البصرة خلجات عائد من المنفى

البصرة خلجات عائد من المنفى

البصرة مدينة لا تزرع الشوك ولا تزدهر بغير المودة, ولها في الجود باع وفي التواضع شأن, وهي بعد ذلك وقبله (جنة البستان). لذا, لا عجب أن (يتعلق بها - وبتعبير أحد أبنائها - الجميع, من سكنها, ومن درس فيها, أو مر بها, أو عمل فيها لفترة, أو نُفي إليها, أو انتقل إليها مرغمًا, أو تعامل مع تجارها, أو أكل من تمرها, أو صادق أحد أبنائها, أو تزوج من إحدى بناتها أو أحد أبنائها).

لقد أدمنتها حلمًا, ولم أكف عن اصطحابها معي عند كل منتأى. كنت أتملاها في مشربيات (الجمالية) وأشهدها في ترع (الوجه البحري) وأتلمسها في مفردات البيت الكويتي, وأتجولها في أزقة دمشق, وأتسلقها فوق أسقف المدن الشرقية, بل ألمحها في بعض ملامح لندن وفي انخفاض بيوت أثينا, وأقترب منها عند كل تنور إيراني, وأستنشقها عبر روائح بومباي, وأجري خلفها عند مشهد باصات الهنود الخشبية, وأجالسها في بساتين صُحار وأستمع إليها تحت وقع اللهجة العُمانية.

ولعل هذا ديدن كل المحبين, إن كانوا على سفر أو كانوا مقيمين, فـ (زقاق المدق) و(الثلاثية) و(صور من الماضي) و(بيروت مدينة العالم) و(سيرة مدينة) و(مسافر في شرايين الوطن) و(الخبز الحافي) و(منازل الخطوة الأولى.. الأمكنة والحنين) و(بقايا صور) و(إسكندرية ليه) وغير ذلك مما سجله عرب وأجانب في هذا الباب, ما هو إلاّ ترجمة لتلكم العلاقة الحميمة التي تربط الإنسان بالمكان.

لقد تجلت البصرة في (بصرياثا, صورة مدينة) لمحمد خضير و(مدورة الطيور) لأمير بهية ومسلسل (مناوي باشا) الذي قدمه التلفزيون و(إيقاعات بصرية) لكاظم الحجاج و(جنة البستان) لمهدي محمد علي, وفي غير ذلك من الأعمال التي وإن كان بعضها لم يستطع تجاوز ما رسمته السلطة التي احتكرت حق الحديث عن المكان العراقي, إلاّ أن بعضها التف على ذلك عبر الرمز والتهويم أو عبر ما ضمنه من دلالات مفتوحة, فيما امتلكت الأعمال التي استطاعت عبور السور أو التي أُنجزت بعد سقوطه كامل الحرية في السرد والتصوير.

البصرة.. تاريخ مفتوح

تاريخيًا أُسست البصرة على يد القائد عتبة بن غزوان سنة 14 للهجرة بأمر من الخليفة عمر, وتولاها عبدالله بن عباس في عهد أمير المؤمنين علي, ولم يكن اسمها إلاّ نسبة إلى نوع من أنواع الحجارة, ومن تسمياتها: (أم العراق) و(عين الدنيا) و(الفيحاء) ويلقبها بعض أهلها اليوم بـ (أم الفقراء).

وهي على الرغم من دوافع تأسيسها العسكرية ظلت تجارية تنتهي إليها طرق الهند والصين وإفريقيا والخليج, كما تقطعها السبل الصاعدة إلى الشام وأوربا والعابرة نحو بلاد ما وراء النهرين. وتاريخيًا مَثَّلت مع الكوفة مركز العراق حتى أُطق على الاثنتين (العراقين). وهي بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي وأهميتها التجاربة كانت في العلم (خزانة العرب) ومنارة من أعظم منارات المسلمين, ففيها وضع أبو الأسود الدؤلي أسس النحو, واكتشف الخليل بن أحمد بحور الشعر, وكتب عندها الحريري (مقاماته) والجاحظ (حيوانه) و(بيانه وتبيانه) فيما دوّن المبرد (كامله) وابن دريد (جمهرته). وفي البصرة برز الأصمعي وابن سيرين مفسر الأحلام وأبو وائلة القاضي صاحب علم الفراسة والذكاء, والشاعران الفرزدق وأبو نواس, كما لمع إمام اللغة سيبويه والماوردي صاحب (الأحكام السلطانية) وابن الهيثم عالم الرياضيات والبصريات واسحاق بن حنين الطبيب المشهور. وهي موطن الحسن البصري وأبي عمر بن العلاء أحد القراء السبعة, وفيها كتب إخوان الصفا رسائلهم, كما تبلور عندها الفكر الأباضي, وكان للمعتزلة والأشاعرة فيها مواقع ونشاط.

وإذا كانت البصرة قد اشتهرت بمدرستها النحوية فقد عُرفت بمدارسها الأدبية ومنتدياتها الثقافية ومناظراتها التي شهدتها أفنية الكثير من دورها وقصورها, فيما أسهمت سوق الورّاقين فيها بتقوية حركة التأليف حتى قيل إن المأمون قد نقل منها إلى بغداد حوالي 200 ألف مجلد. ومن الطبيعي في ظل مناخ كهذا أن تعرف المدينة المكتبات, لذا كان لها منها العديد, ولعل أشهرها دار الكتب للقاضي أبي الفرج التي أُنشئت في عهد عضد الدولة بن بويه, والمكتبة التي أوقفها الوزير أبو المنصور وغيرها.

كما أن أهم ما اشتهرت به البصرة على الصعيد الثقافي المربد ذلك الموقع الذي اجتمعت فيه صفتان, صفته كسوق كبيرة تتجمع فيها البضائع والمنتجات المختلفة النازلة عن طريق الميناء والصاعدة منه. وصفته كساحة يؤمها الشعراء من البادية والعراق واليمن والشام يعرضون تحت سمائها ما أبدعته قرائحهم من معان وأشعار.

والبصرة على صعيد الأحداث كانت مسرحًا لمعركة الجمل وحرب الجفرة عام 69 هـ وقتال الأشعث مع الحجاج ومعارك الزنج عام 257 هـ وثورة القرامطة عام 311 هـ. وإن كانت تلك الحروب وما صاحبها أو تلاها من اضطرابات وآفات ومآسٍ قد أدت إلى (خراب البصرة) فإن حروب النظام البعثي وجرائمه قد بزت سوابقها في عظم الخطب وشمول الخراب.

وأثريًا ما زالت البصرة تحتفظ ببعض مواقع معركة الجمل, وما زالت آثار جامعها الكبير قائمة, فضلاً عن احتضانها لقبور حليمة السعدية وولدها, وطلحة والزبير, وأنس بن مالك, والحسن البصري, وابن سيرين, ومالك بن دينار, وخطوة الخضر, ومقام الإمام علي الرضا, وجامع الكواز. ويُعتقد أنه عند ملتقى النهرين في (قرنتها) توجد شجرة آدم أو بقاياها وهي محط اهتمام الزوار.

كما أن هناك من المواقع الحديثة ما أضحى في عداد الآثار كقصر الشيخ خزعل أمير المحمرة ومقبرة الإنجليز التي ما زالت مسيجة ومزروعة وقد زارتها القوات البريطانية بعد احتلالها الثاني للمدينة في العام 2003م.

الماء والنخيل والمزاج الرائق الجميل

هناك من يُشبه البصرة بمدينة البندقية الإيطالية بالنظر لاحتوائها على شبكة واسعة من المياه تضم مئات الأنهر المتفرعة عن شط العرب اشتهر منها على ضفته الغربية نهر الأبلة (الخورة حاليًا) ونهر المعقل أبو الخصيب المنسوب إلى أبي الخصيب مرزوق مولى أبي جعفر المنصور والذي يحتمل أن يكون هو النهر المسمى الآن (أبو فلوس), ونهر القندل أو الجندل - كما يسميه السكان في كوت الزين - بالإضافة إلى أنهار أخرى تعرف حاليا بأسماء: العشار والخندق والرباط والسراجي وغيرها, فيما تعرف ضفة الشط الشرقية أنهار: جاسم وحسن والحوامد وقارون, وهذا الأخير يجري متوغلاً في عمق الأراضي الإيرانية.

وتشتهر البصرة بغابات نخيلها التي هي الأكبر في العالم قبل أن يزهق أرواح الملايين منها النظام البائد, وكانت تمنح أجود أنواع التمور التي يُستخلص منها الدبس والخل وتُحَّضر منها الحلوى, كما من أشجارها تُصنَّع السلال والكراسي والأسرة والحصران والمراوح والمكانس وأغطية الأواني وغير ذلك مما كان يلبي حاجة السوق ويُلفت انتباه السواح.

وفي قراءة للطبع البصري نُلفي أنفسنا ميالين إلى نظرية ابن خلدون التي تتحدث عن أثر الجغرافيا في المزاج, فعلى أرض البصرة يلتقي النهران العظيمان دجلة والفرات, ومنهما يتشكل شط العرب الذي يهب المدينة جزيرة السندباد تنداح بعدها - وعلى امتداد الضفتين - أكثف الغابات وأروع البساتين - وفي ظل مشهد كهذا يتزاوج الطبع بالطبيعة, فيظهر البصريون كأكثر الناس طيبة ووداعة وكرمًا, وكذلك حبًا للأنس الذي له كرنفالات (النيروز) ومرح الشواطئ و(أثل) الزبير وبساتين أبي الخصيب.

سكن البصرة العديد من الأعراق واحتضنت ربوعها الكثير من الملل والجماعات, فعلى الرغم من أن العرب هم الغالبية بين السكان فقد عاش فيها الفرس والكرد والهنود والباكستانيون والأفغان والبلوش والأرمن والزنج والكلد والآشوريون وبقايا من الترك والإنجليز والبرتغاليين, وكان الجميع يتحدث بلهجتها ويحمل الكثير من سجاياها.

وإذا كان المسلمون هم الأغلبية إلاّ أنك تجد إلى جوارهم الصابئة والمسيحيين, كما كان يعيش بين ظهرانيهم اليهود والهندوس والبوذيون, حتى يتجاور الجامع مع الكنيسة أو الكنيس. وفي الذاكرة يلوح اسم (الكردوالة) الذي كنا نطلقه على مكان لا يبعد عن بيوت طفولتنا إلاّ قليلا,ً وما عرفنا أنه معبد للهندوس إلاّ بعد أن كبرنا.

والبصرة تتعدد الجذور الجغرافية لعربها, فأنت قد تسمع بألقاب الأحسائي, والبحراني, والنجدي, والكطراني, والعُماني, وغيرها.

وإذا كان (فريدريك) الإنجليزي الذي قطن المعقل قريبًا من مقر عمله في (اللوندري) الكبير قد أضحى زوجًا لـ (خزنة) العربية المسلمة وحسن إسلامه وطاب له المقام إلى أن توفاه الله, فلم يكن ذلك إلا بفعل ما لقيه من السكان من تقبل واحتضان.

لقد عاش المتساكنون بمودة لم تكدرها كراهية أو مقاطعة أو صِدام. ولعل أهل المعقل يتذكرون واقعة النزاع الحاد الذي نشب بين قسيس كنيسة المعقل من جهة ورعيته من جهة أخرى والذي اضطره إلى الهرب منهم بحيث لم يجد من يلجأ إليه إلاّ إمام المسجد المعروف السيد عبدالحكيم الموسوي رحمه الله الذي استضافه في مسجده ومنزله أيامًا ثم تدخل شخصيًا لفض ما بينه وبين جماعته من نزاع.

لقد كان أكثر ما يميز البصرة طابعها المديني البعيد عن العصبيات, والذي يقدر التنوع ويأخذ مع الآخر جانب السماحة والاعتدال ولا يخضع لغير سلطة العقل والقانون, فضلاً عن الغنى الثقافي الذي يتجلى بمكتباتها العامة والتجارية والخاصة وبمسارحها ونواديها, وبمطابعها التي تأسست منذ وقت مبكر كالتايمس وحداد, وبصحفها كالثغر والخير والبصرة والجنوب والخليج, وبفضاءاتها العلمية والأدبية والفنية التي أطلقت عديدًا من الأسماء نذكر منهم: بدر شاكر السياب, غالب الناهي, محمود البريكان, سعدي يوسف, أحمد مطر, يوسف يعقوب حداد, حامد البازي, عباس شبر, غازي سعيد السعد, عز الدين سليم, محمد خضير, كاظم الحجاج, كاظم نعمة التميمي, محمد سعيد الصكار, والرسامين فيصل لعيبي, صلاح جياد, كاظم شمهود وغيرهم وغيرهم ممن غطت أنشطتهم مختلف الحقول والمجالات.

العالم يبتدئ من عتبة بيتي

بُنيت البصرة الحديثة على أنقاض مدينة الأبلة القديمة منذ أوائل القرن التاسع الهجري, إلاّ أن ما تبقى من عمرانها المعاصر أضحى قديمًا بصفته ينتمي إلى الحقبة العثمانية المتأخرة. وفي زمن مدحت باشا كانت البصرة واحدة من ثلاث ولايات قُسم إليها العراق, وظلت كذلك حتى دخول الإنجليز في العام 1914, وحين أُعلن النظام الملكي استقل الأمير الحجازي فيصل وحاشيته في الثاني عشر من يونيو من العام 1921م الباخرة البريطانية (نورث بروك) ليدخل البلد عن طريق البصرة بقبول من العراقيين. ومنذ البداية اهتمت الحكومة الجديدة بالميناء فبادرت وبمساعدة من الإنجليز إلى تحديثه, وبنت في مكان غير بعيد عنه مطار البصرة وفندق شط العرب وذلك في العام 1929م, إضافة إلى تشييدها - في المنطقة نفسها - مبني مديرية الموانئ الذي لا يزال شامخا بمشهده المهيب وقبته الزرقاء.

وإذا كان (العالم يبتدئ من عند عتبة بيتي) - كما يقول الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف - فإني أبدأ بهذه البقعة التي ولدت فيها والتي تقع ضمن المكان الذي أخذ اسمه من (معقل بن يسار المزني) الذي شق فيه النهر المسمى باسمه والذي لا يزال قائمًا يلتف حول مهاد الطفولة التي لم يبق من شواهدها غير جامعها العتيق ومقبرتها الصغيرة.

هذه المنطقة هي ربما أقدم مناطق العراق التي استقبلت مظاهر الحداثة, فقد بُنيت فيها - إضافة إلى ما ذكرناه ومنذ ذلك الوقت - منازل عصرية فسيحة جُمّلت بحدائق بديعة وأُحيطت بشوارع نظيفة وزُرعت بأشجار أضحت باسقة مع الأيام. وقد مُنحنا نحن سكان المكان ميزة التواصل مع العالم, فالتقينا مع البحارة والأجانب, وتبادلنا معهم الحوار منذ أن كنا صغارًا, وقد كانت مقاهي (نمرة 4) تستقبل فوق مقاعدها العديد من هؤلاء الذين اعتاد السكان تبادل الأحاديث والهدايا معهم, كما كانوا يبتاعون منهم ما يبيعون.

لقد تفتحت أحاسيسي على متعة اللون وجمال المقتنى عبر ما كان يشتريه والدي رحمه الله من هؤلاء سيما الهنود منهم, ولقد ألفنا الوجوه الأجنبية ولم نستشعر بأي استيحاش ازاءها, كما أن الكثير من أدوات العصر كانت تدخل البصرة عبر هذه الضاحية, فـ (traffic light) مثلاً نُصب في شوارع المعقل قبل أن يُنصب في أي مكان آخر. أما (اللوندري) الذي شُيد بطابقين وببناء حديث ليُقدم خدماته للموانئ والبحارة فقد كان بمقاييس ذلك الوقت شيئًا لافتًا, وقد كنا نمر من أمامه مدهوشين قبل أن نلج باب مدرستنا الابتدائية الملاصقة له. وغير بعيد عنه تفتحت أعيننا على سينما (bort clib) وشقيقتها الأخرى الصيفية, وكلتاهما كانتا تعرضان أحدث أفلام هوليوود, وكانت أسماء ممثلي تلك الحقبة من الخمسينيات نسمعها تتردد على ألسنة فتية ذلك الزمان, ناهيك عن السينما المجانية الجوالة ذات الطابع الإرشادي التي كانت تمثل أحد أهم روافد الثقافة الشعبية.

إن من ولد في البصرة, وشرب ماءها, وتشبع بهوائها, وأكل من ثمارها, وعام في ترعها وأنهارها, وأنس لأفيائها, وتوغل في أحشائها, لا يملك, - وهو في المغترب - إلا أن يحملها معه, ويتذكرها بروائح الطين والطلع والريحان والجوري والقرنفل والياسمين والرازقي والقداح وأوراق الآس والشمام وزهور شجرة (البرهام) وبكل ما كان يعبق به سوق العطارين من روائح سحرية.

كان لطعم النبق ما يُذّكرنا بها, كما كان يشوّقنا إليها فقداننا سمك (الصُبور) الذي كان يهبط من الخليج إلى أنهارها هدية ربانية يشبع في موسمه الفقراء.

لقد ذقت (السمبوسة) في غير البصرة لكني لم أذق مثل سمبوسة العم عباس و(الباصورك) و(الجقجق), تلك الكرزات المملحة لم أجدها في أي مكان آخر, مثلما لم أجد (البمبر) تلك الفاكهة الهندية التي استنبتها البصريون في منازلهم, ناهيك عن (الخرَّيط) المسحوق الأصفر المضغوط والمستخلص من قصب البردي والحلو المذاق والذي اختص بإعداده أهل الريف. أما البرحي فيظل أحلى ثمار الدنيا التي كنا نفتقدها والتي كان يحلو لبعض الأسر الاحتفاظ بها في غير موسمها مطبوخة ومجففة, فضلاً عن تعود البصريين على إعداد التمر المعسل المُطَّعم بالسمسم والزنجبيل والكزبر والحبة الحلوة, فيما تظل حلاوة (نهرخوز) سرًا لا يعرف تحضيره غير نفر محدود من السكان.

والبصرة صيفها صيف, لهذا فهي شهيرة بعصائرها المتنوعة من زبيب ورمان وتمر هندي وعرق سوس, فضلاً عن لبنها البلدي المثلج. وقبل شيوع الثلاجات الكهربائية كانت المبردات الفخارية المتنوعة هي السائدة, وهي تشكل إحدى المفردات الحميمة التي تسكن خفقات الشوق. أما (الدوندرمة) التي تُجمد بواسطة الثلج فقد تواصل انتشارها في البصرة, وكان لإعدادها خلطات سرية تتباين من منطقة إلى أخرى ومن بائع إلى آخر, وقد تتفوق في مذاقها على ما يُصنَّعه (ماكدونالدز) وغيره من محلات المرطبات العالمية.

ثم هل يُنسى نوم السطوح الذي كان ينمي لدينا الإحساس بعظمة الكون ويربي عندنا نزعة التأمل ويمنحنا - ونحن نجوب الآفاق وننتقل بين الغيم وفوق أكتاف القمر وعبر النجوم المتلألآت - مشاعر مفعمة بالرومانسية والخيال والتفكر بخالق السماوات.

وفي المعقل كنا نتابع الطائرات بأضوائها الملونة الباهرة وهي تقترب من سطوحنا قبل أن تهبط على أرض المطار القريب.

كما أن شتاء البصرة شتاء, فأمطاره حين تنهمر لا تكف عن التوقف أيامًا, وفي هذا الموسم نسهر الليالي مع (منقلات) الفحم والشاي المُخدر والبلوط المشوي, فيما تزدحم الصباحات والأماسي بباعة الشلغم والشوندر واللوبيا واللبلبي والباقلاء وخبز العروق وشوربة الماش وغيرها من المأكولات الدافئة. أما (النومي) الذي شاع في العراق وبلدان الشام تحت اسم (نومي بصرة) والذي يستخدم شرابًا ساخنا وشرابًا باردًا في رمضان ومغمسًا مع الطعام, فلم يكن إلاّ ليمونًا مجففًا عماني المنبت والتصدير ولم تكن البصرة غير مركز لتوزيعه.

والبصرة تتميز بطريقتها في إعداد الأطباق. كما تنفرد بطبق الرز المحمر بالسكر والمخلوط بالسمسم المحمص مع السمك المقلي, وبطبخ السمك المجفف (المسموط), علاوة على ولع أهلها بلحوم الطيور المهاجرة مثل (الحر) و(الخضيري) و(دجاج الماء) التي كانت تغادر سيبيريا وتحط في الهور القريب وذلك قبل أن يجففه الطاغوت.

وأمهاتنا اللواتي لم ينعمن بالشامبو, فقد عرفن (الطين خاوة) وصابون الرقي شامبوات ذلك الزمان, ناهيك عن حنة الفاو التي لا ينافس طيبها إلاّ طيبة أهلها, فيما تظل النخلة تلاحقنا على الدوام وهي التي كانت تقف خارج الأسوار وبين المنازل ووسط الأسواق وعلى ناصيات الشوارع, وكنا نتعامل معها بروح اشتراكية إذ ما كان يخطر ببالنا حين نقطف خيراتها أنها ملك لأحد, وكنا نؤرخ لثمرتها بدءا بطور (الطلع) ثم (البابوك) ثم (الجمري) فـ (الخلال الأصفر) فـ (الرطب) وأخيرًا التمر الجاف.

وفي الأردن عرفت بأن للبصرة كعكا باسمها, وما زال (كعك الأنصاري) صامدًا وقد حييت صاحبه عند زيارتي للمدينة على هذا الصمود.

والمقهى البصري واحد من المعالم المهمة, فهناك مقهى للتجار وآخر للعمال, وثالث للأدباء, وقد شهدت مقاهي محلة (الجمهورية) في الستينيات صراعًا شديدًا بين الشيوعيين والقوميين, فيما ظلت مقاهي العشار الوقورة متمسكة بتقاليدها التي تقضي بالجلوس دون السماح لألعاب تحتمل شبهة القمار كالنرد والكوتشينو والدمينو, وقد ظلت هذه المقاهي - على الرغم من عدم إغرائها - مزدحمة يغشاها المتقاعدون والوجهاء والمتعلمون. أما مقهى (سيد هاشم) الذي يتصدر محلة (السيمر) فقد أبقى على مهابته, وظل المدعو (صبري أفندي) يداوم على الجلوس فيه حتى أواخر الخمسينيات متابعًا - على ما يقوله الرواة - أغنية (صديقة الملاية) التي تخاطبه فيها شخصيًا والتي تقول كلماتها: (الأفندي.. الأفندي.. عيوني الأفندي... الله يخلّي صبري... صندوق أمين البصرة).

إن تضاريس المكان وهي تبرق بالتعاطف تحتفظ في أعطافها بعناصر التأثيث الإنساني الذي يرسخ خصوبة المدينة ويعبر عن مزيجها السحري ونكهتها الخاصة. لذا إن نسيت فلا أنسَ (حسن الأعمى الذي امتاز ببصيرته الحادة التي تجعله يتغلب علينا نحن المبصرين في كثير من الألعاب التي تحتاج إلى عيون مفتوحة. كما لا يخايل الذاكرة منظر (مهدي المخبل) ذلك الضائع المُضيَّع الذي لم تفارقه صفيحة التنك التي كان يزغرد على ضرباتها حتى آخر لحظة من حياته. ثم هل يمكن أن تبلى في خاطري أناقة مديرنا في ابتدائية المنصور (الأستاذ البير عبدالكريم, أو يتلاشى من وجداني حزم مديرنا في إبتدائية العزة (الأستاذ جاسم السعدي) الذي لم تشفع صداقته الحميمة لوالدي في إعفائي من أي عقاب مدرسي أستحقه.

وفي السياق نفسه تبقى رائحة نيران ليلة (الحجة) التي تُوقد لطبخ (الهريس) مشتعلة في الذاكرة, ويظل حيًا إغراء تلك القدور الضخمة التي تمتلئ بها ساحات العشار والخندق في فجر العاشر من محرم الحرام الذي يتحول صباحه إلى مطاعم مجانية يتوافد على قصعاتها الآكلون, فيما تستثير كلمة (الكركة) - كلما مرت على مسمعي أو قرأتها في كتاب - تلك الصورة التاريخية لأولئك الآسيويين المساكين الذين استخدمتهم الجيوش البريطانية حطبًا لمستعمراتها. ولا أنسى حكاية ذلك الكركي الذي قتل خطأ تلك العجوز السوداء بائعة (السويكة) في لحظة صدام مع الأهالي في العشار ليصيح لحظتها الصائحون: كركي قتل (زغفران) يهل السويكة عزلوا.

أما حين يتناهى إلى مسمعي نوح حمام (الفاخت) آتيًا من بعيد, أَطير لحظتها إلى حيث اعتدت سماعه وهو يسكن أشجار طفولتي المعقلية.

بيوت الشناشيل

أحيانًا أُقلب بعض الصور ولا أُصدق أن (ساعة سورين) التي أخذت اسمها من ذلك المصور الأرمني القابع تحتها و(فندق الميناء) ذا الطراز الإسلامي البديع, وبيوت الشناشيل الجميلة, وغيرها من الأبنية الأثرية التي كان أطلسنا المدرسي يزدان بها كمشهد يُطل على نهر العشار ويلخص هوية المدينة, قد يأتي من يتجرأ على هدمها مرة واحدة وبجرة قلم, كما فعل - في غيبة الناس - أحد الحمقى من أصحاب القرار!

إن من أَلف العيش في البصرة لا يكف عن تذكرّها أَيا كانت جنسيته أو أصوله أو حدود صلته بها, ولا شك أن لكلٍ بواعثه ومثيراته.

لقد اعتدت مع من استمر تواصلي معهم من المهاجرين والمغتربين من أبنائنا على تبادل ذكريات المدينة, فحين كنت أُقيم في (أدرار) بجنوب الجزائر في نهاية الثمانينيات لجأت إلى طريقة مبتكرة حيث اشتريت (عذقًا) من التمر وعبأته طازجًا وبهيئته الكاملة في صندوق من المقوى وغلفته بورق الحائط الملون وأرسلته بالبريد إلى مدريد هدية إلى صديقي الفنان كاظم مشهود, وحين وصلته الهدية وفتح المغلف كتب لي شاهقًا: يا إلهي... إنها البصرة!.

نحن حين نولع بمدننا لا نؤسس ذلك على وهم (اليوتوبيا) المتخيلة, أو المدينة الفاضلة, فحتى النبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم ظل قلبه مشغولاً بمكة وجبالها على الرغم من كونها كانت مركز الضلال, وما كان ليخرج منها لولا أن أهلها أخرجوه. لذا, فالبصرة وهي مدينة كبيرة كان فيها ما نحب وما لا نحب, ومن الطبيعي أن تتعدد مشارب العشاق وتتنوع أهواؤهم فيها. فإذا كان هناك من يتذكرها عبر ملاهيها وخماراتها الصيفية والشتوية فيتحسر على ليالي (الفارابي) و(النصر) و(الأندلس), أو يكتب بشغف عن جلسات بار (الوردة البيضاء) و(ماتيلدا) و(حانة ماري), أو لا يتردد حتى عن استحضار مبغى شارع بشار أو حي الطرب, وما يتصل بهما من أسماء ورموز, فإن ثمة قلوبا وأخيلة أخرى تحتشد بأسماء ووقائع ومآثر يؤسسها المعنى وتسجل يومياتها أنشطة النضال والتغيير.

إن ثمة أمرًا يتصل بما أشير إليه ولعلي ما زلت أبحث له عن تفسير وهو, كيف أمكن للسكان التعايش مع ظاهرة المبغى حتى في مفرداتها الاستفزازية كتجاور بيوت بائعات الهوى مع بيوت الأسر المصونة للدرجة التي تضطر معها البيوت الأخيرة إلى تعليق لافتة تقول: (بيت شريف) تمييزًا لها عن البيوت الأولى?!! ثم كيف كان يتم ذلك في منطقة يحيطها مسجد ومنزل لعالمين دينيين كبيرين هما القزويني وعبدالله الموسوي من جهة, وقصر آل باشيعان ومكتبتهم التراثية العريقة من جهة أخرى, ثم مركز جماعة الإخوان المسلمين ومكتبتهم من جهة ثالثة?!!.

تلك كانت من عجائب البصرة التي لا أحسب أن مزاجها في صيرورته الحالية يسمح بتكرار مثلها بعد الآن.

البصرة.. جامعة

في العام 1964م تأسست جامعة البصرة وكنت أحد طلاب دفعتها الأولى, وإني لأتذكر وقد عشتها بؤرة للعديد من البدايات: فرح التأسيس, إطلالة الشاعرة نازك الملائكة, أستاذة تشرق في الأروقة وتتوجه في محاضراتها الاجتماعية نحو المدينة, سلسلة المقالات الظريفة للبصري العائد الدكتور محمود محمد الحبيب, انتشار موضة (الميني جوب) المثيرة, سخونة ما تركته هزيمة الخامس من يونيو من انفعالات جعلتنا نصطدم في مظاهرات عنيفة مع الشرطة, ونندفع نحو مهاجمة قنصليات الدول الكبرى, ثم انبهارنا بملابس الصاعقة المرقطة وحفاوتنا بالفدائية الفلسطينية المشهورة ليلى خالد وهي تزورنا داخل القاعات في بهرجة ثورية لا تخفى, كذلك ظهور الحركة الإسلامية على استحياء, غراميات طلبة الجامعة من غير أبناء البصرة وصخبهم غير المألوف.

إن الذكريات لتبلغ أقساها لحظة استحضار ذلك المشهد المروع لجثة (الحاج جيتا) وهي معلقة - بعد الإعدام - على أحد أعمدة ساحة (أم البروم) التي تحولت ساعتها إلى موقع دُشن فيه التأسيس الأول لـ (جمهورية الخوف). ولا أدري كيف سكت الناس على إزهاق روح ذلك الرجل الباكستاني النبيل الذي لم يكن غير تاجر عاش عمره في المدينة يخدمها ويشيد فيها المساجد والأسبلة ويمد يد العون إلى أراملها ويعضد جمعيات الخير فيها. كما لا أدري كيف هضم العراقيون والعالم تهمة التجسس السخيفة والخبيثة التي ألصقتها به أجهزة النظام الفاشي في تلك الأيام السود من عام 1970م والتي لم نسمع أو نقرأ أو نرى من أدلتها شيئا!.

ثم أليس من سخريات هذا العالم ومفارقاته أن يحرم (جيتا) البرئ من حقه في طلب مترجم يترجم دفاعه - لضعف عربيته - أمام تلك المحكمة الهزلية التي شكلها الآثمون, فيما يقف كبيرهم صانع الموت والدمار يطالب بالحقوق والضمانات, ويوصي - وهو في محبسه - على فاكهته المفضلة وسيجاره الكوبي, فيما يعاضده خارج القضبان جيش من المحامين?!.

أين السياب من ساحته الأثيرة (أم البروم) وهي تشهد تلكم المأساة?

العودة بين المحو والإثبات

الماكثون قد لا يشعرون كثيرا بما تفعله بمدائنهم عجلات الأيام, بخلاف الظاعنين الذين عادوا بعد طول غياب.

إن أكثر ما صدمني هو ذلك المحو والتآكل الذي أصاب خرائط المعاني والأشياء. (أتحسس آثار خطواتي القديمة في المعقل والجمهورية والعشار وعلى ضفاف شط العرب, وفي المواقع التي كانت بالأمس حدائق وأعنابًا, وأتساءل بكل أسى: أين نهر المعقل الذي كان من السعة ما يجعلنا نترامى مع أولاد طرفه الاخر? كيف ضاق إلى هذا الحد بحيث لم يعد شيئا مذكورا? وأين سوق الجمهورية المضيء, وأين نهرها الذي طالما لهونا عومًا على ضفافه وفي أعماقه والذي كان وردًا للصابئة المندائية وموقعًا من مواقع أداء طقوسهم النهرية? كيف بات مطمورا في أكثر أجزائه وبهذا الشكل التعيس?!. ماذا جرى لتلك الشوارع والبيوت النظيفة?! ماذا دهى (سوق المغايز) الذي كان يرفل بالرفاهة والأناقة ليتحول اليوم إلى مثل هذه الفوضى الشعبية?!. أين محلات البهار الهندي الفاخر التي كان يبتدئ بها السوق ويقصدها العراقيون من كل حدب وصوب?. كيف تحولت إلى دكاكين للأحذية والملبوسات المستعملة?

كيف تم إحلال النهابين والمهربين لتتراجع شركات بين أصفر والحاج جيتا وحنا الشيخ وبيت لينج لتفسد هكذا حياة المدينة الاقتصادية برًا وبحرًا.

بلى.. هذه ثانويتي العزيزة العشار - ما فتئت عالية بشموخ, وذاك مبنى الموانئ لا يزال واقفا بكل ما عرف به من طلعة بهية, ولكن أين وأين وأين.. أين عمارة النقيب? أهي هذه البناية المتآكلة المتسخة وهي بالأمس إحدى أبرز معالم المدينة? ثم أين مكتبة (الجميع)? وأين مكتبة شعبان? أين باعة الصحف المحترمون? أين وأين وأين?!.

حتى مطعم (أبو ستار) الشهير فقد أكلاته الشهية التي كانت مشبعة بأنفاس صاحبها الذي غادر إلى مكان آخر مخلفا وراءه صور ابنه البكر الذي أعدمته السلطات.

مع ابن خالتي محمد حسين ناصر - وهو رفيق طفولة - عرجت على بيتهم القديم في منطقة (المسفن) التي تمثل بالنسبة لي أحد ملاعب الطفولة. كانت مجموعة منازل بنتها الموانئ في منتصف القرن الماضي وهي بمقياس ذلك الزمان وبمنظور أهل (الجبيلة) - المنطقة المجاورة - قصورا وبمنظوري بقعة خلابة يحتضنها أحد أفرع الشط الكبير على نحو يجعل منها شبه جزيرة صغيرة تحيط بها المياه والأحراش وأشجار النخيل.. لم أجدها الآن غير مكان يابس عابس ما عاد يسبح بذلك السحر الذي عرفتها فيه!.

كنت أتسول البقية الباقية قسمات هذا المبنى وتلك المدرسة وذلك المسجد وهذا السوق وهذه المحطة..

كنت أشعر بالتياع وضياع وأنا أبحث - دون جدوى - عن الوجوه التي عرفتها أو ألفتها ضمن تشكيلات المكان, لم أكن أجد غير النادر الذي ألمحه - دون أن يشخصني - وهو يدب متهالكا وقد طوحت به السنون وأربكته زحمة الأجيال.

إني وأنا ابن المدينة التي جالها شارعا شارعًا وزقاقا زقاقا وسوقا سوقا كنت أستدل في تجوالي بآخرين, وبصعوبة كنت أميز بين الشواهد والآثار.

كنت أقلب رماد الأشياء وأنا أبحث عن بقايا الأمس في هذا الطلل وذاك, أتندى بروائح متوهمة من الأصبوحات الجميلة التي ما فتئت مخزونة في تجاويف الذاكرة, أتلمس فتافيت عمر خلي البال قد خلا. كنت أحاول لملمة بعض القطع المكسورة أو المهشمة وأجمع بعض النثار العزيز محاولا إعادة تشكيل الصور, فيما أتحسس بأسى يائس رطوبة المقاعد التي تشاطرت فيها السمر مع أحبة وخلان غادرونا إلى الأبد بفعل القتل أو القهر أو الحرب أو باعدت بيننا وبينهم الأيام.

لقد كانت الأقدام تردد في خطوها فوق الشوارع وبين الحارات والأزقة التي عرفناها, ولعل ذروة الإحباط أن أجد أبواب المنازل التي بنيناها بأيدينا وسكناها بأرواحنا وجوارحنا مقفلة في وجوهنا تستوحش منا التسمر الفضولي ولا تدرك مغزى أن تفيض مآقينا - ونحن عندها - بالدموع.

لقد غطت الأوحال المكان وتعالى سلطان الغرائز حتى بدت الشواهد المتبقية كدمى فاقدة الإحساس.

كانت الشفافية علامة فارقة في حياة المدينة للزمان القاهر قوانينه. إن التحول المروع الذي أصاب الأمكنة والمعاني قد جعل من الترميم في ظل تبدد الملامح والجريان الحاد لمجرى التحولات عملية يائسة, الأمر الذي أفقد أحلامنا المغتربة أجنحتها وأجهض في النهاية كثيرًا من التمنيات ومتع اللقاء.

أي غربة ألا يجد المرء أماكنه الأولى وأشياءه الأولى وأفكاره الأولى وأشواقه الأولى, وأصحابه الأوُلَ, وحياته الأولى, وإن وجد شيئا من ذلك فلا يجد غير الحطام!

إذا لم يكن بحسبان شاعر ككاظم الحجاج أن يرى الشيخوخة تشمل مهرج البصرة وحامل شعلة أفراحها (تومان) فيكتب قصيدته المندهشة (تومان في السبعين) فأي قصيدة (إليوتية) عليّ أن أكتبها أمام هذا الخراب?!

حقا إن هذا الاندراس والتغير والتلاشي الذي شمل الأماكن والمباني والوجوه والشوارع والمعاني حري أن يقربنا من تلكم التجربة الفريدة التي عاشها أهل الكهف, وأن يجعلنا مدركين ذلك العمق الذي تختزنه الآية الكريمة وتلك الأيام نداولها بين الناس وواعين تلك الحقيقة الخالدة كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام .

أيتها المدينة التي ظللت بلطفك سكك العشاق, واحتضنت بوافر حنانكِ أجساد المتعبين, وكنت للفقراء وأبناء السبيل خيمة وملاذا, ساءلتكِ الله هلاّ حدثتني عن رفاقٍ بالأمس كانوا هنا: علي ناصر, مجيد حميد الثامر, قاسم عبود, قاسم السهلاني, صادق العيداني, سالم المياح, الشيخ طارق الديري, سجاد عثمان, الحاج طاهر, أبو منير, شلش, مطلق حنون, حامد الخصيبي, وغيرهم ممن رحلوا صرعى بأيدي الجلادين!

الجلادون?!. لك الله كم تحملتِ وكم عانيتِ وكم من الشهداء والضحايا قدمت... لقد لوثتك مقراتهم الحزبية وأبنية أجهزتهم القمعية التي لا أراها الساعة إلاّ خرائب تعشعش فيها العناكب وتبول فوق بقاياها الكلاب فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون .

 

علي القريشي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




الكاتب في قسنطينة بالجزائر عام 1988 أيام المنفى بعيدًا عن الوطن





شط العرب.. أنهار صغيرة آخذة في التفرع لتكون مصبا رائعا.. هذا المشهد الذي سجلته عدسة العربي عام 1958 لم يعد موجودا فقد جفف هذه الانهار جبروت النظام العراقي السابق





جامع البصرة الكبير .. كانت هذه المدينة دائما واحدة من أكثر منارات الاسلام سطوعا





ياطالع النخلة .. أين هي المليون نخلة التي كانت تحتفي بها سماء البصرة?





ياطالع النخلة .. أين هي المليون نخلة التي كانت تحتفي بها سماء البصرة?





تمور العراق .. ذهب مراق .. عسل غلبه المرارة .. لعله يعود حلوًا كطعم الأيام الخوالي





تمور العراق .. ذهب مراق .. عسل غلبه المرارة .. لعله يعود حلوًا كطعم الأيام الخوالي





لك الله يابصرة .. كم تحملت وعانيت وكم من الضحايا قدمت





لك الله يابصرة .. كم تحملت وعانيت وكم من الضحايا قدمت