العربية والأقليات اللغوية (محاولة لتحديد النطاق)

العربية والأقليات اللغوية (محاولة لتحديد النطاق)

  • كيف يمكن التمرد على لغة متجذرة.. متغلغلة في الأرواح كاللغة العربية?
  • الأقليات اللغوية في العالم العربي لا تصل نسبتها كلها إلى أكثر من 10%

المراقب لأحوال عالمنا العربي في الفترة الأخيرة, لن تتوقف ملاحظاته عند حدود الاضطرابات السياسية الواضحة في بنية ما يمكن تسميته بالنظام العربي, على اتساع الرقعة الجغرافية والديمغرافية الممتدة من المحيط إلى الخليج, ومن شمال الشرق الأقصى حتى الجنوب المتاخم لخط الاستواء. فثمة اضطرابات أخرى ذات أبعاد اجتماعية وثقافية تواكب هذا الاضطراب السياسي, ولعل محاولات التمرد على اللغة العربية الجامعة من بعض الأقليات اللغوية هي أخطر هذه الاضطرابات, وأقلها نيلاً للعناية من قبل المراقبين والملاحظين. وإذا كان أهل السياسة لا تلفت نظرهم كثيرًا مسألة اللغة, فإن أهل الثقافة العربية أولى بالتوقف مليًا أمام ما يحدث في محيط لغتهم أو في قلبها, وهذه وقفة للإحاطة بحدود المشكلة, حيث الإحاطة هي أول السعي للفهم,ومن ثم الاستشراف, والتدبُّر.

أعترف أنني ترددت طويلاً أمام الحديث عن هذه الظاهرة التي خلط فيها بعض الإخوة في عالمنا العربي بين السياسي والثقافي, ثم خلطوا بين الرغبة في التمرد على ما رأوه شروطًا سياسية تاريخية فرضت عليهم, وبين مكونات في صلب وجدانهم ذاته, فتوجهوا بتمردهم إلى اللغة العربية التي تتكلمها ألسنتهم وتكتبها أياديهم, بل يتكلمونها ويكتبونها أفضل مما يتكلمون ويكتبون اللغات التي يدعون إلى تسويدها. وهي ظاهرة ليست مقصورة على ما يحدث في عالمنا العربي الآن, ومن قبل, فهي متكررة الحدوث في أكثر من مكان في عالمنا المعاصر, ولا أجد حافزًا لتحديد المواقع التي تكررت وتتكرر فيها هذه الظاهرة, لأنها تبدو لي أبعد ما تكون عن الظاهرة في عالمنا العربي وعن التصاقها أو إلصاقها باللغة العربية, على الأقل في البعد الزمني. فمثال التمرد على اللغة الروسية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي السابق من قبل جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية أو الجمهوريات الأوربية ذات اللغات المحلية المختلفة, لا يمكن مقارنته بما يواجه اللغة العربية ذات الوجود المتجذر في المكان منذ آلاف السنين, والمتغلغل في الأرواح التي اختارت الإسلام دينًا قبل وبعد أي تداخل سياسي أو جيوسياسي وإلى ما شاء الله.

أقليات لغوية.. لا لغات أقليات

بداية, لا أريد أن أسمي تلك اللغات بلغات الأقليات, ليس فقط لأن هذا قد يجافي الحقيقة في رقعة هنا أو هناك من الأرض العربية, ولكن إصرارًا على حفظ كامل الاحترام لأبناء الأعراق المختلفة بين ظهرانينا كأمة عربية, يجمع بيننا أول ما يجمع هذا اللسان العربي الذي يكتسب حيويته التاريخية وديمومته الفاعلة من تراثنا الديني المشترك, وتحديدًا القرآن الكريم, ثم يمتد بطاقته الجامعة من معايشة كل جوانب الثقافة العربية الإسلامية التي يعتبرها كثير من المثقفين العرب غير المسلمين مكونًا أساسيًا في بنائهم الثقافي الخاص والعام.

ولأن الأمر بالغ الحساسية, وبالغ الخطورة أيضًا, فإنني أختار أن أوغل فيه برفق, وأنحي الرأي الشخصي والانطباع الذاتي, وألوذ بمنطق البحث, عارضًا الصورة العامة لهذا الموضوع الشائك, بما تستوعبه هذه المساحة من حديث الشهر. وعندما أقول الصورة فإنني أعني الالتزام بمعطيات المصادر التي اعتمدت عليها والتي أفضل إيرادها في هامش هذا الحديث ليرجع إليها من يشاء في الاستزادة والتيقن, كما أجدني مضطرًا للتخلي عن النموذج المعتاد في المقال المسترسل, لأورد جدولاً يلخص المعطيات بمنزلة أداة توضيحية. فلعل أهم ما يمكن أن يبدأ به موضوع كالذي نعالجه هو الوضوح الذي يحدد الصورة, لأن الصورة غائمة لدى الكثيرين. وفي عرضي للصورة آثرت أن أستبعد لغات يدعو لإحيائها البعض, بينما إحياؤها ضرب من المستحيل, وادعاء عودتها إلى الألسنة نوع من الهزل الذي لا يستقيم مع أي منطق خارج مجال الدراسات الأكاديمية وبحوث الآثار, ومثالها الهيروغلوفية والفينيقية. ولنبدأ بتجميع أجزاء هذه الصورة تبعًا لحجم أو إلحاح الأجزاء, ثم نفكر في الإشكالية أو نتدبر المخارج منها.

اللغة الأمازيغية

يرفض كثيرون من مثقفي الأمازيغ تسميتهم بالبربر, لكون الصفة استعملت من قبل اليونان القدامى لوصف مَنْ لا يتكلم لغتهم على أنهم متوحشون, ويقول هؤلاء: إن الكلمة المقابلة في اللغة العربية هي الأعجميّ, وهي ما يطلقها العرب على مَنْ لا يتحدث لغة الضاد, إلاّ أنّ صفة التوحش ارتبطت بالأمازيغ لدى بعض الأوربيين لكونهم عُرفوا بشدة مقاومتهم للرومان على مدى أربعة قرون, ويفضل الأمازيغ نعتهم بهذه التسمية لأنها تعني في قاموسهم: الإنسان النبيل.

يتحدث الأمازيغ منذ القدم بلسان غير متجانس يضم سبع لهجات كبرى تنتشر في شمال إفريقيا هي - إلى جانب (تشلحيت) - (تاريفت) و(تمازيغت) في المغرب, (القبَايْليَّة) و(الشاويَّة) و(المزابيَّة) في الجزائر, و(التراكيَّة) في الصحراء الكبرى من موريتانيا إلى السودان.

وتعتبر اللغة الأمازيغيَّة أقدم لغة وُجدت على أرض المغرب, إذ يرجع تاريخ تدوين حضارتها إلى ما يزيد على خمسين قرنًا, وهي تنتشر على رقعة جغرافيّة تفوق مساحتها خمسة ملايين كيلو متر مربع, حيث تمتد من الحدود المصرية - الليبية إلى مالي والنيجر بإفريقيا, علمًا بأن أكبر مجموعة سكانيّة ناطقة بها توجد بالمغرب, وتفيد أبحاث (أركيولوجيّة) بأن هذه اللغة كانت تُدوَّن بحروف (تيفيناغ).

بين كل اللغات (الحاموسامية) علاقة قريبة في النظام النحوي (القواعد), والنظام الصوتي, ولكن لا توجد تشابهات كثيرة في المفردات. هناك حوالي 300 كلمة أمازيغية يمكن إيجاد شبيه لها في باقي فروع الحاموسامية ومنها العربية. فهذه العلاقة تعني أن هذه اللغات كانت لغة واحدة مشتركة في زمن بعيد جدًا, فمن الطبيعي أن هناك علاقة, ليس بين العربية والأمازيغية بالتحديد, ولكن بين الأمازيغية والسامية.

فالأمازيغية ليست ابنة اللغة العربية ولكن يمكن اعتبارها لغة أختًا لها, وهي أقدم منها على الأرجح.

هناك ثلاث طرق لكتابة الأمازيغية: بالحرف اللاتيني, والحرف العربي, والحرف التيفيناغي. ويتبنى أغلب المثقفين الأمازيغ, الحروف اللاتينية في الكتابة, بسبب تأثرهم بفترة الاحتلال الفرنسي, وهو ما يجعل البعض يدرجهم ضمن الفرانكوفونيين.

فمن الصعب استخدام حروف تيفيناغ الأصلية للغة, لأنها تتطلب ضرورة استحداث آلات طباعة وصناعة حروف مطبعية, وذلك باهظ التكاليف حاليًا.

يميل الأمازيغ حاليًا لإحياء لغتهم, والسبب في ذلك كما قال اللغوي الأمازيغي محمد أكنار, في حوار مع قناة (الجزيرة) يوم 17/8/2000, هو:

(أننا ربينا على أدب أمازيغيّ ثر وكثير, ولكنه شفوي, كانت الأمهات والجدات هن اللائي يقمن بتوصيله إلينا, إلاّ أن العالم الآن تحوّل ولم يعد هناك دور للجدة ولا للأم, لأن التلفزة والمذياع وغيرهما قامت مقامهما, فبالتالي هذا الأدب ينقرض, وإذاعرفنا أنه لم يُجمع وظل شفويًا نعرف أنه ستكون خسارة كبيرة جدًا بالنسبة لجانب مهم من ثقافتنا المغربيّة).

في 25 أكتوبر 2003 ظهرت أول ترجمة لمعاني القرآن إلى اللغة الأمازيغية بالحرف العربي. وفي سبتمبر 2003 قرر المغرب تدريس اللغة الأمازيغية كتجربة أولى في 371 مدرسة نموذجية على مستوى التعليم الأولي.

اللغة الكردية

تعني كلمة (كوردو) بالسومرية: سكان الجبل, وهو الاسم الذي أطلق على الأكراد أي سكان الجبال التي تسمى كردستان, وتمتد في العراق وسورية وإيران وتركيا وأرمينيا, والواقع أن الأكراد اليوم تعددت لغاتهم ومذاهبهم واتجاهاتهم السياسية وأوضاعهم الاقتصادية, تبعًا لانتشارهم في الدول المجاورة والمحيطة, وهم ثلاث مجموعات رئيسية: أكراد العراق, وأكراد تركيا, وأكراد إيران.

ويتحدر الأكراد من قبائل قفقاسية أوت إلى الجبال المنيعة, ثم اختلط مع هذه القبائل عرب وفرس وتركمان, وتحمل اللغة الكردية مخزونًا كبيرًا من اللغات السومرية والعربية والسريانية والأكادية, وقد اتسعت مساحة كردستان مع مرّ القرون بسبب الهجرات الكردية المتتابعة.

يقصد باللغات القفقاسية أن شعوب كردستان كانت تتكلم لغات لا تنتمي إلى أي من الفصائل اللغوية المعروفة مثل اللغات السامية, أو اللغات الهندوأوربية التي يتكلم بها الكرد الحاليون. ولكنها تنتمي إلى الفصيلة الطورانية مثل لغات الصينيين.

اللغة التركمانية

يعود التركمان إلى الجماعات الآسيوية الوسطى الناطقة بالتركستانية, والتي تتكون حاليًا من الجمهوريات السوفييتية السابقة, مثل أوزبكستان وقرغيزستان وكازاخستان وطاجيكستان, وتصل نسبتهم في العراق إلى 7%, ويقدر عددهم بنحو مليون ونصف المليون من العراقيين, وهم في سورية حوالي 100 ألف, وفي الأردن حوالي 25 ألف نسمة.

ويعيش التركمان حياة قبائلية متقاربة مع قبائل المنطقة, وهم من أقل الجماعات الإثنية اهتمامًا بالسياسة, ولكنهم في العراق أكثر نشاطًا منهم في سورية وإيران والأردن.

وهم يوصفون بعرب التركمان وهي تسمية تبدو متوافقة مع حالة الاندماج الكلي مع محيطهم العربي, وقد استخدموا اللسان العربي واللباس العربي, واقتبسوا العادات العربية والبدوية حتى إنه يمكن اعتبارهم عربًا من أصول تركمانية.

ومن العلماء المسلمين من أصل تركماني: الفارابي, والبخاري, والخوارزمي, والبيروني, والسرخسي.

يشكل التركمان المجموعة اللغوية الثالثة في العراق بعد العرب والأكراد, ويقيمون في مناطق كركوك وأربيل والموصل وتكريت, وهم مسلمون نصفهم من السنة ونصفهم من الشيعة, وهناك كثير من العشائر العراقية العربية من أصل تركماني, ومنهم الشاعر العراقي المشهور عبدالوهاب البياتي, ومن المثقفين التركمان سركون بولص. وتشبه اللغة التركمانية اللغتين التركية والأذربيجانية, ولكنها تكتب بأبجدية عربية.

اللغة السريانية

ينتمي السريان إلى الآراميين, وقد اعتنقوا المسيحية, وتعتبر مدينة الرها في منطقة الجزيرة إحدى أهم أمكنتهم الدينية والتاريخية, وصارت اللغة السريانية التي هي إحدى اللهجات الآرامية اللغة الفصحى لجميع الكنائس المسيحية والبابلية في جميع منطقة المشرق من خليج البصرة حتى سيناء, وكانت أيضًا لغة القبائل العربية التي اعتنقت المسيحية كالمناذرة. وتعتبر اللغة العربية شكلا حديثًا للغة السريانية مثلما كانت هذه شكلاً جديدًا للغة الآرامية, وكانت السريانية أيضًا لغة الثقافة في الإمبراطورية الساسانية, ومازالت بقايا الطائفة النسطورية السريانية منتشرة في الهند وفي الصين, ويحتفظ المسيحيون هناك بوثائقهم الدينية السريانية.

وأطلق العرب على السريان تسمية (النبط) أي الناس الذين استنبطوا الأرض, على خلاف تسمية العرب أي الناس الرحل المتنقلين.

وتعد القامشلي اليوم إحدى أهم المدن السريانية, وهي الجزء السوري من نصيبين التي قسمت بين تركيا وسورية, ونقلت الأبرشية السريانية عام 1933 من نصيبين إلى الحسكة.

انقسم السريان مذهبيًا بين النساطرة واليعقوبيين, ولكن تجمع بينهم اللغة والثقافة السريانية.

ويتوزع السريان اليوم كما يلي: حوالي مليون ونصف المليون في العراق, نصفهم في بغداد والباقون في الموصل وأربيل ودهوك وكركوك والبصرة, ويوجد ربع مليون في سورية, أغلبهم في منطقة الجزيرة وحلب ودمشق, وعشرون ألفًا في لبنان أغلبهم في بيروت, وعشرة آلاف في تركيا, وينتشر في جميع أنحاء العالم حوالي مليون سرياني.

اللغة الآرامية

هي لغة القبائل التي انتشرت في الهلال الخصيب, وظلت قائمة لأكثر من ألف سنة بدءًا من القرن السادس قبل الميلاد حتى مائتي سنة على الأقل بعد الفتح الإسلامي في القرن السابع الذي أدخل العربية للمنطقة. وتنتمي الآرامية إلى أسرة اللغات السامية, وقد اقتبست الأبجدية الفينيقية.

وفي عهد السلوقيين منذ القرن الرابع قبل الميلاد أصبحت اللغة السائدة في كل آسيا السامية أي في سورية وما بين النهرين وبلاد الكلدان والعراق وجزيرة العرب.. وكان المسلمون يدرسونها لكثرة فوائدها, وقد كتب بها الأرمن مدة قبل انتشار الأرمينية وحروفها. وقد بلغ امتداد هذه اللغة إلى أقاصي الشرق في الصين شمالاً, وفي الأقطار الهندية جنوبًا, فلا نظن أن لغة أخرى - حتى اليونانية - جارت الآرامية في اتساعها إلا الإنجليزية في عصرنا الحاضر.

وقد تعلم الآراميون من الكنعانيين فن الكتابة الأبجدية, وحاولوا استعمال اللغة الكنعانية في كتاباتهم, غير أنهم كشفوا عن ذواتهم باستعمالهم تعابير آرامية مثل مقطع (بو) و(بيث) وسرعان ما تخلوا عن اللغة الكنعانية وأخذوا في استعمال لغتهم الخاصة. وتعود أقدم النصوص التي وصلتنا باللغة الآرامية إلى القرنين العاشر والتاسع قبل الميلاد, حيث وضوح اللغة الآرامية وتطورها من اللغة الكنعانية.

هذا التطور من اللغة الكنعانية إلى الآرامية التي حلّت محلها هو الذي جرى لاحقًا للسريانية بدل الآرامية حتى أصبحت خليفتها أو وريثتها لا كونها فرعًا منها كما ذهب بعضهم خطأ. فلهجات اللغة الآرامية السريانية تتفرع إلى لهجتين هما:

الغربية: هي لهجة سورية وفلسطين وما بين النهرين العليا وطور سيناء في مصر.

الشرقية: وهي لهجة العراق وفارس. وثمة لهجة ثالثة تميزت عن هاتين اللهجتين وهي المعروفة بالفلسطينية وهي اللهجة التي تكلم بها المسيح - عليه السلام -.

جدول بأهم الأقليات اللغوية في الوطن العربي:

الأقلية اللغوية

عدد متحدثيها في المنطقة العربية

دين الأغلبية منهم

أصل اللغة

الموطن الأصلي

مناطق التمركز الحالي

الكردية

7 ملايين

الإسلام

السامية -الحامية

كردستان

سورية والعراق

الأرمينية

1.5 مليون

المسيحية

السامية -الحامية

أرمينيا

لبنان وسورية ومصر

الآرامية

175 ألفًا

المسيحية

السامية -الحامية

المناطق الحالية

سورية والعراق ولبنان

التركمانية

175 ألفًا

الإسلام

السامية -الحامية

الاتحاد السوفييتي وتركيا

الأردن وسورية

التركية

175 ألفًا

الإسلام

السامية -الحامية

تركيا

سورية والعراق

الفارسية

450 ألفًا

الإسلام

السامية -الحامية

إيران

العراق - دول الخليج

القبائلية الإفريقية

6.5 مليون

الوثنية

الإفريقية

جنوب السودان - جنوب المغرب

جنوب السودان - جنوب المغرب

النوبية

900 ألف

الإسلام

السامية -الحامية

جنوب مصر - شمال السودان

جنوب مصر - شمال السودان

الأمازيغية

17 مليونًا

الإسلام

الأمازيغية

دول المغرب

دول المغرب



لمزيد من المعلومات:

  • - ياسيلي نيكيتين, الكرد: دراسة سوسيولوجية وتاريخية, ترجمة وتعليق: نوري طالباني, تقديم: لويس ماسينيون, دار الساقي, 2001, بيروت, ولندن.
  • - سليم مطر, جدل الهويات, 2003, بيروت, المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
  • - إبراهيم كايد, (العربية بين الساميات).
  • - فريدرك نيوماير: سياسات اللغويات, ترجمة د.عبدالله بن هادي القحطاني ومحمد عبدالرحمن البطل, نادي أبها الأدبي, 1417هـ.

اللغة المندائية

هناك تشابه كبير بين اللغة العربية واللغة المندائية, فاللغتان تتحدران من أصل واحد, لكن العربية تطورت ونمت واكتملت, بينما انزوت المندائية وبقيت مقصورة على المخطوطات القديمة وعلى التفاهم العائلي المحدود. فالأبجدية المندائية تتفق والأبجدية العربية, تلك الأبجدية الموجودة في اللغات السامية وهي: (أبجد هوز حطي كلمن سعفت قرشت).

والحروف المندائية أقرب إلى صورة الحروف العربية من غيرها من اللغات السامية الأخرى, فهناك حروف كثيرة تطابق صورتها صورة الحرف العربي, ومنها: (الباء والدال والواو والحاء والطاء واللام والنون والسين والصاد والعين).

ومما يفاجئ الباحث العربي كثرة المفردات المتماثلة لفظًا ومعنى بين اللغتين, بحيث إن قطعة واحدة من الأدب المندائي الكلاسيكي تشتمل على حوالي مائتي كلمة, لا يوجد بينها سوى بضع كلمات غريبة عن اللغة العربية.

ويستطيع القارئ العربي أن يفهم المندائية, شريطة أن يكون ملمًا بأنواع الإبدال والقلب والحذف والإدغام, فهناك - مثلاً - إبدال بين السين والشين, فنقول في المندائية (شلم) بدل (سلم), و(اشم) بدلاً من (اسم), ونقول (رشم) و(رسم). كما أن هناك إبدالاً بين الحاء والخاء والهاء, فنقول في المندائية (هيا) بدلاً من (حيا) ونقول (أها) ونقصد (أخا).

وفي المندائية أيضا إبدال بين العين والهمزة, فنقول (أين) بدلا من عين, ونقول (صبا) بدلا من صبغ. أما في العربية, فيحصل الإبدال بين الهمزة والعين, فنقول (قراعة) بدلاً من قراءة و(مسعلة), بدلاً من (مسألة). ويحصل في المندائية أن تحذف العين أو الغين فنقول (أبي, نبي), بمعنى: (أبغي, نبغي), ومثل هذا الاستعمال موجود في جنوب العراق, كما نقول في المندائية (دا) بدلاً من دعا, ونقول (مندا) أي (من دعا), لمعرفة الله, ومنها أخذت كلمة مندايي ومندائي وسمي الفرد الصابئي (داي), وأصلها (داع) لله وعارف.

اللغة النوبية

يتكلمها سكان النوبة, وهي المنطقة الممتدة على شاطئ النيل من جبال السلسلة شمال كوم أمبو في مصر حتى دنقلة جنوبًا في السودان, حيث يسمى الجزء الواقع في مصر (بين السودان ووادي حلفا): النوبة السفلى. والجزء الواقع في السودان: النوبة العليا.

وتنقسم اللغة النوبية إلى فرعين رئيسيين يختلفان الآن في القواعد والمفردات وهما: لغة (الكنوز) ولغة (الماتوكي).

أما بعد..

لقد حاولت أن أحدد نطاق مشكلة الأقليات اللغوية في الوطن العربي, والجدول المرفق يظهر أن المشكلة من الزاوية العددية لأهم هذه اللغات - مجتمعة - لا تتجاوز خمسة وعشرين مليونًا من المتحدثين بها. وهو عدد لا يشكل إلا نسبة تدور في محيط العُشر من عدد سكان الرقعة العربية (حتى بعد تحديث الإحصاءات, التي قد لا يتفق عليها الكثيرون). وليس البعد العددي هو الذي يشير إلى حجم المشكل, فهذا العدد من المتحدثين بهذه الأقليات اللغوية أو الطامحين لاعتمادها بأولوية في برامجهم, يتحدثون اللغة العربية, بل يتحدثها ويكتب بها المثقفون منهم بأفضل من استخدامهم لهذه اللغات في معظم الأحيان. وتبقى ملحوظة مهمة من خلال العرض السابق لصورة هذه اللغات: أن معظمها بلا أبجدية, وكثيرًا منها يعاني عدم الاتفاق على نسق نحوي أو صرفي, مع كل وكامل الاحترام, لحق أي مجموعة سكانية في عالمنا العربي في التحدث بما يتسق مع جذورها العرقية والثقافية, فهذا التنوع الخلاق يثري اللغة الجامعة, أي اللغة العربية.

ويتبقى - بلاشك - كثير من التساؤلات عن مستقبل اللغة العربية في هذه الأوساط, وفي عالمنا العربي بعامة, وهي تساؤلات تفتح بابًا لحديث قادم بإذن الله.

 

سليمان إبراهيم العسكري

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات