أرقام

أرقام

مــا بـعــد الـغُـربـة!

حين (وقعت الواقعة) وهدمت طائرات مدنية برجي التجارة العالميين في نيويورك وجناحاً من مبنى البنتاجون, حين حدث ذلك اضطربت الأسواق, وخرجت تكهنات كثيرة حول حال الركود التي سوف تسود العالم, وحال (الخسران) التي سوف تصيب أصحاب الأموال.

ثم مضت شهور عدة, لم نعرف فيها بالتحديد كم بلغت خسائر هذا الملياردير أو ذاك, فطبيعة الأموال أنها متحركة وما تفقده في أسواق المال يوماً قد تعوّضه في يوم آخر... و... مع ذلك فإنه - مع مضي الوقت - يصبح الاتجاه واضحاً إن كان سالباً أو موجباً, وهذا ما أكّده تقرير صحفي - مالي صدر في أوائل عام 2002.

لقـــــد أصــــدرت مجـــلة (فوربس) قائمتها الســنوية السادسة عشرة حول ثروات أغنى أغنياء العالم فأشارت إلى تناقص عددهم من (538) مليارديرا في العام الماضي إلى (479) مليـارديرا في القائمة الجديدة, كما أشارت لتناقص ثروة هؤلاء بمقدار (190) مليار دولار, ولأن التراجع قد أصاب خمسين بالمائة من أبطال القائمـــة بينـــما لم تتحـســــــن أوضاع أكثر من (23) بالمائة منهم... و... شمل التراجع خروج (83) شخصاً, بينما طالت الخسائر المستثمر الياباني ماسايوش سون بمقدار (77) مليار دولار خلال عامين... إنها خسائر رجل واحد!

الخسائر إذن أكيدة, وقد تزايدت حدتها بعد (11) سبتمبر.

.... العرب والقائمة

في هذا الإطار, جاءت خسائر العرب الذين يستثمرون أموالهم دولياً أو في المحيط العربي والذي تأثرت فيه مرافق أساسية مثل الطيران والسياحة, لكننا - هنا أيضاً - لم نعرف كم بلغت الخسائر وإن كنا نعرف - وطبقاً للقائمة - أن عربيا, هو الأمير الوليد بن طلال قد احتل المركز الحادي عشر عالمياً بثروة قدّرتها المجلة المتخصصة بعشرين ملياراً من الدولارات... و... من بعده تأتي ثروات عربية للعشرة (المبشرين بالثروة) لتهبط بآخرهم إلى (7ر1) مليار دولار.

وقد كان السؤال مطروحاً طوال الشهور الأخيرة من عام (2001) والشهور التي تلتها: هل تعود الأموال العربية إلى حظيرتها الوطنية هرباً من الخسائر وفراراً من أخطار أخرى أثارها جو مشحون ضد العرب? وكان ذلك مصحوباً بسؤال آخر حول عودة أخرى, ولكن لليد العاملة العربية المهاجرة.

وقد طرح السؤال الأخير منظمة العمل العربية والتي أعدت دراسة تحذر فيها من خطر العودة المفاجئة للعمالة العربية... و... كان لابد أن تصحب التحذير خريطة تقول لنا: أين يوجد هؤلاء المغتربون?... وما احتمالات عودتهم?

وطبقاً لتقرير منظمة العمل العربية فإن عدد المهاجرين العرب قد وصل في نهاية (2001) إلى نحو (30) مليون شخص في الولايات المتحدة وأوربا, وتحتل أمريكا مركز الصدارة فتستضيف (8) ملايين شخص من بين هؤلاء, ثم تليها فرنسا (5 ملايين), ثم بريطانيا وألمانيا (4 ملايين و2ر3 مليون على التوالي).

وتوضح الدراسة أيضاً أن من يتمتعون بجنسيات أمريكية أوربية ويستظلون بمظلة هذه الجنسيات لا يزيدون على (30) بالمائة أي أن أكثر من (20) مليون عربي بلا غطاء, ويمكن الاستغناء عنهم وعودتهم إلى بلادهم الأصلية والتي عانت أيضاً ركود النشاط الاقتصادي في الآونة الأخيرة.

والتفاصيل بعد ذلك كثيرة... و... بينما قد تعود العمالة مضطرة لذلك, فإن قرار عودة الأموال مرهون باختيار من صاحبه, وهو اختيار يحدده عاملان, عامل الأمن (والبيئة الغربية باتت غير آمنة) وعامل الربحية وما يمكن أن يربحه رأس المال هنا وهناك. أيضاً, وبينما قد تهدد الظروف اليد العاملة بشكل فوري, فإن الأمر بالنسبة لانسحاب رءوس الأموال لن يكون فورياً ويحتاج إلى فسحة من الوقت تتحول فيها الأصول المملوكة إلى أصول سائلة وتتحول الأصول السائلة إلى أموال تحت التصرف.

المفارقة قائمة, لكن القاسم المشترك هو عوامل الجذب التي تغري الطرفين بالعودة, فهل تتوافر هذه العوامل?

زواج شرعي

في حالة رأس المال, فإنه لا يبدد القلق غير استقرار سياسي واقتصادي بمنطقة الشرق الأوسط, وإذا كان الاستقرار بعيد المنال, أو إذا كان القلق والتوتر السياسي عنصراً مشتركاً بين الدول العربية ودول المهجر, فإنه يبقى دائماً عنصر الربحية هو الحاسم, فكيف توفر للأموال العربية المهاجرة فرصة ربحية معقولة?

الجواب هنا اقتصادي بالدرجة الأولى, والطريق هو الخروج من حالة الركود إلى حالة الرواج, ومن حالة الاقتصاد المتباطئ إلى حالة الاقتصاد الأكثر نشاطاً, ومن حالة التخلف النسبي إلى حالة التقدم النسبي.

والتجربة تقول إنه ليس بالتراكم الرأسمالي وحده تكون التنمية وازدهار المشروعات, لكن ذلك يحدث في ظل توسع الطلب أو في القوة الشرائية, وهي اللعبة التي أجادها صانعو المشروعات في المجتمعات الرأسمالية, فهم يقدمون المبتكر والجديد دائماً, وبما يخلق عادات استهلاكية جديدة, وطلبا متزايدا يجر خلفه قاطرة الإنتاج.

ولكن, وفي الحالة العربية فإن الطلب محكوم بثلاثة قيود: سوق قطرية ضيقة في كل بلد, وقدرة شرائية محدودة عند الغالبية العظمى من السكان بسبب مشكلة الفقر, إضافة لتخلف تقني يجعل الإنتاجية الوطنية محدودة, ويجعل الاعتماد على الخارج غالباً وكاسحاً.

ونظرة سريعة للأداء الاقتصادي العربي تشير إلى ذلك, فبعض أقطارنا لا يصل فيها عدد المستهلكين إلى المليون وهو ما يعني بالضرورة إنتاجا وطنيا محدودا, ومعظم أقطارنا تعانـــي ظـــاهرة (تركز الثروة وانتشار الفقر).... ومن ثم: تركز الاستهلاك (وهو محدود في النهاية بعدد أفراد الشريحة الأكثر قدرة وانخــفاض القـــــدرة عنــــد الغالبية), أما التخلف التكنولوجي والاقتصادي فيتضح من ذلك الخلل الضخم في الميزان التجاري بين صادرات محدودة (إذا استبعدنا النفط الخام) وواردات غير محدودة تشمل كل شيء, من الإبرة للصاروخ, ومن الطعام وسلة الخضراوات إلى الفانــــتوم وشــــبكة الرادار, مروراً باستيراد الخدمات في شكل الخبرة, أو المعرفة, أو العمل السياحي والمصرفي والتأمين.

والبداية عندنا إن أردنا أن نطوّر, فسوق عربية مشتركة توفر مجالات أوسع للمنتجين والذين قد ينعمون - ولأول مرة - بسوق مساوية في الحجم للسوق الأمريكية, وبعدد سكان يزحف نحو الثلاثمائة مليون مستهلك... و... وإذا أضفنا لذلك عنصر عدالة توزيع الدخل ورفع مستوى الفقراء, فإننا نكون أمام قوة شرائية ضخمة تسيل لعاب المستثمرين عرباً وأجانب, ولكن, ولأن أسواقنا مفتوحة فإنه لا مناص من دخول لعبة التنافس بتحديث شامل للاقتصاد ومرافقه, وبإنتاج تكنولوجيا عربية وشراء تكنولوجيا أجنبية.

إنها رحلة الألف ميل, تبدأ بخطوة.. والتوقيت هو الآن, فمن يعلق الجرس في رقبة القط? ومن يقدم النصح والعمل لاختصار الزمن?

فعلتها أوربا في أربعين عاماً أو نحو ذلك وباتت الحدود مفتوحة, والخبرات متبادلة, والمواصفات السلعية موحدة, و... كان ذلك كله سندا لفكرة (اليورو) بديلاً للفرنك والمارك والليرة وغيرها من عملات ذات تاريخ.

ولكن, وحين باتت البطالة تثقل كاهل الأوربيين, وحين بات تشغيل الوطنيين واجباً أوربيا عاما, وحين زادت مشاكل المهاجرين وزادت حساسيات التعامل مع الأجانب نشأت فكرة مؤداها: فليذهب رأس المال إلى العمال, بدلاً من أن يأتي العمال إلى رأس المال, أي أنها دعوة للهجرة المضادة بأن تأتي الأموال الأوربية إلى بلادنا, بدلاً من أن يذهب (30) مليون عربي إلى هناك, وهي أرقام قابلة للزيادة.

السؤال: لماذا لا تكون هذه الدعوة للأموال العربية الخائفة واليد العاملة المرتجفة? لماذا لا ندعو إلى زواج بين العمل ورأس المال ولكن على أرض عربية.

الأمر يتطلب مبادرات عربية تتبناها المنظمات الإقليمية, ومنظمات رجال الأعمال, والمصارف العربية.

إنها مبادرات تستهدف زواجا بين المهاجرين (أموالاً وأفرادا) وأوطانهم, كما أنها تستهدف زواجا بين رأس المال المهاجر والعمالة المهاجرة وكلاهما يحمل بصمات الغربة وخبرتها وبصمات تقدمها.

إنه الزواج الشرعي الذي نستفيده من محنة سبتمبر, إنه زواج للأقارب, ولكن دون السلبيات التي تحدث عنها علماء البيولوجيا عندما قالوا إن أمراض الوراثة تتراكم والأطفال المعوقين يزيدون بسبب هذا النوع من الزواج.

في حالتنا تلك هو الزواج الصحي, والفرصة التاريخية زواج الأقارب هو الحل

ورقم
الأكـثـــر ربــحـــاً

عندما جرى إسدال الستار على القرن العشرين بكل تطوراته الاقتصادية وبدأ قرن جديد بتوقعات كبيرة حول المستقبل سجل قطاع الاتصالات والعقول الإلكترونية تفوقا كاسحا في الأسواق المالية, وهو تفوق لم ينافسه فيه مجال آخر.
المؤشرات ساندت ذلك, وفي دراسة لإحدى الشركات العربية التي تعمل في هذا المجال ما يشير إلى أن الاستثمارات العربية في قطاع الاتصالات بالبلاد العربية قد ارتفعت من (15) مليار دولار عام (1990) إلى (34) مليار دولار عام (2000).

أيضاً وفي تقرير لهيئة الاتصالات المصرية, فقد ارتفع عدد المشتركين في الهاتف النقال من مليون مشترك في بداية عام (2000) إلى (4ر3) مليون مشترك في بداية عام (2002).

و.... خارج الدائرة العربية تأتي مفاجأة الهند التي يسجل تقرير للبنك الدولي بأنها تحتل - بالاشتراك مع الولايات المتحدة - المركز الأول في مجال تنمية برامج الكمبيوتر وأن (160) شركة من بين خمسمائة شركة رئيسية في العالم تعمل في هذا الحقل تستورد حاجياتها من الهند وبما جعل حصيلة صادرات الهند في مجال برامج الكمبيوتر ترتفع من (1ر1) مليار دولار عام (96-97) إلى (2ر6) مليار في العام الماضي.

التوقعات في الهند: ارتفاع صادرات البرامج وخدمات الكمبيوتر إلى خمسين مليارا عام (2008), وأن تصبح هذه الصادرات هي المورد الرئيسي للعملات الأجنبية للهند بعد ذلك.

إنه القطاع الأكثر ربحا ورواجا والذي يشير إلى أن سرعة وكثافة الاتصال وتبادل المعلومات سمة رئيسية لإنسان القرن الـ (21).

 

محمود المراغي