُرد من تونس للاشتباه في نشاطه الوطنيّ, فعاد أدراجه إلى مسقط رأسه. ويومئذ أسس ومجموعة من المثقفين مدرستين اثنتين لتعليم العربيّة ومبادئ العلم. ثم لم يلبث أن اتّصل بالشاعر محمد العيد آل خليفة في مدينة باتنة سنة 1948, قبل أن ينتقل سنة 1952 إلى مدينة الجزائر. وفيها بدأ يشتغل ببعض الأعمال الإعلاميّة في الإذاعة, كما بدأ اسمه يتألّق في سماء الشعر. وقد عُرف في عهد الاستقلال بتقديم برنامج خفيف بعنوان: (ألوان), وهو الذي كان يذاع يوميّاً, من الإذاعة الوطنيّة, بين منتصف النهار والساعة الواحدة لمدّة طويلة...

ولقد أتيح لي أن أسافر مع الشاعر الفقيد إلى اليمن لحضور مؤتمر اتحاد الأدباء العرب في عدن وصنعاء. كما أتيح لي أن أعمل معه في قيادة اتحاد الكتاب الجزائريين لقريبٍ من عشر سنوات.

وقد كان شاعراً رقيقاً, وشعره مع ذلك جزل إن شاء أن يكون جزلاً, ولكنه رقيقٌ إن شاء أن يكون غنائيّاً. وكان محمد الأخضر السائحيّ, لمن لا يعرفه شخصيّاً, أحد أكبر أصحاب البديهة الحاضرة, فهو يستطيع أن يكتب القصيدة في دقائق إذا استثير. فقد استفزّه مجموعة من شباب الشعراء الجزائريين, وهم اليوم كهول, وقد كنّا في طريقنا إلى بغداد بالطائرة, فما هو إلاّ أن سمع منهم بعض الأبيات التي كأنّها تستفزّه, وإذا هو يطالعنا, بعد دقائق, بأرجوزة تقع في زهاء عشرين بيتاً يردّ عليهم فيها بأقذع ممّا كتبوا هم, وألذع!... وقد استفزّه في ليلة ما, بفندق الجزائر في عشاء رسميّ زمن الحزب الواحد, الشاعرُ عبد اللّه حمادي ببيت مقذع, فأجابه الشيخ السائحي ببيتٍ من جنسه بل أقذع وأنكأ, ولذلك لا يمكن إثباته هنا!... وقد زعم لي مراراً أنّه هجا موظّفي الإذاعة الوطنيّة في أرجوزة أطلق عليها ألفيّة الإذاعة, وقد أسمعني منها وطائفة من المثقفين في وهران سنة 1975 أبياتاً جميلة طريفة, ولكنّه كفّ حين بلغ الطّابق الرابع, مخافة أن يمسّ المسئولين من الأكابر فيدخل في المحظور!... غير أنّ كلّ من يسمع هجاءه فيه لا يغضب منه لسنّه وظرْفه, وطيب قلبه.

والحقّ أنّي لو أرسل هذا القلم على سجيّته ليحكي طرائف الشيخ السائحي, وما اتّفق له في علاقاته مع النّاس لطال الحديث, ولاسْتحالَ مجرى الكلام إلى شأن آخر نحن عنه, هنا, راغبون...

إنّ مما يتفرّد به السائحي الكبير عن بقيّة الشعراء الجزائريّين المعاصرين, وخصوصاً في الأعوام السبعين والثمانين, هو أنّه كتب كلمات كثيرة لأغاني وطنيّة, كما كتب بعض الأبوريهات بمناسبات وطنيّة أيضاً كبيرة...

والذي يعود إلى ديوانه (همسات وصرخات) يستخلص منه جملة أحكام وصفيّة لشعره لعلّ أهمّها:

1- لم يكد يصطنع هذا الشاعر البحور الفخمة كالطويل مثلاً في عامّة أشعاره.

2- أنّه أتى على معظم المناسبات يصفها أو يتغنّى بها.

3 - أنّ لغة السائحي الشعريّة تطوّرت نحو الأمثل كثيراً, كلّما تقدّمتْ به الأيّام.

4 - لا يخلو شعر السائحيّ من صور شعريّة تجعله خفيفاً في النفس, برْداً على القلب.

د. عبدالملك مرتاض

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




د. أنس الرشيد وزير الإعلام يستعرض إحدى آلات التصوير لدى افتتاحه المعرض





نقل استثنائي, صورة مشاركة في المعرض بعدسة موسى عياش (لبنان)





صورة تعود لعام 1938 للشيخ مصطفى إسماعيل





لقطة من أماسي شيوخ الطرب





جوته وشيللر كانا حاضرين في الحوار الشعري المغربي - الألماني