المرأة والسينما العربية

المرأة والسينما العربية

من المسئول عن الوضعية المتردية عمومًا للسينما العربية? المنتج? أم المخرج?, أم السيناريو? أم النقص في الإمكانات البشرية?, أم النقص في الدعم من قبل مؤسسات الدولة?, أم ماذا?

ألاحظ منذ مدة, أي منذ اشتراكنا في الفضائيات, ومتابعة الأفلام العربية, عليها حصول نوع من النفور الجسدي - إذا أمكن القول - عندي وعند أفراد أسرتي وهم ينتمون إلى الجيل الجديد المراهق, من الأفلام العربية الحديثة الملونة. وصار أولادي يتأففون من كثرتها وقلة جودتها, بينما لاحظت لديهم قبولاً أكبر لمتابعة الأفلام القديمة بالأسود والأبيض?

لماذا يفضل واحدنا مشاهدة الأفلام القديمة بالأسود والأبيض على تلك الملونة والأكثر جدة?

أكاد أقول إنني على استعداد لرؤية الفيلم بحسب الأعوام التي أنتج فيها (فيما عدا بعض الأفلام الطليعية الجيدة والقليلة مع الأسف). وكلما انتمى الفيلم إلى حقبة أقدم, كان الحظ في أن يكون جيدًا أكبر. ففي السينما هناك نوع من موجات أو موضة تنتج فيها مواضيع وطرق عمل وتقنيات متشابهة, بحيث إن نظرة سريعة كفيلة بأن تجعلك تعرف أسلوب الفيلم وكيف ستتسلسل القصة, وما النهاية.

ما الذي جعل السينما تتدهور بشكل عام?, لا يعني هذا غياب الأفلام الجيدة ولا أريد قول الجدية, فليست الجدية ما نبحث عنه في السينما, لكن الأفلام التي تشدنا إلى مشاهدتها هي التي تمس دواخلنا, لأنها تقدم إلينا شيئًا معينًا, مع صعوبة تحديد ماهيته.

هذا الشيخ الجليل (وأعتقد أنه لن يحب هذا الوصف) الذي دخل القاعة بلباسه المحلي, أي القفطان, مع كيسه الأحمر الذي ذكرني بالأكياس التي كان يحملها تلامذة الكتّاب قديمًا, وهو مؤسس مهرجان قرطاج السينمائي, أي أنه أبو السينما التونسية. أعرف أن الفيلم يعجبني عندما يحضر ببالي ويراجعني دون أن يكون هناك من داع إلى ذلك. أستحضر جملة أو تفصيلاً أو صورًا وأنغامًا لذيذة, أطمئن إلى أن هذه أعجبتني بسبب هذه المتعة المتجددة والارتياح مع شعور بالغنم مما يثير لدي شعورًا يشبه الاعتراف القوي بالجميل إلى مبدعها أو مبدعتها.

ويضيف: (من آلاف الأفلام التي شاهدت, أجد أن ما هزّ مشاعري منها شخصيات الإناث, ليس بمعنى البطلة أي الممثلة التي قامت بالدور, وهي قد لا تكون البطلة, وليس جمالها ما أقصد, لكن الشخصية, أظل متذكرًا أن ما هزني شخصية هذه الأنثى, لكن ليس بالمعنى الظاهري المحسوس والمباشر. ما يعجبني في الأفلام هذا الهز المتكرر.

أسأل نفسي لماذا? ما الذي حملته هذه الشخصيات الأنثوية على اختلافها من معانٍ, وليس من قيم?. أي أنها عملت لي شيئًا وفهمت منها شيئًا قد لا يشاطرني به أحد آخر, وتكون بلغته إليّ بالذات عبر إشارات وغمزات أو إيحاءات نافذة ومغيِّرة في آن واحد من تحسس الذات المبهم لهذا الآخر الذي يدعى المرأة.

لا يصلني من فيلم - أي فيلم - سوى متعتي الذاتية, لم يكن شغلي لا التقنيات ولا الأمور المشابهة, لست ناقدًا بالمعنى المعروف.

ورأي الطاهر شريعة, دقيق ونافذ, فالذي يشدنا في فيلم معين قدر من الصدق والواقعية والإحساس المرهف, والعمل التقني النظيف وحسن إدارة الممثلين في إطار سيناريو ذكي وقصة متماسكة. يقال إن الطعام اللذيذ لا يتعلق فقط بالمواد التي يتكون منها, والتي هي متشابهة بالطبع في كل الأحوال, لكن نَفَس صانعه هو الذي يعطيه طعمه الخاص وجودته, لا بد أن هناك (نفسًا) إبداعيًا ما ينجح البعض في توفيره فينجح الفيلم ونجد له نكهة خاصة. ويبدو أن المخرج الناجح لا بد من أن يتمتع بخلفية ثقافية معينة وذات عمق, وأن يعرف التعبير عنها.

كيف يمكن لمخرج ناجح ألا يتمكن من صياغة أفكاره بطريقة متماسكة وجذابة? كيف سيتمكن من نقل رؤيته إلى مجموع المتعاملين معه إذن? ويقدم ذلك كله في قالب يحترم ذكاء المشاهد وذائقته, فلا تقدم له شخصيات مهزوزة وغير موجودة في الواقع, بل فقط في مخيلة المخرج, فتبدو غير مقنعة في تطورها النفسي أو في سلوكها الاجتماعي. ولا يقتصر الضعف في الأفلام على الشخصية, أو حبكة القصة أو السيناريو, مع أننا من النادر - ما عدا أفلام قلة من كبار سينمائيينا, التي اعتمدت على روايات لروائيين مهمين - أن نتابع في أفلامنا العربية باهتمام, حوارًا ذكيًا يشدنا ويحمل لنا المتعة, أو هو شيء يشبه الوحي والمعرفة الأعمق بالنفس البشرية. إذن لا يقتصر الأمر على مقومات الفيلم الأساسية التي تساعد على ترابطه وتماسكه, إذ قد يشكو المخرج من غياب كاتب السيناريو أو غياب المواضيع الأدبية المتوافرة في السوق والصالحة للاستخدام كمادة للسينما. لكن الاستسهال يدرك كل جوانب السينما من التعامل مع الأدوات التقنية والفنية, التي لم تعد تهتم بالجودة دائمًا - وأسمع تعليقات من مثل أن السينما كانت أكثر جودة قديمًا بسبب أن العاملين فيها كانوا طليانًا أو يونانيين أو فرنسيين...- إلى إدارة الممثلين على مستوى تمثيل الشخصيات, إلى الملابس, بحيث نقرأ مثلاً, أن الممثلة الفلانية سافرت إلى لندن لشراء الملابس المناسبة للفيلم! هكذا بحسب ذوقها الخاص! مع ذلك تبدو الممثلات في الحقبة الراهنة وكأنهن غير مهتمات برأي المشاهد أو ذوقه أو حساسيته, فيكون وزن الممثلة يقترب من الـ 80 كلغ, وتصر مع ذلك على ارتداء الجينز أو البنطلون اللاصق دون أن تستدعي مجريات القصة ذلك بالضرورة. وكأن شكل الممثلة وأناقتها ورشاقتها صارت كلها موضة قديمة, ويكفي (أن تمثل) البطلة كي تتحف المشاهد بفنها وحضورها.

وداعًا للرشاقة

كأن أيام الرشاقة والجمال والرهافة قد ولّت, وتحولت الممثلات إلى بطلات ملاكمة من الوزن المتوسط كي لا أقول الثقيل. لا يعني ذلك غياب الرشيقات, لكنهن بعدد أصابع اليد, بينما كن جميعهن رشيقات أيام الأسود والأبيض. كذلك من غير المقبول إغفال أمور بسيطة - وهي غير مكلفة - مثل ترك الوجه, من دون ماكياج كافٍ لتغطية المسام التي تكون ظاهرة أحيانًا بشكل منفر, أو العرق الظاهر على الوجه أو أن تستفيق الشخصية صباحًا بمكياجها الكامل وكأنها ذاهبة للتو إلى حفل راقص, والأمثلة من هذا النوع كثيرة. وعندما نتكلم عن الوزن يقال إن المشاهد - الخليجي خاصة - يحب ذلك! الأمر الذي يحتاج إلى تدقيق!

ربما تكون المشكلة أعمق مما تبدو عليه, وتصل إلى مجمل نواحي حياتنا العربية الفكرية والذهنية, والتي تتم الشكوى منها على غير صعيد, ربما هو الاستسهال والبحث عن الربح السريع, لكن السؤال, هل يتحقق الربح فعلاً من هذه الأفلام الهابطة? وهل بإمكاننا عندها أن نحيل ذلك إلى إحباط الإنسان العربي المزمن الذي يجعله على استعداد لتقبل المواد الهابطة, التي تقدم إليه بسبب من ذلك الإحباط, بحسب الدراسة التي أجريت على مشاهدي التلفزيون في إنجلترا, والتي استنتجت أن الناس يشاهدون البرامج المنحدرة عندما يشعرون بالقلق والتوتر?

ما دور المرأة في هذا الميدان? وهل استطاعت تقديم أفلام مختلفة? هل يجدر بنا متابعة تشجيع المرأة وإقامة الندوات حول أفلامها وإنتاجها الإبداعي على حدة? أم نكف عن ذلك ونعتبر إنتاجها جزءًا من الإنتاج العام دون تخصيص?

أشار الطاهر شريعة, إلى أن (اللغة لغة ذكر, ولا يقتصر الأمر على لغتنا بل يتعداها إلى صفة شبه عالمية, كي نحافظ على الدقة العلمية. والتعبير الفني الذي لا يستخدم هذه اللغة هو (فن), أي أنه تعبير فني يتعدى التصنيف اللغوي المتحيز, الذي يحدد الجنس, وعند الجمع يتحيز ويصبح تعبيرًا عن الذكر/ المذكر وحده في الغالب. وهو يرى ألا مبرر للحديث عن رواية نسائية أو سينما نسائية سوى كثرتها, الكثرة هي التي جعلتنا نلتفت إليها, بينما كان من المفروغ منه غياب كل ما هو نسوي, وكان من باب تحصيل الحاصل أنها لا تعبر (عن نفسها) بأي شكل من الأشكال).

وأجد أن كثرة وتعدد الإنتاج النسائي بالقدر الكافي من الآن وصاعدًا وفي كل الميادين, سوف يجعل من قبولها والتعامل معها كمعطى بديهي وغير مثير للتساؤل أو الدرس, وهذا الأمر يأتي مع الوقت وربما يتم التوقف عن نعتها بالنسائية.

لكن هل يصبح التعبير الفني بكل أشكاله هو الحل لمشكلة اللغة المذكرة? هل نستنتج أن السينما فن, وهي بالتالي لغة أخرى ولا تحتاج إلى تصنيف مذكر - مؤنث?!

هذا ما يتردد منذ مدة في كل المنتديات التي تنسب لنفسها صفة التخصص في موضوع المرأة. هناك شبه رفض واستنكار للتحدث بعد الآن عن المرأة وأي موضوع آخر, الجميع يريد الآن التحدث عن الإبداع والتعامل معه بحسب نوعيته وجودته وما يقدمه إلينا بغض النظر عن جنس المبدع - المبدعة - لم تعد المرأة تريد أن تعامل بعطف أو بتساهل أو بتشجيع خاص لأنها امرأة وضعيفة وغير قادرة و.. و.. و..

حاول المخرج التونسي فريد بو غدير بعد أن تتبع بعض أفلام المخرجين التونسيين - دون المخرجات - في نظرتهم إلى المرأة. فوجد أن صورة المرأة في هذه الأفلام صورة إيجابية, مقارنة بالأفلام العربية التقليدية التي تصور المرأة إما ساقطة وإما قديسة, أي بصورة الأم في هذه الحالة. فوجد أن المرأة في هذه الأفلام قوية ومستقلة, وهي التي تتدبر شئون المنزل والحياة بمعنى ما, والرجل إما غائب أو عاطل عن العمل أو في وضعية هشة أو يغيّب بواسطة الموت. بينما المرأة تتمتع بحضور قوي وتتحكم عامة بالزوج وبالابن, وأشار بفخر إلى أن ذلك يعود ربما إلى لائحة الأحوال الشخصية, التي أقرت في تونس أواخر الخمسينيات, بدعم من الزعيم التونسي بورقيبة, وأعطت التونسيات حقوقًا أكثر مما يحتمله الرجل! مما أثار عاصفة من النقاش في القاعة - من قبل المشاركات خصوصًا - المهم أن عاصفة من النقاش اعترضت على اعتبار المرأة المُخصية للرجل - ابن - زوج...- كصاحبة صورة إيجابية?

ولم يتم الالتفات إلى جملة (أكثر مما يحتمل الرجل, والتي ربما تضعه هو موضع التساؤل)?

تمّ هنا نوع من الخلط, واعتبر الخط الفاصل لشخصية المرأة الإيجابية أو السلبية, هو مدى التزامها بمقاييس المحافظة على الشرف, بينما يمكن للمرأة أن تكون (شريفة) ومتسلطة ما يعني صورة سلبية بمقاييس التحليل النفسي مثلاً! ووجدت أن مداخلة بوغدير على قدر كبير من الذكاء, وعلى معرفة عميقة بالمجتمع التونسي, تجعله قادرًا في معظم الأحيان على الإمساك بأحشاء هذا المجتمع, والدليل على ذلك النقاش الحاد, الذي عرفته الجلسة, والاعتراضات من قبل النساء التونسيات على صورتهن, ورفضهن أن يكن (قويات) وبعيدات عن صورة المرأة الشرقية التقليدية. كان الأمر يتطلب من المخرج بعض الدقة في التعبير, والإفساح في المجال أمام التمايزات في الصور الإيجابية والسلبية للمرأة.

الملاحظة الأخرى التي تسنّى لي تكوينها من متابعتي لهذا المهرجان, غياب الدقة, أو لنقل الموضوعية في تقييم الأعمال المختلفة للمبدعين, ففي حين قد ينتقد البعض فيلمًا نجح عالميًا, وأثبت حضوره القوي بأنه حصل على شهرته بسبب إكزوتيكيته, ولأنه أعطى الغرب ما يريد فهل يكفي ذلك كي ينجح فيلم ما?! هناك الكثير من الأفلام التي تحاول إعطاء الغرب أكثر مما يريد, ولا تنجح مع ذلك?

لا أعتقد أن مشكلة الأفلام الهابطة تكمن في أنها تنتقد الغرب, أو في أنها تتوجه إلينا بمواضيع محلية, بل ربما تفشل لأنها تتخذ موقفًا وطنيًا يترجم (بعدم نشر غسيلنا أمام الأجانب)! المسألة هنا كما في حال البحث العلمي, الانطلاق من الخصوصية, هو ما يمكن أن يكون أكثر تأثيرًا من العموميات.

وقد لفت نظري في هذا المجال رأي للفنان عمر الشريف في أحد اللقاءات التي تمت معه (واستعماله هذا التعبير بالذات خلال تقييمه لتجربته في السينما العالمية, وهو وجد (أن نجاحه الفعلي محليًا, هو الذي يعني إمكان نجاحه عالميًا, أو أن النجاح محليًا قد يحل محل النجاح العالمي).

المحلي المبدع هو عالمي أيضًا, شعار ينطبق على البحث العلمي وعلى الإنتاج الأدبي, وعلى الأفلام السينمائية. التجربة الإنسانية لا تتجزأ, ومن يعرف أن يعبّر عنها, وأن يمس عبرها البعد, والعمق الإنسانيين في كائن بشري ما, سوف يمس غيره أيضًا, ولا دخل هنا للقومية أو للجنسية أو للثقافة.

وتفقد هنا المعايير القومية والوطنية, بالمعنى السطحي والمتسع والمتعصب, ذريعتها في الدفاع عن أفلام لا تتمتع بمستوى لائق بحجة أنها وطنية, أو أنها تمارس الرقابة الذاتية عبر اعتمادها على مفهوم الحرية النسبية, وعدم نشر غسيلنا المتسخ... إلى ماهنالك. ربما حان الوقت لأن نقبل أن فهمنا لأنفسنا ونقدنا للذات, هو الخطوة الأولى لإمكان تخطي أزماتنا المتراكمة, وأن نتنبه إلى أن أدواتنا النقدية للمجتمع والحضارة الحديثة أورثنا إياها هذا الغرب بالذات. الأثر الفني, سواء أكان فيلمًا أم غير ذلك لا يحتاج إلى وسيط فكري, وشارح كي ينجح, بل يفعل ذلك بشكل بديهي. ربما من الأفضل احترام الجمهور وتقدير ذكائه أكثر مما يفعله تقنيونا, ولن أقول مبدعينا, لأنهم ليسوا جميعهم كذلك. لكن ربما تجدر الإشارة إلى عدم وجود جمهور واحد موحد ومتجانس, وبالتالي على المخرج/المخرجة أن يعرف إلى مَن يتوجه? ويتعامل تجاه مَن يتوجه إليهم باحترام كاف, على صعيد الذوق والحساسية والذكاء.

النموذج اللبناني

من اللافت أن المرأة في العالم العربي, التي لاتزال تعاني التمييز والتهميش في الكثير من القطاعات والميادين, نجدها موجودة في السينما العربية منذ بداياتها, وفي وقت كانت لاتزال تناضل فيه كي تخلع الحجاب, ويسمح لها بالدخول إلى الجامعة. وهي لم تعمل في ميدان التمثيل فقط في السينما, بل في إنتاج الأفلام وإخراجها أيضًا, كما عملت في تأسيس شركات سينمائية بكثافة نسبية.

من الملاحظ أيضًا أن السينما بعد أن تركزت على أيدي الإخوة لوميير الفرنسيين في العام 1895, لم تستغرق وقتًا يذكر قبل أن تنتقل إلى الإسكندرية في مصر, افتتحت أولى صالاتها في العام 1896, وقدمت أول عروضها في 5 نوفمبر, وذلك بحسب ما يذكر الناقد السينمائي اللبناني عماد الحر في آخر مقالة له قبل وفاته حديثًا.

لابد من الإشارة هنا إلى أن مؤرخي السينما العربية يتجاهلون ذكر دور النساء الرائد في السينما المصرية, وآخر مثال على ذلك ما كتب في الحياة عن أوائل الأفلام, ويتم ذكر أفلام قصيرة تسجيلية, وعند ذكر أول فيلم عربي طويل وروائي وهو فيلم (ليلى), الذي أنتجته عزيزة أمير, وساهمت في إخراجه ومثلته, نجد أن الكاتب يذكر أن استيفان روستي هو الذي أخرجه. الأمر الذي تشير إليه عليا أراصغلي في كتابها (شاشات من الحياة), وهي تذكر أيضًا أن عزيزة أمير قامت بتأسيس أول استديو, وهو هليوبوليس في العام 1928, الذي لايزال موجودًا حتى الآن, وتم فيه إنجاز فيلم بنت النيل, ومثلته هي أيضًا, وأنتجته وأخرجته مع المخرجة وداد عرفي. وهذا الفيلم لايزال موجودًا حتى الآن.

من بين خمس شركات تأسست في حينها, أسست النساء أربعًا منها. من بين النساء المؤسسات لإحدى الشركات الممثلة المعروفة فاطمة رشدي, وأسست آسيا داغر شركة لوتس في العام 1929, وعملت أول فيلم مصري عرض في الخارج وهو فيلم (وخز الضمير).

ومسألة إغفال النساء غير متعلقة بالتأريخ فقط, إذ من اللافت أن جريدة السفير أجرت منذ بضعة أسابيع مقابلات مع سينمائيين لبنانيين حول موضوع السينما والثقافة, في مناسبة اختيار بيروت عاصمة ثقافية, ولم تفكر بالتوجه إلى أي سينمائية مع أن أعداد السينمائيات الشابّات يفوق أعداد السينمائيين الشبّان بنسبة كبيرة, كما سوف نلاحظ لاحقًا, لا أدري السبب في ذلك, لكنها العادة ربما! وهي آخذة بالتغيّر.

يمكن التساؤل هنا عن سبب بروز سيدات في بدايات عصر السينما المصرية, بينما كن مرفوضات في المجالات الأخرى, أليس السبب نظرتنا إلى السينما كعالم هامشي وترفيهي يتميز بالخفّة, وبالتالي لا يمكن أن ينظر إليه بالجدية الكافية, كي تتم منافسة النساء فيه وإقصائهن, وخاصة في البدايات حيث المغامرة والمخاطر أكبر بكثير من المكاسب?

ذلك لا يعني أن المرأة دخلت هذا العالم بمعزل عن الرجل ودون مساعدته, كل النساء الأوائل حصلن على المساعدة من رجال كانوا أيضًا في الطليعة, كما لفت نظري إلى ذلك السينمائي اللبناني محمد سويد, حين أشار إلى أن مَن ساعد آسيا داغر هو أحمد جلال, وأن ماري كويني هي ابنة أخت آسيا, لكن مَن من البشر ينجح دون مساعدة العديد من الرجال ومن النساء?

يظل السؤال قائمًا كيف تندفع بعض النساء في ميادين فيها هذه المغامرة كلها? لابد أنهن كن نساء مهمات جدًا, وتتخيلهن مي مصري كنساء عندهن الجرأة والتحدي, وهن لابد متمرّدات على مجتمعهن, واتخذن في حياتهن قرارات مهمة, خاصة عندما نعلم أنهن كن يتركن بلدهن في غالب الأحيان - يوجد بينهن الكثير من اللبنانيات اللواتي عملن في مصر - ومن المعروف أن تغيير البيئة التي تنتمي إليها يساعد على التحرر من القيود والتقاليد, ويقلل من أثر الرقابة ومفاعيلها. إنهن - على الأغلب - نساء عندهن الجرأة والقوة الكافيتين كي يتخذن قرارات مصيرية مهمة وجريئة في حياتهن.

من النادر وجود نساء في ميدان التصوير السينمائي, وإذا ما حصل ذلك, فهو قد يؤدي إلى الاحتكاك (بمعنى النزاع), خاصة عندما يتعلق الأمر بالكاميرا. قليلاً ما تسلم الكاميرا للمرأة لأنها تمثل السلطة. مَن يحمل الكاميرا يملك السلطة. يتضاءل الشخص أمام الكاميرا والعمل عليها يترتب عليه حمل مسئولية كبيرة. تقول مي مصري: (عندما صوّرت لأول مرة, كان عندي صديق مصوّر أحسست أنه انزعج كثيرًا من وقوفي خلف الكاميرا, قال لي إن في الأمر مسئولية, وأن الفيلم موجه إلى جمهور, وليس باستطاعتي أن أجري عليه التجارب, وأنني لست على قدر الحمل. شكل لي هذا تحديًا وحافزًا كي أثبت نفسي, وأحسست أن عليّ أن أتمكن من القيام بهذا العمل).

وتتابع: (مررت بتجربة مميزة في فيلم (زهرة القندول) - بالاشتراك مع جان شمعون - كنت أنا على الكاميرا. فيلمي الأخير (أطفال شاتيلا), أخرجته فقط, والمصوّر كان فؤاد سليمان. المصور يساعد المخرج, الصورة هي الأساس, يجب وجود علاقة جيدة بين المخرج والمصور. عندما يكون المخرج هو المصور يتم الوصول إلى النتيجة دون وسيط, كأنك تكتبين أنت بنفسك من دون وسيط, فلا مجال للخطأ, لكن الأمر أصعب إذ يجب عندها عمل كل شيء).

(التصوير صعب, وفيه سلطة وتنافس, يقولون (بدها عضلات), لكنني أرى أنه فن وعين أكثر مما هي عضلات. بعد ذلك, صوّرت كثيرًا وصاروا في الـBBC, يطلبونني كثيرًا للتصوير. صوّرت أفلامًا عدة, صرت أخرج وأصوّر من دون مساعدين في الحرب. لكنني وجدت شخصًا أستطيع أن أتفاهم معه, وهكذا أستطيع أن أتفرّغ للإخراج. من قبل كنت أنتج وأوزع وأترجم, لكنها أعمال مضنية, وتأخذ الكثير من الوقت ولا تترك لنا أخذ مسافة من العمل).

تزداد نسبة العاملات في السينما حاليًا, في المونتاج وفي المساعدة في الإخراج, أما عمل السكريبت, فتقوم به النساء تدريجيًا. عندما سألت عن وظيفة السكريبت بالتحديد, قيل إنها المحافظة على الاستمرار, ما يعني أن عليها المراقبة طوال الوقت, والعناية بأن كل شيء على حاله في المشهد الواحد, الذي قد يكون صوّر على مراحل عدة, والانتباه إلى التفاصيل, مثل تسريحة الشعر والملابس وما شابه, أي أن وظيفتها الملاحظة الدقيقة لسير العمل. أليست هذه إحدى مهامها كمديرة منزل, تهتم بأمر الجميع, وأن كل شيء على ما يرام?

تزداد أهمية العنصر النسائي الآن في السينما, ويعلن عنه أكثر فأكثر, وهن يتمتعن بدقة الملاحظة, لكن يتم استغلال النساء في السينما, ويتم تشغيلهن في الأمور الدقيقة التي تتطلب العمل المتعب.

يوافق المخرج محمد سويد على هذا الرأي, ويلاحظ أن المرأة كثيرًا ما تعمل في المونتاج, وفي ذلك انعكاس لنظرة الرجل التقليدية إلى المرأة, إذ هي تعكس دورها في البيت, وهو يذكر ما قاله له مسئول كبير عن السينما في مصر: (إن المرأة تصلح لعمل المونتاج, لأنه مثل عمل البيت). عند تجهيز أقسام الفيلم يكون عمل المونتاج نوعًا من الترتيب تمامًا كشغل البيت. ويوافق أن المرأة عمومًا موجودة في الكواليس, وهي غالبًا المساعدة: مساعدة مخرج أو ملاحظة سيناريو, أي أن ما يناط بها من أعمال, يتعلق بعمل الأشياء التي تشبه أعمال الطبخ أو الخياطة.

 

منى فياض

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




 





رشيدة





تحيا الجزائر





الساتان الأحمر





 





الطائرة الورقية





النظارة السوداء





صمت القصور