ليوناردو دافنشي صورة جنيفرا دي بنشي

ليوناردو دافنشي صورة جنيفرا دي بنشي

يعود الدليل الأول على وجود هذه اللوحة إلى العام 1733م في مجموعة أمراء الليختنشتاين, ولكنها بيعت في العام 1967م لمؤسسة إلسا بروس الأمريكية بمبلغ 26.5 ملايين فرنك فرنسي (رقم قياسي تاريخي آنذاك), إذ أجمع الخبراء على أنها تعود من دون شك إلى أستاذ النهضة الإيطالية ليوناردو دافنشي (1452-1519م). فكيف تم التأكد من ذلك من دون أي اعتراض يذكر?

هناك أولاً نصوص مكتوبة تعود إلى عصر ليوناردو تشير إلى أنه رسم سيدة فلورنسية تدعى جنيفرا دي بنشي. وكلمة جنيفرا بالإيطالية تعني شجرة العرعر. فهل أغصان العرعر الظاهرة خلف وجه هذه السيدة في اللوحة هي مجرد صدفة أم إشارة إلى اسمها?

وهناك ثانياً تقنية رسم الوجه وهذا الانتقال اللطيف ما بين الضوء والظل في تقاسيمه, الذي يكاد يكون توقيعاً خاصاً بهذا الفنان دون غيره. كما أن تجعد الشعر على جانبي وجه هذه المرأة يتطابق تماماً مع ما كتبه ليوناردو نفسه في كتاب الملاحظات ويقول إن (الشعر المجعد يشبه تدفق الماء في شلالات الجداول الصغيرة ..) وهناك أيضاً التحاليل المخبرية الحديثة التي أكدت إنتاج هذه اللوحة في عصر ليوناردو.

ولكن هل يكفي رد نَسب هذه اللوحة إلى دافنشي لتفسير كونها أغلى لوحة في تاريخ سوق الفن?

الكآبة البادية على وجه هذه السيدة تجعل من هذه اللوحة الأولى في تاريخ الفن التي تمثل حالة نفسية, إذ رسم ليوناردو ثلاث لوحات ذات أبعاد نفسية, وكان الرائد في هذا المجال. (اللوحتان التاليتان هما (سيسيليا غاليراني) في متحف كراكو حالياً, و (الموناليزا) في اللوفر). وحتى القرن السابع عشر, أي على مدى قرنين من الزمن لم تظهر الكآبة في أية صورة شخصية أخرى وحتى عندما ظهرت لاحقاً, فإنها غالباً ما أتت على وجوه الرجال, وليس النساء.

أما تاريخ رسم هذه اللوحة فموضع خلاف, إذ يقول البعض إن ليوناردو رسمها وأهداها إلى جنيفرا سنة 1474 م لمناسبة زواجها, الأمر الذي يبدو غير منطقي, لأن هذه الهدية الكئيبة لا تتلاءم تماماً مع مناسبة الزفاف. ولذا يرجح البعض الآخر أن يكون قد رسمها في وقت لاحق, حوالي العام 1480م. ففي شهر مارس من ذلك العام, انفصلت جنيفرا عن حبيبها برناردو بيمبو سفير البندقية في فلورنسا, الذي هجرها في نهاية قصة حب شهيرة ومؤثرة. وكتب حولها شاعر النهضة براتشيزي يقول:

(فلتذرف جنيفرا الدموع وأنت راحل
وترجو النجوم أن تعاكسك الرياح
والعواصف الكبيرة أن تؤخرك,
وتمنعك عن السفر).

ولكن النجوم والرياح ساعدت بيمبو وأبحر, وبقيت جنيفرا وحيدة على شاطيء بيزا كما تظهر في لوحة ليوناردو, كئيبة ومنطوية على نفسها.

 

عبود عطية

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




ليوناردو دافنشي: (صورة جنيفرا دي بنشي), (38*36سم), حوالي العام 1480م, مؤسسة إلسا بروس الأمريكية