صورتنا في الغرب.. مسئوليتنا جميعًا

صورتنا في الغرب.. مسئوليتنا جميعًا

جذبتني كثيرًا مقالة رئيس التحرير د.سليمان العسكري المعنونة بـ (صورتنا في الغرب. مسئولية من?), المنشورة في العدد 554 يناير 2005, لما فيها من أفكار غنية, ولأهمية الموضوع الذي تناولته في هذه الفترة العصيبة التي تمرُّ بها أمتنا. وبما أنني عشت في الغرب, وبالتحديد في إسبانيا, حوالي ثمانية أعوام أثناء تحضيري للدكتوراه, وأزورها كل عام مرة على الأقل, أعتبر نفسي متفهمًا لتفكير وحياة وثقافة الشعب الغربي, لاسيما وأنني تعرفت على عدد لا بأس به من الأوربيين, ومازالت صداقتي مع بعضهم متينة حتى الآن. ولهذا, أود أن أشير إلى بعض النقاط التي قد تكون مفيدة في هذا الموضوع.

أولاً: إن صورتنا في عيون الغربيين, كانت منذ عقود أو أكثر غير جيدة, نتيجة النظرة الدونية المرسومة في مخيلتهم عنا كشعب بدوي, همجي, مغرم بالنساء, وقد ساءت هذه الصورة أكثر في بداية العقد الأخير من القرن العشرين عندما قام النظام العراقي السابق باحتلال دولة الكويت وما رافق ذلك من تشويه إعلامي كبير في صورة العرب والمسلمين. ومن كان يعيش في الغرب في تلك الفترة, لاحظ ذلك وتحمل الكثير من الأسئلة وسوء الفهم من زملائه في العمل وجيرانه في السكن. وقد ازدادت هذه الصورة تشويهًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية, وبعد أحداث الحادي عشر من مارس عام 2003 في مدريد, وقد تمكن المغرضون في الغرب بشكل خاص والإعلام الغربي بشكل عام, من استغلال هذه الأحداث بشكل منظم ومدروس ومدعوم من جهات مؤيدة للصهيونية, لإحداث هذا التشويه في صورتنا في بلادهم, وقد ساعدهم على ذلك, بعض الأخطاء المتعلقة بنا, كعرب ومسلمين, سواء كنا مقيمين في الوطن العربي أو في الدول الغربية, منها:

1 - قيام بعض العرب والمسلمين بإطلاق عبارات التأييد للعمليات الإرهابية ضد المدنيين في الدول الغربية عبر الفضائيات حيث أعطوا بذلك حججًا واقعية للغربيين عن كره العرب لهم, بالرغم من أن هذه العبارات صادرة عن أناس لا يمثلون الإسلام ولا يفهمونه.

2 - سوء تصرف بعض المهاجرين العرب والمسلمين الذين يعيشون في وضع مادي واجتماعي قاس في الغرب.

3 - فشل إعلامنا العربي الموجه إلى الغرب, وخاصة في السنوات الأخيرة,وعدم قدرته على تغطية الأحداث العالمية وعلى إيصال رأي العرب والمسلمين الرافض للأحداث الإرهابية التي جرت في بعض دول العالم إلى عامة الناس, ولا إلى المتعلمين منهم.

ثانيًا: هناك بعض النقاط المتعلقة بصورتنا في الغرب, وبربط الغربيين لبعض عمليات الإرهاب التي جرت في العالم بالإسلام, أرى من المفيد التركيز عليها عند التعامل مع الغربيين, أثناء نقاشنا, سواء عند الحوار مع أي شخص غربي أو عند البث عبر الفضائيات أو عند النشر في الصحف والمجلات والإنترنت:

فمنها أن بعض الجماعات العربية أو المسلمة تقوم بأعمال إرهابية في بعض الدول العربية كما تقوم بها في الغرب. وهذه الأعمال غير موجهة لأبناء الدين المسيحي, بل لكلّ من يعارض أفكارهم المتطرفة, المرفوضة من غالبية العرب والمسلمين من دون شك. وقد عانت دول عربية أعمالهم الإرهابية خلال سنوات طويلة, وتعاني بعض الدول في وقتنا الحالي هذه الأعمال.

كما أن هناك أفرادًا وتنظيمات وعصابات في المجتمع الغربي متعصبة, تقوم بأعمال إرهابية بحق المدنيين قد تماثل ما تقوم به الجماعات العربية أو المسلمة من أعمال مرفوضة, إضافة إلى أن الأعمال الإجرامية وغير الأخلاقية التي جرت بحق المدنيين العرب في معسكر سجن أبو غريب في العراق, تؤكد أيضًا وجود أفراد وجماعات من العالم الغربي متشددة وقادرة على الإساءة للعرب والمسلمين, كما يسيء بعض العرب للغربيين.

أيضاً فإن وصف الإعلام الغربي للإسلام بالإرهاب والعنف وعدم التسامح أمر غير مقبول, لأن علماء المسلمين وفقهائهم وعموم المسلمين يرفضون الإرهاب ويدعون للتسامح والتعايش مع الأديان الأخرى, حيث يعيش في الدول العربية والإسلامية كثير من الإخوة المسيحيين دون أي تميز, وعاش في قرون سابقة أشخاص كثيرون من ديانات سماوية أخرى في دول كان يحكمها الإسلام.

ثالثاً: إن ما طرحه رئيس التحرير لمواجهة الهجمة الإعلامية, التي يقف وراءها متعصبون غربيون, بيقظة, وضرورة القيام بحملات مضادة لمحو التشويه عبر نوافذ الإعلام العربي والغربي على السواء, أمر في غاية الأهمية, وخاصة إذا ساهمنا بهذه الحملات جميعًا. وأرى أهمية التركيز على النقاط التالية:

1 - تشجيع الإخوة العرب المسيحيين, وخاصة رجال الدين منهم, على أخذ دورهم في المجال الإعلامي من خلال علاقاتهم مع رجال الدين المسيحي الغربيين, حيث تكون أقوالهم وشهاداتهم أكثر وثوقية من قبل الغربيين.

2 - التركيز على أصحاب الشهادات العالية من العرب والمسلمين, الذين أبلوا بلاء حسنًا في اختصاصاتهم, وحققوا حضورًا مشرفًا في البلدان التي يقيمون فيها, وذلك بهدف القيام بوجباتهم الاجتماعية والإعلامية والوطنية المتعلقة بالعروبة والإسلام, لاسيما وأنهم يفهمون الغربيين فهمًا جيدًا ويعرفون التعامل معهم, وخاصة من خلال النوادي والجمعيات العربية الثقافية والاجتماعية, ومنها جمعيات الصداقة العربية - الغربية, من أجل التعريف بالثقافة العربية والديانة الإسلامية.

3 - تعزيز دور المستشرقين والمستعربين الموضوعيين والمحبين للحقيقة, والذين يعبرون في دراساتهم ومقالاتهم عما يرونه دون أي تأثيرات أو ضغوط من جهات مشكوك بها, وذلك بدعوتهم إلى بلداننا وزيادة أواصر الصداقة والتعامل معهم, وتقديم المعلومات والكتب العربية والأجنبية المتعلقة بنا لهم, وخاصة التي توضح صورتنا الحقيقية وحبنا للحياة وفهمنا للثقافات والأديان السماوية الأخرى.

خامسًا: إن للغربيين قلوبًا كبقية البشر, وإن اختلف تفكيرهم وطريقة حياتهم, فهم يتألمون لرؤية طفل يقتل, أو امرأة تهان, أو حرية تسلب, أو لحدوث أي عمل إنساني مهما كان سببه ومكانه, ويؤثر ذلك في انطباعاتهم ومواقفهم. وبما أنّ صورتنا في الغرب وصلت إلى وضع خطير لا يمكن تصحيحه بسهولة, لذا يجب على كلّ منا حسب موقعه وقدرته الفكرية أو الاجتماعية أو المادية القيام بما يستطيع, والتحلي بالصبر الكبير, وعدم اليأس من إمكانية زرع حقائقنا في رءوسهم بسرعة. ذلك لأن العملية قد تدوم سنوات أو أكثر إذا تعاملنا مع الحالة بواقعية. وإن لم نستطع تحقيق ذلك, فالصورة ستصبح أكثرتشويهًا, وسيؤدي الأمر إلى مزيد من الأضرار المادية والنفسية والاجتماعية لإخوتنا في الغرب, وإلى الكثير من الأضرار في علاقاتنا الدولية مع الغرب في مجالات الحياة كافة, خاصة وأن للإعلام الغربي استراتيجية ذات رؤية شمولية للتعامل مع الأحداث في ضوء التسارع الزمني والتقاني لثورة الاتصالات.

د. غازي حاتم - سورية

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات